باسكال في كاليفورنيا -4- الحياة لن تنتهي هنا

0
الحياة لن تنتهي هنا  في شيكاغوا عاد بيلي مع أمه إلى البيت بعد فترة وجيزة في المستشفى وبعد أن شارفت امه على الاستسلام لشلله الدائم لا تزال على الاتصال بالأطباء تتبع بصيص الامل في علاج ابنها ... في البيت لا يكف أصدقاء العائلة عن التوافد لزيارة بيلي ... والدا بول أيضا ورغم مصابهما أقبلا لرؤيته وكم كان اللقاء مؤثرا مفعما بالمشاعر... وفي مساء أحد الأيام طرق الباب طارق ، ففتحت الأم وإذا بالعجوز ريتشارد صاحب المحل يحمل في يده باقة من الورد يستأذن في زيارة بيلي ، وكان التأثر باديا عليه .. تقدم وقبل بيلي كأب عطوف وابتسم : فلتكن شجاعا يا باسكال .. الحياة لن تنتهي هنا .. هذا لطف منك .. مستر ريتش .. سرتني فعلا زيارتك  ثم اغرورقت عينا العجوز بالدموع فقام يريد الانصراف ، ورغم توسلات بيلي وإلحاح الام عليه بالبقاء إلا أنه أصر متعذرا بحاجيات المحل ..  بعد أيام أصر بيلي على الخروج من المنزل بكرسيه المتحرك لوحده ، فلم تجد الأم بدا من منعه، فسمحت له شريطة أن لا يبتعد .. فخرج يدحرج عجلاته على رصيف الحي ، يحيي من يلقاه من الأصحاب والجيران ثم بدرت بذهنه خاطرة في زيارة محل العجوز ريتشارد ، فانحدر نحوه .. ولما دفع الباب ودخل، أقبل عليه العجوز مستبشرا وهو يقول : باسكال ... كم أنا سعيد برؤيتك هنا  وأخذ بكرسيه يجره إلى داخل مخدعه المتواضع ثم استأذن بيلي في أن يغلق باب المحل حتى لا يقطع أي زبون جلستهما ... جئت لأشكرك على لفتتك الكريمة بزيارتي ذلك المساء ذاك من الواجب ... حدثني باسكال عن كاليفورنيا والعمل هناك (وأخذ يحضر شيئا من القهوة في مطبخه الصغير) لقد التحقت انا وبول بمعهد سيتي للاستماع وهو تابع لناسا ، في إطار برنامج ضخم لاكتشاف الفضاء ورصد الحياة في المجموعات الشمسية المشابهة لمجموعتنا ... في معهدنا يتركز بحثنا عن الحياة باستقبال الإشارات والرسائل التي ربما تكون قد أرسلت من قبل حضارات متطورة .. نبحث في تفاصيل الموجات والترددات، و البرنامج الذي طورته أنا وبول يغطي جانبا من هذه الموجات بالأخص منها ذات التردد المتراكب .. إذا فأنتم تبحثون عن الحياة في السماء .. أجل .. يمكنك قول هذا ... فالعلم أثبت أن الحياة ليست بدعة على الأرض .. كيف ذلك ..؟ الحياة على الأرض .. ليست إلا بذرة جاءت من أقاصي الكون ، غرستها المذنبات هنا منذ دهر بعيد .. لكنها مجرد فكرة أوحى بها فلم حرب النجوم ، وليست حتى نظرية .. مستر ريتش .. بمعادلات إحتمالية ، لا يمكن أن يبقى لدينا شك في أن الكون يعج بالحياة .. إسمع باسكال .. (وجلس يقدم كوبا من القهوة إليه) .. فكرة بذور الحياة هذه ، جاءت ردا على العجز المريع الذي منيت به فكرة تكوّن الحياة هنا على الأرض من اخلاط كيمياوية بالصدفة ... الحياة أعقد من أن تركب هكذا في المخبر ... لأجل ذلك ففكرة بذرة خيالية تحمل هذا التركيب الغامض تأتي من أقاصي الكون أصبحت بديلا .. لكنها ليست الحقيقة .. وماهي الحقيقة ..؟؟ الحقيقة ..هي أن الحياة معجزة ... إنها معقدة للغاية ، إن خلية الكائن الحي أعقد بكثير من جميع منتجات التكنلوجيا التي صنعها الإنسان في وقتنا الحاضر و لا يمكن إنتاج خلية واحدة بتجميع مواد غير حية في أكبر المعامل المتطورة في العالم .. و بالاحتمالات التي تكلمت عنها .. خذ مثلا احتمالية تكوين بروتين متوسط له خمس مئة حمض أميني هي 1 من 10 950، إنها تعد مستحيلا على أرض الواقع ... ماذا يعني كل هذا ..؟ هذا يعني أن ظهور الحياة هكذا مصادفة شيء مستحيل .. يجب علينا يا باسكال أن نعترف بقوة عظيمة خلقت الحياة لا أن نهرب نحو الأمام باحثين عن وهم آخر ... إنك تتكلم عن الأشياء السماوية التي رفضها نيتشه ... نعم باسكال ، رفضها نيتشه باسم العلم ، والعلم نفسه يرفض أفكاره اليوم، العلم اليوم يبحث عنها ليجد إجابات الحياة الخالدة ،... صدقني باسكال ، أنتم تبحثون عن الله في السماء .. (فانتبه باسكال إليه وحدق بعينيه) كيف ذلك مستر ريتش ..؟ أنتم تبحثون عن الحياة في السماء ..؟ .. أجيبك وأقول لك بكل صدق .. نعم هناك حياة وحضارة أعظم مما نتصور جميعا ... إنها تختفي خلف ذلك الستار المظلم من المادة الكونية ... أنتم تنتظرون إشارة تواصل من تلك الحضارات ..؟ .. أجيبك بان تلك الحضارات راسلتنا أكثر من مرة لكننا لم نجبها ، وكنا دائما نستهزئ بمن يحدثنا أن السماء قد كلمته  .. باسكال .. العالم قد يقوم ولا يقعد إن علم أن مخلوقا من الفضاء نزل يوما إلى الأرض ، بينما وفي الحقيقة نحن مخلوقات فضائية غزونا هذه الأرض ، فخربناها ونوشك ان ندمرها ... نيتشه أقسم بالتشبث بالأرض ظنا منه أنها أصله الأول والأخير ... لكن علم الجينات اليوم يثبت بالدليل القاطع أن سلسلة مورثات كل البشر على الأرض مترابطة وتنتهي في أصلها إلى رجل واحد وامرأة واحدة ، إلى آدم وحواء ... إذا فنحن مخلوقات فضائية .. فمن أي كوكب جئنا ..؟ من كوكب الجنة، باسكال ... ليس أمامك من سبيل إلا أن تؤمن بهذا... ، بأن بول قد غادرنا ليعود إلى ذلك الكوكب الجميل ..، وبأننا سوف نلحق به يوما ما  هذا شيء جميل .. لكنك تحدثت عن رسائل وصلتنا من تلك الحضارة .. ماذا عنها ؟؟ نعم .. ومثلما قال نيتشه، فسر الوجود لن يكلم الإنسان إلا كإنسان ....(ثم طأطأ رأسه) ،أعلم .. أعلم - باسكال - أني ربما قد أثقلت عليك ، وانك ربما لن تستطيع هضم ما أقول جيدا ،لكنها آفتنا في هذا البلد ...، هكذا كان يصرخ أحد باحثي جامعة هارفارد "لا يمكن أبدا أن نسمح للتفسيرات الإلهية، أن تقفز إلى واجهة الأحداث" حتى ولو كانوا يعارضون العلم ذاته .... لا تقلق مستر ريتش ، فلست منهم ... لكن هناك تحدي امام ما تقول ، نواجهه الآن ، منذ مدة التقطنا إشارة من مجموعة شمسية محددة ، ويبدوا أنها هذه المرة صادرة عن عقل حي ، إذا صدق هذا فسينسف كل ما تقول .. (يبتسم العجوز وهو يرتشف كأسه) ... لا أريد ان أحبط عزيمتك .. لكنها بدون جدوى على الإطلاق ... (يبتسم بيلي أيضا) لا تزال تتمتع بحماسة الرهان ، مستر ريتش  أجل باسكال .. لأنه الرهان مثلما قال "باسكال" ..  عن أي رهان تكلم باسكال ..؟ ألم تقرأ كتابه الذي أعطيته لك ...؟ لا أعذرني .. لم أتمكن إلا من مطالعة الذي لنيتشه .. ولقد لفتني تحصره على باسكال ، ونعته له بالضياع ... فما الذي جناه ..؟ باسكال الصغير ، لا يعرف شيئا عن باسكال الكبير ... لا بل أعلم أنه اكتشف بنفسه وهو لايزال طفلا افتراضات إقليدس ، وانه صاحب فكرة الآلة الحاسبة .. وقد ترك لها مخططا مبتكرا .. ثم ماذا..؟ وانه الذي استطاع حل معادلة منحنى الدائرة الدوارة ، وصاحب الأبحاث في ثقل كتلة الهواء وتوازن السوائل .. وأشياء أخرى .. ثم ماذا ..؟ هذا جل ما كان يدرس لنا من مساهماته في العلم .. وهذا ليس بالقليل ...  إذا وللأسف روح باسكال لم تدرس لكم ، ولا حتى عقله العجيب ، لقد اكتفوا بجزء من آثاره .. مثلما يريدون منا أن نكتفي بجزء من الحقيقة دائما.. إن كنت تعرف بعض الأسرار عن باسكال وضياعه فأخبرني ليست أسرارا .. لكنها حقيقة حياته كلها .. إنها ما عاش من أجله.. والضياع الذي اتهمه به نيتشه، كان، لأن هذه الآثار التي أفادت العلم لم تكن سوى محطات على هامش عمره، الذي أفناه في هم آخر ... بالنسبة لنيتشه فقد أضاع عمره وطاقته الفكرية .. ليس وحده من تحامل على باسكال بالمناسبة ، فقد ثارت ثائرة كاتب أمريكي وهو يكتب سيرته وقال أنه حرم العلم وحرمنا من عبقريته الفذة عندما اعتزل الدنيا وانغمس في التصوف ... (ثم قام إلى خزانة الكتب ، وطفق يقلب كتبها بحثا عن كتاب ينشده، وهو يقول) .. إنهم يلومون باسكال لأنه اختار الحقيقة ورفض أوهام الحياة (ثم استل منها واحدا ، وعاد ليجلس قبالة بيلي ، وهو يقلب أوراقه) ... خذ مثلا ما قاله توكفيل عنه : " لو كان باسكال لا يفكر إلا في الربح الكبير ، أو حتى لو كان حافزه الوحيد حب الشهرة، لما كان باستطاعته في اعتقادي أن يركز كافة قواه العقلية كما فعل من أجل اكتشاف أفضل لأعمق أسرار الخالق . وإذ أراه ينتزع نفسه عن كل مشاغل الحياة ليكرس حياته كلها لهذه الأبحاث ، فيموت قبل الأوان وقد شاخ قبل أن يبلغ الأربعين من العمر، يغمرني الإحساس بالذهول ، وأدرك أنه ما من سبب عادي كان وراء مثل هذا الجهد الفريد". (ثم أقبل على بيلي يخاطبه) .. هل تعلم أن باسكال آوى إلى دير يختلي فيه إلى نفسه وهو في سن الحادية و الثلاثين ، وكان بحوزته حزام من المسامير في مقعده الذي يجلس عليه متى جاءه الناس للتحدث إليه في طلب المشورة ، فإن أحس بأنه يجد لذة في الحوار ضغط بمؤخرته على المقعد حتى يذكر نفسه بحقيقة عمله ودوره في الحياة .. وماهي حقيقة هذا الدور ..؟ باسكال يا صغيري ... لا استطيع أن أشرحها لك أحسن منه ، وقد تستطيع فهمه أحسن مني لأن عقلك الرياضي يشبه عقله كثيرا... تعتقد ذلك فعلا ..؟ نعم .. باسكال .. لا أريدك أن ترفض كل التراث الإنساني القديم .. وتتهم كل تلك الأجيال بالجهل لمجرد أننا قد علمنا أشياء كانوا يجهلونها .. لا أريدك أن تقول مثلما قال جاهل يدّعي العلم "لقد كانت الدنيا بأسرها في الماضي مصابة بالجنون" ... لأنني أخشى أن نكون نحن الذين أصبنا بالعمى ، وأن حقائق عظيمة في الأسفار القديمة، فاتتنا بسبب تكبرنا ... واستمرت جلستهما في نقاش متوقد ، لم يحظى بيلي بمثله من قبل ، ولمس من نفسه أول مرة ميولا نحو هكذا مواضيع ، حتى أحس بأنه قد أطال الغياب عن البيت ، فاستأذن العجوز في المغادرة ، فأبى ريتشارد إلا أن يغلق المحل ويقود كرسيه المتحرك بنفسه حتى اوصله إلى البيت ومن ثمة ودّعه ..

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

الحياة لن تنتهي هنا

في شيكاغوا عاد بيلي مع أمه إلى البيت بعد فترة وجيزة في المستشفى وبعد أن شارفت امه على الاستسلام لشلله الدائم لا تزال على الاتصال بالأطباء تتبع بصيص الامل في علاج ابنها ... في البيت لا يكف أصدقاء العائلة عن التوافد لزيارة بيلي ... والدا بول أيضا ورغم مصابهما أقبلا لرؤيته وكم كان اللقاء مؤثرا مفعما بالمشاعر... وفي مساء أحد الأيام طرق الباب طارق ، ففتحت الأم وإذا بالعجوز ريتشارد صاحب المحل يحمل في يده باقة من الورد يستأذن في زيارة بيلي ، وكان التأثر باديا عليه .. تقدم وقبل بيلي كأب عطوف وابتسم :
فلتكن شجاعا يا باسكال .. الحياة لن تنتهي هنا ..
هذا لطف منك .. مستر ريتش .. سرتني فعلا زيارتك 
ثم اغرورقت عينا العجوز بالدموع فقام يريد الانصراف ، ورغم توسلات بيلي وإلحاح الام عليه بالبقاء إلا أنه أصر متعذرا بحاجيات المحل .. 
بعد أيام أصر بيلي على الخروج من المنزل بكرسيه المتحرك لوحده ، فلم تجد الأم بدا من منعه، فسمحت له شريطة أن لا يبتعد .. فخرج يدحرج عجلاته على رصيف الحي ، يحيي من يلقاه من الأصحاب والجيران ثم بدرت بذهنه خاطرة في زيارة محل العجوز ريتشارد ، فانحدر نحوه .. ولما دفع الباب ودخل، أقبل عليه العجوز مستبشرا وهو يقول :
باسكال ... كم أنا سعيد برؤيتك هنا 
وأخذ بكرسيه يجره إلى داخل مخدعه المتواضع ثم استأذن بيلي في أن يغلق باب المحل حتى لا يقطع أي زبون جلستهما ...
جئت لأشكرك على لفتتك الكريمة بزيارتي ذلك المساء
ذاك من الواجب ... حدثني باسكال عن كاليفورنيا والعمل هناك (وأخذ يحضر شيئا من القهوة في مطبخه الصغير)
لقد التحقت انا وبول بمعهد سيتي للاستماع وهو تابع لناسا ، في إطار برنامج ضخم لاكتشاف الفضاء ورصد الحياة في المجموعات الشمسية المشابهة لمجموعتنا ... في معهدنا يتركز بحثنا عن الحياة باستقبال الإشارات والرسائل التي ربما تكون قد أرسلت من قبل حضارات متطورة .. نبحث في تفاصيل الموجات والترددات، و البرنامج الذي طورته أنا وبول يغطي جانبا من هذه الموجات بالأخص منها ذات التردد المتراكب ..
إذا فأنتم تبحثون عن الحياة في السماء ..
أجل .. يمكنك قول هذا ... فالعلم أثبت أن الحياة ليست بدعة على الأرض ..
كيف ذلك ..؟
الحياة على الأرض .. ليست إلا بذرة جاءت من أقاصي الكون ، غرستها المذنبات هنا منذ دهر بعيد ..
لكنها مجرد فكرة أوحى بها فلم حرب النجوم ، وليست حتى نظرية ..
مستر ريتش .. بمعادلات إحتمالية ، لا يمكن أن يبقى لدينا شك في أن الكون يعج بالحياة ..
إسمع باسكال .. (وجلس يقدم كوبا من القهوة إليه) .. فكرة بذور الحياة هذه ، جاءت ردا على العجز المريع الذي منيت به فكرة تكوّن الحياة هنا على الأرض من اخلاط كيمياوية بالصدفة ... الحياة أعقد من أن تركب هكذا في المخبر ... لأجل ذلك ففكرة بذرة خيالية تحمل هذا التركيب الغامض تأتي من أقاصي الكون أصبحت بديلا .. لكنها ليست الحقيقة ..
وماهي الحقيقة ..؟؟
الحقيقة ..هي أن الحياة معجزة ... إنها معقدة للغاية ، إن خلية الكائن الحي أعقد بكثير من جميع منتجات التكنلوجيا التي صنعها الإنسان في وقتنا الحاضر و لا يمكن إنتاج خلية واحدة بتجميع مواد غير حية في أكبر المعامل المتطورة في العالم .. و بالاحتمالات التي تكلمت عنها .. خذ مثلا احتمالية تكوين بروتين متوسط له خمس مئة حمض أميني هي 1 من 10 950، إنها تعد مستحيلا على أرض الواقع ...
ماذا يعني كل هذا ..؟
هذا يعني أن ظهور الحياة هكذا مصادفة شيء مستحيل .. يجب علينا يا باسكال أن نعترف بقوة عظيمة خلقت الحياة لا أن نهرب نحو الأمام باحثين عن وهم آخر ...
إنك تتكلم عن الأشياء السماوية التي رفضها نيتشه ...
نعم باسكال ، رفضها نيتشه باسم العلم ، والعلم نفسه يرفض أفكاره اليوم، العلم اليوم يبحث عنها ليجد إجابات الحياة الخالدة ،... صدقني باسكال ، أنتم تبحثون عن الله في السماء .. (فانتبه باسكال إليه وحدق بعينيه)
كيف ذلك مستر ريتش ..؟
أنتم تبحثون عن الحياة في السماء ..؟ .. أجيبك وأقول لك بكل صدق .. نعم هناك حياة وحضارة أعظم مما نتصور جميعا ... إنها تختفي خلف ذلك الستار المظلم من المادة الكونية ...
أنتم تنتظرون إشارة تواصل من تلك الحضارات ..؟ .. أجيبك بان تلك الحضارات راسلتنا أكثر من مرة لكننا لم نجبها ، وكنا دائما نستهزئ بمن يحدثنا أن السماء قد كلمته 
.. باسكال .. العالم قد يقوم ولا يقعد إن علم أن مخلوقا من الفضاء نزل يوما إلى الأرض ، بينما وفي الحقيقة نحن مخلوقات فضائية غزونا هذه الأرض ، فخربناها ونوشك ان ندمرها ... نيتشه أقسم بالتشبث بالأرض ظنا منه أنها أصله الأول والأخير ... لكن علم الجينات اليوم يثبت بالدليل القاطع أن سلسلة مورثات كل البشر على الأرض مترابطة وتنتهي في أصلها إلى رجل واحد وامرأة واحدة ، إلى آدم وحواء ...
إذا فنحن مخلوقات فضائية .. فمن أي كوكب جئنا ..؟
من كوكب الجنة، باسكال ... ليس أمامك من سبيل إلا أن تؤمن بهذا... ، بأن بول قد غادرنا ليعود إلى ذلك الكوكب الجميل ..، وبأننا سوف نلحق به يوما ما 
هذا شيء جميل .. لكنك تحدثت عن رسائل وصلتنا من تلك الحضارة .. ماذا عنها ؟؟
نعم .. ومثلما قال نيتشه، فسر الوجود لن يكلم الإنسان إلا كإنسان ....(ثم طأطأ رأسه) ،أعلم .. أعلم - باسكال - أني ربما قد أثقلت عليك ، وانك ربما لن تستطيع هضم ما أقول جيدا ،لكنها آفتنا في هذا البلد ...، هكذا كان يصرخ أحد باحثي جامعة هارفارد "لا يمكن أبدا أن نسمح للتفسيرات الإلهية، أن تقفز إلى واجهة الأحداث" حتى ولو كانوا يعارضون العلم ذاته ....
لا تقلق مستر ريتش ، فلست منهم ... لكن هناك تحدي امام ما تقول ، نواجهه الآن ، منذ مدة التقطنا إشارة من مجموعة شمسية محددة ، ويبدوا أنها هذه المرة صادرة عن عقل حي ، إذا صدق هذا فسينسف كل ما تقول ..
(يبتسم العجوز وهو يرتشف كأسه) ... لا أريد ان أحبط عزيمتك .. لكنها بدون جدوى على الإطلاق ...
(يبتسم بيلي أيضا) لا تزال تتمتع بحماسة الرهان ، مستر ريتش 
أجل باسكال .. لأنه الرهان مثلما قال "باسكال" .. 
عن أي رهان تكلم باسكال ..؟
ألم تقرأ كتابه الذي أعطيته لك ...؟
لا أعذرني .. لم أتمكن إلا من مطالعة الذي لنيتشه .. ولقد لفتني تحصره على باسكال ، ونعته له بالضياع ... فما الذي جناه ..؟
باسكال الصغير ، لا يعرف شيئا عن باسكال الكبير ...
لا بل أعلم أنه اكتشف بنفسه وهو لايزال طفلا افتراضات إقليدس ، وانه صاحب فكرة الآلة الحاسبة .. وقد ترك لها مخططا مبتكرا ..
ثم ماذا..؟
وانه الذي استطاع حل معادلة منحنى الدائرة الدوارة ، وصاحب الأبحاث في ثقل كتلة الهواء وتوازن السوائل .. وأشياء أخرى ..
ثم ماذا ..؟
هذا جل ما كان يدرس لنا من مساهماته في العلم .. وهذا ليس بالقليل ... 
إذا وللأسف روح باسكال لم تدرس لكم ، ولا حتى عقله العجيب ، لقد اكتفوا بجزء من آثاره .. مثلما يريدون منا أن نكتفي بجزء من الحقيقة دائما..
إن كنت تعرف بعض الأسرار عن باسكال وضياعه فأخبرني
ليست أسرارا .. لكنها حقيقة حياته كلها .. إنها ما عاش من أجله.. والضياع الذي اتهمه به نيتشه، كان، لأن هذه الآثار التي أفادت العلم لم تكن سوى محطات على هامش عمره، الذي أفناه في هم آخر ... بالنسبة لنيتشه فقد أضاع عمره وطاقته الفكرية .. ليس وحده من تحامل على باسكال بالمناسبة ، فقد ثارت ثائرة كاتب أمريكي وهو يكتب سيرته وقال أنه حرم العلم وحرمنا من عبقريته الفذة عندما اعتزل الدنيا وانغمس في التصوف ... (ثم قام إلى خزانة الكتب ، وطفق يقلب كتبها بحثا عن كتاب ينشده، وهو يقول) .. إنهم يلومون باسكال لأنه اختار الحقيقة ورفض أوهام الحياة (ثم استل منها واحدا ، وعاد ليجلس قبالة بيلي ، وهو يقلب أوراقه) ... خذ مثلا ما قاله توكفيل عنه : " لو كان باسكال لا يفكر إلا في الربح الكبير ، أو حتى لو كان حافزه الوحيد حب الشهرة، لما كان باستطاعته في اعتقادي أن يركز كافة قواه العقلية كما فعل من أجل اكتشاف أفضل لأعمق أسرار الخالق . وإذ أراه ينتزع نفسه عن كل مشاغل الحياة ليكرس حياته كلها لهذه الأبحاث ، فيموت قبل الأوان وقد شاخ قبل أن يبلغ الأربعين من العمر، يغمرني الإحساس بالذهول ، وأدرك أنه ما من سبب عادي كان وراء مثل هذا الجهد الفريد". (ثم أقبل على بيلي يخاطبه) .. هل تعلم أن باسكال آوى إلى دير يختلي فيه إلى نفسه وهو في سن الحادية و الثلاثين ، وكان بحوزته حزام من المسامير في مقعده الذي يجلس عليه متى جاءه الناس للتحدث إليه في طلب المشورة ، فإن أحس بأنه يجد لذة في الحوار ضغط بمؤخرته على المقعد حتى يذكر نفسه بحقيقة عمله ودوره في الحياة ..
وماهي حقيقة هذا الدور ..؟
باسكال يا صغيري ... لا استطيع أن أشرحها لك أحسن منه ، وقد تستطيع فهمه أحسن مني لأن عقلك الرياضي يشبه عقله كثيرا...
تعتقد ذلك فعلا ..؟
نعم .. باسكال .. لا أريدك أن ترفض كل التراث الإنساني القديم .. وتتهم كل تلك الأجيال بالجهل لمجرد أننا قد علمنا أشياء كانوا يجهلونها .. لا أريدك أن تقول مثلما قال جاهل يدّعي العلم "لقد كانت الدنيا بأسرها في الماضي مصابة بالجنون" ... لأنني أخشى أن نكون نحن الذين أصبنا بالعمى ، وأن حقائق عظيمة في الأسفار القديمة، فاتتنا بسبب تكبرنا ...
واستمرت جلستهما في نقاش متوقد ، لم يحظى بيلي بمثله من قبل ، ولمس من نفسه أول مرة ميولا نحو هكذا مواضيع ، حتى أحس بأنه قد أطال الغياب عن البيت ، فاستأذن العجوز في المغادرة ، فأبى ريتشارد إلا أن يغلق المحل ويقود كرسيه المتحرك بنفسه حتى اوصله إلى البيت ومن ثمة ودّعه .. 

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


 #قصة #رواية # #باسكال   #كاليفورنيا   #الحياة   #تنتهي   #هنا

باسكال في كاليفورنيا -6- المخلص باسكال

0
المخلص باسكال   في الصباح لم يتمالك بيلي نفسه حتى حكي لأمه ما رآه البارحة ... لم تجد الأم ما تقوله غير أنها سألت بيلي :  كنت متأثرا بالأمس ... هل فكرت ببول قبل النوم ؟  لا وإن كنت حقيقة تأثرت بزيارته ... لكن ما رأيته كان كالحقيقة ...  كل الناس يرون في الأحلام ما يخالجهم من أحاسيس في الواقع .. يا بني ..  نعم وأنا كذلك تراودني بعض هذه الأشياء .. لكن صدقيني .. ما رأيته البارحة كان مختلفا ..  وبعدما آنس من أمه عدم الاهتمام، غير الموضوع ... ثم عاد إلى غرفته وتناول كتاب باسكال، تأمل مواضيعه وإذا به يجد "الرهان" الذي تكلم عنه العجوز ريتشارد، وإذا بباسكال يقول فيه  إذا أضيف الواحد إلى اللانهاية لم يزدها شيئا ، شأنه في ذلك شأن وحدة الطول القياسية بالنسبة إلى المدى اللامتناهي ، فالمحدود يتلاشى أمام اللانهاية ويصبح عدما محضا . هذه هي حال فكرنا أمام الذات الإلهية ، وعدالتنا أمام العدالة الربانية . إن الاختلاف بين عدالتنا وعدالته كالاختلاف بين الواحد واللانهاية ...  إننا نعرف وجود المحدود وماهيته ، لأننا مثله محدودون منتهون .  ونعرف وجود اللانهاية ونجهل ماهيتها ، لأن لها بداية مثلنا ، وليست محدودة مثلنا.  بيد أننا لا نعرف وجود الله ولا نعلم ماهيته ، لأنه بلا امتداد ولا حدود .  ولكننا نعرف وجوده بالإيمان.  إذا كان هنالك إله فإن العقول لا تدركه اطلاقا لأنه بلا أعضاء وبلا حدود . إنه لا يملك أي علاقة تجانس معنا . نحن عاجزون عن أن نعرف ما هو ، وهل هو موجود .. فمن يجرؤ إذن على الشروع بحل هذه المسألة ؟  إننا لا نجرؤ ، لأننا لا نملك أي علاقة تجانس معه.  "الله موجود أو غير موجود" . ولكن إلى أي اتجاه نميل ؟.. إن العقل لا يستطيع أن يعين شيئا .. هناك احتمالان في نهاية هذا الشوط اللامتناهي ، فعلام تراهن..؟  بالعقل لا تستطيع أن تفعل لا هذا ولا ذاك ، بالعقل لا تستطيع أن تدافع عن أي منهما ... فلا تلم إذن من اختاروا لأنك لا تعلم عن الامر شيئا.  كلا .. إنني لا ألومهم على الاختيار (قال بيلي) ، لكن الأصح أن لا نراهن إطلاقا على شيء مجهول ..  أجل بيلي ، ولكن لابد من الرهان . ليس الأمر رهانا بإرادتنا ، إنك مضطر ، فأيهما تختار ..؟ .. وبما أنه لا مفر من الاختيار فيجب أن نرى ما هو أقل استرعاء لاهتمامك ، ولنوازن بين الربح والخسارة اذا قلنا بوجود الله..  هناك حالتان : اذا ربحت فزت بكل شيء ، واذا خسرت فانك لا تخسر شيئا على الإطلاق ..  راهن إذن على وجوده دون تردد ..  هذا رائع ، حقا يجب ان أراهن .. ولكن لعلني أغامر بالكثير..  بما أن احتمال الخسران كاحتمال الربح فمن الغفلة أن لا تغامر بحياتك لتفوز بالأبدية وتحظى بالسعادة ... كل مراهن يغامر عن يقين ليربح دون يقين  أعترف بذلك .. لكن ألا توجد وسيلة لرؤية خوافي الأمور..؟  بلى ، الكتب المقدسة وغيرها ...  بيلي .. إذا أعجبك هذا الكلام وبدا لك قوي الأثر فاعلم أنه من قلب شخص خر على ركبتيه ليتوجه بصلواته من أجلك إلى الله العزيز القدير . (المخلص باسكال)  في المساء عاود بيلي الاتصال بآنا وهو يقول في نفسه (هل ترانا حقا نبحث عن الله من غير أن نشعر) ، ثم أطلت عليه آنا عبر الشاشة ، تبادلا معا أطراف الحديث عن جديد الأبحاث والأصدقاء ،غير أن لا جديد مثيرا حتى الساعة بشأن الإشارة  هناك جديد من نوع آخر (قالت آنا) .. ويبدو أنه خبر غير سار .. تناهى إلى علمنا أن معهد باسادينا يكون قد تلقف الإشارة ذاتها ...  كيف ذلك ...؟ .. إلا إذا ظفروا ببرنامج شبيه بالذي لنا ..؟  ممكن جدا ... تعلم مدى شدة التنافس بيننا وبينهم .. لا يبعد أن يطوروا برنامجا مشابها  لعلها قرصنة .. أو لعل أحدا قد سرب أسرار برنامجنا لهم ..؟  لا .. لا تقل هذا بيلي ... هذا مستحيل ... ثم، ليس غريبا على المعهد الذي حقق النجاح الباهر في مهمة روبوتات الجوال العالمي على المريخ سنة 2004 ... تذكر ذلك .. بل ليس مستحيلا على ذلك الفريق ان يتمكن من التقاط إشارة من الفضاء ...  إذن .. سيزداد الضغط على فريقنا ..  أجل بيلي .. هذا سيعقد نوعا ما حالتنا ... إذا تأخرنا عنهم بخطوة واحدة .. قد يضيع كل هذا الجهد هباء ...  ثم أخلد إلى النوم متعبا .. وإذا به تتمثل أمامه صحراء مترامية الاطراف، والحر شديد ، وجم غفير من الناس يهيم بها .. وإذا بول بينهم يشكو الجفاف والعطش ، ثم يلمح من بعيد والدة بول وهي تبحث وسط الناس عن ابنها .. حتى إذا لمحته أقبلت عليه وضمته إليها وهي تبكي ... ثم إذا بالرجل صاحب الرداء النوراني يقف عليهما ويناولهما شيئا كان بيده ، كأنه كوب ماء .. أو شيئا يشبهه ... ثم أفاق بيلي وهو يتصبب عرقا حتى ظن أن الحمى أصابته ... لم يرد تفقد المنبه ، أنار مصباحه الصغير وتناول كتاب باسكال في سكون اليل من حوله، لعله يجد تفسيرا :  إن الصمت الدائم الذي يلزمه هذا الفضاء اللامتناهي يشيع في نفسي الرهبة  كم من عوالم تجهلنا ...؟  حينما أمعن النظر في قصر حياتي الغارقة في امتداد الأزل ، وحينما أتأمل في حيز جسمي المحدود الغارق في الفضاء اللامتناهي ، في الفضاء الذي أجهله ويجهلني ، أحس بالذعر والدهشة لرؤية نفسي ههنا لا هنالك ، لأنه لا شيء يبرر وجودي هنا لا هناك ، اليوم لا آنذاك . من ذا الذي وضعني في هذا المجال ..؟ بمشيئة من وتوجيه من خصص لي هذا الزمان ، وعين لي هذا المكان ..؟  ما الذي يدعوهم إلى القول بأننا غير مبعوثين ..؟ أيهما أشق : الولادة أم البعث ..؟ الوجود بعد العدم أم الوجود بعد الوجود ..؟ إن العادة تجعل احدهما يسيرا ، ونقص العادة يجعل الأمر مستحيلا . يا لها من محاكمة مبتذلة..!

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

المخلص باسكال 

في الصباح لم يتمالك بيلي نفسه حتى حكي لأمه ما رآه البارحة ... لم تجد الأم ما تقوله غير أنها سألت بيلي : 
كنت متأثرا بالأمس ... هل فكرت ببول قبل النوم ؟ 
لا وإن كنت حقيقة تأثرت بزيارته ... لكن ما رأيته كان كالحقيقة ... 
كل الناس يرون في الأحلام ما يخالجهم من أحاسيس في الواقع .. يا بني .. 
نعم وأنا كذلك تراودني بعض هذه الأشياء .. لكن صدقيني .. ما رأيته البارحة كان مختلفا .. 
وبعدما آنس من أمه عدم الاهتمام، غير الموضوع ... ثم عاد إلى غرفته وتناول كتاب باسكال، تأمل مواضيعه وإذا به يجد "الرهان" الذي تكلم عنه العجوز ريتشارد، وإذا بباسكال يقول فيه 
إذا أضيف الواحد إلى اللانهاية لم يزدها شيئا ، شأنه في ذلك شأن وحدة الطول القياسية بالنسبة إلى المدى اللامتناهي ، فالمحدود يتلاشى أمام اللانهاية ويصبح عدما محضا . هذه هي حال فكرنا أمام الذات الإلهية ، وعدالتنا أمام العدالة الربانية . إن الاختلاف بين عدالتنا وعدالته كالاختلاف بين الواحد واللانهاية ... 
إننا نعرف وجود المحدود وماهيته ، لأننا مثله محدودون منتهون . 
ونعرف وجود اللانهاية ونجهل ماهيتها ، لأن لها بداية مثلنا ، وليست محدودة مثلنا. 
بيد أننا لا نعرف وجود الله ولا نعلم ماهيته ، لأنه بلا امتداد ولا حدود . 
ولكننا نعرف وجوده بالإيمان. 
إذا كان هنالك إله فإن العقول لا تدركه اطلاقا لأنه بلا أعضاء وبلا حدود . إنه لا يملك أي علاقة تجانس معنا . نحن عاجزون عن أن نعرف ما هو ، وهل هو موجود .. فمن يجرؤ إذن على الشروع بحل هذه المسألة ؟ 
إننا لا نجرؤ ، لأننا لا نملك أي علاقة تجانس معه. 
"الله موجود أو غير موجود" . ولكن إلى أي اتجاه نميل ؟.. إن العقل لا يستطيع أن يعين شيئا .. هناك احتمالان في نهاية هذا الشوط اللامتناهي ، فعلام تراهن..؟ 
بالعقل لا تستطيع أن تفعل لا هذا ولا ذاك ، بالعقل لا تستطيع أن تدافع عن أي منهما ... فلا تلم إذن من اختاروا لأنك لا تعلم عن الامر شيئا. 
كلا .. إنني لا ألومهم على الاختيار (قال بيلي) ، لكن الأصح أن لا نراهن إطلاقا على شيء مجهول .. 
أجل بيلي ، ولكن لابد من الرهان . ليس الأمر رهانا بإرادتنا ، إنك مضطر ، فأيهما تختار ..؟ .. وبما أنه لا مفر من الاختيار فيجب أن نرى ما هو أقل استرعاء لاهتمامك ، ولنوازن بين الربح والخسارة اذا قلنا بوجود الله.. 
هناك حالتان : اذا ربحت فزت بكل شيء ، واذا خسرت فانك لا تخسر شيئا على الإطلاق .. 
راهن إذن على وجوده دون تردد .. 
هذا رائع ، حقا يجب ان أراهن .. ولكن لعلني أغامر بالكثير.. 
بما أن احتمال الخسران كاحتمال الربح فمن الغفلة أن لا تغامر بحياتك لتفوز بالأبدية وتحظى بالسعادة ... كل مراهن يغامر عن يقين ليربح دون يقين 
أعترف بذلك .. لكن ألا توجد وسيلة لرؤية خوافي الأمور..؟ 
بلى ، الكتب المقدسة وغيرها ... 
بيلي .. إذا أعجبك هذا الكلام وبدا لك قوي الأثر فاعلم أنه من قلب شخص خر على ركبتيه ليتوجه بصلواته من أجلك إلى الله العزيز القدير . (المخلص باسكال) 
في المساء عاود بيلي الاتصال بآنا وهو يقول في نفسه (هل ترانا حقا نبحث عن الله من غير أن نشعر) ، ثم أطلت عليه آنا عبر الشاشة ، تبادلا معا أطراف الحديث عن جديد الأبحاث والأصدقاء ،غير أن لا جديد مثيرا حتى الساعة بشأن الإشارة 
هناك جديد من نوع آخر (قالت آنا) .. ويبدو أنه خبر غير سار .. تناهى إلى علمنا أن معهد باسادينا يكون قد تلقف الإشارة ذاتها ... 
كيف ذلك ...؟ .. إلا إذا ظفروا ببرنامج شبيه بالذي لنا ..؟ 
ممكن جدا ... تعلم مدى شدة التنافس بيننا وبينهم .. لا يبعد أن يطوروا برنامجا مشابها 
لعلها قرصنة .. أو لعل أحدا قد سرب أسرار برنامجنا لهم ..؟ 
لا .. لا تقل هذا بيلي ... هذا مستحيل ... ثم، ليس غريبا على المعهد الذي حقق النجاح الباهر في مهمة روبوتات الجوال العالمي على المريخ سنة 2004 ... تذكر ذلك .. بل ليس مستحيلا على ذلك الفريق ان يتمكن من التقاط إشارة من الفضاء ... 
إذن .. سيزداد الضغط على فريقنا .. 
أجل بيلي .. هذا سيعقد نوعا ما حالتنا ... إذا تأخرنا عنهم بخطوة واحدة .. قد يضيع كل هذا الجهد هباء ... 
ثم أخلد إلى النوم متعبا .. وإذا به تتمثل أمامه صحراء مترامية الاطراف، والحر شديد ، وجم غفير من الناس يهيم بها .. وإذا بول بينهم يشكو الجفاف والعطش ، ثم يلمح من بعيد والدة بول وهي تبحث وسط الناس عن ابنها .. حتى إذا لمحته أقبلت عليه وضمته إليها وهي تبكي ... ثم إذا بالرجل صاحب الرداء النوراني يقف عليهما ويناولهما شيئا كان بيده ، كأنه كوب ماء .. أو شيئا يشبهه ... ثم أفاق بيلي وهو يتصبب عرقا حتى ظن أن الحمى أصابته ... لم يرد تفقد المنبه ، أنار مصباحه الصغير وتناول كتاب باسكال في سكون اليل من حوله، لعله يجد تفسيرا : 
إن الصمت الدائم الذي يلزمه هذا الفضاء اللامتناهي يشيع في نفسي الرهبة 
كم من عوالم تجهلنا ...؟ 
حينما أمعن النظر في قصر حياتي الغارقة في امتداد الأزل ، وحينما أتأمل في حيز جسمي المحدود الغارق في الفضاء اللامتناهي ، في الفضاء الذي أجهله ويجهلني ، أحس بالذعر والدهشة لرؤية نفسي ههنا لا هنالك ، لأنه لا شيء يبرر وجودي هنا لا هناك ، اليوم لا آنذاك . من ذا الذي وضعني في هذا المجال ..؟ بمشيئة من وتوجيه من خصص لي هذا الزمان ، وعين لي هذا المكان ..؟ 
ما الذي يدعوهم إلى القول بأننا غير مبعوثين ..؟ أيهما أشق : الولادة أم البعث ..؟ الوجود بعد العدم أم الوجود بعد الوجود ..؟ إن العادة تجعل احدهما يسيرا ، ونقص العادة يجعل الأمر مستحيلا . يا لها من محاكمة مبتذلة..! 

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


  #قصة #رواية # #باسكال #في #كاليفورنيا #-6- #المخلص #باسكال
 

باسكال في كاليفورنيا -7- مستحيل

0
مستحيل  ولما استنار الصباح ، خرج بيلي من غرفته ليجد أمه تتكلم في الهاتف ويدها على صدرها .. وما إن أكملت الحديث حتى التفتت إلى بيلي وقالت : أم بول في المستشفى ... (جحظت عينا بيلي) .. ما الذي حدث لها ..؟ أصيبت بجلطة في الدماغ ليلة البارحة، أخذت على إثرها إلى المستشفى .. بني .. يجب ان أذهب لأراها فورا .. أرجوك أن تلزم البيت .(ثم ما لبثت أن جهزت نفسها وخرجت) وبقي بيلي في البيت غير مصدق ، يراجع ما رآه البارحة في منامه ... ثم عزم على الذهاب إلى محل العجوز ريتشارد ... ولما أخبره بحال أم بول ، تأسف ريتشارد وقال : المسكينة .. لكم كانت متعلقة بابنها .. لقد حضرتُ جنازة بول ولمحتها .. كانت منهارة تماما .. بالكاد كانت تستطيع الوقوف .. أم بول ستموت .. (قال بيلي وأخذ يحدق في العجوز) .. لقد رأيتها البارحة مع بول في منامي .. (سكت ريتشارد قليلا وهو ينظر إلى بيلي) .. ما الذي رأيته بالضبط ..؟ فسرد عليه بيلي ما رآه من عجب في نومه هذه الأيام ، وكيف أن ما رآه كان كالحقيقة .. فاستدركه العجوز مستفسرا: الرجل الذي رأيته ، هو نفسه الذي كان مع بول أول الأمر ..؟ نعم هو ذاته .. كيف كان يبدو .. ماذا عن ملامحه، هل تعرفه ..؟ لا ... لا أعرفه ... كان حسن الوجه ...ثيابه بيضاء مشعة ... وشعره شديد السواد .. ألم يتكلم بشيء ..؟ لا .. لا أذكر ذلك .. أول الامر ابتسم لي ثم كلّم بول .. والبارحة ناول بول وأمه شيئا ككوب الماء .. باسكال يا صغيري .. لست أدري ما أقول لك .. لكن هذا يبدو لي شيئا عظيما .. يبدو أبعد ما يكون عن إدراكي ...  وفي المساء جاء الخبر يقينا ، أم بول فارقت الحياة ، وفي الغد أقيمت لها جنازة مهيبة ودفنت بجانب ابنها .. حضر بيلي الجنازة وكذلك العجوز ريتشارد .. وعندما انفض الناس تقدم ريتشارد نحو أم بيلي واستأذنها في أخذ بيلي في جولة فقبلت .. أخذ العجوز ريتشارد بيلي إلى المتنزه العام ، واختار مكانا جميلا خاليا ، وجلس يحدثه : باسكال .. أخشى أنه علي أن اناديك منذ الآن بالقديس ..(وهو يبتسم) لا أعتقد .. أنه يجب عليك ذلك ، مستر ريتش .. على حسب علمي .. لا يرى هذه الأشياء إلا القديسون الطاهرون .. باسكال كان كذلك فعلا .. كان شخصا صادقا مخلصا ... تَعلم ريتشارد !... أحس انني في حاجة إلى المزيد من المعرفة بأسرار العالم الآخر ... بذاك العالم الخفي عن اعيننا ... البعيد عن مدى رصد تلسكوباتنا الجبارة ... تلك الأسرار التي لا تستطيع التكنلوجيا كشفها ... باسكال قال بأن الكتب المقدسة تحتويها ... نعم .... لأنها تحمل الرسائل التي بعثت من السماء منذ آلاف السنين ... الرسائل التي كذّبها أغلب الناس وكذبوا الذين تكلموا بها ... حدثني عنها ريتشارد .. حقا أريد معرفتها .. أعذرني باسكال ... فلست أهلا لذلك ... الأسرار المقدسة لها أصحابها .. إذن فأنا أطلب مستحيلا .. لا ... باسكال ... فأنت واحد منهم ... اسمع ، اعرف واحدا ، وواحدا فقط من هؤلاء في هذا البلد يحوز على ثقتي وتقديري ... إنه صديق قديم، يعود له الفضل في هدايتي إلى الحقيقة ... اسمه الأب توماس .. أين أجده ..؟ أخشى يا صغيري إن أصريت .. أن يكون سفرك طويلا .. لا تهم المسافات في طلب الحقيقة ، مستر ريتش.. هذا الصديق القديم يستقر حاليا في ضواحي فانكوفر ... هل ما تزال مصرا على لقائه؟ نعم مستر ريتش .. سأفكر في الأمر ... بعد أيام فاتح بيلي أمه برغبته في السفر مع أصدقائه لقضاء إجازة في مونتانا ، فرفضت الأم الفكرة متحججة بصحته : يجب أن تداوم على تناول دوائك بيلي ، وأعلم أنك لن تحرص عليه في غيابي .. ثم إني قد برمجت لك موعدا مع دكتور متخصص ، لقد درس حالتك وحدثني عن فرصة لشفائك إن تكفل بك ... وبعد إلحاح أمه عليه تنازل عن فكرة السفر كليا .. وعاد إلى غرفته ليغط في نوم ثقيل ... فعاودته عصرات الأحلام تهجم عليه .. أفاق في منتصف الليل .. ثم عاد وغلبه النعاس ، ليرى وكأن الدنيا ، كل الدنيا أظلمت من حوله ، فشعر بضيق في صدره يكاد يخنق أنفاسه .. حتى بزغ نور أمامه وإذا بالرجل المستنير يقبل عليه مبتسما ... حتى إذا لم يبقى بينهما إلا امتار معدودات توقف ، ثم أومأ لبيلي بيده ان أقبل علي .. وبيلي مصمر في كرسيه المتحرك لا يقوى على النهوض .. لكن الرجل بقي مبتسما واستدار ثم أخذ يمشي مبتعدا .. فاستبد ببيلي القلق وهو ينازع نفسه يريد اللحاق به .. وإذا به تحمله قدماه واقفا تاركا كرسيه .. ثم أخذ يسير مقتفيا أثر الرجل ... في الصباح عزم بيلي في نفسه على الذهاب إلى فانكوفر.. وعلم ان شيئا ما ينتظره هناك وأن روحا تدعوه إلى المغامرة من اجل الحقيقة ... فتريث حتى أنجز مع أمه موعد الطبيب الخاص ، ثم اخبر امه بأن الفريق في معهد كاليفورنيا يحتاجونه لأمر عاجل ، ويجب عليه العودة ... فأصرت امه على مرافقته لكنه استطاع اقناعها بأن لا داعي لذلك ، وأن آنا ستكون في انتظاره في المطار .. ثم عمد إلى غرفته واتصل بآنا : آنا عزيزتي ... أحتاجك في أمر هام  ما الأمر بيلي ... هل جد جديد عندك ..؟ اسمعي آنا ... لقد اخبرت امي بأني سأعود بمفردي إلى كاليفورنيا غدا ، وبانكم تحتاجونني عندكم ... ولما أصرت على مرافقتي ، أخبرتها بأنك ستكونين في انتظاري في المطار.. والحقيقة آنا ... أنني سوف أعرج أولا على فانكوفر لأمر مهم ولم أخبرها بذلك .... إلى فانكوفر ..؟ (استطردت آنا باستغراب) نعم آنا ..لأمر خاص فعلا ... أرجوك ... أعلم انني أضعك في موقف محرج .. لكنه شديد الاهية بالنسبة لي .. لو علمتُ ان امي ستتركني اذهب لما كلفتك معي هذا العناء .. لكنك تعرفين أمي جيدا ... هل أستطيع أن أطلع على هذا الأمر المهم ، بيلي...؟  لا آنا ... ليس الآن ... ربما في وقت آخر ... أرجوك آنا .. حاولي أن تتفهمي حالتي .. حسننا بيلي .. يبدو انك نجحت في اقحامي في فلمك الذي تعده .. لكنني لست ممثلة بارعة كما تعرف .. شكرا جزيلا آنا ... لا تخافي ستحوزين على الأوسكار هذا العام (وهو يبتسم)

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

مستحيل

ولما استنار الصباح ، خرج بيلي من غرفته ليجد أمه تتكلم في الهاتف ويدها على صدرها .. وما إن أكملت الحديث حتى التفتت إلى بيلي وقالت :
أم بول في المستشفى ...
(جحظت عينا بيلي) .. ما الذي حدث لها ..؟
أصيبت بجلطة في الدماغ ليلة البارحة، أخذت على إثرها إلى المستشفى .. بني .. يجب ان أذهب لأراها فورا .. أرجوك أن تلزم البيت .(ثم ما لبثت أن جهزت نفسها وخرجت)
وبقي بيلي في البيت غير مصدق ، يراجع ما رآه البارحة في منامه ... ثم عزم على الذهاب إلى محل العجوز ريتشارد ... ولما أخبره بحال أم بول ، تأسف ريتشارد وقال :
المسكينة .. لكم كانت متعلقة بابنها .. لقد حضرتُ جنازة بول ولمحتها .. كانت منهارة تماما .. بالكاد كانت تستطيع الوقوف ..
أم بول ستموت .. (قال بيلي وأخذ يحدق في العجوز) .. لقد رأيتها البارحة مع بول في منامي ..
(سكت ريتشارد قليلا وهو ينظر إلى بيلي) .. ما الذي رأيته بالضبط ..؟
فسرد عليه بيلي ما رآه من عجب في نومه هذه الأيام ، وكيف أن ما رآه كان كالحقيقة .. فاستدركه العجوز مستفسرا:
الرجل الذي رأيته ، هو نفسه الذي كان مع بول أول الأمر ..؟
نعم هو ذاته ..
كيف كان يبدو .. ماذا عن ملامحه، هل تعرفه ..؟
لا ... لا أعرفه ... كان حسن الوجه ...ثيابه بيضاء مشعة ... وشعره شديد السواد ..
ألم يتكلم بشيء ..؟
لا .. لا أذكر ذلك .. أول الامر ابتسم لي ثم كلّم بول .. والبارحة ناول بول وأمه شيئا ككوب الماء ..
باسكال يا صغيري .. لست أدري ما أقول لك .. لكن هذا يبدو لي شيئا عظيما .. يبدو أبعد ما يكون عن إدراكي ... 
وفي المساء جاء الخبر يقينا ، أم بول فارقت الحياة ، وفي الغد أقيمت لها جنازة مهيبة ودفنت بجانب ابنها .. حضر بيلي الجنازة وكذلك العجوز ريتشارد .. وعندما انفض الناس تقدم ريتشارد نحو أم بيلي واستأذنها في أخذ بيلي في جولة فقبلت ..
أخذ العجوز ريتشارد بيلي إلى المتنزه العام ، واختار مكانا جميلا خاليا ، وجلس يحدثه :
باسكال .. أخشى أنه علي أن اناديك منذ الآن بالقديس ..(وهو يبتسم)
لا أعتقد .. أنه يجب عليك ذلك ، مستر ريتش ..
على حسب علمي .. لا يرى هذه الأشياء إلا القديسون الطاهرون ..
باسكال كان كذلك فعلا .. كان شخصا صادقا مخلصا ... تَعلم ريتشارد !... أحس انني في حاجة إلى المزيد من المعرفة بأسرار العالم الآخر ... بذاك العالم الخفي عن اعيننا ... البعيد عن مدى رصد تلسكوباتنا الجبارة ... تلك الأسرار التي لا تستطيع التكنلوجيا كشفها ... باسكال قال بأن الكتب المقدسة تحتويها ...
نعم .... لأنها تحمل الرسائل التي بعثت من السماء منذ آلاف السنين ... الرسائل التي كذّبها أغلب الناس وكذبوا الذين تكلموا بها ...
حدثني عنها ريتشارد .. حقا أريد معرفتها ..
أعذرني باسكال ... فلست أهلا لذلك ... الأسرار المقدسة لها أصحابها ..
إذن فأنا أطلب مستحيلا ..
لا ... باسكال ... فأنت واحد منهم ... اسمع ، اعرف واحدا ، وواحدا فقط من هؤلاء في هذا البلد يحوز على ثقتي وتقديري ... إنه صديق قديم، يعود له الفضل في هدايتي إلى الحقيقة ... اسمه الأب توماس ..
أين أجده ..؟
أخشى يا صغيري إن أصريت .. أن يكون سفرك طويلا ..
لا تهم المسافات في طلب الحقيقة ، مستر ريتش..
هذا الصديق القديم يستقر حاليا في ضواحي فانكوفر ... هل ما تزال مصرا على لقائه؟
نعم مستر ريتش .. سأفكر في الأمر ...
بعد أيام فاتح بيلي أمه برغبته في السفر مع أصدقائه لقضاء إجازة في مونتانا ، فرفضت الأم الفكرة متحججة بصحته :
يجب أن تداوم على تناول دوائك بيلي ، وأعلم أنك لن تحرص عليه في غيابي .. ثم إني قد برمجت لك موعدا مع دكتور متخصص ، لقد درس حالتك وحدثني عن فرصة لشفائك إن تكفل بك ...
وبعد إلحاح أمه عليه تنازل عن فكرة السفر كليا .. وعاد إلى غرفته ليغط في نوم ثقيل ... فعاودته عصرات الأحلام تهجم عليه .. أفاق في منتصف الليل .. ثم عاد وغلبه النعاس ، ليرى وكأن الدنيا ، كل الدنيا أظلمت من حوله ، فشعر بضيق في صدره يكاد يخنق أنفاسه .. حتى بزغ نور أمامه وإذا بالرجل المستنير يقبل عليه مبتسما ... حتى إذا لم يبقى بينهما إلا امتار معدودات توقف ، ثم أومأ لبيلي بيده ان أقبل علي .. وبيلي مصمر في كرسيه المتحرك لا يقوى على النهوض .. لكن الرجل بقي مبتسما واستدار ثم أخذ يمشي مبتعدا .. فاستبد ببيلي القلق وهو ينازع نفسه يريد اللحاق به .. وإذا به تحمله قدماه واقفا تاركا كرسيه .. ثم أخذ يسير مقتفيا أثر الرجل ...
في الصباح عزم بيلي في نفسه على الذهاب إلى فانكوفر.. وعلم ان شيئا ما ينتظره هناك وأن روحا تدعوه إلى المغامرة من اجل الحقيقة ... فتريث حتى أنجز مع أمه موعد الطبيب الخاص ، ثم اخبر امه بأن الفريق في معهد كاليفورنيا يحتاجونه لأمر عاجل ، ويجب عليه العودة ... فأصرت امه على مرافقته لكنه استطاع اقناعها بأن لا داعي لذلك ، وأن آنا ستكون في انتظاره في المطار .. ثم عمد إلى غرفته واتصل بآنا :
آنا عزيزتي ... أحتاجك في أمر هام 
ما الأمر بيلي ... هل جد جديد عندك ..؟
اسمعي آنا ... لقد اخبرت امي بأني سأعود بمفردي إلى كاليفورنيا غدا ، وبانكم تحتاجونني عندكم ... ولما أصرت على مرافقتي ، أخبرتها بأنك ستكونين في انتظاري في المطار.. والحقيقة آنا ... أنني سوف أعرج أولا على فانكوفر لأمر مهم ولم أخبرها بذلك ....
إلى فانكوفر ..؟ (استطردت آنا باستغراب)
نعم آنا ..لأمر خاص فعلا ... أرجوك ... أعلم انني أضعك في موقف محرج .. لكنه شديد الاهية بالنسبة لي .. لو علمتُ ان امي ستتركني اذهب لما كلفتك معي هذا العناء .. لكنك تعرفين أمي جيدا ...
هل أستطيع أن أطلع على هذا الأمر المهم ، بيلي...؟ 
لا آنا ... ليس الآن ... ربما في وقت آخر ... أرجوك آنا .. حاولي أن تتفهمي حالتي ..
حسننا بيلي .. يبدو انك نجحت في اقحامي في فلمك الذي تعده .. لكنني لست ممثلة بارعة كما تعرف ..
شكرا جزيلا آنا ... لا تخافي ستحوزين على الأوسكار هذا العام (وهو يبتسم)  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


 #قصة #رواية # #باسكال #في #كاليفورنيا #-7- #مستحيل

باسكال في كاليفورنيا

0


يمكنك تصفح الكتاب وتحميله من هنا أيضا
كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

PASCAL
في كاليفورنيا

قصة قصيرة

سلسلة الخيال الفكري

قريبا من الموت

بالكاد يستطيع فتح عينيه، ممددا على السرير ، حتى يلمح قبالته وجه طبيب يكلمه :
ما اسمك ..؟
.. بيلي ..
بيلي ماذا ..؟
.. بيلي ميللر ..
هل انت متأكد ..؟
..طبعا ..
إذا فأنت بخير .. لا تقلق .. سنعتني بك جيدا .. أنا الدكتور جايمس .. جايمس وولكر .. يمكنك مناداتي ريو ...
قُلي بيلي .. هل تعرف هذه الفتاة الجالسة بقربك ..؟
يعطف بيلي بصره قليلا ثم يبتسم قائلا : آنــَّـــا ..
تجيبه آنا مبتسمة وهي تمسح دموعها خفية : أجل بيلي .. آنا بقربك وسوف تعتني بك ...
بيلي : ما الذي حدث آنا .. ؟
تنظر آنا إلى الطبيب وهي تحاول التهرب من الجواب
بيلي : أجل تذكرت .. السيارة والحادث .. بول فقد السيطرة ..
يلتفت ببطء من حوله : ولكن أين هو بول ..؟
تدس آنا وجهها بين كفيها وتجهش بالبكاء..
الطبيب ريو يبادر بالكلام قائلا :
بيلي .. لقد كان الحادث أليما جدا .. فعلنا ما بوسعنا لإنقاذك وإنقاد بول .. لكن و للأسف صديقك لم يساعفه الحظ .. في الحقيقة .. بول فارق الحياة لحظة الحادث ..
بيلي .. لقد نجوت بأعجوبة .. أنت تملك قوة عظيمة ساعدتنا على إبقائك حيا .. أنت الآن أحسن بكثير .. وسوف تشفى في أسرع وقت ممكن .. أعدك بذلك .
تجحظ عينا بيلي ويتمتم : .. بول مات .. ؟؟
وتمر الأيام ببطء كئيب وبيلي ممدد على سريره يكتشف شيئا فشيئا أن حالته حرجة وأن الحادثة أورثته شلالا في نصفه السفلي ، يحاول الأطباء التقليل من شأنه وإيهامه أنهم يستطيعون معالجة حالته، وحدها آنا كانت تصارحه بالحقيقة ، وذات صباح أقبلت عليه وهي تحمل معها حقيبة ...
لقد سُمح لي بإحضار بعد الأشياء لك . (قالت آنا وهي تفتح حقيبتها)
ماذا عن أمي .. ألم تتصلي بها ..؟
لقد فعلت .. هي الآن في طريقها إلى دنفر
هل أخبرتها بكل شيء ..؟
لا ليس كل الحقيقة .. لم أمتلك الشجاعة لذلك .. خذ بيلي . (وناولته حاسبه المحمول)
شكرا آنا .. لقد أتعبتك معي ...
وهذه بعض الأقراص التي وجدتها في غرفتك .. لعلك تحتاج بعضا منها ..
وجلست آنا وهي تفرغ ما بحقيبتها وتحاول ترتيب الأشياء على المنضدة قرب السرير
اسمع بيلي .. يبدوا أن مقامك هنا سيطول بعض الوقت .. لذا حاول أن تجد بعض التسلية .. ولا بأس بقراءة بعض الكتب أيضا ..
لا أستطيع أن أصدق أن بول قد مات ..
ولا أنا بيلي .. لكن يجب أن نتعود على الأمر .. حاول أن تنسى الموضوع كليا
كيف أنسى آنا .. لقد كنا معا جنبا لجنب .. كنا نضحك كالمخبولين .. لا أزال أتذكر كلماته .. كان يقود بجنون كعادته .. ثم يفترسه الموت هو لا أنا ؟؟؟ .. كم كنت قريبا من الموت ..
بيلي .. لأجل هذا أطلب منك أن تنسى الموضوع بالكلية .. حاول أن تلهي نفسك عن العودة إلى الماضي .. لأنك مهما فعلت فلن تستوعب ما حدث ..
وكلنا لا نستطيع ذلك .. بول كان صديقا لنا جميعا .. وشاءت الحياة أن يفارقنا هكذا .. يجب أن نعوّد أنفسنا الحياة من دونه ...
.. اسمع .. إذا تعبت من الحاسوب .. تستطيع تصفح هذه المجلات وأن تطالع هذه الروايات، إنها المفضلة لدي .. لم أجد عندك غير هاذين الكتابين .. ربما تعاود قراءتهما من جديد إن أردت ..
يتأملهما بيلي ثم يبتسم : - صدّقي .. لم أقرأهما بعد
ومنذ متى هما عندك ..؟
منذ مدة ليست بالقصيرة
عجبا لك تشتري كتبا ولا تقرأها ..؟
لم أشتريها ..
فمن هذا الذي أهداها لك إذا ..؟(وهي تبتسم)
أعطاها لي عجوز يدعى ريتشارد يملك محلا لبيع الأقراص المضغوطة والمجلات .. غريب أمره .. كنت أتردد عليه وأنا أبحث عن بعض أقراص البرمجيات .. كان يناديني باسكال
باسكال ..؟ ههه، لماذا ..؟
لست أدري .. ربما ظنني شغوفا بالرياضيات ..
تبدوا كذلك حقا
لكنني لم أسأله يوما عن ذلك .. كان يناديني باسكال وكنت أناديه مستر ريتش .. ويوم أعلمته بأني مسافر إلى كاليفورنيا ، أمهلني هنيهة دخل فيها إلى مخدعه وعاد إلي بهاذين الكتابين ..
ألم يقل لك شيئا خاصا ..؟
لا .. ابتسم وقال : باسكال تستحق هذه الهدية
ولم تقرئهما منذ ذلك التاريخ ..؟
لم أفعل .. كنت على عجل .. تعلمين كيف كانت تلك الأيام
أجل .. أنت وبول .. لا نستطيع إلا أن نذكره ..
نعم .. كانت سعادتنا لا توصف .. حُزنا جائزة أحسن برنامج مصمم لالتقاط ومعالجة موجات التردد المتراكب .. والتحقنا بكم هنا في المعهد ..
نعم بيلي .. لقد أضفتما معا جوا من الحيوية إلى الفريق كله .. نعم تستحقان النجاح الذي وصلتما إليه ..
وبول .. كان أحسن مني بكثير .. كان حيويا نشيطا .. حاد الذكاء .. أوه آنا .. لا أستطيع تحمل هذا .. (وتنساب بضع قطرات دمع على خديه)
هوّن عليك بيلي .. هون عليك .. (وهي تربت على كتفيه) .. لا نستطيع أن نغير الأقدار ...


يمكنك متابعة القصة وتحميلها من هنا أيضا

فهرس فصول القصة:

قريبا من الموت
المخدوعون بالعالم الثاني
الحياة لن تنتهي هنا
دعاء المرضى
المخلص باسكال
مستحيل
طفولة محرومة
الرجل المستنير
الأمن القومي
لم أهضم هذا الخلط
إلى وقت النواية 

باسكال في كاليفورنيا -1- قريبا من الموت

0
قريبا من الموت   بالكاد يستطيع فتح عينيه، ممددا على السرير، حتى يلمح قبالته وجه طبيب يكلمه :  ما اسمك ..؟  .. بيلي ..  بيلي ماذا ..؟  .. بيلي ميللر ..  هل انت متأكد ..؟  ..طبعا ..  إذا فأنت بخير .. لا تقلق .. سنعتني بك جيدا .. أنا الدكتور جايمس .. جايمس وولكر .. يمكنك مناداتي ريو ...  قُلي بيلي .. هل تعرف هذه الفتاة الجالسة بقربك ..؟  يعطف بيلي بصره قليلا ثم يبتسم قائلا : آنــَّـــا ..  تجيبه آنا مبتسمة وهي تمسح دموعها خفية : أجل بيلي .. آنا بقربك وسوف تعتني بك ...  بيلي : ما الذي حدث آنا .. ؟  تنظر آنا إلى الطبيب وهي تحاول التهرب من الجواب  بيلي : أجل تذكرت .. السيارة والحادث .. بول فقد السيطرة ..  يلتفت ببطء من حوله : ولكن أين هو بول ..؟  تدس آنا وجهها بين كفيها وتجهش بالبكاء..  الطبيب ريو يبادر بالكلام قائلا :  بيلي .. لقد كان الحادث أليما جدا .. فعلنا ما بوسعنا لإنقاذك وإنقاد بول .. لكن و للأسف صديقك لم يساعفه الحظ .. في الحقيقة .. بول فارق الحياة لحظة الحادث ..  بيلي .. لقد نجوت بأعجوبة .. أنت تملك قوة عظيمة ساعدتنا على إبقائك حيا .. أنت الآن أحسن بكثير .. وسوف تشفى في أسرع وقت ممكن .. أعدك بذلك .  تجحظ عينا بيلي ويتمتم : .. بول مات .. ؟؟  وتمر الأيام ببطء كئيب وبيلي ممدد على سريره يكتشف شيئا فشيئا أن حالته حرجة وأن الحادثة أورثته شلالا في نصفه السفلي ، يحاول الأطباء التقليل من شأنه وإيهامه أنهم يستطيعون معالجة حالته، وحدها آنا كانت تصارحه بالحقيقة ، وذات صباح أقبلت عليه وهي تحمل معها حقيبة ...  لقد سُمح لي بإحضار بعد الأشياء لك . (قالت آنا وهي تفتح حقيبتها)  ماذا عن أمي .. ألم تتصلي بها ..؟  لقد فعلت .. هي الآن في طريقها إلى دنفر  هل أخبرتها بكل شيء ..؟  لا ليس كل الحقيقة .. لم أمتلك الشجاعة لذلك .. خذ بيلي . (وناولته حاسبه المحمول)  شكرا آنا .. لقد أتعبتك معي ...  وهذه بعض الأقراص التي وجدتها في غرفتك .. لعلك تحتاج بعضا منها ..  وجلست آنا وهي تفرغ ما بحقيبتها وتحاول ترتيب الأشياء على المنضدة قرب السرير  اسمع بيلي .. يبدوا أن مقامك هنا سيطول بعض الوقت .. لذا حاول أن تجد بعض التسلية .. ولا بأس بقراءة بعض الكتب أيضا ..  لا أستطيع أن أصدق أن بول قد مات ..  ولا أنا بيلي .. لكن يجب أن نتعود على الأمر .. حاول أن تنسى الموضوع كليا  كيف أنسى آنا .. لقد كنا معا جنبا لجنب .. كنا نضحك كالمخبولين .. لا أزال أتذكر كلماته .. كان يقود بجنون كعادته .. ثم يفترسه الموت هو لا أنا ؟؟؟ .. كم كنت قريبا من الموت .. بيلي .. لأجل هذا أطلب منك أن تنسى الموضوع بالكلية .. حاول أن تلهي نفسك عن العودة إلى الماضي .. لأنك مهما فعلت فلن تستوعب ما حدث ..  وكلنا لا نستطيع ذلك .. بول كان صديقا لنا جميعا .. وشاءت الحياة أن يفارقنا هكذا .. يجب أن نعوّد أنفسنا الحياة من دونه ...  .. اسمع .. إذا تعبت من الحاسوب .. تستطيع تصفح هذه المجلات وأن تطالع هذه الروايات، إنها المفضلة لدي .. لم أجد عندك غير هاذين الكتابين .. ربما تعاود قراءتهما من جديد إن أردت ..  يتأملهما بيلي ثم يبتسم : - صدّقي .. لم أقرأهما بعد  ومنذ متى هما عندك ..؟  منذ مدة ليست بالقصيرة  عجبا لك تشتري كتبا ولا تقرأها ..؟  لم أشتريها ..  فمن هذا الذي أهداها لك إذا ..؟(وهي تبتسم)  أعطاها لي عجوز يدعى ريتشارد يملك محلا لبيع الأقراص المضغوطة والمجلات .. غريب أمره .. كنت أتردد عليه وأنا أبحث عن بعض أقراص البرمجيات .. كان يناديني باسكال  باسكال ..؟ ههه، لماذا ..؟  لست أدري .. ربما ظنني شغوفا بالرياضيات ..  تبدوا كذلك حقا  لكنني لم أسأله يوما عن ذلك .. كان يناديني باسكال وكنت أناديه مستر ريتش .. ويوم أعلمته بأني مسافر إلى كاليفورنيا ، أمهلني هنيهة دخل فيها إلى مخدعه وعاد إلي بهاذين الكتابين ..  ألم يقل لك شيئا خاصا ..؟  لا .. ابتسم وقال : باسكال تستحق هذه الهدية  ولم تقرئهما منذ ذلك التاريخ ..؟  لم أفعل .. كنت على عجل .. تعلمين كيف كانت تلك الأيام  أجل .. أنت وبول .. لا نستطيع إلا أن نذكره ..  نعم .. كانت سعادتنا لا توصف .. حُزنا جائزة أحسن برنامج مصمم لالتقاط ومعالجة موجات التردد المتراكب .. والتحقنا بكم هنا في المعهد .. نعم بيلي .. لقد أضفتما معا جوا من الحيوية إلى الفريق كله .. نعم تستحقان النجاح الذي وصلتما إليه ..  وبول .. كان أحسن مني بكثير .. كان حيويا نشيطا .. حاد الذكاء .. أوه آنا .. لا أستطيع تحمل هذا .. (وتنساب بضع قطرات دمع على خديه)  هوّن عليك بيلي .. هون عليك .. (وهي تربت على كتفيه) .. لا نستطيع أن نغير الأقدار ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

قريبا من الموت 

بالكاد يستطيع فتح عينيه، ممددا على السرير، حتى يلمح قبالته وجه طبيب يكلمه : 
ما اسمك ..؟ 
.. بيلي .. 
بيلي ماذا ..؟ 
.. بيلي ميللر .. 
هل انت متأكد ..؟ 
..طبعا .. 
إذا فأنت بخير .. لا تقلق .. سنعتني بك جيدا .. أنا الدكتور جايمس .. جايمس وولكر .. يمكنك مناداتي ريو ... 
قُلي بيلي .. هل تعرف هذه الفتاة الجالسة بقربك ..؟ 
يعطف بيلي بصره قليلا ثم يبتسم قائلا : آنــَّـــا .. 
تجيبه آنا مبتسمة وهي تمسح دموعها خفية : أجل بيلي .. آنا بقربك وسوف تعتني بك ... 
بيلي : ما الذي حدث آنا .. ؟ 
تنظر آنا إلى الطبيب وهي تحاول التهرب من الجواب 
بيلي : أجل تذكرت .. السيارة والحادث .. بول فقد السيطرة .. 
يلتفت ببطء من حوله : ولكن أين هو بول ..؟ 
تدس آنا وجهها بين كفيها وتجهش بالبكاء.. 
الطبيب ريو يبادر بالكلام قائلا : 
بيلي .. لقد كان الحادث أليما جدا .. فعلنا ما بوسعنا لإنقاذك وإنقاد بول .. لكن و للأسف صديقك لم يساعفه الحظ .. في الحقيقة .. بول فارق الحياة لحظة الحادث .. 
بيلي .. لقد نجوت بأعجوبة .. أنت تملك قوة عظيمة ساعدتنا على إبقائك حيا .. أنت الآن أحسن بكثير .. وسوف تشفى في أسرع وقت ممكن .. أعدك بذلك . 
تجحظ عينا بيلي ويتمتم : .. بول مات .. ؟؟ 
وتمر الأيام ببطء كئيب وبيلي ممدد على سريره يكتشف شيئا فشيئا أن حالته حرجة وأن الحادثة أورثته شلالا في نصفه السفلي ، يحاول الأطباء التقليل من شأنه وإيهامه أنهم يستطيعون معالجة حالته، وحدها آنا كانت تصارحه بالحقيقة ، وذات صباح أقبلت عليه وهي تحمل معها حقيبة ... 
لقد سُمح لي بإحضار بعد الأشياء لك . (قالت آنا وهي تفتح حقيبتها) 
ماذا عن أمي .. ألم تتصلي بها ..؟ 
لقد فعلت .. هي الآن في طريقها إلى دنفر 
هل أخبرتها بكل شيء ..؟ 
لا ليس كل الحقيقة .. لم أمتلك الشجاعة لذلك .. خذ بيلي . (وناولته حاسبه المحمول) 
شكرا آنا .. لقد أتعبتك معي ... 
وهذه بعض الأقراص التي وجدتها في غرفتك .. لعلك تحتاج بعضا منها .. 
وجلست آنا وهي تفرغ ما بحقيبتها وتحاول ترتيب الأشياء على المنضدة قرب السرير 
اسمع بيلي .. يبدوا أن مقامك هنا سيطول بعض الوقت .. لذا حاول أن تجد بعض التسلية .. ولا بأس بقراءة بعض الكتب أيضا .. 
لا أستطيع أن أصدق أن بول قد مات .. 
ولا أنا بيلي .. لكن يجب أن نتعود على الأمر .. حاول أن تنسى الموضوع كليا 
كيف أنسى آنا .. لقد كنا معا جنبا لجنب .. كنا نضحك كالمخبولين .. لا أزال أتذكر كلماته .. كان يقود بجنون كعادته .. ثم يفترسه الموت هو لا أنا ؟؟؟ .. كم كنت قريبا من الموت ..
بيلي .. لأجل هذا أطلب منك أن تنسى الموضوع بالكلية .. حاول أن تلهي نفسك عن العودة إلى الماضي .. لأنك مهما فعلت فلن تستوعب ما حدث .. 
وكلنا لا نستطيع ذلك .. بول كان صديقا لنا جميعا .. وشاءت الحياة أن يفارقنا هكذا .. يجب أن نعوّد أنفسنا الحياة من دونه ... 
.. اسمع .. إذا تعبت من الحاسوب .. تستطيع تصفح هذه المجلات وأن تطالع هذه الروايات، إنها المفضلة لدي .. لم أجد عندك غير هاذين الكتابين .. ربما تعاود قراءتهما من جديد إن أردت .. 
يتأملهما بيلي ثم يبتسم : - صدّقي .. لم أقرأهما بعد 
ومنذ متى هما عندك ..؟ 
منذ مدة ليست بالقصيرة 
عجبا لك تشتري كتبا ولا تقرأها ..؟ 
لم أشتريها .. 
فمن هذا الذي أهداها لك إذا ..؟(وهي تبتسم) 
أعطاها لي عجوز يدعى ريتشارد يملك محلا لبيع الأقراص المضغوطة والمجلات .. غريب أمره .. كنت أتردد عليه وأنا أبحث عن بعض أقراص البرمجيات .. كان يناديني باسكال 
باسكال ..؟ ههه، لماذا ..؟ 
لست أدري .. ربما ظنني شغوفا بالرياضيات .. 
تبدوا كذلك حقا 
لكنني لم أسأله يوما عن ذلك .. كان يناديني باسكال وكنت أناديه مستر ريتش .. ويوم أعلمته بأني مسافر إلى كاليفورنيا ، أمهلني هنيهة دخل فيها إلى مخدعه وعاد إلي بهاذين الكتابين .. 
ألم يقل لك شيئا خاصا ..؟ 
لا .. ابتسم وقال : باسكال تستحق هذه الهدية 
ولم تقرئهما منذ ذلك التاريخ ..؟ 
لم أفعل .. كنت على عجل .. تعلمين كيف كانت تلك الأيام 
أجل .. أنت وبول .. لا نستطيع إلا أن نذكره .. 
نعم .. كانت سعادتنا لا توصف .. حُزنا جائزة أحسن برنامج مصمم لالتقاط ومعالجة موجات التردد المتراكب .. والتحقنا بكم هنا في المعهد ..
نعم بيلي .. لقد أضفتما معا جوا من الحيوية إلى الفريق كله .. نعم تستحقان النجاح الذي وصلتما إليه .. 
وبول .. كان أحسن مني بكثير .. كان حيويا نشيطا .. حاد الذكاء .. أوه آنا .. لا أستطيع تحمل هذا .. (وتنساب بضع قطرات دمع على خديه) 
هوّن عليك بيلي .. هون عليك .. (وهي تربت على كتفيه) .. لا نستطيع أن نغير الأقدار ...

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


#قصة #رواية # #باسكال #كاليفورنيا #قريبا #الموت

باسكال في كاليفورنيا -8- طفولة محرومة

0
طفولة محرومة   وامتطى في الغد الطائرة إلى دنفر بعدما ودع امه في المطار .. وفي دنفر غير مساره واستقل طائرة إلى فانكوفر ، وهناك في المطار أقبل عليه رجل مسن ذو لحية بيضاء من الشيب وعلى جبينه ارتسمت آثار السنين ... فلما اقترب منه ناداه متسائلا : باسكال ..؟  نعم باسكال ... أيها الأب توماس ..  فابتسم الأب توماس ورحب به وحمل عنه حقيبته واخذ يقود كرسيه خارجا من المطار ثم إلى سيارته .. ومن ثمة أقلع باتجاه ضواحي المدينة إلى أن توقف بجانب بناية متواضعة .. فلما ولجا إليها إذا هي مدرسة متعددة بها عدد من أطفال الهنود .. وإذا بقسم آخر فيها يضم صبيانا وبنات يبدو عليهم التخلف الذهني .. ثم انتهوا إلى مكتب صغير في طرف البناية هو مكتب الأب توماس ، جلسا معا وقدم الأب شيئا من الأكل لبيلي ، وعرّفه أيضا ببعض الاصدقاء العاملين معه في هذه الجمعية الخيرية ثم اختليا معا في المكتب :  كم عندك من الوقت ،بني، لتقضيه هنا معنا ..؟  أسبوعا أو أقل ...  أعذرني على سؤالي .. لكنه من أجل ترتيب مواعيدي .. أريد حقا ان أستثمر وقتك الثمين الذي اقتطعته من أجل زيارتي ...  لقد اخبرني ريتشارد بخصوصية حالتك ... وبالعمل الخاص الذي تقوم به في كاليفورنيا .. لذلك لا اريد ان يكون مجيؤك إلى هنا عبثا .. وكذلك لا اريد أن أأخرك عن الالتحاق بعملك ..  كل الشكر والتقدير لك أبتي .. بل أنا الذي يعتذر منك ، لأنني قد اكون سببت لك شيئا من الإزعاج وصرفتك عن بعض أعمالك الجليلة ...  واستمر حديثهما حميميا إلى أن استأذن الأب بيلي في قضاء بعض الحوائج خارجا .. وبقي بيلي يتجول بهدوء يتفقد أقسام الجمعية ويتأمل هؤلاء الشباب والشابات المكبين على رعاية هذه الطفولة المحرومة تطوعا من غير أجر .. ثم تذكر كلام نيتشه عن أحقية الانسان القوي بالبقاء وعن حتمية الفناء لكل من به عاهة أو نقص يمنعه من الحياة السوية ، بل وتعدى ذلك يعطي للأقوياء حق إبادة الضعفاء .. لأنهم بذلك حسب زعمه يطهرون الأرض وينقون جنس البشرية من كل عيب ... وطفق بيلي يقول في نفسه إن عدم الإيمان بإله خالق لهذا الكون ، يدفع بالإنسان إلى التخبط في هذه الحياة على غير هدى .. بل يصير الإنسان وحشا .. وحشا بريا بلا قيد من الأخلاق ولا رادع من القيم ... بلا هدف واضح في الحياة ... حتى ليفقد معنى الخير ومعنى الشر .. ولا يحس بفرق بين الفضيلة والرذيلة ...  ثم عاد الأب توماس و أخذ بيلي معه في السيارة وبدأ يقودها في اتجاه طريق يؤدي إلى خارج المدينة :  لقد تحررتُ من جميع التزاماتي هذا الاسبوع .. ونحن الآن في طريقنا إلى دير الشهداء .. إنه دير متواضع اعتكفَ فيه جملة من القدسين والبررة منذ قرون .. لكنه اليوم مهجور تماما .. تعودتُ ان أختلي فيه كلما لاحت لي الفرصة ... واليوم بفضلك أعود إليه بعد غياب طويل ...  لن نجد فيه أحدا إذن ...  لن يكون فيه غيرنا ...  وبعد ساعات سيرا وصلا إلى الدير في وسط غابة .. تكاد تخفيه الأشجار العالية ، وقد بني بالحجارة ... كان بناء قديما وكأنما ينضح منه عبق التاريخ ...  ثم دخلا إلى الدير وإذا بقاعة للصلاة فيه ،تنبه بيلي إلى خلوها من أي أيقونة أو صليب .. حتى جدارها الأمامي الذي تعودت الكنائس على نصب صليب كبير فيه ، ليس فيه إلا آثار للهب الشموع ... وبعد أن وضع متاعهما داخل غرفة صغيرة ، عاد الأب توماس إلى قاعة الصلاة وجلس على ركبتيه قبالة الجدار العتيق ، وطأطأ رأسه يضم كلتا يديه إلى صدره في خشوع وسكون وصمت ... ثم انطلق لسانه بالدعاء:  تبارك اسم الله القدوس الذي من سره ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم على لسان عبده داوود قائلا : (قبل كوكب الصبح ، في ضياء القديسين خلقتك) ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي لعن وخذل الشيطان و أتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله أن يسجد الجميع له ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض و جعله قيما على أعماله،  تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء ،  تبارك اسم الله القدوس الذي لعن بعدله قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة ، وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه ، وأدب الكفرة ولعن غير التائبين ،  تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ،  الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبه موسى لكي لا يغشنا الشيطان ... (فخنقت العبرات كلماته ثم أجهش بالبكاء)  ولبث كذلك مليا .. منكسر الخاطر .. ذليلا في محرابه ، حتى ظن بيلي أنه قد نسيه ..  ثم قام الأب وعاد يسير بسكينة إلى ان جلس قبالة بيلي ، ثم تكلم :  بني ... ما زلت شابا يافعا ... ومازال امامك مستقبل مشرق ... فلم تشغل نفسك ووقتك الثمين، بخرافات تستهوي المسنين ..؟  (فابتسم بيلي وقال) .. يا أبتي ... لقد اعتزل باسكال في دير ولم يكن مسنا ، وكان امامه مستقبل أكثر إشراقا من مستقبلي .  بني ... لما .. لم تقنع بما قنع به أكثر العلماء والباحثين في هذا العالم ... بأن حقيقة الحياة مادية ... وأن هذه اللاهوتيات مجرد أوهام ..؟  .. أبتي ... لو كانت أسرار الحياة في متناول الجميع ، لما أصبح لها معنى .  (فابتسم عندها الأب ، ثم قام وهو يقول لبيلي) .. إن أردت طعاما ، فستجده في المطبخ .  ثم دخل غرفة ، وبعد برهة خرج وهو يرتدي لباس الرهبان، ويحمل كتابا عتيقا كأنه مخطوط ، ولما انتهى إلى زاوية قاعة الصلاة جلس يتصفحه، ثم أخذ يقرأه ويتلوا آياته بلغة لم يفهمها بيلي .. واستمر الحال على ذلك ... الأب مستغرق في تلاوته وبيلي يراقبه من بعيد ، حتى أحس بالضجر ، راودته نفسه على التفسح في أرجاء الدير لكنه قاومها ولازم مكانه حتى أظلم الليل .. ولما أُعتم المكان ، قام الأب من مكانه وأخذ يوقد الشمع في أرجاء قاعة الصلاة ومن ثمة في أرجاء الدير كله ، ولما عاد كان يحمل في يده بعض الطعام ناوله بيلي وعاد خاويا إلى مكانه في زاوية القاعة ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

طفولة محرومة 

وامتطى في الغد الطائرة إلى دنفر بعدما ودع امه في المطار .. وفي دنفر غير مساره واستقل طائرة إلى فانكوفر ، وهناك في المطار أقبل عليه رجل مسن ذو لحية بيضاء من الشيب وعلى جبينه ارتسمت آثار السنين ... فلما اقترب منه ناداه متسائلا : باسكال ..؟ 
نعم باسكال ... أيها الأب توماس .. 
فابتسم الأب توماس ورحب به وحمل عنه حقيبته واخذ يقود كرسيه خارجا من المطار ثم إلى سيارته .. ومن ثمة أقلع باتجاه ضواحي المدينة إلى أن توقف بجانب بناية متواضعة .. فلما ولجا إليها إذا هي مدرسة متعددة بها عدد من أطفال الهنود .. وإذا بقسم آخر فيها يضم صبيانا وبنات يبدو عليهم التخلف الذهني .. ثم انتهوا إلى مكتب صغير في طرف البناية هو مكتب الأب توماس ، جلسا معا وقدم الأب شيئا من الأكل لبيلي ، وعرّفه أيضا ببعض الاصدقاء العاملين معه في هذه الجمعية الخيرية ثم اختليا معا في المكتب : 
كم عندك من الوقت ،بني، لتقضيه هنا معنا ..؟ 
أسبوعا أو أقل ... 
أعذرني على سؤالي .. لكنه من أجل ترتيب مواعيدي .. أريد حقا ان أستثمر وقتك الثمين الذي اقتطعته من أجل زيارتي ... 
لقد اخبرني ريتشارد بخصوصية حالتك ... وبالعمل الخاص الذي تقوم به في كاليفورنيا .. لذلك لا اريد ان يكون مجيؤك إلى هنا عبثا .. وكذلك لا اريد أن أأخرك عن الالتحاق بعملك .. 
كل الشكر والتقدير لك أبتي .. بل أنا الذي يعتذر منك ، لأنني قد اكون سببت لك شيئا من الإزعاج وصرفتك عن بعض أعمالك الجليلة ... 
واستمر حديثهما حميميا إلى أن استأذن الأب بيلي في قضاء بعض الحوائج خارجا .. وبقي بيلي يتجول بهدوء يتفقد أقسام الجمعية ويتأمل هؤلاء الشباب والشابات المكبين على رعاية هذه الطفولة المحرومة تطوعا من غير أجر .. ثم تذكر كلام نيتشه عن أحقية الانسان القوي بالبقاء وعن حتمية الفناء لكل من به عاهة أو نقص يمنعه من الحياة السوية ، بل وتعدى ذلك يعطي للأقوياء حق إبادة الضعفاء .. لأنهم بذلك حسب زعمه يطهرون الأرض وينقون جنس البشرية من كل عيب ... وطفق بيلي يقول في نفسه إن عدم الإيمان بإله خالق لهذا الكون ، يدفع بالإنسان إلى التخبط في هذه الحياة على غير هدى .. بل يصير الإنسان وحشا .. وحشا بريا بلا قيد من الأخلاق ولا رادع من القيم ... بلا هدف واضح في الحياة ... حتى ليفقد معنى الخير ومعنى الشر .. ولا يحس بفرق بين الفضيلة والرذيلة ... 
ثم عاد الأب توماس و أخذ بيلي معه في السيارة وبدأ يقودها في اتجاه طريق يؤدي إلى خارج المدينة : 
لقد تحررتُ من جميع التزاماتي هذا الاسبوع .. ونحن الآن في طريقنا إلى دير الشهداء .. إنه دير متواضع اعتكفَ فيه جملة من القدسين والبررة منذ قرون .. لكنه اليوم مهجور تماما .. تعودتُ ان أختلي فيه كلما لاحت لي الفرصة ... واليوم بفضلك أعود إليه بعد غياب طويل ... 
لن نجد فيه أحدا إذن ... 
لن يكون فيه غيرنا ... 
وبعد ساعات سيرا وصلا إلى الدير في وسط غابة .. تكاد تخفيه الأشجار العالية ، وقد بني بالحجارة ... كان بناء قديما وكأنما ينضح منه عبق التاريخ ... 
ثم دخلا إلى الدير وإذا بقاعة للصلاة فيه ،تنبه بيلي إلى خلوها من أي أيقونة أو صليب .. حتى جدارها الأمامي الذي تعودت الكنائس على نصب صليب كبير فيه ، ليس فيه إلا آثار للهب الشموع ... وبعد أن وضع متاعهما داخل غرفة صغيرة ، عاد الأب توماس إلى قاعة الصلاة وجلس على ركبتيه قبالة الجدار العتيق ، وطأطأ رأسه يضم كلتا يديه إلى صدره في خشوع وسكون وصمت ... ثم انطلق لسانه بالدعاء: 
تبارك اسم الله القدوس الذي من سره ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم على لسان عبده داوود قائلا : (قبل كوكب الصبح ، في ضياء القديسين خلقتك) ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي لعن وخذل الشيطان و أتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله أن يسجد الجميع له ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض و جعله قيما على أعماله، 
تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي لعن بعدله قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة ، وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه ، وأدب الكفرة ولعن غير التائبين ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ، 
الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبه موسى لكي لا يغشنا الشيطان ... (فخنقت العبرات كلماته ثم أجهش بالبكاء) 
ولبث كذلك مليا .. منكسر الخاطر .. ذليلا في محرابه ، حتى ظن بيلي أنه قد نسيه .. 
ثم قام الأب وعاد يسير بسكينة إلى ان جلس قبالة بيلي ، ثم تكلم : 
بني ... ما زلت شابا يافعا ... ومازال امامك مستقبل مشرق ... فلم تشغل نفسك ووقتك الثمين، بخرافات تستهوي المسنين ..؟ 
(فابتسم بيلي وقال) .. يا أبتي ... لقد اعتزل باسكال في دير ولم يكن مسنا ، وكان امامه مستقبل أكثر إشراقا من مستقبلي . 
بني ... لما .. لم تقنع بما قنع به أكثر العلماء والباحثين في هذا العالم ... بأن حقيقة الحياة مادية ... وأن هذه اللاهوتيات مجرد أوهام ..؟ 
.. أبتي ... لو كانت أسرار الحياة في متناول الجميع ، لما أصبح لها معنى . 
(فابتسم عندها الأب ، ثم قام وهو يقول لبيلي) .. إن أردت طعاما ، فستجده في المطبخ . 
ثم دخل غرفة ، وبعد برهة خرج وهو يرتدي لباس الرهبان، ويحمل كتابا عتيقا كأنه مخطوط ، ولما انتهى إلى زاوية قاعة الصلاة جلس يتصفحه، ثم أخذ يقرأه ويتلوا آياته بلغة لم يفهمها بيلي .. واستمر الحال على ذلك ... الأب مستغرق في تلاوته وبيلي يراقبه من بعيد ، حتى أحس بالضجر ، راودته نفسه على التفسح في أرجاء الدير لكنه قاومها ولازم مكانه حتى أظلم الليل .. ولما أُعتم المكان ، قام الأب من مكانه وأخذ يوقد الشمع في أرجاء قاعة الصلاة ومن ثمة في أرجاء الدير كله ، ولما عاد كان يحمل في يده بعض الطعام ناوله بيلي وعاد خاويا إلى مكانه في زاوية القاعة ...  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


# باسكال #في #كاليفورنيا #-8- #طفولة #محرومة #قصة #رواية # 

باسكال في كاليفورنيا -3- المخدوعون بالعالم الثاني

0


المخدوعون بالعالم الثاني  ما أوجدت العوالم الأخرى في هذا العالم سوى الآلام والشعور بالعجز ، ذلك ما أوجدته تلك العوالم فأوجدت معه هذا الجنون السريع الزوال بسعادة ما ذاقها من الناس إلا أشدهم آلاماً .. إن المتعب الذي يطمع إلى اجتياز أبعد مدى بطفرة واحدة قاتلة ، وقد بلغت به مسكنته وجهالته حدا لا يستطيع عنده أن يريد، إنما هو نفسه مبدع جميع الآلهة وجميع العوالم الأخرى ... صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد قطع رجاءه من الجسد ، فغدا يجس بأنامله مواضع الروح المضللة ، وذهب يتلمسها من وراء الحواجز القائمة على مسافة بعيدة .. (فأوجس بيلي في نفسه: .. إنه يقصدني ..) ثم أكمل صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد تملكه اليأس من الأرض فسمع صوتا يناديه من قلب الوجود ، فأراد أن يخترق برأسه أطراف الحواجز ، بل حاول العبور منها إلى العالم الثاني ... إن قلب الوجود لا يخاطب الناس إذا لم يكلمهم كإنسان ...  لقد علمتني ذاتي عزة جديدة أعلمها الآن للناس : علمتني ألا أخفي رأسي بعد الآن في رمال الأشياء السماوية ، بل أرفعها عزيزة ترابية تبتدع معنى الأرض ..  إنني أعلم الناس إرادة جديدة يتخيرون بها السير ليس كالناس من قبلهم وبغباوة شاءوا الفرار من الشقاء وتراءت لهم الكواكب بعيدة صعبة المنال فوجموا يدفعون بالزفرات قائلين : وا أسفاه ! لم لا تنفتح أمامنا سبل في السماء ننسحب عليها إلى وجود آخر وسعادة أخرى ... (لو عشت لسمعت علماء الفلك يخبروك باحتمال وجود آلاف العوالم الحية في مجرتنا فقط ولما استغربت سعينا الحثيث للاتصال بها .. أجاب بيلي ) وغلبه النوم . في اليوم التالي أقبلت آنا مع أمه وهي جزعة تسأل الأطباء عن حقيقة حال ابنها ولما انتهت إليه حضنته وهي تبكي بيلي .. صغيري .. ما الذي فعلته بنفسك .. إن هذا لشيء فظيع (وآنا تحاول تهدئة روعها) .. بول المسكين .. كان شابا ممتلأ بالحياة .. لا يستحق هذه النهاية .. كم أنا حزينة لأجله ولأجل والديه ... وبعد أن استقر روعها ومسحت دموعها التفتت نحو آنا وقالت : سوف أكلم الطبيب .. لن أترك ابني هنا سوف آخذه معي إلى شيكاغوا، ليلقى الرعاية هناك بقربي .. لست أدري إن كان الطبيب سيقبل بهذا ؟ سوف أحاول .. وأنت أيضا .. أرجوك آنا ساعديني ، لا أستطيع أن أتركه هنا سوف أرى ما يمكننا فعله .. وبيلي ما رأيه (والتفتتا كلتاهما نحوه) في كل الحالات أفضل مغادرة هذا المستشفى (أجاب بيلي)  وانطلق سعيهما حثيثا حتى قبل الأطباء على مضض وانقلبت آنا تجمع أمتعة بيلي والأم تضبط آخر إجراءات الانتقال ... وأحضرت الممرضة كرسيا متحركا ما إن رآه بيلي حتى تغير لونه .. فعرفت آنا ذلك من ملامحه ... ثم إلى المطار حيث وقفت آنا تودعهما وهي تقول لبيلي: سأتصل بك لحظة أصل إلى مركز الهوائي وسأخبرك بكل جديد .. لا أعرف كيف أشكرك على كل ما فعلتي من أجلي آنا ... أتمنى ان أعود إليكم في وقت قريب ... ثم أقلعت الطائرة .. وبيلي يرقب الأجواء من النافذة .. يسترجع ذكريات رسمها بول معه منذ وصلا إلى كاليفورنيا .. تبقى الإجازات والرحلات وأيام المرح أسرع من غيرها ورودا على خاطره .. في لوس أنجلوس ، و في هوليود قضوا أياما ممتعة .. هل عاش بول حياة رائعة ..؟.. ماذا يتمنى أي شاب في مكانه غير أن يفعل ما فعل ثم يموت .. أم ان بول كان يطمح لأكثر من هذا كله فباغته الموت وقطع آماله .. فتتبادر إلى ذهنه كلمات ذلك المعتوه عن الحياة والموت .. فيُخرج كتاب الطلاسم ذاك من حقيبته .. ويقلبه: يجب أن لا تزين المسيحية أو تجمل ، لقد قامت بحرب مستميتة ضد النمط السامي من الإنسانية وضد كل غرائزه الأساسية ، فكان الإنسان القوي عندها نمطا مستهجنا تدعوه شريرا مغضوبا عليه يستحق الهلاك ..  لقد انحازت المسيحية إلى كل ضعيف ومنحط وفاشل ، وعارضت غرائز التشبث بالحياة واعتبرتها ضلالات و غوايات وخطيئة.. والمثال الأكثر إيلاما عندي هو هذا : مثال ضياع باسكال الذي اعتقد أن عقله مفسدٌ بسبب الخطيئة الأصلية .. بينما في حقيقة الأمر كان مفسدا بسبب الإيمان ... فلم يملك بيلي نفسه أن تساءل بصوت يُسمع : باسكال ضاع ..؟؟ ولما انتبه إلى استغراب أمه أغلق الكتاب وأدار الفكر في رأسه...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

المخدوعون بالعالم الثاني

ما أوجدت العوالم الأخرى في هذا العالم سوى الآلام والشعور بالعجز ، ذلك ما أوجدته تلك العوالم فأوجدت معه هذا الجنون السريع الزوال بسعادة ما ذاقها من الناس إلا أشدهم آلاماً ..
إن المتعب الذي يطمع إلى اجتياز أبعد مدى بطفرة واحدة قاتلة ، وقد بلغت به مسكنته وجهالته حدا لا يستطيع عنده أن يريد، إنما هو نفسه مبدع جميع الآلهة وجميع العوالم الأخرى ...
صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد قطع رجاءه من الجسد ، فغدا يجس بأنامله مواضع الروح المضللة ، وذهب يتلمسها من وراء الحواجز القائمة على مسافة بعيدة .. (فأوجس بيلي في نفسه: .. إنه يقصدني ..) ثم أكمل
صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد تملكه اليأس من الأرض فسمع صوتا يناديه من قلب الوجود ، فأراد أن يخترق برأسه أطراف الحواجز ، بل حاول العبور منها إلى العالم الثاني ... إن قلب الوجود لا يخاطب الناس إذا لم يكلمهم كإنسان ... 
لقد علمتني ذاتي عزة جديدة أعلمها الآن للناس : علمتني ألا أخفي رأسي بعد الآن في رمال الأشياء السماوية ، بل أرفعها عزيزة ترابية تبتدع معنى الأرض .. 
إنني أعلم الناس إرادة جديدة يتخيرون بها السير ليس كالناس من قبلهم وبغباوة شاءوا الفرار من الشقاء وتراءت لهم الكواكب بعيدة صعبة المنال فوجموا يدفعون بالزفرات قائلين : وا أسفاه ! لم لا تنفتح أمامنا سبل في السماء ننسحب عليها إلى وجود آخر وسعادة أخرى ...
(لو عشت لسمعت علماء الفلك يخبروك باحتمال وجود آلاف العوالم الحية في مجرتنا فقط ولما استغربت سعينا الحثيث للاتصال بها .. أجاب بيلي ) وغلبه النوم .
في اليوم التالي أقبلت آنا مع أمه وهي جزعة تسأل الأطباء عن حقيقة حال ابنها ولما انتهت إليه حضنته وهي تبكي
بيلي .. صغيري .. ما الذي فعلته بنفسك .. إن هذا لشيء فظيع (وآنا تحاول تهدئة روعها) .. بول المسكين .. كان شابا ممتلأ بالحياة .. لا يستحق هذه النهاية .. كم أنا حزينة لأجله ولأجل والديه ...
وبعد أن استقر روعها ومسحت دموعها التفتت نحو آنا وقالت :
سوف أكلم الطبيب .. لن أترك ابني هنا سوف آخذه معي إلى شيكاغوا، ليلقى الرعاية هناك بقربي ..
لست أدري إن كان الطبيب سيقبل بهذا ؟
سوف أحاول .. وأنت أيضا .. أرجوك آنا ساعديني ، لا أستطيع أن أتركه هنا
سوف أرى ما يمكننا فعله .. وبيلي ما رأيه (والتفتتا كلتاهما نحوه)
في كل الحالات أفضل مغادرة هذا المستشفى (أجاب بيلي) 
وانطلق سعيهما حثيثا حتى قبل الأطباء على مضض وانقلبت آنا تجمع أمتعة بيلي والأم تضبط آخر إجراءات الانتقال ... وأحضرت الممرضة كرسيا متحركا ما إن رآه بيلي حتى تغير لونه .. فعرفت آنا ذلك من ملامحه ... ثم إلى المطار حيث وقفت آنا تودعهما وهي تقول لبيلي:
سأتصل بك لحظة أصل إلى مركز الهوائي وسأخبرك بكل جديد ..
لا أعرف كيف أشكرك على كل ما فعلتي من أجلي آنا ... أتمنى ان أعود إليكم في وقت قريب ...
ثم أقلعت الطائرة .. وبيلي يرقب الأجواء من النافذة .. يسترجع ذكريات رسمها بول معه منذ وصلا إلى كاليفورنيا .. تبقى الإجازات والرحلات وأيام المرح أسرع من غيرها ورودا على خاطره .. في لوس أنجلوس ، و في هوليود قضوا أياما ممتعة .. هل عاش بول حياة رائعة ..؟.. ماذا يتمنى أي شاب في مكانه غير أن يفعل ما فعل ثم يموت .. أم ان بول كان يطمح لأكثر من هذا كله فباغته الموت وقطع آماله .. فتتبادر إلى ذهنه كلمات ذلك المعتوه عن الحياة والموت .. فيُخرج كتاب الطلاسم ذاك من حقيبته .. ويقلبه:
يجب أن لا تزين المسيحية أو تجمل ، لقد قامت بحرب مستميتة ضد النمط السامي من الإنسانية وضد كل غرائزه الأساسية ، فكان الإنسان القوي عندها نمطا مستهجنا تدعوه شريرا مغضوبا عليه يستحق الهلاك .. 
لقد انحازت المسيحية إلى كل ضعيف ومنحط وفاشل ، وعارضت غرائز التشبث بالحياة واعتبرتها ضلالات و غوايات وخطيئة.. والمثال الأكثر إيلاما عندي هو هذا :
مثال ضياع باسكال الذي اعتقد أن عقله مفسدٌ بسبب الخطيئة الأصلية .. بينما في حقيقة الأمر كان مفسدا بسبب الإيمان ...
فلم يملك بيلي نفسه أن تساءل بصوت يُسمع : باسكال ضاع ..؟؟ ولما انتبه إلى استغراب أمه أغلق الكتاب وأدار الفكر في رأسه... 

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


 #قصة #رواية # #باسكال #كاليفورنيا #المخدوعون #بالعالم #الثاني

باسكال في كاليفورنيا -5- دعاء المرضى

0
دعاء المرضى  في غرفته ليلا ،بيلي يفتح حاسوبه النقال، يشغله، ويعمد إلى الاتصال بآنا وهي في مركز الهوائي بمعهد الاستماع الفضائي ، وما هي إلا لحظات حتى كانت جالست قبالة الشاشة وهي تبعث له بتحيات الأصدقاء: كيف حالك بيلي ... بخير، أحسن بكثير .. لقد خرجت وتفسحت لوحدي اليوم.. هذا شيء رائع .. لابد أن تعتمد على نفسك .. أجل .. انت تعرفين بيلي .. لا يستسلم أبدا ... ماذا عن ديفد وبيتر .. ديفد أصر على اللحاق بي ... لن يتأخر ... إنه متشوق لرؤيتك .. وبيتر منهمك كعادته في معالجة التحاليل .. بالكاد يأخذ قسطا من الراحة .. ما أخبار الإشارة الجديدة .. لا أخفيك بيلي الجميع متحمس هنا .. الإشارة لم تنقطع بعد، إنها طويلة .. إننا نحاول تسجيلها بأدق التفاصيل ... ماذا عن نوعيتها ... أليست مألوفة بالمرة ..؟ هناك نقاش دائر حاليا .. لكنهم مجمعون على أنها نوعية جديدة ... (ثم يظهر ديفد على الشاشة وهو يرتشف عصيرا، فيقاطع آنا متحدثا إلى بيلي) ..  بيلي الصغير هنا .. ألم تنم بعد..؟ ليس قبل أن يعتصرك النعاس يا ديفد هههههه كيف هي الأجواء عندكم في شيكاغو .. لابد و أن الليل قد أظلم ... هل تحتاج حكاية للنوم ...؟ نعم .. حاولت آنا أن تسرد لي واحدة منذ قليل .. لكنها لم تفلح ..(تضحك آنا( إذا فإليك هذه (يقول ديفد)، بيتر هذا الصباح كان منهمكا أمام الحاسوب، فعمدت خلسة واستبدلت كوب القهوة خاصته بكوب عصير تفاح قديم ، فاستمر يرتشفه من غير أن يعبأ بشيء ، فلما نبهته آنا كاد يتقيأ وأصابه مغص واسهال أدخله إلى الحمام ، ولا يزال حتى اللحظة فيه ههههههههههه ، لكن آنا أخبرتني بأنه مازال يعالج الإشارات ..؟ كذبت عليك .. لا يزال يعالج أمعائه من آثار العصير هههههههههههههههههههه (وانفجر الجميع بالضحك( وبعد أن تمت المحادثة المرحة وقطع الاتصال ، لم يملك بيلي فضوله حتى كتب على محرك البحث "مخلوقات الفضاء والحضارات القديمة"، فخلص إلى كم من العناوين يقول بعضها : كيف ساعد الفضائيون المصريين في بناء الأهرامات ... رسومات شعب الماية تثبت زيارة كائنات فضائية للأرض ... هل كان الفضائيون وراء الرسومات الغريبة في سهول الإنكة ... فتصفح بعض هذه المواقع ، ليقف على جدل العلماء بشأن الأهرامات وتعقيدات بنائها ودقة مواقعها الفلكية بما يتجاوز المعرفة الإنسانية لتلك العهود ... وشاهد صورة لجدار قديم لشعب الماية به رسم يبدوا كأنه لمركبة فضائية بقربها شخص رُسم وكأنما يرتدي خوذة .. وصورا أخرى لأشكال عظيمة على أراض جرداء لا يمكن ان ترى إلى من السماء لكبر حجمها وغرابة اشكالها ، وكيف اختلف العلماء في تفسير دواعي شعب الإنكة إلى الإقدام على نحتها ... في الغد أصر بيلي على والدته أن تصطحبه إلى قبر بول لزيارته، فأخذته تجر كرسيه المتحرك حتى ولجوا إلى المقبرة ووقفا على شاهد قبره فوضعا عليه زهورا وبقيا هناك في صمت خاشع وبيلي يتأمل ذكرياته الغابرة منذ أيام الطفولة .. لا يمكن لروح حية وثّابة أن تخمد هكذا بلا حراك ، وأن تدس في التراب ويطويها النسيان (تكلم بيلي في نفسه) ... أن تعود إلى كوكب علوي فترقبنا منه مبتسمة .. هو أرحم لقلبي وعقلي من هذا الفناء البهيم ... ما معنى الحياة إن كانت لا تؤدي إلا إلى فناء سرمدي ... إن هذا لشيء قاصي .. قاصي فعلا ، يصعب الركون إليه .. بول ... بول .. هل تستطيع سماع همسي ؟ ... إن كنت تسمعني ، فأرجوك أجبني .. وأرح بالي ... أجبني إن كان هنالك حقا عالم آخر يجب أن نؤمن به ... (لكنه لم يسمع في قلبه شيئا ، فذرفت عيناه( وعاد بيلي إلى البيت خاشعا مطرقا ، وولج إلى غرفته ، اقترب من سريره ، تحامل وألقى بجذعه عليه ثم تناول أطرافه السفلى الذابلة ومددها بلطف واستلقى يسند ظهره إلى الجدار... ولبث مليا يتأمل السقف ، لكن مقلتاه تهفوان إلى ما هو أبعد من هذه الجدران و هذه الحواجز ... ثم تلمس الكتاب الثاني الذي أهداه إليه العجوز ريتشارد .. فإذا عنوانه "خواطر ، بليز باسكال" ففتح وإذا به يقع على صفحة عنوانها "دعاء المرضى" فقرأ ، وإذا بباسكال يدعوا بهذه الكلمات : اللهم يامن وسع حلمك وبرك كل شيء ، وتعاظمت رحمتك حتى شملت عبادك المصطفين في السراء والضراء ، تلطف علي بأن لا يكون تصرفي كتصرف الجاهل وأنا في هذه الحالة التي أرادتها عدالتك . ولتكن مشيئتك أن أتمثل فيك ككل مؤمن حقيقي الرب الرحيم والأب العطوف، مهما يكن حالي ، لأن تغير وضعي لا يبدل من وضعك ، ولأنك إله حينما تنزل العقاب والاحزان ، وحينما ترسل السلوى والغفران. لقد وهبتني الصحة لأعبدك فتهالكت على نعيم الدنيا ، وها أنت ذا تنزل بي المرض لتؤدبني . فلتكن مشيئتك أن لا أسخطك بجزعي . لقد أسأت استعمال صحتي فجازيتني بحق ، فلتكن مشيئتك أن لا أسيء استعمال عقابك . إن فساد طبيعتي بلغ مبلغا صير نعمك مؤذية لي ، فلتكن مشيئتك اللهم ، إن يجعل حلمك الواسع هذا العقاب وسيلة لخلاصي ، إن كان قلبي مترعا بحب الدنيا أيام بأسه، فاقض على هذه القوة في سبيل خلاصي ، واجعلني عاجزا عن التنعم بمباهج الدنيا لضعف الجسم أو لفرط المحبة ، كي لا تكون مسرتي إلا بك وحدك.  اللهم يامن سأقدم أمامه الحساب عن أفعالي في ختام حياتي ونهاية العالم ... اللهم يامن لا يدع العالم وما فيه إلا ليختبر عباده الصالحين وليجازي الآثمين ... اللهم يامن يمهل المذنبين ليستسلموا لمتع الدنيا الآثمة ... اللهم يامن يفصل روحنا في ساعة الموت عن كل ما كانت تحبه في هذا العالم ... اللهم يامن ينتزعني في اللحظة الأخيرة من حياتي عن كل ما شغف قلبي ... اللهم يامن سيهلك الأرض والسماء وما عليهما ليبقى وجهك ذو الجلال و الإكرام . إنك أنت الجدير بالمحبة ، لأنك منفرد بالبقاء . أحمدك اللهم وأشكرك طيلة حياتي لأنك جنبتني عذاب يوم عظيم بما كتبت علي من وهن مقيم . أحمدك يا ربي وأشكرك طيلة حياتي لأنك جعلتني عاجزا عن التمتع بمباهج الصحة واللذة في هذا العالم . وكما أنني سأكون ساعة مماتي منعزلا عن العالم محروما من الأشياء كلها منفردا بحضرتك ، لأجيب عن كل خفقات قلبي ، كذلك فلتكن مشيئتك أن اعتبر نفسي في هذا المرض كميت منعزل عن العالم منفرد بحضرتك لأسألك توبة قلبي يا أرحم الراحمين . ثم أفاق بيلي ليجد الدموع سيالة على خديه ، ولقلبه خفقانا يكاد يسمعه ، إنها روحه تتكلم بهذه المشاعر ... لم يكن يفهمها من قبل وهي التي ظلت تشكو بلغة أخرى ... ها هو باسكال يترجم عنها كلامها ... يفك شيفرا ظلت ولزمن طويل مبهمة في صدره .. ولفرط الدموع المنهمرة .. لم يستطع مواصلة القراءة فأغلق الكتاب وأخلد للنوم ولصدره أزيز يسمع ... ثم دارت الأرض به دورانا عنيفا ... وخيل إليه انه يرى أشياء متداخلة .. متراكبة .. وكأنما انحدر من ناطحة سحاب ... ثم اخترق زحمة المرور ... ليقف آخر المطاف وحيدا على شفى وادي سحيق العمق وكأنما هو نهر الكلورادو العظيم ... وإذا على ضفته الأخرى .. في الطرف السحيق ذاك على الجرف .. يجلس بول وحيدا كئيبا ... فينادي عليه بيلي بأعلى صوته .. لكن بول وكأنه لا يسمعه ... حتى بح صوته .. وإذا به يرى رجلا قادما من خلف بول .. يرتدي بياضا وكأنه يشع من نور .. حتى وقف بجنب بول .. فرمق بيلي بنظرة ثم ابتسم ... ثم انحنى على بول يكلمه ... ثم قاما معا وغادرا حتى اختفيا ...... ثم أفاق بيلي .. فإذا به على سريره والجو معتم ... تفقد المنبه وإذا به يشير إلى الساعة الثالثة صباحا .. فبقي مستيقظا يقلب ما رآه من عجب في منامه ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

دعاء المرضى

في غرفته ليلا ،بيلي يفتح حاسوبه النقال، يشغله، ويعمد إلى الاتصال بآنا وهي في مركز الهوائي بمعهد الاستماع الفضائي ، وما هي إلا لحظات حتى كانت جالست قبالة الشاشة وهي تبعث له بتحيات الأصدقاء:
كيف حالك بيلي ...
بخير، أحسن بكثير .. لقد خرجت وتفسحت لوحدي اليوم..
هذا شيء رائع .. لابد أن تعتمد على نفسك ..
أجل .. انت تعرفين بيلي .. لا يستسلم أبدا ... ماذا عن ديفد وبيتر ..
ديفد أصر على اللحاق بي ... لن يتأخر ... إنه متشوق لرؤيتك .. وبيتر منهمك كعادته في معالجة التحاليل .. بالكاد يأخذ قسطا من الراحة ..
ما أخبار الإشارة الجديدة ..
لا أخفيك بيلي الجميع متحمس هنا .. الإشارة لم تنقطع بعد، إنها طويلة .. إننا نحاول تسجيلها بأدق التفاصيل ...
ماذا عن نوعيتها ... أليست مألوفة بالمرة ..؟
هناك نقاش دائر حاليا .. لكنهم مجمعون على أنها نوعية جديدة ... (ثم يظهر ديفد على الشاشة وهو يرتشف عصيرا، فيقاطع آنا متحدثا إلى بيلي) .. 
بيلي الصغير هنا .. ألم تنم بعد..؟
ليس قبل أن يعتصرك النعاس يا ديفد هههههه
كيف هي الأجواء عندكم في شيكاغو .. لابد و أن الليل قد أظلم ... هل تحتاج حكاية للنوم ...؟
نعم .. حاولت آنا أن تسرد لي واحدة منذ قليل .. لكنها لم تفلح ..(تضحك آنا(
إذا فإليك هذه (يقول ديفد)، بيتر هذا الصباح كان منهمكا أمام الحاسوب، فعمدت خلسة واستبدلت كوب القهوة خاصته بكوب عصير تفاح قديم ، فاستمر يرتشفه من غير أن يعبأ بشيء ، فلما نبهته آنا كاد يتقيأ وأصابه مغص واسهال أدخله إلى الحمام ، ولا يزال حتى اللحظة فيه ههههههههههه ،
لكن آنا أخبرتني بأنه مازال يعالج الإشارات ..؟
كذبت عليك .. لا يزال يعالج أمعائه من آثار العصير هههههههههههههههههههه (وانفجر الجميع بالضحك(
وبعد أن تمت المحادثة المرحة وقطع الاتصال ، لم يملك بيلي فضوله حتى كتب على محرك البحث "مخلوقات الفضاء والحضارات القديمة"، فخلص إلى كم من العناوين يقول بعضها :
كيف ساعد الفضائيون المصريين في بناء الأهرامات ...
رسومات شعب الماية تثبت زيارة كائنات فضائية للأرض ...
هل كان الفضائيون وراء الرسومات الغريبة في سهول الإنكة ...
فتصفح بعض هذه المواقع ، ليقف على جدل العلماء بشأن الأهرامات وتعقيدات بنائها ودقة مواقعها الفلكية بما يتجاوز المعرفة الإنسانية لتلك العهود ... وشاهد صورة لجدار قديم لشعب الماية به رسم يبدوا كأنه لمركبة فضائية بقربها شخص رُسم وكأنما يرتدي خوذة .. وصورا أخرى لأشكال عظيمة على أراض جرداء لا يمكن ان ترى إلى من السماء لكبر حجمها وغرابة اشكالها ، وكيف اختلف العلماء في تفسير دواعي شعب الإنكة إلى الإقدام على نحتها ...
في الغد أصر بيلي على والدته أن تصطحبه إلى قبر بول لزيارته، فأخذته تجر كرسيه المتحرك حتى ولجوا إلى المقبرة ووقفا على شاهد قبره فوضعا عليه زهورا وبقيا هناك في صمت خاشع وبيلي يتأمل ذكرياته الغابرة منذ أيام الطفولة ..
لا يمكن لروح حية وثّابة أن تخمد هكذا بلا حراك ، وأن تدس في التراب ويطويها النسيان (تكلم بيلي في نفسه) ... أن تعود إلى كوكب علوي فترقبنا منه مبتسمة .. هو أرحم لقلبي وعقلي من هذا الفناء البهيم ... ما معنى الحياة إن كانت لا تؤدي إلا إلى فناء سرمدي ... إن هذا لشيء قاصي .. قاصي فعلا ، يصعب الركون إليه ..
بول ... بول .. هل تستطيع سماع همسي ؟ ... إن كنت تسمعني ، فأرجوك أجبني .. وأرح بالي ... أجبني إن كان هنالك حقا عالم آخر يجب أن نؤمن به ... (لكنه لم يسمع في قلبه شيئا ، فذرفت عيناه(
وعاد بيلي إلى البيت خاشعا مطرقا ، وولج إلى غرفته ، اقترب من سريره ، تحامل وألقى بجذعه عليه ثم تناول أطرافه السفلى الذابلة ومددها بلطف واستلقى يسند ظهره إلى الجدار... ولبث مليا يتأمل السقف ، لكن مقلتاه تهفوان إلى ما هو أبعد من هذه الجدران و هذه الحواجز ... ثم تلمس الكتاب الثاني الذي أهداه إليه العجوز ريتشارد .. فإذا عنوانه "خواطر ، بليز باسكال" ففتح وإذا به يقع على صفحة عنوانها "دعاء المرضى" فقرأ ، وإذا بباسكال يدعوا بهذه الكلمات :
اللهم يامن وسع حلمك وبرك كل شيء ، وتعاظمت رحمتك حتى شملت عبادك المصطفين في السراء والضراء ، تلطف علي بأن لا يكون تصرفي كتصرف الجاهل وأنا في هذه الحالة التي أرادتها عدالتك . ولتكن مشيئتك أن أتمثل فيك ككل مؤمن حقيقي الرب الرحيم والأب العطوف، مهما يكن حالي ، لأن تغير وضعي لا يبدل من وضعك ، ولأنك إله حينما تنزل العقاب والاحزان ، وحينما ترسل السلوى والغفران.
لقد وهبتني الصحة لأعبدك فتهالكت على نعيم الدنيا ، وها أنت ذا تنزل بي المرض لتؤدبني . فلتكن مشيئتك أن لا أسخطك بجزعي . لقد أسأت استعمال صحتي فجازيتني بحق ، فلتكن مشيئتك أن لا أسيء استعمال عقابك . إن فساد طبيعتي بلغ مبلغا صير نعمك مؤذية لي ، فلتكن مشيئتك اللهم ، إن يجعل حلمك الواسع هذا العقاب وسيلة لخلاصي ، إن كان قلبي مترعا بحب الدنيا أيام بأسه، فاقض على هذه القوة في سبيل خلاصي ، واجعلني عاجزا عن التنعم بمباهج الدنيا لضعف الجسم أو لفرط المحبة ، كي لا تكون مسرتي إلا بك وحدك. 
اللهم يامن سأقدم أمامه الحساب عن أفعالي في ختام حياتي ونهاية العالم ...
اللهم يامن لا يدع العالم وما فيه إلا ليختبر عباده الصالحين وليجازي الآثمين ...
اللهم يامن يمهل المذنبين ليستسلموا لمتع الدنيا الآثمة ...
اللهم يامن يفصل روحنا في ساعة الموت عن كل ما كانت تحبه في هذا العالم ...
اللهم يامن ينتزعني في اللحظة الأخيرة من حياتي عن كل ما شغف قلبي ...
اللهم يامن سيهلك الأرض والسماء وما عليهما ليبقى وجهك ذو الجلال و الإكرام . إنك أنت الجدير بالمحبة ، لأنك منفرد بالبقاء .
أحمدك اللهم وأشكرك طيلة حياتي لأنك جنبتني عذاب يوم عظيم بما كتبت علي من وهن مقيم .
أحمدك يا ربي وأشكرك طيلة حياتي لأنك جعلتني عاجزا عن التمتع بمباهج الصحة واللذة في هذا العالم .
وكما أنني سأكون ساعة مماتي منعزلا عن العالم محروما من الأشياء كلها منفردا بحضرتك ، لأجيب عن كل خفقات قلبي ، كذلك فلتكن مشيئتك أن اعتبر نفسي في هذا المرض كميت منعزل عن العالم منفرد بحضرتك لأسألك توبة قلبي يا أرحم الراحمين .
ثم أفاق بيلي ليجد الدموع سيالة على خديه ، ولقلبه خفقانا يكاد يسمعه ، إنها روحه تتكلم بهذه المشاعر ... لم يكن يفهمها من قبل وهي التي ظلت تشكو بلغة أخرى ... ها هو باسكال يترجم عنها كلامها ... يفك شيفرا ظلت ولزمن طويل مبهمة في صدره .. ولفرط الدموع المنهمرة .. لم يستطع مواصلة القراءة فأغلق الكتاب وأخلد للنوم ولصدره أزيز يسمع ...
ثم دارت الأرض به دورانا عنيفا ... وخيل إليه انه يرى أشياء متداخلة .. متراكبة .. وكأنما انحدر من ناطحة سحاب ... ثم اخترق زحمة المرور ... ليقف آخر المطاف وحيدا على شفى وادي سحيق العمق وكأنما هو نهر الكلورادو العظيم ... وإذا على ضفته الأخرى .. في الطرف السحيق ذاك على الجرف .. يجلس بول وحيدا كئيبا ... فينادي عليه بيلي بأعلى صوته .. لكن بول وكأنه لا يسمعه ... حتى بح صوته .. وإذا به يرى رجلا قادما من خلف بول .. يرتدي بياضا وكأنه يشع من نور .. حتى وقف بجنب بول .. فرمق بيلي بنظرة ثم ابتسم ... ثم انحنى على بول يكلمه ... ثم قاما معا وغادرا حتى اختفيا ...... ثم أفاق بيلي ..
فإذا به على سريره والجو معتم ... تفقد المنبه وإذا به يشير إلى الساعة الثالثة صباحا .. فبقي مستيقظا يقلب ما رآه من عجب في منامه ...  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


  #قصة #رواية # #باسكال #في #كاليفورنيا #-5- #دعاء #المرضى #
يتم التشغيل بواسطة Blogger.