إن الله لا يقمع التفكير

0
إن الله لا يقمع التفكير ، بل يحث على سلامة التقدير ..   قال الله تعالى:  إنه فكر وقدر, فقتل كيف قدر, ثم قتل كيف قدر                     المدثر 18 * 19 * 20  ذاك أن التفكير مجال واسع و غير محدود ؛ لأنه نعمة من الله لا يكفيها شكر ، لكنه بذلك بحر متلاطم الأمواج ، يحتاج ميزان تقدير دقيقا وسليما ،لتخلص الأفكار عبره إلى نتائج سليمة ، ليتمخض عن ماكنة التفكير هذه :  حق لا باطل  خير لا شر  والخلل الذي يحيل الخير شرا والحق باطلا ، هو خلل في كيفية التقدير .. وذاك هو القياس الجائر بوصف الحسن البصري وابن سيرين ...  لأجل ذلك ،كان الشيطان ضحية لتقديرات تفكيره الخاطئة .  هنا مفصل أساسي في مشكلة الشيطان ؛ لأن خطيئة الشيطان تتجاوز حدود الذنب ، لتسقط في قاع الكفر ..  هناك شيء ما في داخل الشيطان ... طفرة فكر أو خاطر ، غيرت نظرته لخالقه سبحانه وتعالى ، غيرت مفهومه عن الإله ، طفرة في تركيبة نفسه جعلته يتعدى في طموحاته كل المراتب، ويعتقد أن ثمة أسبابا لو امتلكها يوما ،لاستطاع بها أن يصير إله ، ولعل من تلك الأسباب عنده الخلد والملك ..

كتبت يوما ما من أيام عام 2011 م

إن الله لا يقمع التفكير ، بل يحث على سلامة التقدير .. 

قال الله تعالى: 
إنه فكر وقدر, فقتل كيف قدر, ثم قتل كيف قدر                     المدثر 18 * 19 * 20 
ذاك أن التفكير مجال واسع و غير محدود ؛ لأنه نعمة من الله لا يكفيها شكر ، لكنه بذلك بحر متلاطم الأمواج ، يحتاج ميزان تقدير دقيقا وسليما ،لتخلص الأفكار عبره إلى نتائج سليمة ، ليتمخض عن ماكنة التفكير هذه : 
حق لا باطل 
خير لا شر 
والخلل الذي يحيل الخير شرا والحق باطلا ، هو خلل في كيفية التقدير .. وذاك هو القياس الجائر بوصف الحسن البصري وابن سيرين ... 
لأجل ذلك ،كان الشيطان ضحية لتقديرات تفكيره الخاطئة . 
هنا مفصل أساسي في مشكلة الشيطان ؛ لأن خطيئة الشيطان تتجاوز حدود الذنب ، لتسقط في قاع الكفر .. 
هناك شيء ما في داخل الشيطان ... طفرة فكر أو خاطر ، غيرت نظرته لخالقه سبحانه وتعالى ، غيرت مفهومه عن الإله ، طفرة في تركيبة نفسه جعلته يتعدى في طموحاته كل المراتب، ويعتقد أن ثمة أسبابا لو امتلكها يوما ،لاستطاع بها أن يصير إله ، ولعل من تلك الأسباب عنده الخلد والملك .. 
الشيطان الذي رأى حقيقة ملكوت الله ،وعظمته ومقدرته ... كيف يختار أن يعادي الإله العظيم في ملكه ؟؟؟ ... كيف يختار لنفسه هذا المصير ؟؟.. 
كيف سمح لنفسه بهذا الجور ..؟ وكيف سمح الله العظيم بهذا الشر ..؟ 
يجيبك (ابن عنابة) القديس أوغستين ، بأن الله تعالى رأى بحكمته أن الأفضل إخراج الخير من الشر، على عدم السماح للشر أصلا بالوجود ... 
لأن الله سبحانه يخلق ، لكنه لا يكره خلقه على حبه .. كما كان يقول بول أفدوكيموف ، فلا حب مع إكراه ، والحب ثمرة الحرية ،
 لأن : 
في الحرية حب وكره 
في الحرية طاعة ومعصية 
وفي الحرية توبة وكفر 
أقول: وجوهر الفصل بين معصية الإنسان ومعصية الشيطان ، أن في الإنسان حب لله أعاده إليه بالتوبة ، وفي الشيطان كره له تعالى أبعده عنه بالكفر . 
إن مجال الحرية في الحياة شديد الأهمية ؛ لأن الله العظيم سبحانه هو الذي سمح به ، الله هو من سمح للشيطان المتمرد بالحياة وأعطاه كامل الفرصة لتحقيق أفكاره ، بل واستجاب لمطالبه .. 
لأنه ملك عظيم قوي لا يضره شيء ، خلق خلقه وأعطاهم الحرية ، فإذا ما أراد الشيطان أن يسلب خلقه حريتهم ، ألزمه حده وصانها لهم .. 
قال الله تعالى للشيطان : 
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان                              الحجر 42 – الإسراء 65

شعائر أم مشاعر ؟

0
في ليلة من ليالي الزمن الغابر، في برية الأردن، جلس الحواريون من حول المسيح عليه السلام وهو يعلمهم معنى الإيمان، ويزكي قلوبهم حتى فاضت أعينهم من الدمع وخشعت أرواحهم فتاقت أنفسهم إلى الصلاة...  عندها بادر يوحنا بالقول: يا معلم ، فلنغتسل كما أمر الله على لسان موسى ...  فأجابه السيد المسيح قائلا: لا تظنوا أني قد أتيت لأبطل الشريعة وكلام الأنبياء من قبلي، لعمر الله إنما بعثت لأحفظها... والذي تقف نفسي بحضرته ، لن يرضى الله عمن يخالف وصية من وصاياه ... لكني أحب ان تفقهوا جيدا كلام الله على لسان النبي أشعيا حين قال(اغتسلوا وكونوا طاهرين ، أبعدوا أفكاركم عن عيني)  الحق أقول لكم، إن ماء البحر كله لن يغسل من كان قلبه يحب الآثام...1  للشعائر والمناسك مقصد في قلب الانسان إن بلغته فقد حققت ما فرضت من أجله ، فقلب الإنسان وضميره الخفي هو ما جاءت من أجله الرسالات وبعث في سبيله الأنبياء ، ذلك السر الباطن الذي لا يطلع عليه إلا اثنان ، العبد وربه ، ومن ثمة فلا رقيب عليه سواهما ...  ربما... من أثر العادة والاعتياد قد يظن العبد أن مبتغى الرب منه أن يتعب جسده الضعيف في طقوس غامضة لا يفهم كنهها، أو أن يقرب إليه قربانا يقتطعه من ماله وعرق جبينه ، كل ذلك لأن الرب يرجوا شقاءه في هذه الدنيا وأن شقاء الدنيا ونكدها لازم إن رغب العبد في نعيم الآخرة ..

كتبت يوما ما من أيام عام 2012م

شعائر أم مشاعر ؟.. 

في ليلة من ليالي الزمن الغابر، في برية الأردن، جلس الحواريون من حول المسيح عليه السلام وهو يعلمهم معنى الإيمان، ويزكي قلوبهم حتى فاضت أعينهم من الدمع وخشعت أرواحهم فتاقت أنفسهم إلى الصلاة... 
عندها بادر يوحنا بالقول: يا معلم ، فلنغتسل كما أمر الله على لسان موسى ... 
فأجابه السيد المسيح قائلا: لا تظنوا أني قد أتيت لأبطل الشريعة وكلام الأنبياء من قبلي، لعمر الله إنما بعثت لأحفظها... والذي تقف نفسي بحضرته ، لن يرضى الله عمن يخالف وصية من وصاياه ... لكني أحب ان تفقهوا جيدا كلام الله على لسان النبي أشعيا حين قال(اغتسلوا وكونوا طاهرين ، أبعدوا أفكاركم عن عيني) 
الحق أقول لكم، إن ماء البحر كله لن يغسل من كان قلبه يحب الآثام...1 
للشعائر والمناسك مقصد في قلب الانسان إن بلغته فقد حققت ما فرضت من أجله ، فقلب الإنسان وضميره الخفي هو ما جاءت من أجله الرسالات وبعث في سبيله الأنبياء ، ذلك السر الباطن الذي لا يطلع عليه إلا اثنان ، العبد وربه ، ومن ثمة فلا رقيب عليه سواهما ... 
ربما... من أثر العادة والاعتياد قد يظن العبد أن مبتغى الرب منه أن يتعب جسده الضعيف في طقوس غامضة لا يفهم كنهها، أو أن يقرب إليه قربانا يقتطعه من ماله وعرق جبينه ، كل ذلك لأن الرب يرجوا شقاءه في هذه الدنيا وأن شقاء الدنيا ونكدها لازم إن رغب العبد في نعيم الآخرة ... 
ثم إن صنفا آخر من الناس ، ممن كان منهم في درك الشيئية البحثة ، ليظن أن لله نصيبا مما ينفق في سبيله أو أن الله في حاجة إلى جهد عضلاته ، تعالى الله سبحانه عما يظنون علوا كبيرا 
كلا ، وألف كلا ... فلن ينال الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم 
إن مقصد الإنفاق هو الإيثار في النفس وتزكية ما بها عن النهم والطمع والتمسك بالأشياء 
ومقصد الجهد والمجاهدة تمحيص القلب من كل عوالق الأنا التي تشده إلى الأرض شدا 
فالشعائر بذلك رياضة تنطلق بفعلها من أعماق القلب تطهره من كل ما يشوه إنسانيته و يخون حبه المقدس لخالقه، لأن محور هذه التعاليم كلها هو امتحان مقدار هذا الحب وصدقه، فمن لم تتحقق لديه هذه الغاية في شعائر عبادته فقدت الشعائر معناها عنده بل وتفقد قيمتها حتى: 
" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له "2 محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 
" رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، "3 محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 
------------------------------------------------
1 : إنجيل برنابا الفصل الثامن والثلاثون (بتصرف) 
2 : رواه ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين (تفسير ابن كثير) 
3 : (أخرجه ابن ماجة : برقم 1690، و أحمد في المسند 2/373، 441).

باسكال في كاليفورنيا -9- الرجل المستنير

0
الرجل المستنير  كان بيلي جائعا ، فأكل مما اعطاه الأب وأبقى منه شيئا تقدم به نحوه وقدمه إليه قائلا : أبتي .. لم تأكل شيئا منذ الصباح .. (فأشار إليه الأب بيده ، أنه لا يريد أكلا) ففهم بيلي أنه صائم ، ... ثم تذكر بيلي دواءه فذهب يتفقد حقيبته ، وبعدما تناول دواءه عاد إلى مكانه ولزمه يراقب الأب توماس وهو يتقلب بين التلاوة والصلاة في خشوع حتى أشفق لحاله ... ثم غلبه النعاس فنام  ثم دخل غابة الأحلام .. وإذا هو بسهل أخضر فسيح ونسيم عليل يتخلله ، ثم ها هو ذا الرجل المستنير ينضم إلى حلقة من الناس تجلس فيه مجتمعة تنصت إلى رجل قد توسطهم جالسا على كرسي منير ... من شدة نوره لم يتمكن من تبين ملا محه ... ثم أفاق وإذا بالصباح قد أطل ، وقد تغلف برداء سميك غطّاه به الأب وهو يغط في نومه ، أما الأب فلم يكن في القاعة ... لقد خرج ليحضر الماء ... ولما عاد شرع يطهو شيئا من القهوة لبيلي ... لكنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يكتفي بالإشارة إلى بيلي إذا أراد شيئا ما .. واستمر في صومه وتلاوته وصلاته ، واستمر بيلي يراقبه ... حتى انقضى اليوم الثاني كسابقه .. وخشي بيلي أن ينقضي الأسبوع كله هكذا .. وفي اليوم التالي أخذ يعمد بيلي إلى تحضير الطعام بمفرده ، وأخذ يحاول أن يسعى في بعض حاجيات الأب من غير أن يطلب منه ذلك .. وأصبح يتعود على سكينة الدير شيئا فشيئا .. أحس أن ضوضاء المدينة وصخبها كان معششا في مسمعه يشوش عليه نغم الحياة الرقيق من حوله .. وأن العيش بين جدران الإسمنت والفولاذ ، محاطا بالألمنيوم والبلاستيك يؤثر في الذات ، يُبَلد التفكير ويميت الإحساس .. لأنه يعزلها عن الحياة .. عن التربة الناعمة الفواحة ، عن خرير المياه الباردة العذبة ، عن الخضرة الرطبة النظرة ... هكذا أصبح بيلي يتنسم الحياة كل صباح ...  وفي مساء اليوم الأخير، أتم الأب صلاته وصومه ونزع عنه لباس الرهبان وانضم إلى بيلي في المطبخ يحضران العشاء في جو من المرح ... ثم جلسا معا على الطاولة يتناولان الطعام ... فقال الأب لبيلي: بني .. هل تذكر الدعاء الذي صليتُ به لحظة وصولنا إلى هنا ..؟ أجل أبتي .. تلك الكلمات .. كانت من أول موعظة للمسيح وعظ بها الناس في أورشليم ... يجب أن تعرف يا بني .. أن أعداء المسيح الذين حاربوه وأرادوا قتله ، لا يزالون إلى يومنا هذا يحاربون كل ناطق بالحق ومدافع عن الحقيقة، ويسعون في قتله .. يجب أن تعرف يا بني .. أنهم يكرهون الحق والحقيقة ، ليس لأنهم جاهلون بالصواب .. أو لأن ذلك يعارض مصالحهم ... كلا ... بل لأنهم متحالفون مع الشيطان .. نعم يا بني .. حقيقة وليس مجازا أقول هذا لك ... إن آمنت من كل قلبك بأن الله موجود في السماء يراقبنا .. ويرسل رسله إلينا ليبلغونا أوامره بالتزام الحق ... فستؤمن بأن الشيطان كامن في قاع المحيط يحضر لمكيدة كبرى بهذا الجنس البشري ... ويرسل أبناءه ليحكمونا ويستبدلوا الحق الذي نزل من السماء ، بالباطل الذي اختلقوه ... بني ... لست في معرض سرد حكاية خيالية لك ، ولا في اجترار أسطورة قديمة ... إنني أقسم على الحق الذي أتكلم به الآن لك ... الحق والحق أقول لك .. إن أبناء الشيطان قلة ، لكنهم يمتلكون زمام هذا البلد في أيديهم ، قلة قليلة لكنها كحية عظيمة ، رأسها في نيويورك ، وعيناها في هوليود .. تلتهم في بطنها كل ثروات هذا البلد ومقدراته ، وأذنابها تجلجل من كل مكان ... بني .. أقسم لك على الحق .. لأنهم يهود ... ولأني يهودي منهم كبرت فيهم وأعرفهم جيدا ... ليست قصصا سمعتها ... ولكنها حقائق رأتها عيناي ... هم من أشاعوا في الناس الكفر والإلحاد باسم العلم ، لتظل اعينهم مغلقة عن الحقيقة ، وليخلُوَ لهم الجو لينفذوا خطط ابيهم الشيطان وهو يتحضر للخروج إلى العالم ... وقد قربت ساعته .. بني .. يجب أن تعلم بأنهم حريصون على ان تبقى أعين الناس مغلقة ، حريصون على ان تبقى طموحات الشباب من امثالك ساذجة ، ضحلة وحقيرة ... فإذا ما قام رجل نزيه يدعوا الناس ليفتحوا أعينهم على الحقائق ، أغلقوا فمه بكل وسائلهم الخبيثة وإذا فشلوا لم يتورعوا عن قتله .. مثلما قتلوا فورستال ، وزير الدفاع في حكومة ترومان، ثم زعموا أنه انتحر ... هكذا يا بني لا يسلم منهم شخص مهما كان منصبه ، لأنهم يقبضون على كل شيء بين أيديهم الملطخة بدماء الطاهرين ...  كيف ذلك أبتي ..؟ .. ومنذ متى ..؟ منذ دهر بعيد بني ... بلدنا هذا ليس إلا مرحلة من المراحل بالنسبة لهم ، حتى إذا استنزفوا خيراته، تركوه جثة هامدة وركبوا بلدا آخر ليجلدوا شعبه كالدواب، من أجل تنفيذ مخطط أ بيهم ...  أي مخطط ..؟ الشيطان يا بني يريد أن يحكم العالم كله بواسطة أبناءه ... فإذا ما سيطر عليه سيطرة كاملة خرج على الناس ونصّب نفسه إله على كل الأرض ...  لقد حاول ذلك أكثر من مرة ومنذ دهور بعيدة ، لكنه كان دائما كلما اقترب من هدفه يأتي أنبياء الله والقديسون ليحطموا أهدافه وينقذوا البشر من مخالبه ... بني .. لكم عانى الأطهار أحباب الله من العداء والمكر والمكيدة ... لا لشيء إلا لأنهم ارادوا الخير للبشر كل البشر ... أرادوا أن يذكروهم بحقيقة عدوهم .. بأنه الشيطان الكامن لهم في أعماق المحيط ، لا إخوانهم من بني آدم وحواء ... لكن أبناء الشيطان هؤلاء وفي كل مرة يسعون في إسكاتهم وقتلهم وتشويه تعاليمهم .. أبناء الشيطان هؤلاء هم من يكذبون الآن على موسى و سليمان قدوسا الله ... ويقولان انهما كانا أستاذان أعظمان في أول محافل الماسون ...  كيف يجرؤون على قول ذلك ، وهم يعظمون الشيطان ويعبدونه في محافلهم ... هل كان رب موسى وسليمان، تيسا بقرنين ...؟ الويل لهم ... لم يدعوا خيرا إلا لطخوه ... الويل لهم لم يدعوا طريقا إلى الله إلا وقطعوه ... الويل لهم ... مما قالت ألسنتهم على مريم الطاهرة وابنها ... الويل لهم لأنهم كذبوا على الله ليرضوا الشيطان ... الويل لهم .. أبتي ... تتكلم عنهم وكأنهم أحياء بيننا .. بني ... وإن تعاقبت القرون والأجيال ... فذنب الأب يحمله الابن من بعده ... ليس ظلما .. تعلم لماذا .؟.. لأنها منظمة واحدة منذ زمن موسى إلى يومنا هذا ... عصابة متماسكة سرية ... تعمل في الخفاء ، وتتوارث العهد على الوفاء للشيطان ،وتتوارث العهد على معادات الله وأنبيائه ... فإذا ما ندم أحد اعضائها واستيقظ ضميره يريد كشف خيانتهم قتلوه فورا .... لأنهم "أبناء العهد" .. "بناي برث" ... ولا يحق لأحد أن يسألهم عن ماهية هذا العهد ... أبتي ... إن كانوا يملكون كل هذه القوة ... فأين الله ..؟ وأين أطهاره من كل هذا ..؟ إنه صمت السماء يا بني ... إنه عصرنا الذي لم يبعث الله فيه أي إشارة منذ قرون عديدة ... إنه عصر الصبر والاحتساب ... لأنه لا أحد يسأل الله عما يفعل او لا يفعل .. ولأن هذا من تمام إيماننا بحكمة الله وقوته ... فلعله يعطي الفرصة للشيطان حتى يظن انه تمكن من اهدافه ... فما هو دور المؤمنين إذن ..؟ أن لا يتخلوا عن إيمانهم بالله في هذا الزمن الصعب الذي كثر فيه الكفر والإلحاد ، وتجبر فيه الشيطان وابناءه وظنوا انهم سيطروا على العالم ... إلى متى ..؟ (فأطرق الأب وصمت قليلا ثم تكلم) .. إلى هنا ينتهي الدرس الأول بني .. قم لتنام وفي الغد تعود إلى كاليفورنيا .. (ثم قام من مجلسه وترك بيلي وحيدا)

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

الرجل المستنير

كان بيلي جائعا ، فأكل مما اعطاه الأب وأبقى منه شيئا تقدم به نحوه وقدمه إليه قائلا :
أبتي .. لم تأكل شيئا منذ الصباح ..
(فأشار إليه الأب بيده ، أنه لا يريد أكلا) ففهم بيلي أنه صائم ، ... ثم تذكر بيلي دواءه فذهب يتفقد حقيبته ، وبعدما تناول دواءه عاد إلى مكانه ولزمه يراقب الأب توماس وهو يتقلب بين التلاوة والصلاة في خشوع حتى أشفق لحاله ... ثم غلبه النعاس فنام 
ثم دخل غابة الأحلام .. وإذا هو بسهل أخضر فسيح ونسيم عليل يتخلله ، ثم ها هو ذا الرجل المستنير ينضم إلى حلقة من الناس تجلس فيه مجتمعة تنصت إلى رجل قد توسطهم جالسا على كرسي منير ... من شدة نوره لم يتمكن من تبين ملا محه ...
ثم أفاق وإذا بالصباح قد أطل ، وقد تغلف برداء سميك غطّاه به الأب وهو يغط في نومه ، أما الأب فلم يكن في القاعة ... لقد خرج ليحضر الماء ... ولما عاد شرع يطهو شيئا من القهوة لبيلي ... لكنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يكتفي بالإشارة إلى بيلي إذا أراد شيئا ما .. واستمر في صومه وتلاوته وصلاته ، واستمر بيلي يراقبه ...
حتى انقضى اليوم الثاني كسابقه .. وخشي بيلي أن ينقضي الأسبوع كله هكذا ..
وفي اليوم التالي أخذ يعمد بيلي إلى تحضير الطعام بمفرده ، وأخذ يحاول أن يسعى في بعض حاجيات الأب من غير أن يطلب منه ذلك .. وأصبح يتعود على سكينة الدير شيئا فشيئا .. أحس أن ضوضاء المدينة وصخبها كان معششا في مسمعه يشوش عليه نغم الحياة الرقيق من حوله .. وأن العيش بين جدران الإسمنت والفولاذ ، محاطا بالألمنيوم والبلاستيك يؤثر في الذات ، يُبَلد التفكير ويميت الإحساس .. لأنه يعزلها عن الحياة .. عن التربة الناعمة الفواحة ، عن خرير المياه الباردة العذبة ، عن الخضرة الرطبة النظرة ... هكذا أصبح بيلي يتنسم الحياة كل صباح ... 
وفي مساء اليوم الأخير، أتم الأب صلاته وصومه ونزع عنه لباس الرهبان وانضم إلى بيلي في المطبخ يحضران العشاء في جو من المرح ... ثم جلسا معا على الطاولة يتناولان الطعام ... فقال الأب لبيلي:
بني .. هل تذكر الدعاء الذي صليتُ به لحظة وصولنا إلى هنا ..؟
أجل أبتي ..
تلك الكلمات .. كانت من أول موعظة للمسيح وعظ بها الناس في أورشليم ...
يجب أن تعرف يا بني .. أن أعداء المسيح الذين حاربوه وأرادوا قتله ، لا يزالون إلى يومنا هذا يحاربون كل ناطق بالحق ومدافع عن الحقيقة، ويسعون في قتله ..
يجب أن تعرف يا بني .. أنهم يكرهون الحق والحقيقة ، ليس لأنهم جاهلون بالصواب .. أو لأن ذلك يعارض مصالحهم ... كلا ... بل لأنهم متحالفون مع الشيطان ..
نعم يا بني .. حقيقة وليس مجازا أقول هذا لك ...
إن آمنت من كل قلبك بأن الله موجود في السماء يراقبنا .. ويرسل رسله إلينا ليبلغونا أوامره بالتزام الحق ...
فستؤمن بأن الشيطان كامن في قاع المحيط يحضر لمكيدة كبرى بهذا الجنس البشري ... ويرسل أبناءه ليحكمونا ويستبدلوا الحق الذي نزل من السماء ، بالباطل الذي اختلقوه ...
بني ... لست في معرض سرد حكاية خيالية لك ، ولا في اجترار أسطورة قديمة ... إنني أقسم على الحق الذي أتكلم به الآن لك ...
الحق والحق أقول لك .. إن أبناء الشيطان قلة ، لكنهم يمتلكون زمام هذا البلد في أيديهم ، قلة قليلة لكنها كحية عظيمة ، رأسها في نيويورك ، وعيناها في هوليود .. تلتهم في بطنها كل ثروات هذا البلد ومقدراته ، وأذنابها تجلجل من كل مكان ...
بني .. أقسم لك على الحق .. لأنهم يهود ... ولأني يهودي منهم كبرت فيهم وأعرفهم جيدا ... ليست قصصا سمعتها ... ولكنها حقائق رأتها عيناي ...
هم من أشاعوا في الناس الكفر والإلحاد باسم العلم ، لتظل اعينهم مغلقة عن الحقيقة ، وليخلُوَ لهم الجو لينفذوا خطط ابيهم الشيطان وهو يتحضر للخروج إلى العالم ... وقد قربت ساعته ..
بني .. يجب أن تعلم بأنهم حريصون على ان تبقى أعين الناس مغلقة ، حريصون على ان تبقى طموحات الشباب من امثالك ساذجة ، ضحلة وحقيرة ...
فإذا ما قام رجل نزيه يدعوا الناس ليفتحوا أعينهم على الحقائق ، أغلقوا فمه بكل وسائلهم الخبيثة وإذا فشلوا لم يتورعوا عن قتله .. مثلما قتلوا فورستال ، وزير الدفاع في حكومة ترومان، ثم زعموا أنه انتحر ... هكذا يا بني لا يسلم منهم شخص مهما كان منصبه ، لأنهم يقبضون على كل شيء بين أيديهم الملطخة بدماء الطاهرين ... 
كيف ذلك أبتي ..؟ .. ومنذ متى ..؟
منذ دهر بعيد بني ... بلدنا هذا ليس إلا مرحلة من المراحل بالنسبة لهم ، حتى إذا استنزفوا خيراته، تركوه جثة هامدة وركبوا بلدا آخر ليجلدوا شعبه كالدواب، من أجل تنفيذ مخطط أ بيهم ... 
أي مخطط ..؟
الشيطان يا بني يريد أن يحكم العالم كله بواسطة أبناءه ... فإذا ما سيطر عليه سيطرة كاملة خرج على الناس ونصّب نفسه إله على كل الأرض ... 
لقد حاول ذلك أكثر من مرة ومنذ دهور بعيدة ، لكنه كان دائما كلما اقترب من هدفه يأتي أنبياء الله والقديسون ليحطموا أهدافه وينقذوا البشر من مخالبه ...
بني .. لكم عانى الأطهار أحباب الله من العداء والمكر والمكيدة ... لا لشيء إلا لأنهم ارادوا الخير للبشر كل البشر ... أرادوا أن يذكروهم بحقيقة عدوهم .. بأنه الشيطان الكامن لهم في أعماق المحيط ، لا إخوانهم من بني آدم وحواء ...
لكن أبناء الشيطان هؤلاء وفي كل مرة يسعون في إسكاتهم وقتلهم وتشويه تعاليمهم ..
أبناء الشيطان هؤلاء هم من يكذبون الآن على موسى و سليمان قدوسا الله ... ويقولان انهما كانا أستاذان أعظمان في أول محافل الماسون ... 
كيف يجرؤون على قول ذلك ، وهم يعظمون الشيطان ويعبدونه في محافلهم ... هل كان رب موسى وسليمان، تيسا بقرنين ...؟
الويل لهم ... لم يدعوا خيرا إلا لطخوه ... الويل لهم لم يدعوا طريقا إلى الله إلا وقطعوه ... الويل لهم ... مما قالت ألسنتهم على مريم الطاهرة وابنها ... الويل لهم لأنهم كذبوا على الله ليرضوا الشيطان ... الويل لهم ..
أبتي ... تتكلم عنهم وكأنهم أحياء بيننا ..
بني ... وإن تعاقبت القرون والأجيال ... فذنب الأب يحمله الابن من بعده ... ليس ظلما .. تعلم لماذا .؟.. لأنها منظمة واحدة منذ زمن موسى إلى يومنا هذا ... عصابة متماسكة سرية ... تعمل في الخفاء ، وتتوارث العهد على الوفاء للشيطان ،وتتوارث العهد على معادات الله وأنبيائه ... فإذا ما ندم أحد اعضائها واستيقظ ضميره يريد كشف خيانتهم قتلوه فورا .... لأنهم "أبناء العهد" .. "بناي برث" ... ولا يحق لأحد أن يسألهم عن ماهية هذا العهد ...
أبتي ... إن كانوا يملكون كل هذه القوة ... فأين الله ..؟ وأين أطهاره من كل هذا ..؟
إنه صمت السماء يا بني ... إنه عصرنا الذي لم يبعث الله فيه أي إشارة منذ قرون عديدة ... إنه عصر الصبر والاحتساب ... لأنه لا أحد يسأل الله عما يفعل او لا يفعل .. ولأن هذا من تمام إيماننا بحكمة الله وقوته ... فلعله يعطي الفرصة للشيطان حتى يظن انه تمكن من اهدافه ...
فما هو دور المؤمنين إذن ..؟
أن لا يتخلوا عن إيمانهم بالله في هذا الزمن الصعب الذي كثر فيه الكفر والإلحاد ، وتجبر فيه الشيطان وابناءه وظنوا انهم سيطروا على العالم ...
إلى متى ..؟
(فأطرق الأب وصمت قليلا ثم تكلم) .. إلى هنا ينتهي الدرس الأول بني .. قم لتنام وفي الغد تعود إلى كاليفورنيا .. (ثم قام من مجلسه وترك بيلي وحيدا)  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


# باسكال #في #كاليفورنيا #-9- #الرجل #المستنير # #قصة #رواية # 

باسكال في كاليفورنيا -8- طفولة محرومة

0
طفولة محرومة   وامتطى في الغد الطائرة إلى دنفر بعدما ودع امه في المطار .. وفي دنفر غير مساره واستقل طائرة إلى فانكوفر ، وهناك في المطار أقبل عليه رجل مسن ذو لحية بيضاء من الشيب وعلى جبينه ارتسمت آثار السنين ... فلما اقترب منه ناداه متسائلا : باسكال ..؟  نعم باسكال ... أيها الأب توماس ..  فابتسم الأب توماس ورحب به وحمل عنه حقيبته واخذ يقود كرسيه خارجا من المطار ثم إلى سيارته .. ومن ثمة أقلع باتجاه ضواحي المدينة إلى أن توقف بجانب بناية متواضعة .. فلما ولجا إليها إذا هي مدرسة متعددة بها عدد من أطفال الهنود .. وإذا بقسم آخر فيها يضم صبيانا وبنات يبدو عليهم التخلف الذهني .. ثم انتهوا إلى مكتب صغير في طرف البناية هو مكتب الأب توماس ، جلسا معا وقدم الأب شيئا من الأكل لبيلي ، وعرّفه أيضا ببعض الاصدقاء العاملين معه في هذه الجمعية الخيرية ثم اختليا معا في المكتب :  كم عندك من الوقت ،بني، لتقضيه هنا معنا ..؟  أسبوعا أو أقل ...  أعذرني على سؤالي .. لكنه من أجل ترتيب مواعيدي .. أريد حقا ان أستثمر وقتك الثمين الذي اقتطعته من أجل زيارتي ...  لقد اخبرني ريتشارد بخصوصية حالتك ... وبالعمل الخاص الذي تقوم به في كاليفورنيا .. لذلك لا اريد ان يكون مجيؤك إلى هنا عبثا .. وكذلك لا اريد أن أأخرك عن الالتحاق بعملك ..  كل الشكر والتقدير لك أبتي .. بل أنا الذي يعتذر منك ، لأنني قد اكون سببت لك شيئا من الإزعاج وصرفتك عن بعض أعمالك الجليلة ...  واستمر حديثهما حميميا إلى أن استأذن الأب بيلي في قضاء بعض الحوائج خارجا .. وبقي بيلي يتجول بهدوء يتفقد أقسام الجمعية ويتأمل هؤلاء الشباب والشابات المكبين على رعاية هذه الطفولة المحرومة تطوعا من غير أجر .. ثم تذكر كلام نيتشه عن أحقية الانسان القوي بالبقاء وعن حتمية الفناء لكل من به عاهة أو نقص يمنعه من الحياة السوية ، بل وتعدى ذلك يعطي للأقوياء حق إبادة الضعفاء .. لأنهم بذلك حسب زعمه يطهرون الأرض وينقون جنس البشرية من كل عيب ... وطفق بيلي يقول في نفسه إن عدم الإيمان بإله خالق لهذا الكون ، يدفع بالإنسان إلى التخبط في هذه الحياة على غير هدى .. بل يصير الإنسان وحشا .. وحشا بريا بلا قيد من الأخلاق ولا رادع من القيم ... بلا هدف واضح في الحياة ... حتى ليفقد معنى الخير ومعنى الشر .. ولا يحس بفرق بين الفضيلة والرذيلة ...  ثم عاد الأب توماس و أخذ بيلي معه في السيارة وبدأ يقودها في اتجاه طريق يؤدي إلى خارج المدينة :  لقد تحررتُ من جميع التزاماتي هذا الاسبوع .. ونحن الآن في طريقنا إلى دير الشهداء .. إنه دير متواضع اعتكفَ فيه جملة من القدسين والبررة منذ قرون .. لكنه اليوم مهجور تماما .. تعودتُ ان أختلي فيه كلما لاحت لي الفرصة ... واليوم بفضلك أعود إليه بعد غياب طويل ...  لن نجد فيه أحدا إذن ...  لن يكون فيه غيرنا ...  وبعد ساعات سيرا وصلا إلى الدير في وسط غابة .. تكاد تخفيه الأشجار العالية ، وقد بني بالحجارة ... كان بناء قديما وكأنما ينضح منه عبق التاريخ ...  ثم دخلا إلى الدير وإذا بقاعة للصلاة فيه ،تنبه بيلي إلى خلوها من أي أيقونة أو صليب .. حتى جدارها الأمامي الذي تعودت الكنائس على نصب صليب كبير فيه ، ليس فيه إلا آثار للهب الشموع ... وبعد أن وضع متاعهما داخل غرفة صغيرة ، عاد الأب توماس إلى قاعة الصلاة وجلس على ركبتيه قبالة الجدار العتيق ، وطأطأ رأسه يضم كلتا يديه إلى صدره في خشوع وسكون وصمت ... ثم انطلق لسانه بالدعاء:  تبارك اسم الله القدوس الذي من سره ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم على لسان عبده داوود قائلا : (قبل كوكب الصبح ، في ضياء القديسين خلقتك) ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي لعن وخذل الشيطان و أتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله أن يسجد الجميع له ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض و جعله قيما على أعماله،  تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء ،  تبارك اسم الله القدوس الذي لعن بعدله قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة ، وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه ، وأدب الكفرة ولعن غير التائبين ،  تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ،  الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبه موسى لكي لا يغشنا الشيطان ... (فخنقت العبرات كلماته ثم أجهش بالبكاء)  ولبث كذلك مليا .. منكسر الخاطر .. ذليلا في محرابه ، حتى ظن بيلي أنه قد نسيه ..  ثم قام الأب وعاد يسير بسكينة إلى ان جلس قبالة بيلي ، ثم تكلم :  بني ... ما زلت شابا يافعا ... ومازال امامك مستقبل مشرق ... فلم تشغل نفسك ووقتك الثمين، بخرافات تستهوي المسنين ..؟  (فابتسم بيلي وقال) .. يا أبتي ... لقد اعتزل باسكال في دير ولم يكن مسنا ، وكان امامه مستقبل أكثر إشراقا من مستقبلي .  بني ... لما .. لم تقنع بما قنع به أكثر العلماء والباحثين في هذا العالم ... بأن حقيقة الحياة مادية ... وأن هذه اللاهوتيات مجرد أوهام ..؟  .. أبتي ... لو كانت أسرار الحياة في متناول الجميع ، لما أصبح لها معنى .  (فابتسم عندها الأب ، ثم قام وهو يقول لبيلي) .. إن أردت طعاما ، فستجده في المطبخ .  ثم دخل غرفة ، وبعد برهة خرج وهو يرتدي لباس الرهبان، ويحمل كتابا عتيقا كأنه مخطوط ، ولما انتهى إلى زاوية قاعة الصلاة جلس يتصفحه، ثم أخذ يقرأه ويتلوا آياته بلغة لم يفهمها بيلي .. واستمر الحال على ذلك ... الأب مستغرق في تلاوته وبيلي يراقبه من بعيد ، حتى أحس بالضجر ، راودته نفسه على التفسح في أرجاء الدير لكنه قاومها ولازم مكانه حتى أظلم الليل .. ولما أُعتم المكان ، قام الأب من مكانه وأخذ يوقد الشمع في أرجاء قاعة الصلاة ومن ثمة في أرجاء الدير كله ، ولما عاد كان يحمل في يده بعض الطعام ناوله بيلي وعاد خاويا إلى مكانه في زاوية القاعة ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

طفولة محرومة 

وامتطى في الغد الطائرة إلى دنفر بعدما ودع امه في المطار .. وفي دنفر غير مساره واستقل طائرة إلى فانكوفر ، وهناك في المطار أقبل عليه رجل مسن ذو لحية بيضاء من الشيب وعلى جبينه ارتسمت آثار السنين ... فلما اقترب منه ناداه متسائلا : باسكال ..؟ 
نعم باسكال ... أيها الأب توماس .. 
فابتسم الأب توماس ورحب به وحمل عنه حقيبته واخذ يقود كرسيه خارجا من المطار ثم إلى سيارته .. ومن ثمة أقلع باتجاه ضواحي المدينة إلى أن توقف بجانب بناية متواضعة .. فلما ولجا إليها إذا هي مدرسة متعددة بها عدد من أطفال الهنود .. وإذا بقسم آخر فيها يضم صبيانا وبنات يبدو عليهم التخلف الذهني .. ثم انتهوا إلى مكتب صغير في طرف البناية هو مكتب الأب توماس ، جلسا معا وقدم الأب شيئا من الأكل لبيلي ، وعرّفه أيضا ببعض الاصدقاء العاملين معه في هذه الجمعية الخيرية ثم اختليا معا في المكتب : 
كم عندك من الوقت ،بني، لتقضيه هنا معنا ..؟ 
أسبوعا أو أقل ... 
أعذرني على سؤالي .. لكنه من أجل ترتيب مواعيدي .. أريد حقا ان أستثمر وقتك الثمين الذي اقتطعته من أجل زيارتي ... 
لقد اخبرني ريتشارد بخصوصية حالتك ... وبالعمل الخاص الذي تقوم به في كاليفورنيا .. لذلك لا اريد ان يكون مجيؤك إلى هنا عبثا .. وكذلك لا اريد أن أأخرك عن الالتحاق بعملك .. 
كل الشكر والتقدير لك أبتي .. بل أنا الذي يعتذر منك ، لأنني قد اكون سببت لك شيئا من الإزعاج وصرفتك عن بعض أعمالك الجليلة ... 
واستمر حديثهما حميميا إلى أن استأذن الأب بيلي في قضاء بعض الحوائج خارجا .. وبقي بيلي يتجول بهدوء يتفقد أقسام الجمعية ويتأمل هؤلاء الشباب والشابات المكبين على رعاية هذه الطفولة المحرومة تطوعا من غير أجر .. ثم تذكر كلام نيتشه عن أحقية الانسان القوي بالبقاء وعن حتمية الفناء لكل من به عاهة أو نقص يمنعه من الحياة السوية ، بل وتعدى ذلك يعطي للأقوياء حق إبادة الضعفاء .. لأنهم بذلك حسب زعمه يطهرون الأرض وينقون جنس البشرية من كل عيب ... وطفق بيلي يقول في نفسه إن عدم الإيمان بإله خالق لهذا الكون ، يدفع بالإنسان إلى التخبط في هذه الحياة على غير هدى .. بل يصير الإنسان وحشا .. وحشا بريا بلا قيد من الأخلاق ولا رادع من القيم ... بلا هدف واضح في الحياة ... حتى ليفقد معنى الخير ومعنى الشر .. ولا يحس بفرق بين الفضيلة والرذيلة ... 
ثم عاد الأب توماس و أخذ بيلي معه في السيارة وبدأ يقودها في اتجاه طريق يؤدي إلى خارج المدينة : 
لقد تحررتُ من جميع التزاماتي هذا الاسبوع .. ونحن الآن في طريقنا إلى دير الشهداء .. إنه دير متواضع اعتكفَ فيه جملة من القدسين والبررة منذ قرون .. لكنه اليوم مهجور تماما .. تعودتُ ان أختلي فيه كلما لاحت لي الفرصة ... واليوم بفضلك أعود إليه بعد غياب طويل ... 
لن نجد فيه أحدا إذن ... 
لن يكون فيه غيرنا ... 
وبعد ساعات سيرا وصلا إلى الدير في وسط غابة .. تكاد تخفيه الأشجار العالية ، وقد بني بالحجارة ... كان بناء قديما وكأنما ينضح منه عبق التاريخ ... 
ثم دخلا إلى الدير وإذا بقاعة للصلاة فيه ،تنبه بيلي إلى خلوها من أي أيقونة أو صليب .. حتى جدارها الأمامي الذي تعودت الكنائس على نصب صليب كبير فيه ، ليس فيه إلا آثار للهب الشموع ... وبعد أن وضع متاعهما داخل غرفة صغيرة ، عاد الأب توماس إلى قاعة الصلاة وجلس على ركبتيه قبالة الجدار العتيق ، وطأطأ رأسه يضم كلتا يديه إلى صدره في خشوع وسكون وصمت ... ثم انطلق لسانه بالدعاء: 
تبارك اسم الله القدوس الذي من سره ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم على لسان عبده داوود قائلا : (قبل كوكب الصبح ، في ضياء القديسين خلقتك) ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي لعن وخذل الشيطان و أتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله أن يسجد الجميع له ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض و جعله قيما على أعماله، 
تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي لعن بعدله قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة ، وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه ، وأدب الكفرة ولعن غير التائبين ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ، 
الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبه موسى لكي لا يغشنا الشيطان ... (فخنقت العبرات كلماته ثم أجهش بالبكاء) 
ولبث كذلك مليا .. منكسر الخاطر .. ذليلا في محرابه ، حتى ظن بيلي أنه قد نسيه .. 
ثم قام الأب وعاد يسير بسكينة إلى ان جلس قبالة بيلي ، ثم تكلم : 
بني ... ما زلت شابا يافعا ... ومازال امامك مستقبل مشرق ... فلم تشغل نفسك ووقتك الثمين، بخرافات تستهوي المسنين ..؟ 
(فابتسم بيلي وقال) .. يا أبتي ... لقد اعتزل باسكال في دير ولم يكن مسنا ، وكان امامه مستقبل أكثر إشراقا من مستقبلي . 
بني ... لما .. لم تقنع بما قنع به أكثر العلماء والباحثين في هذا العالم ... بأن حقيقة الحياة مادية ... وأن هذه اللاهوتيات مجرد أوهام ..؟ 
.. أبتي ... لو كانت أسرار الحياة في متناول الجميع ، لما أصبح لها معنى . 
(فابتسم عندها الأب ، ثم قام وهو يقول لبيلي) .. إن أردت طعاما ، فستجده في المطبخ . 
ثم دخل غرفة ، وبعد برهة خرج وهو يرتدي لباس الرهبان، ويحمل كتابا عتيقا كأنه مخطوط ، ولما انتهى إلى زاوية قاعة الصلاة جلس يتصفحه، ثم أخذ يقرأه ويتلوا آياته بلغة لم يفهمها بيلي .. واستمر الحال على ذلك ... الأب مستغرق في تلاوته وبيلي يراقبه من بعيد ، حتى أحس بالضجر ، راودته نفسه على التفسح في أرجاء الدير لكنه قاومها ولازم مكانه حتى أظلم الليل .. ولما أُعتم المكان ، قام الأب من مكانه وأخذ يوقد الشمع في أرجاء قاعة الصلاة ومن ثمة في أرجاء الدير كله ، ولما عاد كان يحمل في يده بعض الطعام ناوله بيلي وعاد خاويا إلى مكانه في زاوية القاعة ...  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


# باسكال #في #كاليفورنيا #-8- #طفولة #محرومة #قصة #رواية # 

باسكال في كاليفورنيا -7- مستحيل

0
مستحيل  ولما استنار الصباح ، خرج بيلي من غرفته ليجد أمه تتكلم في الهاتف ويدها على صدرها .. وما إن أكملت الحديث حتى التفتت إلى بيلي وقالت : أم بول في المستشفى ... (جحظت عينا بيلي) .. ما الذي حدث لها ..؟ أصيبت بجلطة في الدماغ ليلة البارحة، أخذت على إثرها إلى المستشفى .. بني .. يجب ان أذهب لأراها فورا .. أرجوك أن تلزم البيت .(ثم ما لبثت أن جهزت نفسها وخرجت) وبقي بيلي في البيت غير مصدق ، يراجع ما رآه البارحة في منامه ... ثم عزم على الذهاب إلى محل العجوز ريتشارد ... ولما أخبره بحال أم بول ، تأسف ريتشارد وقال : المسكينة .. لكم كانت متعلقة بابنها .. لقد حضرتُ جنازة بول ولمحتها .. كانت منهارة تماما .. بالكاد كانت تستطيع الوقوف .. أم بول ستموت .. (قال بيلي وأخذ يحدق في العجوز) .. لقد رأيتها البارحة مع بول في منامي .. (سكت ريتشارد قليلا وهو ينظر إلى بيلي) .. ما الذي رأيته بالضبط ..؟ فسرد عليه بيلي ما رآه من عجب في نومه هذه الأيام ، وكيف أن ما رآه كان كالحقيقة .. فاستدركه العجوز مستفسرا: الرجل الذي رأيته ، هو نفسه الذي كان مع بول أول الأمر ..؟ نعم هو ذاته .. كيف كان يبدو .. ماذا عن ملامحه، هل تعرفه ..؟ لا ... لا أعرفه ... كان حسن الوجه ...ثيابه بيضاء مشعة ... وشعره شديد السواد .. ألم يتكلم بشيء ..؟ لا .. لا أذكر ذلك .. أول الامر ابتسم لي ثم كلّم بول .. والبارحة ناول بول وأمه شيئا ككوب الماء .. باسكال يا صغيري .. لست أدري ما أقول لك .. لكن هذا يبدو لي شيئا عظيما .. يبدو أبعد ما يكون عن إدراكي ...  وفي المساء جاء الخبر يقينا ، أم بول فارقت الحياة ، وفي الغد أقيمت لها جنازة مهيبة ودفنت بجانب ابنها .. حضر بيلي الجنازة وكذلك العجوز ريتشارد .. وعندما انفض الناس تقدم ريتشارد نحو أم بيلي واستأذنها في أخذ بيلي في جولة فقبلت .. أخذ العجوز ريتشارد بيلي إلى المتنزه العام ، واختار مكانا جميلا خاليا ، وجلس يحدثه : باسكال .. أخشى أنه علي أن اناديك منذ الآن بالقديس ..(وهو يبتسم) لا أعتقد .. أنه يجب عليك ذلك ، مستر ريتش .. على حسب علمي .. لا يرى هذه الأشياء إلا القديسون الطاهرون .. باسكال كان كذلك فعلا .. كان شخصا صادقا مخلصا ... تَعلم ريتشارد !... أحس انني في حاجة إلى المزيد من المعرفة بأسرار العالم الآخر ... بذاك العالم الخفي عن اعيننا ... البعيد عن مدى رصد تلسكوباتنا الجبارة ... تلك الأسرار التي لا تستطيع التكنلوجيا كشفها ... باسكال قال بأن الكتب المقدسة تحتويها ... نعم .... لأنها تحمل الرسائل التي بعثت من السماء منذ آلاف السنين ... الرسائل التي كذّبها أغلب الناس وكذبوا الذين تكلموا بها ... حدثني عنها ريتشارد .. حقا أريد معرفتها .. أعذرني باسكال ... فلست أهلا لذلك ... الأسرار المقدسة لها أصحابها .. إذن فأنا أطلب مستحيلا .. لا ... باسكال ... فأنت واحد منهم ... اسمع ، اعرف واحدا ، وواحدا فقط من هؤلاء في هذا البلد يحوز على ثقتي وتقديري ... إنه صديق قديم، يعود له الفضل في هدايتي إلى الحقيقة ... اسمه الأب توماس .. أين أجده ..؟ أخشى يا صغيري إن أصريت .. أن يكون سفرك طويلا .. لا تهم المسافات في طلب الحقيقة ، مستر ريتش.. هذا الصديق القديم يستقر حاليا في ضواحي فانكوفر ... هل ما تزال مصرا على لقائه؟ نعم مستر ريتش .. سأفكر في الأمر ... بعد أيام فاتح بيلي أمه برغبته في السفر مع أصدقائه لقضاء إجازة في مونتانا ، فرفضت الأم الفكرة متحججة بصحته : يجب أن تداوم على تناول دوائك بيلي ، وأعلم أنك لن تحرص عليه في غيابي .. ثم إني قد برمجت لك موعدا مع دكتور متخصص ، لقد درس حالتك وحدثني عن فرصة لشفائك إن تكفل بك ... وبعد إلحاح أمه عليه تنازل عن فكرة السفر كليا .. وعاد إلى غرفته ليغط في نوم ثقيل ... فعاودته عصرات الأحلام تهجم عليه .. أفاق في منتصف الليل .. ثم عاد وغلبه النعاس ، ليرى وكأن الدنيا ، كل الدنيا أظلمت من حوله ، فشعر بضيق في صدره يكاد يخنق أنفاسه .. حتى بزغ نور أمامه وإذا بالرجل المستنير يقبل عليه مبتسما ... حتى إذا لم يبقى بينهما إلا امتار معدودات توقف ، ثم أومأ لبيلي بيده ان أقبل علي .. وبيلي مصمر في كرسيه المتحرك لا يقوى على النهوض .. لكن الرجل بقي مبتسما واستدار ثم أخذ يمشي مبتعدا .. فاستبد ببيلي القلق وهو ينازع نفسه يريد اللحاق به .. وإذا به تحمله قدماه واقفا تاركا كرسيه .. ثم أخذ يسير مقتفيا أثر الرجل ... في الصباح عزم بيلي في نفسه على الذهاب إلى فانكوفر.. وعلم ان شيئا ما ينتظره هناك وأن روحا تدعوه إلى المغامرة من اجل الحقيقة ... فتريث حتى أنجز مع أمه موعد الطبيب الخاص ، ثم اخبر امه بأن الفريق في معهد كاليفورنيا يحتاجونه لأمر عاجل ، ويجب عليه العودة ... فأصرت امه على مرافقته لكنه استطاع اقناعها بأن لا داعي لذلك ، وأن آنا ستكون في انتظاره في المطار .. ثم عمد إلى غرفته واتصل بآنا : آنا عزيزتي ... أحتاجك في أمر هام  ما الأمر بيلي ... هل جد جديد عندك ..؟ اسمعي آنا ... لقد اخبرت امي بأني سأعود بمفردي إلى كاليفورنيا غدا ، وبانكم تحتاجونني عندكم ... ولما أصرت على مرافقتي ، أخبرتها بأنك ستكونين في انتظاري في المطار.. والحقيقة آنا ... أنني سوف أعرج أولا على فانكوفر لأمر مهم ولم أخبرها بذلك .... إلى فانكوفر ..؟ (استطردت آنا باستغراب) نعم آنا ..لأمر خاص فعلا ... أرجوك ... أعلم انني أضعك في موقف محرج .. لكنه شديد الاهية بالنسبة لي .. لو علمتُ ان امي ستتركني اذهب لما كلفتك معي هذا العناء .. لكنك تعرفين أمي جيدا ... هل أستطيع أن أطلع على هذا الأمر المهم ، بيلي...؟  لا آنا ... ليس الآن ... ربما في وقت آخر ... أرجوك آنا .. حاولي أن تتفهمي حالتي .. حسننا بيلي .. يبدو انك نجحت في اقحامي في فلمك الذي تعده .. لكنني لست ممثلة بارعة كما تعرف .. شكرا جزيلا آنا ... لا تخافي ستحوزين على الأوسكار هذا العام (وهو يبتسم)

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

مستحيل

ولما استنار الصباح ، خرج بيلي من غرفته ليجد أمه تتكلم في الهاتف ويدها على صدرها .. وما إن أكملت الحديث حتى التفتت إلى بيلي وقالت :
أم بول في المستشفى ...
(جحظت عينا بيلي) .. ما الذي حدث لها ..؟
أصيبت بجلطة في الدماغ ليلة البارحة، أخذت على إثرها إلى المستشفى .. بني .. يجب ان أذهب لأراها فورا .. أرجوك أن تلزم البيت .(ثم ما لبثت أن جهزت نفسها وخرجت)
وبقي بيلي في البيت غير مصدق ، يراجع ما رآه البارحة في منامه ... ثم عزم على الذهاب إلى محل العجوز ريتشارد ... ولما أخبره بحال أم بول ، تأسف ريتشارد وقال :
المسكينة .. لكم كانت متعلقة بابنها .. لقد حضرتُ جنازة بول ولمحتها .. كانت منهارة تماما .. بالكاد كانت تستطيع الوقوف ..
أم بول ستموت .. (قال بيلي وأخذ يحدق في العجوز) .. لقد رأيتها البارحة مع بول في منامي ..
(سكت ريتشارد قليلا وهو ينظر إلى بيلي) .. ما الذي رأيته بالضبط ..؟
فسرد عليه بيلي ما رآه من عجب في نومه هذه الأيام ، وكيف أن ما رآه كان كالحقيقة .. فاستدركه العجوز مستفسرا:
الرجل الذي رأيته ، هو نفسه الذي كان مع بول أول الأمر ..؟
نعم هو ذاته ..
كيف كان يبدو .. ماذا عن ملامحه، هل تعرفه ..؟
لا ... لا أعرفه ... كان حسن الوجه ...ثيابه بيضاء مشعة ... وشعره شديد السواد ..
ألم يتكلم بشيء ..؟
لا .. لا أذكر ذلك .. أول الامر ابتسم لي ثم كلّم بول .. والبارحة ناول بول وأمه شيئا ككوب الماء ..
باسكال يا صغيري .. لست أدري ما أقول لك .. لكن هذا يبدو لي شيئا عظيما .. يبدو أبعد ما يكون عن إدراكي ... 
وفي المساء جاء الخبر يقينا ، أم بول فارقت الحياة ، وفي الغد أقيمت لها جنازة مهيبة ودفنت بجانب ابنها .. حضر بيلي الجنازة وكذلك العجوز ريتشارد .. وعندما انفض الناس تقدم ريتشارد نحو أم بيلي واستأذنها في أخذ بيلي في جولة فقبلت ..
أخذ العجوز ريتشارد بيلي إلى المتنزه العام ، واختار مكانا جميلا خاليا ، وجلس يحدثه :
باسكال .. أخشى أنه علي أن اناديك منذ الآن بالقديس ..(وهو يبتسم)
لا أعتقد .. أنه يجب عليك ذلك ، مستر ريتش ..
على حسب علمي .. لا يرى هذه الأشياء إلا القديسون الطاهرون ..
باسكال كان كذلك فعلا .. كان شخصا صادقا مخلصا ... تَعلم ريتشارد !... أحس انني في حاجة إلى المزيد من المعرفة بأسرار العالم الآخر ... بذاك العالم الخفي عن اعيننا ... البعيد عن مدى رصد تلسكوباتنا الجبارة ... تلك الأسرار التي لا تستطيع التكنلوجيا كشفها ... باسكال قال بأن الكتب المقدسة تحتويها ...
نعم .... لأنها تحمل الرسائل التي بعثت من السماء منذ آلاف السنين ... الرسائل التي كذّبها أغلب الناس وكذبوا الذين تكلموا بها ...
حدثني عنها ريتشارد .. حقا أريد معرفتها ..
أعذرني باسكال ... فلست أهلا لذلك ... الأسرار المقدسة لها أصحابها ..
إذن فأنا أطلب مستحيلا ..
لا ... باسكال ... فأنت واحد منهم ... اسمع ، اعرف واحدا ، وواحدا فقط من هؤلاء في هذا البلد يحوز على ثقتي وتقديري ... إنه صديق قديم، يعود له الفضل في هدايتي إلى الحقيقة ... اسمه الأب توماس ..
أين أجده ..؟
أخشى يا صغيري إن أصريت .. أن يكون سفرك طويلا ..
لا تهم المسافات في طلب الحقيقة ، مستر ريتش..
هذا الصديق القديم يستقر حاليا في ضواحي فانكوفر ... هل ما تزال مصرا على لقائه؟
نعم مستر ريتش .. سأفكر في الأمر ...
بعد أيام فاتح بيلي أمه برغبته في السفر مع أصدقائه لقضاء إجازة في مونتانا ، فرفضت الأم الفكرة متحججة بصحته :
يجب أن تداوم على تناول دوائك بيلي ، وأعلم أنك لن تحرص عليه في غيابي .. ثم إني قد برمجت لك موعدا مع دكتور متخصص ، لقد درس حالتك وحدثني عن فرصة لشفائك إن تكفل بك ...
وبعد إلحاح أمه عليه تنازل عن فكرة السفر كليا .. وعاد إلى غرفته ليغط في نوم ثقيل ... فعاودته عصرات الأحلام تهجم عليه .. أفاق في منتصف الليل .. ثم عاد وغلبه النعاس ، ليرى وكأن الدنيا ، كل الدنيا أظلمت من حوله ، فشعر بضيق في صدره يكاد يخنق أنفاسه .. حتى بزغ نور أمامه وإذا بالرجل المستنير يقبل عليه مبتسما ... حتى إذا لم يبقى بينهما إلا امتار معدودات توقف ، ثم أومأ لبيلي بيده ان أقبل علي .. وبيلي مصمر في كرسيه المتحرك لا يقوى على النهوض .. لكن الرجل بقي مبتسما واستدار ثم أخذ يمشي مبتعدا .. فاستبد ببيلي القلق وهو ينازع نفسه يريد اللحاق به .. وإذا به تحمله قدماه واقفا تاركا كرسيه .. ثم أخذ يسير مقتفيا أثر الرجل ...
في الصباح عزم بيلي في نفسه على الذهاب إلى فانكوفر.. وعلم ان شيئا ما ينتظره هناك وأن روحا تدعوه إلى المغامرة من اجل الحقيقة ... فتريث حتى أنجز مع أمه موعد الطبيب الخاص ، ثم اخبر امه بأن الفريق في معهد كاليفورنيا يحتاجونه لأمر عاجل ، ويجب عليه العودة ... فأصرت امه على مرافقته لكنه استطاع اقناعها بأن لا داعي لذلك ، وأن آنا ستكون في انتظاره في المطار .. ثم عمد إلى غرفته واتصل بآنا :
آنا عزيزتي ... أحتاجك في أمر هام 
ما الأمر بيلي ... هل جد جديد عندك ..؟
اسمعي آنا ... لقد اخبرت امي بأني سأعود بمفردي إلى كاليفورنيا غدا ، وبانكم تحتاجونني عندكم ... ولما أصرت على مرافقتي ، أخبرتها بأنك ستكونين في انتظاري في المطار.. والحقيقة آنا ... أنني سوف أعرج أولا على فانكوفر لأمر مهم ولم أخبرها بذلك ....
إلى فانكوفر ..؟ (استطردت آنا باستغراب)
نعم آنا ..لأمر خاص فعلا ... أرجوك ... أعلم انني أضعك في موقف محرج .. لكنه شديد الاهية بالنسبة لي .. لو علمتُ ان امي ستتركني اذهب لما كلفتك معي هذا العناء .. لكنك تعرفين أمي جيدا ...
هل أستطيع أن أطلع على هذا الأمر المهم ، بيلي...؟ 
لا آنا ... ليس الآن ... ربما في وقت آخر ... أرجوك آنا .. حاولي أن تتفهمي حالتي ..
حسننا بيلي .. يبدو انك نجحت في اقحامي في فلمك الذي تعده .. لكنني لست ممثلة بارعة كما تعرف ..
شكرا جزيلا آنا ... لا تخافي ستحوزين على الأوسكار هذا العام (وهو يبتسم)  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


 #قصة #رواية # #باسكال #في #كاليفورنيا #-7- #مستحيل

باسكال في كاليفورنيا -6- المخلص باسكال

0
المخلص باسكال   في الصباح لم يتمالك بيلي نفسه حتى حكي لأمه ما رآه البارحة ... لم تجد الأم ما تقوله غير أنها سألت بيلي :  كنت متأثرا بالأمس ... هل فكرت ببول قبل النوم ؟  لا وإن كنت حقيقة تأثرت بزيارته ... لكن ما رأيته كان كالحقيقة ...  كل الناس يرون في الأحلام ما يخالجهم من أحاسيس في الواقع .. يا بني ..  نعم وأنا كذلك تراودني بعض هذه الأشياء .. لكن صدقيني .. ما رأيته البارحة كان مختلفا ..  وبعدما آنس من أمه عدم الاهتمام، غير الموضوع ... ثم عاد إلى غرفته وتناول كتاب باسكال، تأمل مواضيعه وإذا به يجد "الرهان" الذي تكلم عنه العجوز ريتشارد، وإذا بباسكال يقول فيه  إذا أضيف الواحد إلى اللانهاية لم يزدها شيئا ، شأنه في ذلك شأن وحدة الطول القياسية بالنسبة إلى المدى اللامتناهي ، فالمحدود يتلاشى أمام اللانهاية ويصبح عدما محضا . هذه هي حال فكرنا أمام الذات الإلهية ، وعدالتنا أمام العدالة الربانية . إن الاختلاف بين عدالتنا وعدالته كالاختلاف بين الواحد واللانهاية ...  إننا نعرف وجود المحدود وماهيته ، لأننا مثله محدودون منتهون .  ونعرف وجود اللانهاية ونجهل ماهيتها ، لأن لها بداية مثلنا ، وليست محدودة مثلنا.  بيد أننا لا نعرف وجود الله ولا نعلم ماهيته ، لأنه بلا امتداد ولا حدود .  ولكننا نعرف وجوده بالإيمان.  إذا كان هنالك إله فإن العقول لا تدركه اطلاقا لأنه بلا أعضاء وبلا حدود . إنه لا يملك أي علاقة تجانس معنا . نحن عاجزون عن أن نعرف ما هو ، وهل هو موجود .. فمن يجرؤ إذن على الشروع بحل هذه المسألة ؟  إننا لا نجرؤ ، لأننا لا نملك أي علاقة تجانس معه.  "الله موجود أو غير موجود" . ولكن إلى أي اتجاه نميل ؟.. إن العقل لا يستطيع أن يعين شيئا .. هناك احتمالان في نهاية هذا الشوط اللامتناهي ، فعلام تراهن..؟  بالعقل لا تستطيع أن تفعل لا هذا ولا ذاك ، بالعقل لا تستطيع أن تدافع عن أي منهما ... فلا تلم إذن من اختاروا لأنك لا تعلم عن الامر شيئا.  كلا .. إنني لا ألومهم على الاختيار (قال بيلي) ، لكن الأصح أن لا نراهن إطلاقا على شيء مجهول ..  أجل بيلي ، ولكن لابد من الرهان . ليس الأمر رهانا بإرادتنا ، إنك مضطر ، فأيهما تختار ..؟ .. وبما أنه لا مفر من الاختيار فيجب أن نرى ما هو أقل استرعاء لاهتمامك ، ولنوازن بين الربح والخسارة اذا قلنا بوجود الله..  هناك حالتان : اذا ربحت فزت بكل شيء ، واذا خسرت فانك لا تخسر شيئا على الإطلاق ..  راهن إذن على وجوده دون تردد ..  هذا رائع ، حقا يجب ان أراهن .. ولكن لعلني أغامر بالكثير..  بما أن احتمال الخسران كاحتمال الربح فمن الغفلة أن لا تغامر بحياتك لتفوز بالأبدية وتحظى بالسعادة ... كل مراهن يغامر عن يقين ليربح دون يقين  أعترف بذلك .. لكن ألا توجد وسيلة لرؤية خوافي الأمور..؟  بلى ، الكتب المقدسة وغيرها ...  بيلي .. إذا أعجبك هذا الكلام وبدا لك قوي الأثر فاعلم أنه من قلب شخص خر على ركبتيه ليتوجه بصلواته من أجلك إلى الله العزيز القدير . (المخلص باسكال)  في المساء عاود بيلي الاتصال بآنا وهو يقول في نفسه (هل ترانا حقا نبحث عن الله من غير أن نشعر) ، ثم أطلت عليه آنا عبر الشاشة ، تبادلا معا أطراف الحديث عن جديد الأبحاث والأصدقاء ،غير أن لا جديد مثيرا حتى الساعة بشأن الإشارة  هناك جديد من نوع آخر (قالت آنا) .. ويبدو أنه خبر غير سار .. تناهى إلى علمنا أن معهد باسادينا يكون قد تلقف الإشارة ذاتها ...  كيف ذلك ...؟ .. إلا إذا ظفروا ببرنامج شبيه بالذي لنا ..؟  ممكن جدا ... تعلم مدى شدة التنافس بيننا وبينهم .. لا يبعد أن يطوروا برنامجا مشابها  لعلها قرصنة .. أو لعل أحدا قد سرب أسرار برنامجنا لهم ..؟  لا .. لا تقل هذا بيلي ... هذا مستحيل ... ثم، ليس غريبا على المعهد الذي حقق النجاح الباهر في مهمة روبوتات الجوال العالمي على المريخ سنة 2004 ... تذكر ذلك .. بل ليس مستحيلا على ذلك الفريق ان يتمكن من التقاط إشارة من الفضاء ...  إذن .. سيزداد الضغط على فريقنا ..  أجل بيلي .. هذا سيعقد نوعا ما حالتنا ... إذا تأخرنا عنهم بخطوة واحدة .. قد يضيع كل هذا الجهد هباء ...  ثم أخلد إلى النوم متعبا .. وإذا به تتمثل أمامه صحراء مترامية الاطراف، والحر شديد ، وجم غفير من الناس يهيم بها .. وإذا بول بينهم يشكو الجفاف والعطش ، ثم يلمح من بعيد والدة بول وهي تبحث وسط الناس عن ابنها .. حتى إذا لمحته أقبلت عليه وضمته إليها وهي تبكي ... ثم إذا بالرجل صاحب الرداء النوراني يقف عليهما ويناولهما شيئا كان بيده ، كأنه كوب ماء .. أو شيئا يشبهه ... ثم أفاق بيلي وهو يتصبب عرقا حتى ظن أن الحمى أصابته ... لم يرد تفقد المنبه ، أنار مصباحه الصغير وتناول كتاب باسكال في سكون اليل من حوله، لعله يجد تفسيرا :  إن الصمت الدائم الذي يلزمه هذا الفضاء اللامتناهي يشيع في نفسي الرهبة  كم من عوالم تجهلنا ...؟  حينما أمعن النظر في قصر حياتي الغارقة في امتداد الأزل ، وحينما أتأمل في حيز جسمي المحدود الغارق في الفضاء اللامتناهي ، في الفضاء الذي أجهله ويجهلني ، أحس بالذعر والدهشة لرؤية نفسي ههنا لا هنالك ، لأنه لا شيء يبرر وجودي هنا لا هناك ، اليوم لا آنذاك . من ذا الذي وضعني في هذا المجال ..؟ بمشيئة من وتوجيه من خصص لي هذا الزمان ، وعين لي هذا المكان ..؟  ما الذي يدعوهم إلى القول بأننا غير مبعوثين ..؟ أيهما أشق : الولادة أم البعث ..؟ الوجود بعد العدم أم الوجود بعد الوجود ..؟ إن العادة تجعل احدهما يسيرا ، ونقص العادة يجعل الأمر مستحيلا . يا لها من محاكمة مبتذلة..!

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

المخلص باسكال 

في الصباح لم يتمالك بيلي نفسه حتى حكي لأمه ما رآه البارحة ... لم تجد الأم ما تقوله غير أنها سألت بيلي : 
كنت متأثرا بالأمس ... هل فكرت ببول قبل النوم ؟ 
لا وإن كنت حقيقة تأثرت بزيارته ... لكن ما رأيته كان كالحقيقة ... 
كل الناس يرون في الأحلام ما يخالجهم من أحاسيس في الواقع .. يا بني .. 
نعم وأنا كذلك تراودني بعض هذه الأشياء .. لكن صدقيني .. ما رأيته البارحة كان مختلفا .. 
وبعدما آنس من أمه عدم الاهتمام، غير الموضوع ... ثم عاد إلى غرفته وتناول كتاب باسكال، تأمل مواضيعه وإذا به يجد "الرهان" الذي تكلم عنه العجوز ريتشارد، وإذا بباسكال يقول فيه 
إذا أضيف الواحد إلى اللانهاية لم يزدها شيئا ، شأنه في ذلك شأن وحدة الطول القياسية بالنسبة إلى المدى اللامتناهي ، فالمحدود يتلاشى أمام اللانهاية ويصبح عدما محضا . هذه هي حال فكرنا أمام الذات الإلهية ، وعدالتنا أمام العدالة الربانية . إن الاختلاف بين عدالتنا وعدالته كالاختلاف بين الواحد واللانهاية ... 
إننا نعرف وجود المحدود وماهيته ، لأننا مثله محدودون منتهون . 
ونعرف وجود اللانهاية ونجهل ماهيتها ، لأن لها بداية مثلنا ، وليست محدودة مثلنا. 
بيد أننا لا نعرف وجود الله ولا نعلم ماهيته ، لأنه بلا امتداد ولا حدود . 
ولكننا نعرف وجوده بالإيمان. 
إذا كان هنالك إله فإن العقول لا تدركه اطلاقا لأنه بلا أعضاء وبلا حدود . إنه لا يملك أي علاقة تجانس معنا . نحن عاجزون عن أن نعرف ما هو ، وهل هو موجود .. فمن يجرؤ إذن على الشروع بحل هذه المسألة ؟ 
إننا لا نجرؤ ، لأننا لا نملك أي علاقة تجانس معه. 
"الله موجود أو غير موجود" . ولكن إلى أي اتجاه نميل ؟.. إن العقل لا يستطيع أن يعين شيئا .. هناك احتمالان في نهاية هذا الشوط اللامتناهي ، فعلام تراهن..؟ 
بالعقل لا تستطيع أن تفعل لا هذا ولا ذاك ، بالعقل لا تستطيع أن تدافع عن أي منهما ... فلا تلم إذن من اختاروا لأنك لا تعلم عن الامر شيئا. 
كلا .. إنني لا ألومهم على الاختيار (قال بيلي) ، لكن الأصح أن لا نراهن إطلاقا على شيء مجهول .. 
أجل بيلي ، ولكن لابد من الرهان . ليس الأمر رهانا بإرادتنا ، إنك مضطر ، فأيهما تختار ..؟ .. وبما أنه لا مفر من الاختيار فيجب أن نرى ما هو أقل استرعاء لاهتمامك ، ولنوازن بين الربح والخسارة اذا قلنا بوجود الله.. 
هناك حالتان : اذا ربحت فزت بكل شيء ، واذا خسرت فانك لا تخسر شيئا على الإطلاق .. 
راهن إذن على وجوده دون تردد .. 
هذا رائع ، حقا يجب ان أراهن .. ولكن لعلني أغامر بالكثير.. 
بما أن احتمال الخسران كاحتمال الربح فمن الغفلة أن لا تغامر بحياتك لتفوز بالأبدية وتحظى بالسعادة ... كل مراهن يغامر عن يقين ليربح دون يقين 
أعترف بذلك .. لكن ألا توجد وسيلة لرؤية خوافي الأمور..؟ 
بلى ، الكتب المقدسة وغيرها ... 
بيلي .. إذا أعجبك هذا الكلام وبدا لك قوي الأثر فاعلم أنه من قلب شخص خر على ركبتيه ليتوجه بصلواته من أجلك إلى الله العزيز القدير . (المخلص باسكال) 
في المساء عاود بيلي الاتصال بآنا وهو يقول في نفسه (هل ترانا حقا نبحث عن الله من غير أن نشعر) ، ثم أطلت عليه آنا عبر الشاشة ، تبادلا معا أطراف الحديث عن جديد الأبحاث والأصدقاء ،غير أن لا جديد مثيرا حتى الساعة بشأن الإشارة 
هناك جديد من نوع آخر (قالت آنا) .. ويبدو أنه خبر غير سار .. تناهى إلى علمنا أن معهد باسادينا يكون قد تلقف الإشارة ذاتها ... 
كيف ذلك ...؟ .. إلا إذا ظفروا ببرنامج شبيه بالذي لنا ..؟ 
ممكن جدا ... تعلم مدى شدة التنافس بيننا وبينهم .. لا يبعد أن يطوروا برنامجا مشابها 
لعلها قرصنة .. أو لعل أحدا قد سرب أسرار برنامجنا لهم ..؟ 
لا .. لا تقل هذا بيلي ... هذا مستحيل ... ثم، ليس غريبا على المعهد الذي حقق النجاح الباهر في مهمة روبوتات الجوال العالمي على المريخ سنة 2004 ... تذكر ذلك .. بل ليس مستحيلا على ذلك الفريق ان يتمكن من التقاط إشارة من الفضاء ... 
إذن .. سيزداد الضغط على فريقنا .. 
أجل بيلي .. هذا سيعقد نوعا ما حالتنا ... إذا تأخرنا عنهم بخطوة واحدة .. قد يضيع كل هذا الجهد هباء ... 
ثم أخلد إلى النوم متعبا .. وإذا به تتمثل أمامه صحراء مترامية الاطراف، والحر شديد ، وجم غفير من الناس يهيم بها .. وإذا بول بينهم يشكو الجفاف والعطش ، ثم يلمح من بعيد والدة بول وهي تبحث وسط الناس عن ابنها .. حتى إذا لمحته أقبلت عليه وضمته إليها وهي تبكي ... ثم إذا بالرجل صاحب الرداء النوراني يقف عليهما ويناولهما شيئا كان بيده ، كأنه كوب ماء .. أو شيئا يشبهه ... ثم أفاق بيلي وهو يتصبب عرقا حتى ظن أن الحمى أصابته ... لم يرد تفقد المنبه ، أنار مصباحه الصغير وتناول كتاب باسكال في سكون اليل من حوله، لعله يجد تفسيرا : 
إن الصمت الدائم الذي يلزمه هذا الفضاء اللامتناهي يشيع في نفسي الرهبة 
كم من عوالم تجهلنا ...؟ 
حينما أمعن النظر في قصر حياتي الغارقة في امتداد الأزل ، وحينما أتأمل في حيز جسمي المحدود الغارق في الفضاء اللامتناهي ، في الفضاء الذي أجهله ويجهلني ، أحس بالذعر والدهشة لرؤية نفسي ههنا لا هنالك ، لأنه لا شيء يبرر وجودي هنا لا هناك ، اليوم لا آنذاك . من ذا الذي وضعني في هذا المجال ..؟ بمشيئة من وتوجيه من خصص لي هذا الزمان ، وعين لي هذا المكان ..؟ 
ما الذي يدعوهم إلى القول بأننا غير مبعوثين ..؟ أيهما أشق : الولادة أم البعث ..؟ الوجود بعد العدم أم الوجود بعد الوجود ..؟ إن العادة تجعل احدهما يسيرا ، ونقص العادة يجعل الأمر مستحيلا . يا لها من محاكمة مبتذلة..! 

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


  #قصة #رواية # #باسكال #في #كاليفورنيا #-6- #المخلص #باسكال
 

باسكال في كاليفورنيا -2- Second life

0

Second life  في اليل وبعد أن غادرت آنا .. يتصفح بيلي موقعه على الإنترنت .. بريده الإلكتروني مملوء بالرسائل .. وصفحته على "الماي سبيس" و"الفيس بوك" لا تزال كما هي منذ آخر زيارة له .. وصفحة بول أيضا .. آخر تعليق له على أنثوني يقول فيه : صورتك مريعة .. شعرك الأصفر المنفوش مثل مكنسة الساحرات ههههههههههههههههه ... ويبتسم بيلي ثم يعاوده الوجوم وهو يتأمل صور بول وبعض مقاطع الفيديو التي يظهر فيها معه وهما في "الماتشو بكشو" مدينة الإنكا الساحرة أعلى جبال البيرو ... كم كان صيفا ممتعا .. مر كل ذلك كلمح البصر .. هل يعلم أصدقائهما على الإنترنت بالحادثة..؟ .. كيف سيعلم الجميع بأن بول قد مات .. وبأن صفحاته ستتجمد كما هي ومشاركاته ستنقطع ..؟.. إن هذا لشيء محزن حقا ... ثم يعرج على لعبتهما المفضلة "الساكند لايف" إنها الحياة الثانية .. الحياة الأخرى .. لقد اكتفى بيلي بشخصية واحدة .. لكن بول شارك بأكثر من وجه واستطاع ان يكسب اكثر منه بكثير .. لقد كان يساعده عندما يقع في المشاكل في الحياة الثانية .. واليوم يقف بيلي حائرا .. بول كان حذقا في العالم الافتراضي لكنه فقد الحياة الحقيقية .. ما معنى كل هذا .. إذا كان فتى بهذه الوسامة والصحة وبهذا النشاط وهذه الحيوية ينتهي في رمشة عين ويصبح كأن لم يكن .. كالخيال العابر للذاكرة ..  هل كان حقا معنا في هذه الحياة ؟ (يسأل بيلي نفسه ) لولا آثاره هذه .. لشككت حقا .. ألا يكون كل هذا حلما كبيرا .. ألا تكون الحياة لعبة حقيرة .. (وهو ممدد على السرير لا يحس بأطرافه السفلى) ثم يفقد الرغبة في المتابعة .. يطفئ الحاسب .. يضعه جانبا .. يحاول أن ينام والأرق يمنعه .. في الصباح جاءت آنا ومعها دَيفد و بيتر .. يحملون معهم زهورا .. آنا : أمك وصلت إلى دنفر أمس .. وغدا ستكون هنا معنا  بيلي : أليست قلقة بشأني  آنا : تبدوا بعض الشيء كذلك ، لكنني طمأنتها  بيتر : جميع أعضاء الفريق يسألون عنك وعن صحتك ، وينتظرون عودتك السريعة ديفد : في الحقيقة بيلي .. جئنا لنودعك .. لقد جد جديد في مركز الأبحاث ونحن مضطرون إلى العودة إلى الهوائي .. لست أدري إن أمكنني شرح المزيد (ويلتفت نحو بيتر) يومئ له بيتر موافقا ، فيكمل ديفد : يبدوا أننا التقطنا إشارة جديدة .. وهذه المرة يبدوا الأمر جديا .. يبتهج بيلي : هل صحيح هذا الأمر بيتر ..؟ بيتر : نعم بيلي .. هي إشارة مخالفة لكل ما رصدناه من قبل  ديفد : إننا في لحظات تاريخية بيلي ، وإذا نجح الأمر فسيكتب اسميكما أنت وبول على شاشات الأخبار وستنشر صورتك على غلاف مجلة التايم لهذا العام  بيتر : أجل .. لذلك يجب أن نعود إلى الهوائي ولا نضيع الوقت .. بول يستحق منا جهدا إضافيا في إتمام ما بدأه و أنت أيضا .. برنامجكما يبلي حسنا بيلي  بيلي : متى أستطيع اللحاق بكم ..؟ آنا : ليس قبل أن تتعافى نهائيا .. مازال أمامك وقت نقاهة  ثم انصرف الجميع ... مساءا وبول يحاول أن يتلهى ببعض ألعاب الفيديو، يصيبه فتور وكآبة .. يغلق الحاسب ويضعه جانبا .. يلتقط مجلة ، يقلب أوراقها : لو كان بول حيا ، لأقام الدنيا ولم يقعدها، كان ينتظر هذه اللحظة منذ بدئنا العمل، كنا نعلم أن برنامجنا كفيل بأن يساعد في التقاط الموجات العالية التي فشلوا في التقاطها من قبل ، منذ سنوات وهم يحاولون جاهدين التقاط إشارات حياة من أقاصي المجرة ولم يستطيعوا غير تلمس بعض الفوضى والتشويش ... سيكون فتحا كبيرا في العلم وحدثا فارقا في هذا القرن .. يستطيع بول أن ينام هانئ البال لأن العالم سيذكره وسيذكرني معه ... نعم لن آسى على صديقي ... وضع المجلة وحاول أن ينام .. لم يستطع .. فتح عيناه لتقعا على كتابيه .. هدية مستر ريتش .. تناول واحدا منهما، فإذا عنوانه "هكذا تكلم زرادشت" ،"كتاب لكل الناس وليس لأحد" ؟؟؟ بدى العجب على محيا بيلي وقال في نفسه من كاتب هذه الطلاسم ، فقرأ "الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه" .. قلّب أوراقه ، تناول فهرس موضوعاته فلفت نظره عنوان يقول "تخير لنفسك الموت" ؟؟؟ فقرأ .. وإذا بنيتشه يكلمه على لسان زرادشت قائلا : كثيرٌ من يتأخرون في موتهم ، وكثير من يبكرون. فاذا قال قائل للناس بالموت في الزمن المناسب ، رفعوا عقيرتهم مستغربين . وأنا أُعَلم الناس أن يموتوا في الوقت المناسب . ولكن أنى لمن يعرف الحياة أن يتخير الموت في أوانه ؟ ... أفما كان خيرا للدخلاء على الحياة لو أنهم لم يولدوا . ولكن هؤلاء الدخلاء يريدون أن يولي الناس أهمية كبرى لموتهم ، وكم من نواة تباهي بأنها كسرت وهي جوفاء .. من الناس من لا يتجاوزون بأعمارهم الحد اللائق بالحقائق والظفر بها... ومن الناس من يدب الهرم إلى قلوبهم أولا ، ومنهم من يدب الهرم إلى عقولهم ، ومنهم من يشيخون في ربيع الحياة ، غير أن من يبلغ الشباب متأخرا يحتفظ بشبابه أمدا طويلا .. ومن الناس من ضلوا السبيل في حياتهم ، فأضاعوا عمرهم ، فعلى هؤلاء أن يعملوا على بلوغ التوفيق في موتهم على الأقل .. وبيلي لا ينفك حريصا على تفكيك شيفرا هذه المعاني المركبة يقول في نفسه : إلى أين يريد أن يصل هذا المعتوه ؟ .. حتى بلغ قوله : والحق أن ذلك العبراني الذي يمجده المبشرون بالموت البطيء قد مات قبل أوانه ، ولم يزل جم غفير يعتقد بأن ميتته المبكرة كانت مقدورة عليه .. وما كان هذا المسيح العبراني قد عرف غير دموع قومه وأحزانهم وكيد أهل الصلاح والعدل ، لذلك راودته فجأة شهوة الفناء . ولو أنه بقي في الصحراء بعيدا عن أهل الصلاح والعدل لكان تعلم حب الحياة وحب الأرض ، ولكان تعلم الضحك أيضاً .  صدقوني، أيها الإخوة ، إن المسيح قد مات قبل أوانه ، ولو أنه بلغ العمر الذي بلغتُ ، لكان جحد تعاليمه ...  وبول أيضا مات قبل أوانه .. أردف بيلي وهو يقلب صفحات الأحجية متسائلا: هل هناك في الحياة حقيقة غير ما نرى وما نسمع ..؟ ماذا يريد منا هذا المخبول ..؟ لو عاش هو أيضا إلى زمننا هذا لجحد كتابه هذا .. حتى استوقفه عنوان يقول " المخدوعون بالعالم الثاني " فقرأ:

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

Second life

في اليل وبعد أن غادرت آنا .. يتصفح بيلي موقعه على الإنترنت .. بريده الإلكتروني مملوء بالرسائل .. وصفحته على "الماي سبيس" و"الفيس بوك" لا تزال كما هي منذ آخر زيارة له .. وصفحة بول أيضا .. آخر تعليق له على أنثوني يقول فيه : صورتك مريعة .. شعرك الأصفر المنفوش مثل مكنسة الساحرات ههههههههههههههههه ... ويبتسم بيلي ثم يعاوده الوجوم وهو يتأمل صور بول وبعض مقاطع الفيديو التي يظهر فيها معه وهما في "الماتشو بكشو" مدينة الإنكا الساحرة أعلى جبال البيرو ... كم كان صيفا ممتعا .. مر كل ذلك كلمح البصر .. هل يعلم أصدقائهما على الإنترنت بالحادثة..؟ .. كيف سيعلم الجميع بأن بول قد مات .. وبأن صفحاته ستتجمد كما هي ومشاركاته ستنقطع ..؟.. إن هذا لشيء محزن حقا ... ثم يعرج على لعبتهما المفضلة "الساكند لايف" إنها الحياة الثانية .. الحياة الأخرى .. لقد اكتفى بيلي بشخصية واحدة .. لكن بول شارك بأكثر من وجه واستطاع ان يكسب اكثر منه بكثير .. لقد كان يساعده عندما يقع في المشاكل في الحياة الثانية .. واليوم يقف بيلي حائرا .. بول كان حذقا في العالم الافتراضي لكنه فقد الحياة الحقيقية .. ما معنى كل هذا .. إذا كان فتى بهذه الوسامة والصحة وبهذا النشاط وهذه الحيوية ينتهي في رمشة عين ويصبح كأن لم يكن .. كالخيال العابر للذاكرة .. 
هل كان حقا معنا في هذه الحياة ؟ (يسأل بيلي نفسه )
لولا آثاره هذه .. لشككت حقا .. ألا يكون كل هذا حلما كبيرا .. ألا تكون الحياة لعبة حقيرة .. (وهو ممدد على السرير لا يحس بأطرافه السفلى)
ثم يفقد الرغبة في المتابعة .. يطفئ الحاسب .. يضعه جانبا .. يحاول أن ينام والأرق يمنعه ..
في الصباح جاءت آنا ومعها دَيفد و بيتر .. يحملون معهم زهورا ..
آنا : أمك وصلت إلى دنفر أمس .. وغدا ستكون هنا معنا 
بيلي : أليست قلقة بشأني 
آنا : تبدوا بعض الشيء كذلك ، لكنني طمأنتها 
بيتر : جميع أعضاء الفريق يسألون عنك وعن صحتك ، وينتظرون عودتك السريعة
ديفد : في الحقيقة بيلي .. جئنا لنودعك .. لقد جد جديد في مركز الأبحاث ونحن مضطرون إلى العودة إلى الهوائي .. لست أدري إن أمكنني شرح المزيد (ويلتفت نحو بيتر)
يومئ له بيتر موافقا ، فيكمل ديفد : يبدوا أننا التقطنا إشارة جديدة .. وهذه المرة يبدوا الأمر جديا ..
يبتهج بيلي : هل صحيح هذا الأمر بيتر ..؟
بيتر : نعم بيلي .. هي إشارة مخالفة لكل ما رصدناه من قبل 
ديفد : إننا في لحظات تاريخية بيلي ، وإذا نجح الأمر فسيكتب اسميكما أنت وبول على شاشات الأخبار وستنشر صورتك على غلاف مجلة التايم لهذا العام 
بيتر : أجل .. لذلك يجب أن نعود إلى الهوائي ولا نضيع الوقت .. بول يستحق منا جهدا إضافيا في إتمام ما بدأه و أنت أيضا .. برنامجكما يبلي حسنا بيلي 
بيلي : متى أستطيع اللحاق بكم ..؟
آنا : ليس قبل أن تتعافى نهائيا .. مازال أمامك وقت نقاهة 
ثم انصرف الجميع ...
مساءا وبول يحاول أن يتلهى ببعض ألعاب الفيديو، يصيبه فتور وكآبة .. يغلق الحاسب ويضعه جانبا .. يلتقط مجلة ، يقلب أوراقها :
لو كان بول حيا ، لأقام الدنيا ولم يقعدها، كان ينتظر هذه اللحظة منذ بدئنا العمل، كنا نعلم أن برنامجنا كفيل بأن يساعد في التقاط الموجات العالية التي فشلوا في التقاطها من قبل ، منذ سنوات وهم يحاولون جاهدين التقاط إشارات حياة من أقاصي المجرة ولم يستطيعوا غير تلمس بعض الفوضى والتشويش ...
سيكون فتحا كبيرا في العلم وحدثا فارقا في هذا القرن .. يستطيع بول أن ينام هانئ البال لأن العالم سيذكره وسيذكرني معه ... نعم لن آسى على صديقي ...
وضع المجلة وحاول أن ينام .. لم يستطع .. فتح عيناه لتقعا على كتابيه .. هدية مستر ريتش .. تناول واحدا منهما، فإذا عنوانه "هكذا تكلم زرادشت" ،"كتاب لكل الناس وليس لأحد" ؟؟؟ بدى العجب على محيا بيلي وقال في نفسه من كاتب هذه الطلاسم ، فقرأ "الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه" .. قلّب أوراقه ، تناول فهرس موضوعاته فلفت نظره عنوان يقول "تخير لنفسك الموت" ؟؟؟ فقرأ .. وإذا بنيتشه يكلمه على لسان زرادشت قائلا :
كثيرٌ من يتأخرون في موتهم ، وكثير من يبكرون. فاذا قال قائل للناس بالموت في الزمن المناسب ، رفعوا عقيرتهم مستغربين . وأنا أُعَلم الناس أن يموتوا في الوقت المناسب . ولكن أنى لمن يعرف الحياة أن يتخير الموت في أوانه ؟ ...
أفما كان خيرا للدخلاء على الحياة لو أنهم لم يولدوا . ولكن هؤلاء الدخلاء يريدون أن يولي الناس أهمية كبرى لموتهم ، وكم من نواة تباهي بأنها كسرت وهي جوفاء ..
من الناس من لا يتجاوزون بأعمارهم الحد اللائق بالحقائق والظفر بها...
ومن الناس من يدب الهرم إلى قلوبهم أولا ، ومنهم من يدب الهرم إلى عقولهم ، ومنهم من يشيخون في ربيع الحياة ، غير أن من يبلغ الشباب متأخرا يحتفظ بشبابه أمدا طويلا ..
ومن الناس من ضلوا السبيل في حياتهم ، فأضاعوا عمرهم ، فعلى هؤلاء أن يعملوا على بلوغ التوفيق في موتهم على الأقل ..
وبيلي لا ينفك حريصا على تفكيك شيفرا هذه المعاني المركبة يقول في نفسه : إلى أين يريد أن يصل هذا المعتوه ؟ .. حتى بلغ قوله :
والحق أن ذلك العبراني الذي يمجده المبشرون بالموت البطيء قد مات قبل أوانه ، ولم يزل جم غفير يعتقد بأن ميتته المبكرة كانت مقدورة عليه ..
وما كان هذا المسيح العبراني قد عرف غير دموع قومه وأحزانهم وكيد أهل الصلاح والعدل ، لذلك راودته فجأة شهوة الفناء .
ولو أنه بقي في الصحراء بعيدا عن أهل الصلاح والعدل لكان تعلم حب الحياة وحب الأرض ، ولكان تعلم الضحك أيضاً . 
صدقوني، أيها الإخوة ، إن المسيح قد مات قبل أوانه ، ولو أنه بلغ العمر الذي بلغتُ ، لكان جحد تعاليمه ... 
وبول أيضا مات قبل أوانه .. أردف بيلي وهو يقلب صفحات الأحجية متسائلا: هل هناك في الحياة حقيقة غير ما نرى وما نسمع ..؟ ماذا يريد منا هذا المخبول ..؟ لو عاش هو أيضا إلى زمننا هذا لجحد كتابه هذا .. حتى استوقفه عنوان يقول " المخدوعون بالعالم الثاني " فقرأ:

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


#قصة #رواية # #باسكال #كاليفورنيا #Second #life

باسكال في كاليفورنيا -1- قريبا من الموت

0
قريبا من الموت   بالكاد يستطيع فتح عينيه، ممددا على السرير، حتى يلمح قبالته وجه طبيب يكلمه :  ما اسمك ..؟  .. بيلي ..  بيلي ماذا ..؟  .. بيلي ميللر ..  هل انت متأكد ..؟  ..طبعا ..  إذا فأنت بخير .. لا تقلق .. سنعتني بك جيدا .. أنا الدكتور جايمس .. جايمس وولكر .. يمكنك مناداتي ريو ...  قُلي بيلي .. هل تعرف هذه الفتاة الجالسة بقربك ..؟  يعطف بيلي بصره قليلا ثم يبتسم قائلا : آنــَّـــا ..  تجيبه آنا مبتسمة وهي تمسح دموعها خفية : أجل بيلي .. آنا بقربك وسوف تعتني بك ...  بيلي : ما الذي حدث آنا .. ؟  تنظر آنا إلى الطبيب وهي تحاول التهرب من الجواب  بيلي : أجل تذكرت .. السيارة والحادث .. بول فقد السيطرة ..  يلتفت ببطء من حوله : ولكن أين هو بول ..؟  تدس آنا وجهها بين كفيها وتجهش بالبكاء..  الطبيب ريو يبادر بالكلام قائلا :  بيلي .. لقد كان الحادث أليما جدا .. فعلنا ما بوسعنا لإنقاذك وإنقاد بول .. لكن و للأسف صديقك لم يساعفه الحظ .. في الحقيقة .. بول فارق الحياة لحظة الحادث ..  بيلي .. لقد نجوت بأعجوبة .. أنت تملك قوة عظيمة ساعدتنا على إبقائك حيا .. أنت الآن أحسن بكثير .. وسوف تشفى في أسرع وقت ممكن .. أعدك بذلك .  تجحظ عينا بيلي ويتمتم : .. بول مات .. ؟؟  وتمر الأيام ببطء كئيب وبيلي ممدد على سريره يكتشف شيئا فشيئا أن حالته حرجة وأن الحادثة أورثته شلالا في نصفه السفلي ، يحاول الأطباء التقليل من شأنه وإيهامه أنهم يستطيعون معالجة حالته، وحدها آنا كانت تصارحه بالحقيقة ، وذات صباح أقبلت عليه وهي تحمل معها حقيبة ...  لقد سُمح لي بإحضار بعد الأشياء لك . (قالت آنا وهي تفتح حقيبتها)  ماذا عن أمي .. ألم تتصلي بها ..؟  لقد فعلت .. هي الآن في طريقها إلى دنفر  هل أخبرتها بكل شيء ..؟  لا ليس كل الحقيقة .. لم أمتلك الشجاعة لذلك .. خذ بيلي . (وناولته حاسبه المحمول)  شكرا آنا .. لقد أتعبتك معي ...  وهذه بعض الأقراص التي وجدتها في غرفتك .. لعلك تحتاج بعضا منها ..  وجلست آنا وهي تفرغ ما بحقيبتها وتحاول ترتيب الأشياء على المنضدة قرب السرير  اسمع بيلي .. يبدوا أن مقامك هنا سيطول بعض الوقت .. لذا حاول أن تجد بعض التسلية .. ولا بأس بقراءة بعض الكتب أيضا ..  لا أستطيع أن أصدق أن بول قد مات ..  ولا أنا بيلي .. لكن يجب أن نتعود على الأمر .. حاول أن تنسى الموضوع كليا  كيف أنسى آنا .. لقد كنا معا جنبا لجنب .. كنا نضحك كالمخبولين .. لا أزال أتذكر كلماته .. كان يقود بجنون كعادته .. ثم يفترسه الموت هو لا أنا ؟؟؟ .. كم كنت قريبا من الموت .. بيلي .. لأجل هذا أطلب منك أن تنسى الموضوع بالكلية .. حاول أن تلهي نفسك عن العودة إلى الماضي .. لأنك مهما فعلت فلن تستوعب ما حدث ..  وكلنا لا نستطيع ذلك .. بول كان صديقا لنا جميعا .. وشاءت الحياة أن يفارقنا هكذا .. يجب أن نعوّد أنفسنا الحياة من دونه ...  .. اسمع .. إذا تعبت من الحاسوب .. تستطيع تصفح هذه المجلات وأن تطالع هذه الروايات، إنها المفضلة لدي .. لم أجد عندك غير هاذين الكتابين .. ربما تعاود قراءتهما من جديد إن أردت ..  يتأملهما بيلي ثم يبتسم : - صدّقي .. لم أقرأهما بعد  ومنذ متى هما عندك ..؟  منذ مدة ليست بالقصيرة  عجبا لك تشتري كتبا ولا تقرأها ..؟  لم أشتريها ..  فمن هذا الذي أهداها لك إذا ..؟(وهي تبتسم)  أعطاها لي عجوز يدعى ريتشارد يملك محلا لبيع الأقراص المضغوطة والمجلات .. غريب أمره .. كنت أتردد عليه وأنا أبحث عن بعض أقراص البرمجيات .. كان يناديني باسكال  باسكال ..؟ ههه، لماذا ..؟  لست أدري .. ربما ظنني شغوفا بالرياضيات ..  تبدوا كذلك حقا  لكنني لم أسأله يوما عن ذلك .. كان يناديني باسكال وكنت أناديه مستر ريتش .. ويوم أعلمته بأني مسافر إلى كاليفورنيا ، أمهلني هنيهة دخل فيها إلى مخدعه وعاد إلي بهاذين الكتابين ..  ألم يقل لك شيئا خاصا ..؟  لا .. ابتسم وقال : باسكال تستحق هذه الهدية  ولم تقرئهما منذ ذلك التاريخ ..؟  لم أفعل .. كنت على عجل .. تعلمين كيف كانت تلك الأيام  أجل .. أنت وبول .. لا نستطيع إلا أن نذكره ..  نعم .. كانت سعادتنا لا توصف .. حُزنا جائزة أحسن برنامج مصمم لالتقاط ومعالجة موجات التردد المتراكب .. والتحقنا بكم هنا في المعهد .. نعم بيلي .. لقد أضفتما معا جوا من الحيوية إلى الفريق كله .. نعم تستحقان النجاح الذي وصلتما إليه ..  وبول .. كان أحسن مني بكثير .. كان حيويا نشيطا .. حاد الذكاء .. أوه آنا .. لا أستطيع تحمل هذا .. (وتنساب بضع قطرات دمع على خديه)  هوّن عليك بيلي .. هون عليك .. (وهي تربت على كتفيه) .. لا نستطيع أن نغير الأقدار ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

قريبا من الموت 

بالكاد يستطيع فتح عينيه، ممددا على السرير، حتى يلمح قبالته وجه طبيب يكلمه : 
ما اسمك ..؟ 
.. بيلي .. 
بيلي ماذا ..؟ 
.. بيلي ميللر .. 
هل انت متأكد ..؟ 
..طبعا .. 
إذا فأنت بخير .. لا تقلق .. سنعتني بك جيدا .. أنا الدكتور جايمس .. جايمس وولكر .. يمكنك مناداتي ريو ... 
قُلي بيلي .. هل تعرف هذه الفتاة الجالسة بقربك ..؟ 
يعطف بيلي بصره قليلا ثم يبتسم قائلا : آنــَّـــا .. 
تجيبه آنا مبتسمة وهي تمسح دموعها خفية : أجل بيلي .. آنا بقربك وسوف تعتني بك ... 
بيلي : ما الذي حدث آنا .. ؟ 
تنظر آنا إلى الطبيب وهي تحاول التهرب من الجواب 
بيلي : أجل تذكرت .. السيارة والحادث .. بول فقد السيطرة .. 
يلتفت ببطء من حوله : ولكن أين هو بول ..؟ 
تدس آنا وجهها بين كفيها وتجهش بالبكاء.. 
الطبيب ريو يبادر بالكلام قائلا : 
بيلي .. لقد كان الحادث أليما جدا .. فعلنا ما بوسعنا لإنقاذك وإنقاد بول .. لكن و للأسف صديقك لم يساعفه الحظ .. في الحقيقة .. بول فارق الحياة لحظة الحادث .. 
بيلي .. لقد نجوت بأعجوبة .. أنت تملك قوة عظيمة ساعدتنا على إبقائك حيا .. أنت الآن أحسن بكثير .. وسوف تشفى في أسرع وقت ممكن .. أعدك بذلك . 
تجحظ عينا بيلي ويتمتم : .. بول مات .. ؟؟ 
وتمر الأيام ببطء كئيب وبيلي ممدد على سريره يكتشف شيئا فشيئا أن حالته حرجة وأن الحادثة أورثته شلالا في نصفه السفلي ، يحاول الأطباء التقليل من شأنه وإيهامه أنهم يستطيعون معالجة حالته، وحدها آنا كانت تصارحه بالحقيقة ، وذات صباح أقبلت عليه وهي تحمل معها حقيبة ... 
لقد سُمح لي بإحضار بعد الأشياء لك . (قالت آنا وهي تفتح حقيبتها) 
ماذا عن أمي .. ألم تتصلي بها ..؟ 
لقد فعلت .. هي الآن في طريقها إلى دنفر 
هل أخبرتها بكل شيء ..؟ 
لا ليس كل الحقيقة .. لم أمتلك الشجاعة لذلك .. خذ بيلي . (وناولته حاسبه المحمول) 
شكرا آنا .. لقد أتعبتك معي ... 
وهذه بعض الأقراص التي وجدتها في غرفتك .. لعلك تحتاج بعضا منها .. 
وجلست آنا وهي تفرغ ما بحقيبتها وتحاول ترتيب الأشياء على المنضدة قرب السرير 
اسمع بيلي .. يبدوا أن مقامك هنا سيطول بعض الوقت .. لذا حاول أن تجد بعض التسلية .. ولا بأس بقراءة بعض الكتب أيضا .. 
لا أستطيع أن أصدق أن بول قد مات .. 
ولا أنا بيلي .. لكن يجب أن نتعود على الأمر .. حاول أن تنسى الموضوع كليا 
كيف أنسى آنا .. لقد كنا معا جنبا لجنب .. كنا نضحك كالمخبولين .. لا أزال أتذكر كلماته .. كان يقود بجنون كعادته .. ثم يفترسه الموت هو لا أنا ؟؟؟ .. كم كنت قريبا من الموت ..
بيلي .. لأجل هذا أطلب منك أن تنسى الموضوع بالكلية .. حاول أن تلهي نفسك عن العودة إلى الماضي .. لأنك مهما فعلت فلن تستوعب ما حدث .. 
وكلنا لا نستطيع ذلك .. بول كان صديقا لنا جميعا .. وشاءت الحياة أن يفارقنا هكذا .. يجب أن نعوّد أنفسنا الحياة من دونه ... 
.. اسمع .. إذا تعبت من الحاسوب .. تستطيع تصفح هذه المجلات وأن تطالع هذه الروايات، إنها المفضلة لدي .. لم أجد عندك غير هاذين الكتابين .. ربما تعاود قراءتهما من جديد إن أردت .. 
يتأملهما بيلي ثم يبتسم : - صدّقي .. لم أقرأهما بعد 
ومنذ متى هما عندك ..؟ 
منذ مدة ليست بالقصيرة 
عجبا لك تشتري كتبا ولا تقرأها ..؟ 
لم أشتريها .. 
فمن هذا الذي أهداها لك إذا ..؟(وهي تبتسم) 
أعطاها لي عجوز يدعى ريتشارد يملك محلا لبيع الأقراص المضغوطة والمجلات .. غريب أمره .. كنت أتردد عليه وأنا أبحث عن بعض أقراص البرمجيات .. كان يناديني باسكال 
باسكال ..؟ ههه، لماذا ..؟ 
لست أدري .. ربما ظنني شغوفا بالرياضيات .. 
تبدوا كذلك حقا 
لكنني لم أسأله يوما عن ذلك .. كان يناديني باسكال وكنت أناديه مستر ريتش .. ويوم أعلمته بأني مسافر إلى كاليفورنيا ، أمهلني هنيهة دخل فيها إلى مخدعه وعاد إلي بهاذين الكتابين .. 
ألم يقل لك شيئا خاصا ..؟ 
لا .. ابتسم وقال : باسكال تستحق هذه الهدية 
ولم تقرئهما منذ ذلك التاريخ ..؟ 
لم أفعل .. كنت على عجل .. تعلمين كيف كانت تلك الأيام 
أجل .. أنت وبول .. لا نستطيع إلا أن نذكره .. 
نعم .. كانت سعادتنا لا توصف .. حُزنا جائزة أحسن برنامج مصمم لالتقاط ومعالجة موجات التردد المتراكب .. والتحقنا بكم هنا في المعهد ..
نعم بيلي .. لقد أضفتما معا جوا من الحيوية إلى الفريق كله .. نعم تستحقان النجاح الذي وصلتما إليه .. 
وبول .. كان أحسن مني بكثير .. كان حيويا نشيطا .. حاد الذكاء .. أوه آنا .. لا أستطيع تحمل هذا .. (وتنساب بضع قطرات دمع على خديه) 
هوّن عليك بيلي .. هون عليك .. (وهي تربت على كتفيه) .. لا نستطيع أن نغير الأقدار ...

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


#قصة #رواية # #باسكال #كاليفورنيا #قريبا #الموت

الشيطان والإنسان: القصة -2- مخلوق ضعيف

0
الفصل الثاني  يتداول بين الملائكة اسم هذا الضيف الجديد الغريب وما له من شأن عن الله الملك .. وكيف اختاره خليفة له على الأرض .. يشتد الخلاف والجدل بعدما علم الجميع أن هذا المخلوق لن يفي الأمانة حقها وأن مسيرته على الأرض سيشوبها فساد وسفك دماء .. يشتد الجدل وقد سمعوا من راجع الله الخالق العظيم و ناقش أمر توليت هذا المفسد زمام خلافة الأرض ...  -كيف يتولى الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والجبال ، مخلوق ضعيف ..؟؟  -وظلوم جهول فوق ذلك ..؟؟  الجميع أدرك أن أمرا عظيما قد أقبل ، وأن الحياة لن تبقى على حالها ... اضطراب عظيم ..الكل يستفتي والكل مختلف .. وإبليس يذكي جذوة الخلاف . لايزال على حاله ظاهر الصلاح ، لكنه و في أعماق نفسه يدير الفكر في أمره وأمر هذا الجديد يحاول حل مشكلته ، كيف يمكنه استدراك الحالة وتجاوزها ..  إذا بالله الملك العظيم يجمع الملائكة ، كل الملائكة في الساحة العظيمة أين يرقد جسد الإنسان يابسا باردا .. وينضم إبليس في من انضم إلى الجمع الرهيب .. -إنها لحظة الخلق .. لحظة النفخ .. ويسود الصمت المهيب .. في حضرة صاحب الجلالة المطلقة والتقديس اللانهائي .. فلا تنبس شفة. ويتكلم الحق جل جلاله مخاطبا الملائكة: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين  الجميع ينصت للأمر بإذعان شديد ، وإبليس لا يملك حينها غير الصمت والترقب .. وهاهي ذي النفخة تغرس الروح في آدم ، تسري في أوصاله، تنبت الحياة .. وإذا بالجم الغفير من الملائكة الأطهار ينحني ويخر ساجدا سجدة واحدة هائلة مهيبة .. إلا شخصا واحدا .. و واحدا فقط. تجمدت الدماء في عروقه .. عيناه جاحظتان يقدح منهما الشرر.. وأنفاسه مضطربة .. الخطب بدد حلمه .. هاهو ذاك الذي استضعفه واحتقر خلقته يسجد له الجميع .. الكل حتى المقربين منهم .. بل وقد أمر هو نفسه بالسجود له. لا يحتمل ... لايطيق كل هذا ... بلغ به الغيض أوج مبلغه .. تشنجت نفسه وتناثر تركيزه وتشوشت أفكاره ... لقد أصيب في الصميم .. في مقتله. يقف مرتبكا لا يقدر على شيء ... لأن الحالة أكبر منه .. عظم ما يخفيه استفحل وبلغ حد الإنفجار وهو الآن يضغط على حلقومه في آخر محاولات التمثيل والتظاهر .. ولا يملك غير الصمت .. لأنه لو تكلم لانفجر وفضح كل شيء .. لقد كشفت المعادلة .. ولأول مرة يوشك أن يخسر الإمتحان .. أمام كل من خدعهم .. لعمري إن الملائكة لأشد اندهاشا لصنيعه .. لهذا العصيان ..  ويستوي آدم قائما يتأمل الحياة والجميع سجدا له .. إلا شخص واحد يرمقه بنظرات حاقدة .. فلا يمهلهما الله الملك الحكيم غير قليل حتى يبدأ إبليس بالسؤال : يا إبليس .. ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ..؟ وكان أشد شيء على نفسه سؤال كهذا ، أمام جمع كهذا ، وفي موقف مثل هذا ... لكم تمنى أن يعاقبه الله قبل أن يسأله .. لأنه يدرك تمام الإدراك أن الله سبحانه بهذا استوفى فيه العدل كل العدل وأنما جريرته تكون قد عولجت بكل قسط فلا يملك أمامها من سبيل ... أما وقد سؤل .. فبأي شيء يجيب ؟... ما عساه قول ؟؟.. هو يدرك أن الله يعلم ما يخفيه .. لكن ما عساه يقول أمام هؤلاء الملا ئكة ؟ أمام هؤلاء المندهشين الذين طالما رأو منه الصلاح والطاعة ..؟ بأي حق فعل هذا ..؟ .. بأي حق عصى الرب العظيم خالقه ..؟ كل هذا وكلكل من الغيظ عظيم يضغط على أنفاسه مجتمعا حول حلقه .. يمنع لسانه .. يخشى أن تندلق عبره أدران الغيض والحقد والكره .. تحامل على نفسه .. حاول ضبط لسانه .. وشدد التركيز ، فلم يجد أمامه من حجة إلا أن قال: أنا خير منه .. خلقتني من نار وخلقته من طين ... حينها وبعد أن انفلتت من ثنايا لسانه تعابير الطغيان والكبر ، وأبانت للجميع ماكان يخفيه .. إذا بالحقيقة الساطعة تقدح ، وإذا بالباطل المقنع يفضح ، وتصيبه اللعنة فتمسخه شيطانا رجيما..  عندها لم يطق النظر إليه غير قليل ...  -إلى أي حال بشعة صيرت نفسك يا إبليس ...؟ خاطب الجميع أنفسهم غير مصدقين .. -إلى أي قاع ألقى بك كبرياءك ..؟ هي الحقيقة لابد ظاهرة مهما طال أمد الخديعة والباطل ... فصبرا صبرا أهل الحق.

الفصل الثاني

يتداول بين الملائكة اسم هذا الضيف الجديد الغريب وما له من شأن عن الله الملك .. وكيف اختاره خليفة له على الأرض ..
يشتد الخلاف والجدل بعدما علم الجميع أن هذا المخلوق لن يفي الأمانة حقها وأن مسيرته على الأرض سيشوبها فساد وسفك دماء .. يشتد الجدل وقد سمعوا من راجع الله الخالق العظيم و ناقش أمر توليت هذا المفسد زمام خلافة الأرض ... 
-كيف يتولى الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والجبال ، مخلوق ضعيف ..؟؟ 
-وظلوم جهول فوق ذلك ..؟؟ 
الجميع أدرك أن أمرا عظيما قد أقبل ، وأن الحياة لن تبقى على حالها ... اضطراب عظيم ..الكل يستفتي والكل مختلف .. وإبليس يذكي جذوة الخلاف .
لايزال على حاله ظاهر الصلاح ، لكنه و في أعماق نفسه يدير الفكر في أمره وأمر هذا الجديد يحاول حل مشكلته ، كيف يمكنه استدراك الحالة وتجاوزها .. 
إذا بالله الملك العظيم يجمع الملائكة ، كل الملائكة في الساحة العظيمة أين يرقد جسد الإنسان يابسا باردا ..
وينضم إبليس في من انضم إلى الجمع الرهيب ..
-إنها لحظة الخلق .. لحظة النفخ ..
ويسود الصمت المهيب .. في حضرة صاحب الجلالة المطلقة والتقديس اللانهائي .. فلا تنبس شفة.
ويتكلم الحق جل جلاله مخاطبا الملائكة:
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 
الجميع ينصت للأمر بإذعان شديد ، وإبليس لا يملك حينها غير الصمت والترقب ..
وهاهي ذي النفخة تغرس الروح في آدم ، تسري في أوصاله، تنبت الحياة .. وإذا بالجم الغفير من الملائكة الأطهار ينحني ويخر ساجدا سجدة واحدة هائلة مهيبة .. إلا شخصا واحدا .. و واحدا فقط.
تجمدت الدماء في عروقه .. عيناه جاحظتان يقدح منهما الشرر.. وأنفاسه مضطربة ..
الخطب بدد حلمه .. هاهو ذاك الذي استضعفه واحتقر خلقته يسجد له الجميع .. الكل حتى المقربين منهم .. بل وقد أمر هو نفسه بالسجود له.
لا يحتمل ... لايطيق كل هذا ... بلغ به الغيض أوج مبلغه .. تشنجت نفسه وتناثر تركيزه وتشوشت أفكاره ... لقد أصيب في الصميم .. في مقتله.
يقف مرتبكا لا يقدر على شيء ... لأن الحالة أكبر منه .. عظم ما يخفيه استفحل وبلغ حد الإنفجار وهو الآن يضغط على حلقومه في آخر محاولات التمثيل والتظاهر .. ولا يملك غير الصمت .. لأنه لو تكلم لانفجر وفضح كل شيء .. لقد كشفت المعادلة .. ولأول مرة يوشك أن يخسر الإمتحان .. أمام كل من خدعهم ..
لعمري إن الملائكة لأشد اندهاشا لصنيعه .. لهذا العصيان .. 
ويستوي آدم قائما يتأمل الحياة والجميع سجدا له .. إلا شخص واحد يرمقه بنظرات حاقدة .. فلا يمهلهما الله الملك الحكيم غير قليل حتى يبدأ إبليس بالسؤال :
يا إبليس .. ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ..؟
وكان أشد شيء على نفسه سؤال كهذا ، أمام جمع كهذا ، وفي موقف مثل هذا ... لكم تمنى أن يعاقبه الله قبل أن يسأله .. لأنه يدرك تمام الإدراك أن الله سبحانه بهذا استوفى فيه العدل كل العدل وأنما جريرته تكون قد عولجت بكل قسط فلا يملك أمامها من سبيل ...
أما وقد سؤل .. فبأي شيء يجيب ؟... ما عساه قول ؟؟.. هو يدرك أن الله يعلم ما يخفيه .. لكن ما عساه يقول أمام هؤلاء الملا ئكة ؟ أمام هؤلاء المندهشين الذين طالما رأو منه الصلاح والطاعة ..؟
بأي حق فعل هذا ..؟ .. بأي حق عصى الرب العظيم خالقه ..؟
كل هذا وكلكل من الغيظ عظيم يضغط على أنفاسه مجتمعا حول حلقه .. يمنع لسانه .. يخشى أن تندلق عبره أدران الغيض والحقد والكره ..
تحامل على نفسه .. حاول ضبط لسانه .. وشدد التركيز ، فلم يجد أمامه من حجة إلا أن قال:
أنا خير منه .. خلقتني من نار وخلقته من طين ...
حينها وبعد أن انفلتت من ثنايا لسانه تعابير الطغيان والكبر ، وأبانت للجميع ماكان يخفيه .. إذا بالحقيقة الساطعة تقدح ، وإذا بالباطل المقنع يفضح ، وتصيبه اللعنة فتمسخه شيطانا رجيما.. 
عندها لم يطق النظر إليه غير قليل ... 
-إلى أي حال بشعة صيرت نفسك يا إبليس ...؟ خاطب الجميع أنفسهم غير مصدقين ..
-إلى أي قاع ألقى بك كبرياءك ..؟
هي الحقيقة لابد ظاهرة مهما طال أمد الخديعة والباطل ... فصبرا صبرا أهل الحق.


*** 
مصطفى محاوي - أوت 2004

إستمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


#قصة #رواية # #الشيطان #والإنسان: #القصة #-2- # #مخلوق #ضعيف # # # # # #
يتم التشغيل بواسطة Blogger.