ورقة بحث : دراسة في فلسفة العلم حول المذهب الثباتي و المذهب التطوري

0

 مقدمة:

منذ فجر التاريخ، تملّك الإنسان فضول دفعه للتساؤل عن ماهية الوجود، وكيفيّة نشأة الكون، وما وراء الظواهر الطبيعية التي تحيط به. ولقد برز هذا السعي جليّاً في رحلة الفلاسفة والعلماء عبر العصور، ممّا أدّى إلى ظهور اتجاهات فلسفية متباينة، سعت كلّ منها لتقديم تفسير شامل للوجود وكيفية تكوّنه.

ومن بين أهمّ هذه الاتجاهات، برز مذهب الثباتية (Essentialism) كمدرسة فكرية تُؤمن بوجود جوهر ثابت لكلّ شيء، وأنّ هذا الجوهر هو الذي يُحدّد هويّة الشيء وخصائصه. ويرى أتباع الثباتية أنّ العالم مُكوّن من كيانات ثابتة لا تتغيّر، وأنّ التغييرات التي نراها إنّما هي مجرّد ظواهر عارضة لا تُمثّل التغيير الحقيقي في جوهر الأشياء.

يُعدّ أفلاطون من أشهر فلاسفة الثباتية، حيث اعتقد بوجود عالم مثالي مُجرّد يحتوي على الأشكال المثالية للأشياء، وأنّ عالمنا المادي إنّما هو ظلّ ناقص لهذه الأشكال المثالية. كما أنّ أرسطو، تلميذ أفلاطون، ساهم بدوره في تطوير مذهب الثباتية من خلال نظريته عن "العلّة الأربعة"، التي تُفسر نشأة كلّ شيء من خلال أربع علل: العلّة المادية، والعلّة الصورية، والعلّة الفاعلة، والعلّة الغائية.

وفي مقابل مذهب الثباتية، ظهر مذهب التطورية (Evolutionism) كمدرسة فكرية تُؤمن بوجود تغيّر مستمر في جميع جوانب الكون، وأنّ هذا التغيّر هو القانون الأساسي الذي يحكم الوجود. ويرى أتباع التطورية أنّ العالم لم يكن موجوداً منذ الأزل بشكلّه الحالي، بل إنّه قد نشأ من خلال عمليات التطور والتغيّر على مرّ الزمن.

يُعدّ داروين من أشهر فلاسفة التطورية، حيث قدّم نظريته الشهيرة عن "الانتقاء الطبيعي" لتفسير تطوّر الأنواع. ويرى داروين أنّ الأنواع الحيّة لم تتكوّن دفعة واحدة، بل إنّها قد تطوّرت تدريجياً من خلال عملية "البقاء للأصلح"، حيث تُبقى الكائنات الأكثر قدرة على التكيّف مع بيئتها، بينما تنقرض الكائنات الأقلّ قدرة.

شكّل الصراع بين الثباتية والتطورية محور نقاشات فلسفية عميقة امتدت عبر العصور، حيث حاول كلّ اتّجاه تقديم أدلّة تُثبت صحة نظريّته. ولقد ساهمت هذه النقاشات في دفع عجلة التقدّم العلمي والفكري، ممّا أدّى إلى فهم أفضل لطبيعة الوجود والكون.1

- فماهي الفروقات الفعلية بين المذهبين ؟

- وكيف كان تأثيرهما على مسار العلم وفلسفته ؟ 


المبحث الأول: المذهب الثباتي، بين ثبات الجوهر وتغير المظهر

المذهب الثباتي نظرة فلسفية:

يتبوأ المذهب الثباتي مكانة بارزة بين أهمّ التيارات الفلسفية التي ازدهرت في رحاب الفكر الإسلامي، ليُرسي قواعد ثابتة حول ثبات الأجسام وعدم قابليتها للتغير. ويُؤرّخ تأسيس هذا المذهب إلى الفيلسوف اليوناني العظيم أرسطو، حيث تبنى العديد من رواد الفكر الإسلامي، على رأسهم الكندي والفارابي وابن سينا، أفكاره حول ثبات الكيانات المادية2.

وتُعدّ هذه النظرية محوراً أساسياً في البنية الفلسفية الإسلامية، حيث تُشكل قاعدة جوهرية لفهم طبيعة الوجود والعالم المادي. وتتميز هذه النظرية بدقتها ومنطقيتها، ممّا جعلها تحظى بقبول واسع بين أوساط الفلاسفة الإسلاميين على مرّ العصور2.

ولقد برزت العديد من المدارس الفكرية التي ساهمت في تطوير المذهب الثباتي وتعميق أفكاره، ممّا أضفى ثراءً فكرياً هائلاً على هذا المجال. ونذكر من أهمّ هذه المدارس مدرسة بغداد ومدرسة البصرة، اللتان لعبتا دورًا هامًا في نشر وترويج أفكار المذهب الثباتي.

ولم يقتصر تأثير المذهب الثباتي على الفلسفة الإسلامية فحسب، بل امتدّ ليطال مجالات معرفية أخرى مثل علم الكلام والفقه، ممّا يدلّ على أهمية هذا المذهب وعمق تأثيره على الفكر الإسلامي بصفة عامة.

وبالرغم من بروز تيارات فلسفية أخرى تناقضت مع المذهب الثباتي، إلاّ أنّ هذا المذهب ظلّ يحتفظ بمكانته المرموقة في سياق الفكر الإسلامي، ممّا يدلّ على قوته وصلابته.

مبادئ المذهب الثباتي:3

1- ثبات الأجسام: جوهرٌ لا يتغير

يُرسي المذهب الثباتي قاعدة أساسية مفادها أن الأجسام في حالتها الطبيعية تتمتع بثباتٍ مطلقٍ لا يتزعزع. فما نراه من تغيراتٍ على الأجسام إنما هو نتاج عوامل خارجية تُؤثّر عليها، بينما يبقى جوهرها ثابتًا لا يتغير.

يُضرب أصحاب هذا المذهب أمثلةً توضيحيةً، مثل قطعة من الحديد التي تتعرض للتآكل بفعل عوامل بيئية، أو ثمرة تفاح تسقط من شجرة بفعل الجاذبية الأرضية. ففي كلتا الحالتين، تبقى هوية الحديد والتفاح كما هي، على الرغم من التغيرات الظاهرة التي طرأت عليهما.

2- الجوهر والعرض: خط فاصل دقيق

يُولي المذهب الثباتي اهتمامًا كبيرًا للتمييز بين مفهومي الجوهر والعرض. ففي نظرهم، يُمثل الجوهر البُعدَ الثابتَ الذي يُحدد هوية الشيء ويُميّزه عن غيره، بينما يُشير العرض إلى الصفات المتغيرة التي قد لا تُلامس جوهر الشيء.

على سبيل المثال، يُعدّ "الحديد" جوهرًا لقطعة معدنية، بينما يُعدّ "اللون" و"الشكل" عرضًا لها. فمهما تغيّر لون وشكل قطعة المعدن، فإنها تبقى حديدًا في جوهرها.

3- القوة والفعل: طاقة كامنة بداخل كل جسم

يُؤكّد المذهب الثباتي على أن كل جسمٍ ماديٍّ يحمل في داخله طاقة كامنة تُتيح له إحداث فعلٍ ما. وتتجلى هذه الطاقة بوضوحٍ في حركة الجسم أو قدرته على تغيير جسمٍ آخر.

فمثلاً، عندما تُلقى كرة على الأرض، تُمارس الكرة قوةً على الأرض، والعكس صحيح. وبالمثل، عندما تُدفع عربة، تُمارس القوة المُطبّقة على العربة فعلًا يُحرّكها من مكانها.

4- العلية والمعلولية: ربطٌ محكمٌ بين الأحداث

يُؤمن أصحاب المذهب الثباتي بقانون العلية والمعلولية، الذي ينصّ على أنّ كل معلولٍ لابدّ أن يكون له سببٌ محددٌ، وأنّ هذا السبب لابدّ أن يكون سابقًا على معلوله.

بمعنى آخر، لا يمكن أن يحدث أيّ حدثٍ دون وجود سببٍ يُفجّره. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن تسقط شجرة دون أن تُؤثّر عليها رياحٌ قوية.


المبحث الثاني: المذهب التطوري، تحولات لا تنقطع

المذهب التطوري نظرة فلسفية:

يشكل مفهوم التطور حجر الزاوية في فهمنا للعالم، فهو يؤكد على ديناميكية الوجود وتحوله المستمر من حالة إلى أخرى. ونجد جذور هذا المفهوم راسخة في الفكر العربي الإسلامي، حيث برزت بوادره مع الجاحظ وإخوان الصفا، وتطورت مع ابن خلدون لتصل إلى ذروتها في العصر الحديث.4

في السياق الإسلامي ازدادت وضوحًا أفكار التطور مع ابن خلدون، رائد علم الاجتماع، الذي ربط التطور بالتاريخ والظواهر الاجتماعية. ففي مقدمة كتابه "المقدمة"، أكّد ابن خلدون على أنّ الحضارات والعمران يتغيران عبر الزمن، وأنّ المجتمعات تخضع لدورات من الصعود والهبوط.4

لكن تجدر الإشارة إلى أن أفكار التطور في الفكر العربي الإسلامي ظلت محدودة نسبيًا مقارنة بنظريات التطور الحديثة. ففي حين ركز مفكرو الإسلام على التطور الاجتماعي والثقافي، لم يتطرقوا بشكل عميق إلى التطور البيولوجي.

أما في السياق الغربي ورغم أنه يُمكن تتبع جذور المذهب التطوري إلى فلاسفةٍ إغريقٍ قدامى مثل هراكليطس، الذي آمن بأنّ "كلّ شيءٍ يتدفق"، وأفلاطون، الذي اعتقد بوجود عالم مثالي تتجسد فيه المُثل العليا، وتسعى الكائنات الحية في العالم الماديّ إلى الوصول إليه، فإننا نلاحظ  ازدهار هذه الأفكار في الفكر الغربي مع ظهور علماء مثل لامارك الذي وضع نظرية "التطور الوراثي المكتسب".5

ولكنّ الثورة الحقيقية في مجال التطور حدثت مع تشارلز داروين، الذي نشر في عام 1859 كتابه الشهير "أصل الأنواع". حيث قدّم داروين في هذا الكتاب نظرية "الانتقاء الطبيعي" التي شكّلت أساسًا متينًا لفهم آليات التطور.5

مبادئ المذهب التطوري:5

يرتكز المذهب التطوري على مجموعة من المبادئ الأساسية، تشمل:

1- التغير المستمر: 

تنصّ هذه المبدأ على أنّ جميع الكائنات الحية في حالة تغيّر مستمرّ ودائم، وأنّ الأنواع البيولوجية ليست ثابتة بل تتطور بمرور الزمن.

2- التنوع: 

تُشير هذه المبدأ إلى أنّ التنوع الهائل في الحياة على الأرض هو نتيجة لعملية التطور، وأنّ الأنواع المختلفة قد نشأت من أصل مشترك.

3- الانتقاء الطبيعي: 

يُعدّ الانتقاء الطبيعي المحرك الأساسي للتطور، حيث أنّ الكائنات الأكثر قدرةً على التكيف مع بيئتها هي التي تبقى وتتكاثر، بينما تنقرض الأنواع الأقلّ قدرةً على التكيف.

4- الوراثة: 

تُعدّ الوراثة آلية انتقال الصفات من جيل إلى آخر، وهي المسؤولة عن تنوع الكائنات الحية وتطورها.

5- التباعد التدريجي: 

تنصّ هذه المبدأ على أنّ الأنواع الجديدة تنشأ من خلال عملية التباعد التدريجي من الأنواع الموجودة مسبقًا، وذلك بفعل التغيرات الوراثية والتكيف مع البيئات المختلفة.

6- التعميم: 

يُمكن تطبيق مبادئ التطور على مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك الكائنات الحية والمجتمعات والثقافات. 

يُعدّ المذهب التطوري نظرية علمية مدعومة بأدلة قوية من مختلف مجالات العلم، مثل:

علم الأحياء التطوري: يُقدم هذا العلم أدلةً مُقنعةً على تغيّر الأنواع بمرور الزمن، وذلك من خلال دراسة الأحفورات والسجلات الجينية.

علم التشكل المقارن: يُظهر هذا العلم التشابه في التركيب التشريحي بين الأنواع المختلفة، ممّا يدعم فكرة النشوء المشترك.

علم الجينات: يُقدّم هذا العلم أدلةً على دور الوراثة في نقل الصفات من جيل إلى آخر، ممّا يُفسّر تنوع الكائنات الحية.


الخاتمة:

شهدت فلسفة العلم نقاشًا حادًا حول طبيعة العالم الطبيعي، فتنازع المذهب الثباتي والمذهب التطوري لتقديم تفسيرات مغايرة لِنشأة وتطور الأنواع.

المذهب الثباتي، الذي يُمثّل وجهة نظر تقليدية، ينادي بثبات الأنواع، معتقدًا أنّ كل نوع خُلق بشكل منفصل ودائم دون أي تغيير عبر الزمن. بينما يُعارض المذهب التطوري هذه الفكرة جَذْرِيًّا، مؤكّدًا على أنّ الأنواع تتغير وتتطور بمرور الوقت، وأنّ جميع الكائنات الحية تنحدر من سلف مشترك.

يُهيمن المذهب التطوري على العلم الحديث، مدعومًا بأدلة قاطعة من مختلف مجالات العلوم، مثل علم الأحياء، وعلم الأحفوريات، وعلم الوراثة، وعلم التشريح المقارن. فقد أظهرت الاكتشافات العلمية قدرة الأنواع على التكيف مع بيئتها، وكشفت عن تنوع هائل في أشكال الحياة على الأرض.

تُقدم نظرية التطور تفسيرًا منطقيًا لِعمليات التغير التي تُلاحظ في العالم الطبيعي، مثل ظهور أنواع جديدة وانقراض أنواع أخرى.

ومع ذلك، لا يزال المذهب الثباتي يحظى بدعم من بعض الفئات، خاصةً لأسباب دينية أو فلسفية.

ففي حين أنّ العلم قدّم أدلة قوية تدعم التطور، إلا أنّ الجدل حول أصل الأنواع لا يزال مستمرًا، مع طرح أسئلة حول آليات التطور، ودور الخالق في عملية التغير. 


الفعل التواصلي عند هابرماس

0
لقد شكلت التحولات الحضارية الجديدة مناخا فكريا لولادة أنظمة فكرية تتسم بطابع الذكاء والتعقيد والتكامل في الآن الواحد، وهذه الولادة الذكية جاءت تعبيراً عن وعي إنساني جديد يتميز بطابعه النقدي المتمرد، وفي هذا السياق يمكن أن نقف عند محورين إشكاليين أساسيين لمرحلة ما بعد الحداثة وهما إشكالية العلاقة بين العقلانية والذاتية من جهة وإشكالية التكاملية من جهة أخرى، وتعتبر العقلانية من بين أهم السمات الفلسفية للحداثة، وهي صفة ملازمة للذاتية وتعني إخضاع كل شيء لقدرة العقل

وقد اعتقد هابرماس أن الفاعلية التواصلية طورت من خلال مـسار التـطور الطـبيعي للعقلانية والأنسنة وديمُقرطة المجتمع من الناحية المؤسساتية والإمكانية العقلية المتأصلة في الفاعلية التواصلية التي هي حالة متفردة للنوع الإنساني، لكن المجـتمع المعاصر الـذي يقمع في أغلب الأحيان عن طريق المجالات الرئيسية للحياة الاجتماعية، مثل السوق، الدولة، والمنظمات سيطر عليه عن طريق العقلانية الاستراتيجيِة/ الأداتية.

فماهو مفهوم الفعل التواصلي عند هابرماس؟ ، وماهي أسسه ومنطلقاته ؟

ملخص كتاب ما وراء الخير والشر للفيلسوف نيتشه

0
كتاب "ما وراء الخير والشر" هو كتاب مركزى بين مؤلفات "نيتشة" وينتمى للمرحلة الختامية من سيرته الفكرية ، ويشكل حقل اختبار للأفكار الدينامية التى تميز بها "نيتشه" عن من سواه من الفلاسفة ، وهو فى جوهره نقد للحداثة كما يقول "نيتشة" نفسه ، نقد لا تستثنى منه لا العلوم الحديثة ولا الفنون الحديثة ولا حتى السياسة الحديثة ، إنه خلخلة ، من منظور أرستقراطى ، لقيم (التمدن) كلها بدءاً من الموضوعية العلمية ومطلب الحقيقة المجردة وصولاً إلى المساواة والتقدم ، مروراً بحقوق الإنسان والمواطن ، وأخلاق التراحم والعطف ، وحقوق المرأة ، وحق الشعوب.

الفكر العربي المعاصر : محمد أركون نموذجا

0
محمد أركون، فيلسوف ومفكر جزائري ، ولد سمة 1928م وتوفي سنة 2010م، باحث أكاديمي ومؤرخ متخصص في الدراسات الإسلامية و اللغة العربية والعلوم الإنسانية.

قام محمد أركون بتوظيف آليات جديدة من أجل بناء معرفة معاصرة حول النص، وذلك بالاعتماد على المناهج الغربية الحديثة لفهم طبقات النص المقدس وتحقيق القراءة النقدية، وهكذا طبق التحليل الألسني، والتحليل السيميائي الدلالي، والتحليل التاريخي، والتحليل الاجتماعي أو السوسيولوجي، والتحليل الانتروبولوجي، والتحليل الفلسفي، وعلى هذا النحو فتح المجال لولادة فكر تأويلي جديد للظاهرة الدينية، ولكن من دون أن يعزلها أبدا عن الظواهر الأخرى المشكلة للواقع الاجتماعي والتاريخي الكلي.

والهدف عند أركون من كل هذه التحليلات المختلفة، والتي هي نتاج العلوم الانسانية والاجتماعية التي عرفتها أوروبا، هو إدراك معنى الظاهرة الدينية، وبالتحديد إدراك معنى النصوص المقدسة، وعلى رأسها القرآن الكريم، أي كيف يمكن القبض على المعنى؟.

الفكر العربي المعاصر : محمد أركون نموذجا 

المنهج الظواهري عند هوسرل

0


إذا كان القرن التاسع عشر ، قد عرف تطورا ملحوظا في ميدان العلوم بمختلف أنواعها ، فإن القرن العشرين هو بمثابة بداية أزمة الفلسفة ، لأن تطور الذي شهده المنهج التجريبي أصبح يشكل عقبة حقيقية تهدد كيان الفلسفة ، و في هذا الصدد تأسست الفلسفة الظاهراتية من أجل التخفيف من حدة هذه الأزمة داعية إلى التشبت بعلم جديد يهدف إلى حل مختلف المشكلات الفلسفية .2

فالظواهرية أو الفينومينولوجيا هي مدرسة فلسفية اجتماعية ترجع أصولها إلى القرن التاسع عشر، ظهرت كرد فعل على المدرسة الوضعية. والمفكرون الظاهراتيون ينتقدون الوضعية لأنها تسلم بوجود حقائق موضوعية مستقلة عن الوعي الفردي. وملخص أفكار هذه المدرسة هي أنها تهتم بالوعي الإنساني باعتباره الطريق الموصل إلى فهم الحقائق الاجتماعية، وخاصة بالطريقة التي التي يفكر بها الإنسان في الخبرة التي يعيشها، أي كيف يشعر الإنسان بوعيه.

لهذا وللضرورة المعرفية والمنهجية وجب أن نتساءل:

ما الظواهرية عند هوسرل تحديدا ؟

وماهي خصائصها واشكالاتها الكبرى في نظره ؟


مفهوم الجميل والجمال

0

كلمة الجمال ذات أصل يوناني، ويُقصد بها العلم المتعلِّق بالإحساس أو علم التعرّف على الأشياء من خلال الحواس، ويعرف باسم (الإستاطيقا ) وكذلك باسم فلسفة الفن، وقد عَرَّف هربرت ريد الجمال بأنه وحدة العلاقات الشكليَّة بين الأشياء التي تدركها حواسنا، ومن التعريفات الجميلة حول الجمال ما قاله هيجل عنه بأنه الجنّي الأنيس الذي نصادفه في كل مكان، وقديماً كان الجمال أحد فروع الفلسفة، إلى أن جاء الفيلسوف بومجارتن، وفرّق بين علم الجمال وباقي المعارف.4

فما هو الجميل؟ وما الفرق بينه وبين الجمال؟.

خصائص الروح العلمية عند كلود برنار

0

ساهمت الكشوف العلمية حتى أواخر ق 19 في إرساء دعائم العلم الحديث ، وذلك بفضل الاعتماد على المنهج التجريبي الصارم والقطع التام مع الأفكار الميتافيزيقية المتوارثة في سبيل تحقيق الموضوعية العلمية ..2

حيث تعزز المنهج التجريبي الذي يعتمد في دراسته للظواهر على الاستقراء والتحليل، والتركيب والتجريب، ويتميز بحرصه الشديد في البحث عن العلاقات الثابتة بين الظواهر، ويعد الفلاسفة التجريبيون على غرار فرانسيس بيكون وستيوارت ميل ممن أحدثوا قطيعة إبستيمولوجية مع المنهج التأملي القديم الذي لا يستوفي شروط العلمية، وبين هذا المنهج الذي يتميز بالجدة والبحث في قوانين الطبيعة.2

كما يعد كلود برنار من بين العلماء التجريبيين الذين ساهموا في تأسيسي المنهج التجريبي الخاضع للشروط العلمية، وذلك بتأكيده على مرحلية الملاحظة الفرضية ثم التجربة

فماهي خصائص الروح العلمية التي أكد عليها كلود برنار؟

وكيف كان يرى علاقة الفلسفة بالعلم ؟

مقال فلسفية حول نص منطق الاكتشاف العلمي لكارل بوبر

0

 المقدمة :

إن مسألة اليقين والحقيقة في مجال العلم، تعد من صميم مباحث فلسفة المعرفة عموما وفلسفة العلم على وجه التحديد، حيث أن الجدل ومنذ القديم احتدم حول قدرة العقل الإنساني على ادراك الحقائق بين اليقين المطلق والشك النسبي، ولقد كانت المعرفة المكتملة اليقينية غاية العلم قديما، لكنها لم تعد كذلك في ضوء المناهج العلمية الوضعية الراهنة بحسب الكاتب في نصه المعنون : منطق الاكتشاف العلمي. 

فماهي غاية العلم بحسب كارل بوبر؟

وماهي مبرراته التي طرحها في النص ؟

العرض:

يرى كارل بوبر أن كل الإثبات علمي يبقى خاصا ومحدودا، فلا يمكن في العلم الوصول إلى يقين مطلق، حيث أن اليقين المطلق بحسبه وثن مضلل يقف عائقا في طريق تقدم العلم. 

حجج وبراهين:

ولقد برر الكاتب موقفه هذا بأن العلم يتجه إلى غاية ليس لها نهاية وبلا حدود، وأن سبيله إليها اعتماده على النقد الجريء، الذي لا يتوقف عند الحقائق الجزئية والمسلمات المؤقتة، فيخضعها دوما للاختبار والمساءلة والتمحيص باستمرار.

النقد والتقييم:

بالنظر إلى تاريخ النهضة العلمية في أوروبا وإرثها المتراكم منذ القرن السابع عشر، يبدو موقف الكاتب متسقا إلى حد كبير مع روح العلم التجريبي في انكاره للحقائق المطلقة واصراره على مراجعة جميع المسلمات، فلولا هذا النهج ما فتحت أبواب الكشوف الهائلة في مختلف المجالات، ولا قفزت الحضارة الإنسانية إلى حيث هي الآن.

لكن ورغم كل ذلك لا يستطيع أي عالم ،ومهما كان متحيزا لمنهاج العلم التجريبي الوضعي، انكار أن هذه المناهج في عمقها مبنية على مسلمات عقلية منطقية مطلقة لا يمكن تبريرها ، ولولاها ما كان هنالك علم ولا كانت هنالك كشوفات.

الخاتمة :

أخيرا يبقى الإدراك البشري سواءا بالعقل أو بالحواس ذاتيا ومحدودا، ووجب بحسب كارل بوبر اخضاع جميع معارفنا العلمية السابقة للنقد والاختبار ، بغية تأكيد كل صحيح و إعادة النظر في كل ما تسلل إليه الشك من معرفة، حتى تتبدد الأوهام شيئا فشيئا، في نضال مستمر لا ينتهي مهما طال عمر البشرية.  



الديداكتيك عند عند سقراط وكانط وهيغل

0

 مارس الكثير من الفلاسفة، عبر تاريخ الفلسفة، التدريس والتعليم الفلسفي. فقد كان للفيلسوف، في معظم الأحيان، تلامذته ومريدوه. وهكذا، نجد درجة معينة من التلازم بين الاشتغال بالفلسفة والاشتغال بالتدريس؛ بحيث أن الفيلسوف كان، بمعنى ما، مدرسا للفلسفة، كما أن مدرس الفلسفة لم يكن غير الفيلسوف ذاته. وهذا من شأنه أن يدفع إلى التفكير في إمكانية وجود ديداكتيك للفلسفة مستلهم ليس فقط من تأملات الفلاسفة ونظرياتهم حول هذا الموضوع، بل أيضا من خلال مؤلفاتهم وكتاباتهم بصفة عامة.

فماهو ديداكتيك ؟

وكيف مارسه كل من سقراط وكانط وهيغل ؟



ورقة بحث : نشأة الفلسفة الحديثة

0

 ابتداءا من القرن الرابع عشر، الذي امتاز بخصائص مختلفة، كانت ثورة على الماضي كله، حيث امتاز كل شيء بنفور شديد من المعاني المجردة ونزوع قوي إلى الواقع، أخذ في نقد المجردات ولم يرَ فيها إلا أنها أسماء أو ألفاظ جوفاء، بحيث تصح تسميته بعهد الاسمية أو اللفظية، وقاده هذا النقد إلى الشك في العقل والمعقولات، ودعا تفكير العقل فلسفة خالصة مقطوعة الصلة بالدين، ومضى في نقده من المجردات العقلية الخاصة بأرسطو ، فبددها وتحرر من سلطان أرسطو في العلم والفلسفة جميعًا، 

بل مد النقد إلى أصول الاجتماع فأيد أباطرة الجرمان والملوك في تمردهم على البابوية، وقال بوجوب الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية، ما كان يشير إلى قرب هبوب عاصفة «الإصلاح الديني»، 

رأى الفلاسفة المجددون أن المعرفة الحسية الجزئية أوضح وأوكد من المعرفة العقلية المجردة، وأقبلوا على الطبيعة يدرسونها لذاتها فوضعوا العلم الخاص المستقل عن الفلسفة، جددوا علم الفلك واهتدوا إلى قوانين جديدة للحركة، فهدموا البناء الذي شاده أرسطو «للسماء والعالم».

حين بدأتْ نظرة العصور الوسطى إلى العالم في الاختفاء خلال القرن الرابع عشر، أخذت تظهر بالتدريج قُوًى جديدة عمِلَت على تشكيل العالم الحديث كما نعرفه اليوم. فمِن الوجهة الاجتماعية، أصبح البناء الإقطاعي للمجتمع الوسيط غير مُستقر نتيجةً لظهور طبقةٍ قوية من التجَّار الذين تحالفوا مع الحُكام ضدَّ مُلاك الأرض الخارجين عن كل سلطة. ومن الوجهة السياسية، فقَدَ النبلاء قدرًا من حصانتِهم عندما ظهرت أسلحة هجومية أفضل، جعلت من المُستحيل عليهم الصمود في قلاعهم التقليدية. فإذا كانت عصِيُّ الفلاحين وفئوسهم عاجزة عن اقتحام أسوار القلعة، فإنَّ البارود قادر على ذلك.

وهناك أربع حركاتٍ كُبرى تُحدد مَعالم فترة الانتقال التي امتدَّت من وقت بدء تراجُع العصور الوسطى حتى القفزة الكُبرى إلى الأمام في القرن السابع عشر. 

- أولى هذه الحركات هي النهضة الإيطالية في القرنَين الخامس عشر والسادس عشر.

- أصبح مُفكرو عصر النهضة أكثر اهتمامًا بالإنسان، «النزعة الإنسانية»

- ظهور حركة الإصلاح الدِّيني مع مارتر لوثر 

- الثورة العلمية بداية من القرن السادس عشر 

كما أن اختراع الطباعة و الكشوف الجغرافية كان لهما الأثر الكبير في الثورة الفكرية والثقافية والاجتماعية اللاحقة.


تحميل البحث بصيغة PDF

ورقة بحث : الفكر العربي الحديث : أهم أفكار الشيخ محمد عبدو

0
يعد الإمام محمد عبده (1849 - 1905) أبرز مفكري تيار حركة الإصلاح والنهضة في القرن التاسع عشر، مقتفياً في مراحل حياته الأولى آثار أستاذه الأفغاني، ولكنه خرج من دائرة السياسة بعد فشل الثورة العرابية، وما تبعها من احتلال بريطاني لمصر، فاختار منبر الإصلاح الفكري والديني، وركز عمله على النهضة الفكرية للبلاد، وسعى لإخراجها من حالة التخلف المقارن، وإعمال العقل كوسيلة للتقدم والرقي.

يمكن التركيز على أهم إنجازاته الفكرية، على النحو التالي:

1. يُصدر مجلة «العروة الوثقى» مع أستاذه الأفغاني في باريس.

2. التأكيد على استحالة التعارض بين الدين الإسلامي والعلم، هنا يلجأ الإمام إلى التأويل أو التفسير كوسيلة لتأكيد مصداقية الدين والعلم.

3. عدم تعارض الإسلام والحداثة، وهو ما يستوجب بالضرورة تأكيد مراجعة الخطاب الديني النقلي السائد آنذاك،

4. شدد محمد عبده على أهمية الاعتناء وشمولية المناهج العملية؛ خاصة في الأزهر الشريف، فدعا إلى تجديد رؤية الأزهر بتدريس علوم أخرى مثل الفلسفة والتاريخ وغيرها،

5. إعلاء قيمة الوطن بمنأى عن الفكر الأممي المرتبط بالقومية الإسلامية متمثلة في الخلافة العثمانية، باعتبارها أداة ملحة للحداثة،

6. التأكيد على أن عملية الإصلاح السياسي تبدأ من المجتمع إلى القيادة وليس العكس، أي أنه وجب إصلاح الرعية وتعليمهم وتثقيفهم قبل أن تُمنح الإصلاحات،


الفكر العربي الحديث : 

ورقة بحث : الإستشراق في فكر مالك بن نبي

0

مـــــدخل:

الإستشراق هو ذلك الاهتمام الثقافي الأكاديمي والأنتروبولوجي والتاريخي والسياسي الذي مصدره الغرب ومقصده الشرق، والمستشرقون هم علماء وباحثون لكل منهم اهتماماته وعقليته ومقاربته ومنهجه، تحركهم في الغالب دوافع ومصالح واهتمامات علمية وأكاديمية وسياسية وحضارية ودينية.

استعمل المفكر الجزائري مالك بن نبي في دراسته لظاهرة الإستشراق منهجا تصنيفيا من الناحية الشكلية، ففصل بين طائفتين من المستشرقين: المادحون للإسلام و الحاقدون عليه،

أما من ناحية المضمون فقد حاول مالك بن نبي رصد البعد الفكري والحضاري المعرفي للمرجعية الغربية في هذه الظاهرة.  

فماهو موقف مالك بن نبي من الإستشراق؟

وما هي الأطروحات الإستشراقية التي عالجها في كتبه؟ 


تحميل البحث بصيغة PDF

الإستشراق في فكر مالك بن نبي


ورقة بحث : حول وظيفة الفن

0

 مـــــدخل:

إن نقطة البدء في كل نسقٍ فني ينبغي أن تكون هي الخبرة الشخصية بانفعالٍ خاص، ونحن نُطلق على الأشياء التي تُثير هذا الانفعال اسم «الأعمال الفنية»،1

ويرى عباس محمود العقاد أن : الوظيفة في الحياة تسبق العضو الذي يمثِّلها، والجسم الإنساني نفسه لا يسعك أن تتصوره إلا مُعبِّرًا عن فكرةٍ أو وظيفةٍ مجرَّدةٍ، ولا قيمة للأعضاء في ذواتها بغير الفكرة التي تعبر عنها والوظيفة التي تؤديها3، ناهيك عن الفن، فلابد إذا أن له وظيفة ودورا،

فللفن آثارٌ اجتماعيةٌ هائلة ؛ فالفن يغير شخصيتنا وتجربتنا في العديد من مجالات الحياة، ويجعلنا أكثر حكمةً وسموًّا، ويُعمق رؤيتنا لذاوتنا وذوات الآخرين. إنَّ للفن وجهًا موضوعيًّا أساسيًّا وبُعدًا يتجاوز الذات ويدخل في صميم ماهيتها؛ فالفن اقترابٌ لا اغتراب، ولقاءٌ معقودٌ وموعدٌ مضروب. إنَّ المبدع والمتلقِّي في الفن مندمجان يأخذ كلٌّ منهما من الآخر حقيقته ومعناه، بل إن البشر جميعًا في اللحظة الفنية يغدون ذوبًا من تضايف عام وامتزاجٍ كلي.2

إنَّ الفن يُطلعنا على دينامياتنا النفسية وديناميات الآخرين، ويُعتقنا من «مركزية الذات» ويؤهلنا للاندماج العاطفي أي القدرة على اتخاذ الإطار المرجعي للآخرين بسهولةٍ ويسر، ومشاركتهم وجداناتهم مشاركةً حقيقية مبرأةً من إسقاطاتنا الخاصة. 

فالفن هو أقدر ضروب النشاط البشري تعبيرًا عن التواصُل بين الأفراد وبين الأجيال وبين الأمم؛ لأن الوجد الفني لا يحدُّه الزمان ولا ترده الحدود الجغرافية، إنه انعتاقٌ من كل صنوف المركزية وانطلاقٌ من كلِّ كهوف التعصُّب والتحزُّب والتحيز، وأذانٌ للأرواح بأن تنعطف وتتآلف، وتتقاسم رحابة الوجود.2 

وإن كان للفن بمفهومه العام وظائف عدة تختلف بحسب زوايا معالجته ، فإننا في هذه الورقة البحثية نحاول طرح جدل الوظيفة الأخلاقية للفن للنقاش ، كما نسائل الفلاسفة ان كان للفن وظيفة حضارية كذلك؟.


تحميل البحث بصيغة PDF

ورقة بحث : المنهج الإستقرائي لجون ستيوارت مل

0

 



مـــــدخل:

"جون ستيوارت ميل" فيلسوف ومفكر اقتصادي إنجليزي؛ يعد من رموز المذهب النفعي في الفلسفة وأحد أقطاب المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد. ترك عدة مؤلفات ساهمت في إثراء الفكر الإنساني.

ولد "جون ستيوارت ميل" يوم 20 مايو/أيار عام 1806 في لندن، ونشأ في رعاية أب يقدر العلم ويحرص على اكتساب المعارف، فقد كان والده "جيمس ميل" فيلسوفا ومؤرخا وصاحب إسهامات في علم الاقتصاد، وهو ما كان له بالغ الأثر في حياة ابنه البكر "جون" وتشكيل ميوله نحو الفلسفة والاقتصاد في سن مبكرة.

بنى "جون ستيوارت ميل" قناعاته الفلسفية على أفكار المذهب النفعي الذي أسس له الفيلسوف الإنجليزي "غيريمي بنثام"، وهو مذهب في فلسفة الأخلاق يبني فكرة الخير والشر والتمييز بين الصواب والخطأ انطلاقا من مآلات الأفعال وعواقبها من حيث المنفعة والمتعة التي يحققانها.

نحاول في هذه الورقة البحثية الإجابة عن ماهية اسهامات "مل" في بناء المنهج الاستقرائي التجريبي الحديث،
كيف كان منهجه ؟ وما نقاط الاتفاق والاختلاف بينه وبين سلف الأول الفيلسوف "فرانسيس بيكون"؟.


تحميل البحث بصيغة PDF

ورقة بحث : الفلسفة الوضعية عند أوغست كونت

0

 - مقدمة:

أوغست كونت فيلسوف فرنسي ولد في فرنسا عام 1798م وعاش حتى 1857م من عائلة كاثوليكية، تزعم حركة عصيان قام بها الطلاب فصل بعدها من المدرسة وقد واصل دراسته إلى أن عين معيدا في كلية الهندسة. ثم عمل سكرتيرا للكاتب الاشتراكي سان سيمون والذي تركت أفكاره فيما يخص المنهج الوضعي وتطبيقه على دراسة الإنسان وقانون المراحل الثلاث واكتشاف القوانين الطبيعية للتقدم أثرا في فلسفة كونت لكن بسبب أفكار سيمون الاشتراكية المثالية وتأكيده على أهمية الطبقة الصناعية لم تكن مقبولة لدى كونت مما أدى إلى انتهاء العلاقة بينهما .

- أعماله:

نشر اوجست كونت عدد من الكتب والدراسات عبر فيها عن تصوره لنهضة فرنسا وتخلصها من النظام الذي كان مسيطر في العصور الوسطى وانتقالها إلى العصور الحديثة. ومن أهم أعماله ”الفلسفة الوضعية“ و“خطاب في الفلسفة الوضعية“ و“نظام السياسة الوضعية“.

المبحث الأول: تأسيس المنهج الوضعي عند كونت

المطلب الأول : الحلول المنهجية لدراسة علم الاجتماع 

رغب أوجست كونت في إصلاح المجتمع وإنقاذه من مظاهرالفوضى المنتشرة في مختلف نواحي المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت تتلخص هذه الفوضى في وجود أسلوبين متناقضين للتفكير وفهم الظواهر.

الأولى: الأسلوب العلمي الوضعي الذي يتجه إلى الناس في عصره إذ يفكرون في الظواهر الكونية والطبيعية والبيلوجية.

الثانية: التفكير الديني الميتافيزيقي الذي يتجهون إليه عند التفكير في الظواهر التي تتعلق بالإنسان والمجتمع.

يضع اوجست كونت ثلاث حلول من أجل حل هذا النزاع والقضاء على هذه الفوضى الفكرية:

أن نوفق بين التفكير الوضعي والتفكير الديني الميافيزيقي بحيث يوجدان معاً بدون تناقض.

•أن نجعل من المنهج الميتافيزيقي منهجاً عاملاً شاملاً تخضع له جميع العقول والعلوم 

•أن نعمم المنهج الوضعي فنجعل منه منهجاً كليا ً عاماً يشمل جميع ظواهر الكون.

المطلب الثاني : أولوية المنهج الوضعي عند كونت 

ثم يحاول مناقشة هذه الحلول ليصل إلى تقرير حل واحد فقد وكانت مناقشته كالتالي:

أن الوسيلة الأولى لا يمكن تحقيقها علمياً لأن المنهجين متناقضان تمام التناقض وتقدم أحدهما يستلزم ضرورة هدم الآخر.

أما الحل الثاني: وهو القضاء على الطريقة الوضعية وجعل الناس يفهمون الظواهر في ضوء الطريقة الدينية والميتافيزيقية فهذا الحل يتطلب ضرورة القضاء على الحقائق الوضعية التي حصلنا عليها .

ولو فرضنا أننا رجعنا بالمجتمع إلى ماكان عليه من قبل من حيث التفكير الديني الميتافيزيقي فهل نستطيع أن نحد من التفكير ونجعله يجمد على هذا الحال؟

وهل نستطيع أن نتحكم في القوانين الطبيعية التي حكمت على المراحل السابقة بالفساد: فنمنعها من أن تحدث النتيجة نفسها مرة أخرى؟

فكأننا نعيد الفوضى والجدل من جديد ونهدم المجتمع من حيث نريد له الاصلاح والتقدم.

وبناء على مناقشة اوجست كنت للهذه الحلول وتبين أن الحال الأول والثاني غير صالحين فقد قرر أنه لم يبقى إلا الحل وهو أن نجعل التفكير الوضعي منهجاً كلياً عاماً ونقضي على ما بقي من مظاهر التفكير الميتافيزيقي.

المبحث الثاني: المنهجية الوضعية للبحث عند كونت:

حدد اوجست كونت قواعد المنهج في الدراسة لهذا العلم الحديث وهي كالتالي:

الملاحظة

التجربة.

المنهج المقارن.

المنهج التاريخي.


 مميزات خصائص منهج الملاحظة عند اوجستكونت:

أولا: الملاحظة:

الملاحظة الاجتماعية هي أول قواعد المنهج الذي وضعها اوجست كونت وهي ليست مقتصرة على الإدراك المباشر للظواهر أو الوصف المباشر للحوداث, ولكن هناك وسائل

أخرى أخرى تساعدنا على الملاحظة الاجتماعية مثل: دراسة العادات والتقاليد والآثار ومظاهر التراث مثل دراسة 

الأمثال الشعبية وعلاقتها بثقافة مجتمع ما وتحليل ومقارنة اللغات والوقوف على الوثائق والسجلات التاريخية ودراسة التشريعات والنظم السياسية والاقتصادية .فهذه المصادر تقدم لعالم الاجتماع مادة غنية للدراسة والتحليل والحث

والملاحظة الاجتماعية ليست سهلة الأداء والسبب في ذلك أن الظواهر الاجتماعية ظواهر عادية ومنتشرة في جو المجتمع ومتداخلة في صميم الحياة الفردية والباحث نفسه يشارك فيها ... وهذه الأمور تزيدها صعوبة وتعقيد..

للذلك يجب ان ننظر إلى الحقائق "الظواهر" الاجتماعية على انها موضوعات منعزلة عنا خارجة عن ذواتنا ومنفصلة عنشعورنا الفردي حتى نستطيع أن نصل إلى نتائج وحقائق واقعية وصحيحة.

هذا المنهج قد يجعل الباحث لا تكون لديه الفرصة لليقضةالتامة والاشراف الدقيق على ما يحيط بالظاهرة بسبب أن الظواهر الاجتماعية معقدة جداً وكثيرة التغير ودائمة التفاعل.

عند استخدام هذا المنهج قد يخطئ الباحث في تفسير ما يلاحظه أو في إدراك ما يشاهده وقد يخطئ كذلك في 

الاستنتاجات التي ينتهي إليها من مشاهداته .وأيضاً الأهم من هذا قد يختلف موقف الباحثين من الشيء الملاحظ تبعاً لاختلاف عقولهم من جهة وإلى تفاوت في الخبرة من جهة أخرى.

وبناء على هذه الخصائص يرى كونت أن من الخطأ الاعتماد على منهج الملاحظة فقط واتخاذه اسلوب أساسيللكشف العلمي عن قوانين الظواهر الاجتماعية ولا بأس من اعتبارها عالاً مساعداً في البحث والدراسة.

ثانيا: التجربة:

يقصد كونت بالتجربة "التجربة الاجتماعية" وليست التجربة العلمية التي يستخدمها المتخصصين في علوم الظواهر الطبيهية "الكيمياء والبيولوجيا"

والتجربة الاجتماعية الصحيحة في نظر كونت إنما تقوم على مقارنة ظاهرتين متشابهتين في كل شيء ومختلفين في حالة واحدة واختلافهما يرجع إلى هذه الحالة فقط.

و وجود هذه الحالة الطبيعية إنما هو بمثابة تجربة مباشرة لاننانستطيع أن نستنتج بسهولة أثر هذا العامل الذي كان سببا في اختلاف الظاهرتين  ومدى تأثيره في غيرهما من الظواهر الأخرى. "عادة يستخدم هذا المنهج علم النفس في علم الاجتماع يصعب تطبيقه"

ثالثاَ : المقارنة.

صور المقارنة في علم الاجتماع :

المقارنة الاجتماعية بالمعنى الصحيح تقوم على مقارنة المجتمعات الإنسانية بعضها ببعض للوقوف على أوجه الشبه وأوجه التباين بينهما نجد مثلا ً: أن ظاهرة ما تتطور تطورا ً سريعاً في مجتمع بينما تتطور تطوراً بطيئاً في مجتمع آخر.

ونجد أيضاً أن طائفة معينة من النظم تنتشر في مجتمع ما بينما لا نجد مثلها في غيرها من المجتمعات. وأيضا ربما نجد أيض اً أن ظاهرة تقوم بوظيفية اجتماعية أساسية في مجتمع بينما لا تؤدي هذه الوظيفه أو ليست بالدرجة نفسها في مجتمع آخر.

قد تتخذ المقارنة صورة أضيق من ذلك نطاقاً بمعنى أنها تتناول مقارنة الطبقات أو الهيئات في نطاق شعب أو مجتمع واحد لمعرفة حالتها الاجتماعية ومدى احتياجاتها ومدى النفقات الموجودة في المجتمع من حيث درجة الحضارة 

والمدنية ومستوى المعيشة ومعايير الاخلاق والأذواق العامة واختلاف اللهجات وما إلى ذلك منن الأمور التي تهم الباحث الاجتماعي.

•الصورة الثالثة وهي أعم وأشمل من الصورتين السابقتين وهي مقارنة جميع المجتمعات الإنسانية في عصر ما بالمجتمعات الإنسانية نفسها في عصر آخر.

والمقارنة هنا في هذه النقطة تفقد موضوعيتها وتصبح قائمة على فكرة فلسفية مجردة تقترب إلى حد كبير من نظريات فلسفة التاريخ. وهذا المعنى الفلسفي هو الذي استأثر بعناية "اوجست كونت" وأعتبره أساس في المنهج المقارن. ولذلك فقد هذا المنهج أهميته عند "كونت" واختلط بنظرية في "التقدم" القائمة على أساس أن الانسانية ككل وكوحدة نوعية تنتقل عبر مراحل الارتقاء التدريجي .

رابعا: المنهج التاريخي:

يعتبره كونت آخر حجر في بناء المنهج الوضعي ويسميه  "المنهج السامي" ويقصد به المنهج الذي يكشف عن القوانين الأساسية التي تحكم التطور الاجتماعي للجنس البشري باعتبار أن هذا الجنس وحدة واحدة تنتقل من مرحلة إلى أخرى ارقى منها.وأقام كونت منهجه التاريخي على أساس قانونه الشهير ”بقانون الأطوار الثلاثة“ وهو قانون يدعي أنه استخلصه من دراسة تاريخ الانسانية دراسة علمية تحليلية .

والواقع أنه يعبر عن آراء فلسفية شخصية يؤمن بها كونت  وحده ولا يعبر عن حقائق التاريخ .فكأن كونت لم يفهم من المنهج التاريخي ذلك المعنى الذي 

نفهمه الأن أن هذا المنهج يتطلب أن يقف الباحث على طبيعة الظاهرة وعناصرها وتطورها واختلاف أشكالها باختلاف الشعوب وباختلاف مراحل التطور  وعلاقتها بما عداها من

الظواهر الاجتماعية ومبلغ تأثرها أو تأثيرها في في طوائف الظواهر الأخرى لان هذه الخطوات ضرورية لكشف الوظيفة التي تؤديها الظاهرة والوقوف على القوانين التي 

تحكمها لم يفهم ”كونت ” من المنهج التاريخي هذه المعاني العلمية التي تؤدي بالباحث إلى الاغراض الوصفية والتحليلية التي يرمي إليها. ولكنه فهم منه معنى فلسفياً بعيداً عن طبائع الأمور ولا يمكن أن يؤدي به إلى كشف علمي محقق.

الخاتمة:

إذا فالفلسفة الوضعية تعد من فلسفات العلوم التي تستند إلى رأي يقول أنه في مجال العلوم الاجتماعية، كما في العلوم الطبيعية، فإن المعرفة الحقيقية هي المعرفة والبيانات المستمدة من التجربة الحسية، والمعالجات المنطقية والرياضية لمثل هذه البيانات والتي تعتمد على الظواهر الطبيعية الحسية وخصائصها والعلاقات بينهم والتي يمكن التحقق منها من خلال الأبحاث والأدلة التجريبية. كما تعد قسم من أقسام «نظرية المعرفة» (إبستمولوجيا). حيث نشأت كنقيض لعلوم اللاهوت والميتافيزيقيا الذين يعتمدان المعرفة الاعتقادية غير المبرهنة.

لقد وضع أوغست كونت هذا المصطلح في القرن التاسع عشر وهو يعتقد بان العالم سيصل الی مرحلة من الفكر والثقافة التي سوف تنفي كل القضايا الدينية والفلسفية وسوف تبقى القضايا العلمية التي أثبتت بالحس والخبرة الحسية أو بالقطعية والوضعية. وفي ذلك العصر سوف يمح الدين من ساحة المجتمعات البشرية.

 اهتمت هذه المدرسة بإجراء الأبحاث الكمية، واعتمدت عادة في دراساتها للظواهر الاجتماعية على تصميم استبيانات بحثية بهدف إجراء البحث على عينة كبيرة من الناس واستخراج النتائج بصورة سريعة يمكن تعميمها على قطاعات أوسع من المجتمع. لاحقاً تعرضت هذه المدرسة الكلاسيكية لنقد كبير أدى إلى ظهور مدارس اجتماعية أخرى، مثل فلسفة ما بعد الوضعية، والفلسفة التأويلية، والظاهراتية، والحركة النقدية.

ورقة بحث : نشأة التفكير العقلي الإسلامي

0

 لقد اختلف الباحثون في تعريف الفلسفة الإسلامية، بين من نفى وجودها بالمرة واعتبرها مجرد إعادة إنتاج للفلسفة اليونانية وأن ما كتبه (الكندي، الفارابي، ابن رشد) هو تكرار لما قاله أفلاطون وأرسطو، هذه نظرة المستشرقين، ودليلهم على ذلك هو أن الفرد العربي قاصر على إبداع صيغ فلسفية متكاملة. ونجد أيضا بعض الإسلاميين المعاصرين لم يعترفوا بالفلسفة الإسلامية بدافع ديني تعصبي، معتبرين أن فلسفة الإسلام مستمدة من أصوله العقائدية والثقافية.

نَهلت الفلسفة الإسلامية من عدة مَنابع نذكر منها: التصوف الإسلامي الذي يشمل الأفلاطونية المحدثة وينحدر من التأثيرات المسيحية واليهودية، ثم الفقه وعلم الكلام. 

لقد ظهرت الفلسفة الإسلامية مع الكندي، الفارابي وابن رشد، هذا الأخير -ابن رشد- استطاع أن يؤسس نسقا فلسفيا بين الفقه وعلم الكلام. إن الفلسفة الإسلامية في حد ذاتها هي الفقه وعلم الكلام خصوصا مع المعتزلة لأنهم ناقشوا القضايا الكبرى بالاعتماد على العقل. وتبقى مرحلة الاندلس هي مرحلة الرقي الفلسفي مع كل من إبن رشد و ابن طفيل ،كما لا ننسى مرحلة التمهيد لهذا الرقي مع الرازي خصوصا. 

المبحث الأول : ضبط مفهوم الفلسفة في العصر الإسلامي

مفهوم الفلسفة الإسلامية

الفلسفة الإسلامية مصطلح عام يمكن تعريفه واستخدامه بطرق مختلفة، فيمكن للمصطلح أن يستخدم على انه الفلسفة المستمدة من نصوص الإسلام بحيث يقدم تصور الإسلام ورؤيته حول الكون والخلق والحياة والخالق. لكن الاستخدام الاخر الأعم يشمل جميع الأعمال والتصورات الفلسفية التي تمت وبحثت في إطار الثقافة العربية الإسلامية والحضارة الإسلامية تحت ظل الإمبراطورية الإسلامية من دون أي ضرورة لأن يكون مرتبطا بحقائق دينية أو نصوص شرعية إسلامية. في بعض الأحيان تقدم الفلسفة الإسلامية على أنها كل عمل فلسفي قام به فلاسفة مسلمون  نظرا لصعوبة الفصل بين جميع هذه الأعمال

مفهوم الفلسفة في الإسلام

أقرب كلمة مستخدمة في النصوص الإسلامية الأساسية (القرآن والسنة) لكلمة فلسفة هي كلمة (حكمة)، لهذا نجد الكثير من الفلاسفة المسلمين يستخدمون كلمة (حكمة) كمرادف لكلمة (فلسفة) التي دخلت إلى الفكر العربي الإسلامي كتعريب لكلمة Philosophy اليونانية. وإن كانت كلمة فلسفة ضمن سياق الحضارة الإسلامية بقيت ملتصقة بمفاهيم الفلسفة اليونانية الغربية، فإن عندما نحاول أن نتحدث عن فلسفة إسلامية بالمفهوم العام كتصور كوني وبحث في طبيعة الحياة : لا بد أن نشمل معها المدارس الأخرى تحت المسميات الأخرى : وأهمها علم الكلام وأصول الفقه وعلوم اللغة1.

المبحث الثاني : مراحل التفكير الفلسفي الإسلامي

نشأة الفلسفة الإسلامية

بدأت الفلسفة الإسلاميّة المبكّرة مع يعقوب بن اسحاق الكندي في القرن الثاني من التقويم الإسلامي (أوائل القرن التاسع الميلادي) وانتهت مع ابن رشد في القرن السادس الهجري (أواخر القرن الثاني عشر الميلادي)، وتزامن ذلك -على نطاق واسع- مع الفترة المعروفة باسم العصر الذهبيّ للإسلام

إذا اعتبرنا تعريف الفلسفة على أنها محاولة بناء تصور ورؤية شمولية للكون الحياة، فإن بديات هذه الأعمال في الحضارة الإسلامية بدأت كتيار فكري في البدايات المبكرة للدولة الإسلامية بدأ بعلم الكلام، ووصل الذروة في القرن التاسع عندما أصبح المسلمون على إطلاع بالفلسفة اليونانية القديمة والذي أدى إلى نشوء رعيل من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا يختلفون عن علماء الكلام.

علم الكلام كان يستند أساسا على النصوص الشرعية من قرآن وسنة وأساليب منطقية لغوية لبناء أسلوب احتجاجي يواجه به من يحاول الطعن في حقائق الإسلام، في حين أن الفلاسفة المشائين، وهم الفلاسفة المسلمين الذين تبنوا الفلسفة اليونانية، فقد كان مرجعهم الأول هو التصور الأرسطي أو التصور الأفلوطيني الذي كانوا يعتبرونه متوافقا مع نصوص وروح الإسلام. و من خلال محاولتهم لاستخدام المنطق لتحليل ما إعتبروه قوانين كونية ثابتة ناشئة من إرادة الله، قاموا بداية بأول محاولات توفيقية لردم بعض الهوة التي كانت موجودة أساسا في التصور لطبيعة الخالق بين المفهوم الإسلامي لله والمفهوم الفلسفي اليوناني للمبدأ الأول أو العقل الأول.

جدل الفلسفة العقلية في الإسلام

تطورت الفلسفة الإسلامية من مرحلة دراسة المسائل التي لا تثبت إلا بالنقل والتعبّد إلى مرحلة دراسة المسائل التي ينحصر إثباتها بالأدلة العقلية ولكن النقطة المشتركة عبر هذا الامتداد التأريخي كان معرفة الله وإثبات الخالق  بلغ هذا التيار الفلسفي منعطفا بالغ الأهمية على يد ابن رشد من خلال تمسكه بمبدأ الفكر الحر وتحكيم العقل على أساس المشاهدة والتجربة  أول من برز من فلاسفة العرب كان الكندي الذي يلقب بالمعلم الأول عند العرب، من ثم كان الفارابي الذي تبنى الكثير من الفكر الأرسطي من العقل الفعال وقدم العالم ومفهوم اللغة الطبيعية. أسس الفارابي مدرسة فكرية كان من أهم اعلامها : الأميري والسجستاني والتوحيدي. كان الغزالي أول من أقام صلحا بين المنطق والعلوم الإسلامية حين بين أن أساسيب المنطق اليوناني يمكن ان تكون محايدة ومفصولة عن التصورات الميتافيزيقية اليونانية. توسع الغزالي في شرح المنطق واستخدمه في علم أصول الفقه، لكنه بالمقابل شن هجوما عنيفا على الرؤى الفلسفية للفلاسفة المسلمين المشائين في كتاب تهافت الفلاسفة، رد عليه لاحقا ابن رشد في كتاب تهافت التهافت.

تيار الرفض ونقد الفلسفة في الإسلام

في إطار هذا المشهد كان هناك دوما اتجاه قوي يرفض الخوض في مسائل البحث في الإلهيات وطبيعة الخالق والمخلوق وتفضل الاكتفاء بما هو وارد في نصوص الكتاب والسنة، هذا التيار الذي يعرف "بأهل الحديث" والذي ينسب له معظم من عمل بالفقه الإسلامي والاجتهاد كان دوما يشكك في جدوى أساليب الحجاج الكلامية والمنطق الفلسفية. و ما زال هناك بعض التيارات الإسلامية التي تؤمن بأنه "لا يوجد فلاسفة للإسلام"، ولا يصح إطلاق هذه العبارة، فالإسلام له علماؤه الذين يتبعون الكتاب السنة، أما من اشتغل بالفلسفة فهو من المبتدعة الضُّلال

في مرحلة متأخرة من الحضارة الإسلامية، ستظهر حركة نقدية للفلسفة أهم أعلامها : ابن تيمية الذي يعتبر في الكثير من الأحيان أنه معارض تام للفلسفة وأحد أعلام مدرسة الحديث الرافضة لكل عمل فلسفي، لكن ردوده على أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان علاقته بالتصورات الميتافيزيقية (عكس ما أراد الغزالي توضيحه) وذلك في كتابه (الرد على المنطقيين) اعتبر من قبل بعض الباحثين العرب المعاصرين بمثابة نقد للفلسفة اليونانية أكثر من كونه مجرد رافضا لها. 

الخاتمة:

لم يكن للعرب قبل الإسلام مَباحثُ فلسفية تُذكَر، اللهم إلَّا بعض أشكال النظر العقلي البسيطة التي هدفَت إلى الاستدلال على خالق الكون. ومع ظهور رسالة الإسلام وانطلاق العرب لفتح البلاد، تعرَّفوا على علوم الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية، ولكنهم شُغِفوا بأعمال اليوناني «أرسطو»، فاعتنَوْا بترجمتها ودراسة شروحها، فتأثَّروا بها أيَّما تأثُّر، الأمر الذي جعل بعض المستشرقين يُقرِّرون أنْ ليس هناك فلسفةٌ إسلامية أو عربية خالصة، بل هي تَرجماتٌ عربية لمؤلَّفاتِ «أرسطو». 

لكن الحقيقة هي أن الفلسفة الإسلامية مرَّت بأطوارٍ طبيعية من التكوين والتأثُّر حتى قدَّمت موضوعاتها الخاصة، فظهر مثلًا «علم الكلام» الذي وُضِع للدفاع عن الدين ضد المتشكِّكين مُستخدِمًا أدواتٍ ووسائلَ منطقية وجدلية. كما ظهرت مدارسُ فلسفية، مثل «المعتزلة» و«المتصوِّفة»، أَثْرَت أعمالُها الفكرَ الإنساني.

˅

المراجع:

    1- تمهيد في تاريخ الفلسفة الإسلامية، مصطفى عبد الرازق 

    2- بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط، محمد يوسف موسى


تحميل البحث بصيغة PDF

نشأة التفكير العقلي الإسلامي

ورقة بحث : قراءة في كتاب : مدينة الله لأوغسطينوس

0

 التعريف بالكاتب

القديس أغسطينوس ولد سنة 354 ، وتوفي سنة 430 ، هو كاتب وفيلسوف من أصل نوميدي-لاتيني ولد في سوق أهراس بالجزائر ، و يعد أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية.

التعريف بالكتاب

كان كتاب "مدينة الله" للقديس أوغسطينوس نتيجة لاستيلاء القوط الغربيين على روما ونهبها سنة 410. حيث كان أتباعُ الديانات غير المسيحية يؤكدون بأن سقوط روما هو عقوبة أنزلتْها الآلهة غير المسيحية بها بسبب قانون تحريم العبادات الوثنية سنة 392. وعليه، احتدم الجدل حول العناية الإلهية في التاريخ، وكلام عن كون المسيحية على وشك أن تفضي إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية. وفي ظل احتدام هذا الجدل، شرع أوغسطينوس في كتابة «مدينة الله».

فهرس موضوعات الكتاب

يتألف الكتاب من 22 فصلًا استغرق تأليفها ثلاثة عشر عامًا؛ فقد بدأ تأليفه وهو في عمر 59 وأنهاه عندما بلغ 72.

في الأبواب الأولى، يحاول أن يبرهن على أن ما أصاب روما من نَهْبٍ وتعذيب وأسْرٍ ليس غريبًا عن التاريخ البشري كلِّه. فإن روما ابتُليتْ بما ابتُليتْ به سائرُ الشعوب على مدى قرون من جراء سطوتها وغطرستها. لذا، فإن العناية الإلهية لا يمكن اعتبارها مسؤولة، لأن مصير الإنسان – يوضح أوغسطينوس – ليس مقررًا على هذه الأرض، ولا في نطاق حياته الجسدية. مثل هذه المصائب لا تصيب جوهر حياته، ويجب ألاَّ تقوده إلى اليأس: "فالحياة الزمنية دار ابتداء تُعِدُّ للأبدية، والمصائب ليست للمسيحي غير امتحان وتأديب.

أجاب في الفصول الخمسة الأولى على الوثنيين الذي يعبدون آلهة متعددة ويرون أن الآلهة القديمة تحمي المصالح الرومانية بشكل متفرد.

وُجّهَ الفصول من السادس حتى العاشر إلى الأفلاطونيين الجدد الذين كانوا يعيدون تفسير التقليد الوثني كدرب للتطهير؛ حيث تلعب الآلهة دور الوسطاء ما بين البشرية والعوالم السماوية.

ملخص أفكار الفصول الأولى

توحي بعض الفقرات في كتاب «مدينة الله» بتخلي أوغسطين تمامًا عن الإمبراطورية الرومانية وكل المؤسسات السياسية باعتبارها منظمات نَهمة للسلطة تسعى للهيمنة الخبيثة واضطهاد القوي للضعيف.

اعتبر أوغسطين في الكتاب أنه حانت الآن العصور المسيحية. حيث يمكن تحقيق العدالة بمعرفة إمبراطور يُقرُّ بالعبادة الحقة للرب الواحد المتجلي في المسيح، بحسب قوله،  وكأن اعتناق المسيحية كان يعيد إحياء المجتمع المُنْهَك المريض، ويتيح إمكانية تأسيس «إمبراطورية عادلة»،

فيما يتعلق بالعدالة، كانت مدينة الله متحيزةً للفقراء. ولاحظ أوغسطينوس أن أعلى المدافعين صوتًا عن الوثنية كانوا عمومًا مدافعين عن النظام الاجتماعي القديم الذي تودد فيه الفقراء إلى الأغنياء واستغلَّ الأثرياء تابعيهم الذين يعوِّلون عليهم،

بالنسبة إلى الضمير المسيحي، كانت العدالة الجنائية والخدمة العسكرية تمثلان أكثر القرارات الأخلاقية إشكالًا. شارك أوغسطينوس وجهةَ النظر التي كادت تكون عالمية للكنيسة الأولى، والتي مفادها أن التعذيب والعقوبة القصوى غير مقبولين في دولة مستقلة تستند إلى تقييم مسيحي للإنسان.

لم يرَ أوغسطينوس، شأنه في ذلك شأن أفلاطون وَأرسطو، أن مهنة السياسة منفصلة عن كافة القضايا الأخلاقية، رغم أنه لم يعتقد أن العالم العلماني قادر على إقامة مجتمع عادل بحقٍّ.

الخلاصة:

لا يمكن اعتبار كتاب «مدينة الله» كتابا في النظرية السياسية، أو على اعتبار أنه يحوي فلسفة تاريخية تستهدف استبيان نمطٍ سماوي علوي في مسار الأحداث. وحقيقة الأمر، في عدة مواضع من هذا العمل نجد أن الحجة مصممة بحيث تبيِّن كم من الصعب إدراك هذا النمط. 

يصعد نجم قُوًى عظمى ويخبو في تاريخ العالم، ولا تتجلَّى لنا قطُّ علة هذا الصعود والسقوط. وعدم إمكانية التنبؤ بالموت وبقرارات الإرادة البشرية يعني أن هناك الكثير من الأشياء غير المؤكدة. 

ويعتنق المؤمن فكرة أن ما لا ينسجم مع عقل الإنسان ينسجم مع الرب. وقد تَحْمِل الكوارث الإنسان على البكاء، لكنها لا ينبغي أن تصيبه بالذهول . ويقدِّم أوغسطينوس آمالًا أكثر للفرد مقارنةً بمؤسسات المجتمع البشري المُعرَّضَة تحديدًا أن تكون وسيلة للغرور الجمعي.


المراجع:

مدينة الله للقديس أوغسطينس ، المجلد الأول ، يوحنا الحلو ، بيروت ، 2006


تحميل البحث بصيغة PDF

 قراءة في كتاب : مدينة الله لأوغسطينوس


#Research #reading #in #the #book #City #of #God #Augustine

#بحث #القراءة #في #كتاب #مدينة #الله #أوغسطين

بحث : ورقة بحثية فلسفة تأويل النص عند إبن رشد

0
ظهرت الحاجة للتأويل عند ابن رشد في مجالين على الأقل نحاول بسط الحديث فيها في هذه الورقة البحثية، وهما تأويل النص الفلسفي من جهة وتأويل النص الديني المقدس هو الآخر من جهة أخرى، و يبدو أن هذه الحاجة ألحت على ابن رشد بسبب تعارض ظواهر بعض النصوص المقدسة مع إقرارات العقل وكذا غموض وعسر مفاهيم الفلسفة العقلية، الأرسطية بالخصوص، وبُعدها عن متناول الفهم العام.   كذلك اشتغل ابن رشد بالتأويل ثقة منه أن العامة، الذين دعاهم بالخطابيين، لا قدرة لهم على فهم واستيعاب بعض الحقائق عارية دون تبسيطها وتأويل دلالاتها، غير أنه بمقابل ذلك ينهى عن تأويل بعض النصوص المقدسة وتركها على مدلولها الظاهري في متناول العامة ، رحمة بعقولهم وتجنبا للفتنة، فقد كان مما عابه على سابقيه، خصوصا في نقده للغزالي، كونهم فتحوا هذا المجال أمام الناس دون تحفظ فشاع الخلاف وظهرت الفرقة.  فكيف كان تأويله للنصين الفلسفي والديني ؟  وماهي القواعد التي سنها لضبط هذا التأويل ؟  و يعد الفيلسوف «ابن رشد» الفقيه والطبيب والفيزيائي والقاضي المسلم، المولود في «قرطبة» والذي عاش في وقتٍ كانت الأندلس منارة ثقافية وعلمية وحضارية كبرى بعلمائها ومكتباتها. صاحب إسهام عظيم في الفلسفة؛ حيث قدَّمَ شروحات للفلسفة اليونانية احتفى بها الغربُ وترجَمَها، وقد رأى ابن رشد أن ليس ثمة تعارُض بين الدِّين والفسلفة فكلاهما ينشد الحقيقة. وهذه الشروح حملت الكثير من فلسفته الخاصة، تلك الفلسفة كانت سببًا من أسباب نكبته المعروفة؛ حيث أُحْرِقت كُتُبه، وتم نفيه بعيدًا عن دياره بعد أن اتُّهِمَ بالزندقة والإلحاد بإيعاز من حساده، وإنْ كان قد بُرِّئَ منها في أواخر حياته.4  لقد كان من نتائج هذا العداء، أن وُجدت هوَّة بين الفلاسفة ورجال الدين ظلت دهرًا طويلًا فاصلًا بينهم، وأن رمي رجالُ الدين الفلاسفةَ بالإلحاد إن لم نقل بالكفر، وجازاهم هؤلاء شرًّا بشر فرموهم بالجهل وعدم فهم الدين! وكان من هذا وذاك أن حُرم الدين من جهود كثير من أبنائه المفكرين، فانكمش التفكير الحر الصحيح وخاصة بعد وفاة ابن رشد سنة ٥٩٠ﻫ، فقد فقدت به الفلسفة الإسلامية أكبر ممثل ونصير لها من المسلمين، وتضافرت عوامل مختلفة لسيادة روح التقليد.2

 المقدمة:

ظهرت الحاجة للتأويل عند ابن رشد في مجالين على الأقل نحاول بسط الحديث فيها في هذه الورقة البحثية، وهما تأويل النص الفلسفي من جهة وتأويل النص الديني المقدس هو الآخر من جهة أخرى، و يبدو أن هذه الحاجة ألحت على ابن رشد بسبب تعارض ظواهر بعض النصوص المقدسة مع إقرارات العقل وكذا غموض وعسر مفاهيم الفلسفة العقلية، الأرسطية بالخصوص، وبُعدها عن متناول الفهم العام. 

كذلك اشتغل ابن رشد بالتأويل ثقة منه أن العامة، الذين دعاهم بالخطابيين، لا قدرة لهم على فهم واستيعاب بعض الحقائق عارية دون تبسيطها وتأويل دلالاتها، غير أنه بمقابل ذلك ينهى عن تأويل بعض النصوص المقدسة وتركها على مدلولها الظاهري في متناول العامة ، رحمة بعقولهم وتجنبا للفتنة، فقد كان مما عابه على سابقيه، خصوصا في نقده للغزالي، كونهم فتحوا هذا المجال أمام الناس دون تحفظ فشاع الخلاف وظهرت الفرقة.

فكيف كان تأويله للنصين الفلسفي والديني ؟

وماهي القواعد التي سنها لضبط هذا التأويل ؟

و يعد الفيلسوف «ابن رشد» الفقيه والطبيب والفيزيائي والقاضي المسلم، المولود في «قرطبة» والذي عاش في وقتٍ كانت الأندلس منارة ثقافية وعلمية وحضارية كبرى بعلمائها ومكتباتها. صاحب إسهام عظيم في الفلسفة؛ حيث قدَّمَ شروحات للفلسفة اليونانية احتفى بها الغربُ وترجَمَها، وقد رأى ابن رشد أن ليس ثمة تعارُض بين الدِّين والفسلفة فكلاهما ينشد الحقيقة. وهذه الشروح حملت الكثير من فلسفته الخاصة، تلك الفلسفة كانت سببًا من أسباب نكبته المعروفة؛ حيث أُحْرِقت كُتُبه، وتم نفيه بعيدًا عن دياره بعد أن اتُّهِمَ بالزندقة والإلحاد بإيعاز من حساده، وإنْ كان قد بُرِّئَ منها في أواخر حياته.4

لقد كان من نتائج هذا العداء، أن وُجدت هوَّة بين الفلاسفة ورجال الدين ظلت دهرًا طويلًا فاصلًا بينهم، وأن رمي رجالُ الدين الفلاسفةَ بالإلحاد إن لم نقل بالكفر، وجازاهم هؤلاء شرًّا بشر فرموهم بالجهل وعدم فهم الدين! وكان من هذا وذاك أن حُرم الدين من جهود كثير من أبنائه المفكرين، فانكمش التفكير الحر الصحيح وخاصة بعد وفاة ابن رشد سنة ٥٩٠ﻫ، فقد فقدت به الفلسفة الإسلامية أكبر ممثل ونصير لها من المسلمين، وتضافرت عوامل مختلفة لسيادة روح التقليد.2


المبحث الأول : ما بين النصين الديني والفلسفي

المطلب الأول : تأويل النص الفلسفي عند ابن رشد

يرى ابن رشد أن الاستفادة من الفلسفة اليونانية ضرورية رغم الإشكالات الكثيرة التي حدثت بسبب تعارض الكثير من المفاهيم الفلسفية مع العقيدة الإسلامية حيث قال : 

وليس يمنع من النظر في تراث الإغريق أن ضلَّ بالنظر فيه قوم لم يكونوا أهلًا لمعرفته، كما ليس لنا أن نمنع العطشان من ورود الماء العذب البارد؛ لأن غيره شرب منه فمات؛ فإن هذا الضرر أمر عرض. 3

ويرى ابن رشد أن التأويل هو الوسيلة الناجعة لحل الخلاف الحاصل والتقريب بين المفاهيم، حيث لا شك عند ابن رشد أن التأويل هو منهج أساسي لفهم النص الديني أو الفلسفي وتحديد مقاصده. وهو أمر لا يتحقق للمؤول، إلا إذا اعتمد على آليات معينة، إلى جانب التزامه بأسس وقوانين محددة.5

وقد اعتمد ابن رشد على المنطق، بوصفه أداة أساسية في التأويل، تمكن من بلوغ الحقيقة اليقينية التي لا شك فيها. وإن كانت هذه الأداة من وضع أرسطو، إلا أن ابن رشد لم يرى فيها مشكلة، وحاول البرهنة على مشروعية الفلسفة وعلوم المنطق بالاستناد إلى الشرع. لكن ابن رشد تمكن بفضل القياس البرهاني من شرح وتفسير النص الأرسطي، لأنه يقوم على مقدمات يقينية واضحة، إما أن تكون ناتجة من البرهان أو بديهية، وبترتيب هذه المقدمات ترتيباً منطقياً، من البسيط إلى المعقد، يسهل إدراك النتيجة وفهمها، ومن ثم يزول الغموض، ويتوضح الغرض الأرسطي أكثر.5 

كما تمكن ابن رشد من تخليص النص الأرسطي من كل ما هو غامض، سواء على مستوى اللفظ أم المعنى، حيث استبدل بعض المصطلحات الغامضة، وغير المتداولة، في ذلك الوقت، بمصطلحات معروفة ومتداولة. وعمل أيضاً على ضبط المعنى بتقويم الجملة وتصحيحها على المستوى اللغوي.5

كان يهدف ابن رشد من خلال شرحه وتلخيصه للنص الأرسطي إلى تحديد أغراضه من جهة، وإلى البرهنة على المشاكل الفلسفية، وإيجاد الحلول لها بمقدمات صادقة من جهة أخرى، الأمر الذي مكنه من قراءة النص الأرسطي وفق رؤية متميزة، ومن البرهان على المشاكل الفلسفية التي طرحها أرسطو بمقدمات نابعة من رؤيته الميتافيزيقية الخاصة به لا بأرسطو، وهو بتلك القراءة يعدّ مجدداً لا مقلداً.5 

إضافة إلى أن النص الأرسطي يفتقد البيان والوضوح، بالنظر إلى عدم اعتماده على المقدمات الواضحة والبينة بذاتها، وعلى التسلسل في عرضها، لذلك لجأ ابن رشد إلى حلّ الإشكالات وتحديد غرض أرسطو بدقة، كي يزول الغموض وتتحدد الأهداف بمقدمات أكثر وضوحاً وبياناً وتسلسلاً، الأمر الذي يسهل الاستنباط، ومن ثم يحصل الفهم وتتم المعرفة.5

المطلب الثاني : النص الديني بين ظاهر وباطن

وفي مواجهة المشكلات الدلالية في النص الديني يرى ابن رشد أنه :  كان لا بد من أَخْذِ العُدَّة لعلاج ما يظهر من تعارض واختلاف بين النص ونظر العقل. هذه العدة تقوم على أنه من المقطوع به — كما يؤكد فيلسوفنا — أن كل ما أدَّى إليه البرهان الصحيح لا يمكن أن يخالف ما أتى به الشرع؛ فإن الحق لا يضاد الحق، بل يشهد له.3

وإذن؛ فإن وُجد هذا التعارض والاختلاف، كان لا بد من تأويل النص تأويلًا يتفق وما نعرف من قواعد اللغة، وذلك مثلًا بإخراجه عن دلالته الحقيقية إلى دلالته المجازية. بهذا لا يصطدم العقل والشرع، ولا تترك واحدًا منهما لأجل الآخر، بل نجعل لكل منهما اعتباره، ونوفق بينهما بما لا تأباه اللغة وأصولها، فتزول العقبة — وهي تعارض نص الوحي ونظر العقل — كانت تقف في سبيل هذا الجمع والتوفيق.3

وكان من نتائج هذا المنهج هو التأكيد على وجود آيات وأحاديث لا بد من صرفها عن ظاهرها وتأويلها لنتعرَّف على المعاني الخفية المرادة منها ، أو بعبارة أخرى هي ضرورة انقسام الشرع إلى ظاهر وباطن لكل منهما أهله، و أن الناس مختلفون في الفِطَر والعقول.3

وهم لهذا تختلف حالاتهم في فهم النصوص وإدراك ما يراد بها، كما تختلف وسائلهم في التصديق بما يجب التصديق به من أمور هذا العالم الحاضر والعالم الآخر، ومن وجود الله وما يتصل به من سائر ما جاء به الدين من معتقدات.3

ومن أجل ذلك، يُقسِّم فيلسوف قرطبة الناس إلى ثلاث طوائف: 

    1- الخطابيون، وهم الكثرة الغالبة السهلةُ الاقتناع التي تصدق بالأدلة الخطابية، 

    2- وأهل الجَدَل — ومنهم المتكلمون — الذين ارتفعوا حقًّا عن العامة، ولكنهم لم يصلوا لمرتبة أهل البرهان الحقيقي،

    3- والبرهانيون بطبائعهم المواتية وبالحكمة التي راضوا عقولهم عليها، وأخذوا أنفسهم بها.3


المبحث الثاني : قواعد التأويل عند ابن رشد

المطلب الأول : المستويات الثلاثة للتأويل 

لم يدع ابن رشد الأمر فوضى؛ فيؤول كلٌّ ما يريد من النصوص، ويثبت التآويل في أي كتاب يريد، ويصرح بها لمن يشاء، بل جعل لكل ذلك قانونًا يعلم منه ما يجوز تأويله وما لا يجوز، وما جاز تأويله فلمن؟ هذا التأويل، الذي جعل بحسبه كل شيء في موضعه، ختم به كتابه: «الكشف عن مناهج الأدلة.3

أراد ابن رشد بهذا القانون أن يضع حدًّا للتآويل التي كثرت وذاعت وتناولها الجميع حتى حدثت عنها اعتقادات غريبة وبعيدة عن ظاهر الشريعة، ووُجد بسببها في الإسلام فرق متباينة يكفِّر بعضها بعضًا. وهذا كله جهل بمقصد الشرع وتعدٍّ عليه كما يقول.3

ومن أجل ذلك، ولإزالة العداوة بين الفلسفة والشريعة، يجب بصفة عامة ألا يُصَرَّحَ بالتآويل، وبخاصة ما يحتاج منها إلى برهان لغير أهلها، وهم القادرون على البرهان والاستدلال بالمنطق، كما يجب ألا نثبت شيئًا منها في الكتب الخطابية والجدلية الموضوعة للعامة ومن إليهم من الجدليين. إننا إن فعلنا غير هذا أثمنَا، وكنا سببًا في إضلال كثير من الناس.3

من السهل بعد هذا أن نفهم أن فيلسوفنا لا يرى أن في النصوص الدينية — من القرآن والحديث — نصوصًا متشابهات، لا بالنسبة للعلماء الذين يعلمون مع الله تأويلها، ولا بالنسبة للجمهور الذي لا يُطْلَبُ منه إلا أن يؤمن بما يفهم من ظواهرها دون البحث عن تأويلها وبيان معانيها الخفية. 

أما أهل الجدل والمتكلمون، فهم الذين يوجد في حقهم التشابه في بعض هذه النصوص. إنهم وقد ارتفعوا عن العامة، ولم يصلوا إلى مرتبة الخاصة، عرضت لهم شكوك وشبه لا يقدرون على حلها، ولكنهم تعلقوا بها، فحاولوا عبثًا تأويلها، فضلوا في أنفسهم، وأضلوا من اتبعهم؛ لهذا ذمهم الله بأن في قلوبهم زيغًا ومرضًا، فهم يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله، وما هم ببالغيه، إذ لا يعلم هذا التأويل إلا الله والراسخون في العلم، وهم ليسوا منهم في شيء.3

كما أنه يتشدد في وجوب تطبيق ما وضع من مبادئ وقواعد تتعلق بالتأويل، وتحريم أن يذاع لغير أهله، ولهذا لام الغزالي — وسائر المتكلمين من أشاعرة ومعتزلة — لإثباتهم التآويل في مؤلفاتهم، فذاعت لذلك بين العامة ومن ليس أهلًا لها.3

المطلب الثاني : محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة 

كان همُّ ابن رشد هو الإلحاحَ أولًا على وجوب الفصل بين العامة والخاصة وتعاليم كل طائفة بينهما، وفي هذا سعادة الجميع؛ لأنَّ الحقيقة الواحدة يعبَّر عنها بطرق مختلفة باختلاف العقول والاستعدادات.2

وهذا ما جعل بعض الباحثين المُعاصرين يذهب إلى أنَّ توفيق ابن رشد بين الحكمة والشريعة — على خلاف ما كان من الفارابي وابن سينا — لم يكن توفيقًا «داخليًّا»، ولكنه فقط فصل ظاهري بين السلطات.2

ولكن الحقيقة هي أنَّ ابن رشد اضطر كما عرفنا بسبب حملة الغزالي إلى أن يترك لنا مُحاولة عملية للتوفيق بين الحكمة والشريعة توفيقًا داخليًّا حقًّا؛ ولهذا نراه في أكثر من موضع من كتاباته يعتذر من كل قلبه عما اضطر إليه من الكلام في مسائل الشريعة والفلسفة على ذلك النحو الذي لم يكن يَوَدُّه.2

ذلك ما كان من النَّاحية العملية الواقعية، أمَّا من ناحية الحق في نفسه، فإننا نستطيعُ أن نقول بأنَّ ابن رشد نجح في التوفيق بين الدين والفلسفة، وهذا في كثير من المسائل التي تناولها، ولكنه لم ينجح بصفة خاصَّة في مسألة البعث والجزاء في الدار الأُخرى؛ وذلك؛ لأنه لم يستطيع بل ليس من المُستطاع لأحد، تأويل كل الآيات القرآنية و الأحاديثَ أيضًا، التي تَدُلُّ صراحة على أنَّه في الحياة الأُخرى ستكون لذائذ وآلام جسمية بجانب الأُخرى الرُّوحية.2

الخاتمة :

رغم محاولات ابن رشد القيمة في كتبه لرأب الصدع العميق الذي تشكل عبر القرون بين الفلسفة والدين، إلا أنها كانت غير كافية للعديد من الاعتبارات، فكان بحق آخر إشراقة فلسفية في تاريخ الحضارة الإسلامية قبيل مغيبها، ويحسن هنا أن نورد اعتذاره الذي ساقه في كتابه " فصل المقال " :

فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا الجنس من النظر، أعني التكلم بين الشريعة والحكمة، وأحكام التأويل في الشريعة. ولولا شهرة ذلك عند الناس، وشهرة هذه المسائل التي ذكرناها، لما استجزنا أن نكتب في ذلك حرفًا، ولا أن نعتذر في ذلك لأهل التأويل بعذر؛ لأن شأن هذه المسائل أن تُذْكَرَ في كتب البرهان.3

وهذا الاعتذار الحق، الذي له أسبابه ومبرراته، يشبه اعتذار سلفه ابن طفيل — في مثل حالته — عن مخالفة طريق السلف الصالح في الضنِّ بالحكمة على غير أهلها، بأنه حاول إصلاح الذي أفسده سابقوه الذين صرحوا بآراء مفسدة، وتآويل ضالة تلقفها غير أهلها فعمَّ لذلك ضررُها.3

وبناءً على ما تقدم صار ابن رشد عبارة عن راية تتحارب حولها شعوب وأمم مختلفة في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا. وكان للفيلسوف العربي الجليل سمعتان, الأولى سمعة الفضل والعلم والنزاهة وهي عند أساتذة المدارس الذين كانوا يرومون كسر النير القديم. 

والثانية سمعة الكفر وبغض الدين وهي عند العامة والبسطاء والجهلاء. ولم يأت القرن الرابع عشر حتى صارت سلطة ابن رشد في أوروبا فوق كل سلطة وتقدم على ابن سينا بعد أن كان محسوبًا في القرن الثالث عشر دونه. ولما أراد الملك لويس الحادي عشر ملك فرنسا إصلاح التعليم الفلسفي في سنة ١٤٧٣ طلب من أساتذة المدارس «تعليم فلسفة أرسطو وشرح ابن رشد عليها؛ لأنه ثبت أن هذا الشرح صحيح مفيد».1

في الأخير، يمكن ملاحظة تشابه كبير بين أفكار ابن رشد من ناحية، وأفكار سبينوزا من ناحية أخرى، في ضرورة فصل الفلسفة عن الدين بالنظر إلى العامة، وبصفة عامة بين جمهرة مفكري الإسلام من ناحية، وجمهرة مُفكري اليهودية والمسيحية من ناحية أخرى، في ضرورة تأويل بعض ما جاء في الكتب المُقدسة تأويلًا مجازيًّا.3

# # #بحث # #ورقة #بحثية #فلسفة #تأويل #النص #عند #إبن #رشد #

#Research #paper #on #the #philosophy #of #interpretation #of #the #text #according #to #Averroes

المراجع:

    1- فَلسَفَةُ ابنِ رُشْد ، فرح أنطون

    2- بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط، محمد يوسف موسى

    3- ابن رشد الفيلسوف ، محمد يوسف موسى

    4- ابن رشد ، عباس محمود العقاد

    5- التأويل عند فلاسفة المسلمين ابن رشد نموذجاً، فتيحة فاطمي ، محمد بكري

تحميل البحث بصيغة PDF

ورقة بحثية فلسفة تأويل النص عند إبن رشد

بحث : ورقة بحثية مراحل الفلسفة المدرسية المسيحية

0

المقدمة:

تعرف الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط باسم الفلسفة المدرسية، أي التي كانت تُعلَّم في المدارس، وقد مرت بأربعة مراحل، بدأ من الرواد ثم النشأة ، إلى مرحلة النفصال ثم الثورة ، واعتمدت في تكوينها على دور سابق يمتد من القرن الثالث إلى القرن التاسع،
فما هي مراحل الفلسفة المدرسية ؟
وما هو أثرها في تشكيل الفلسفة المسيحية ؟

الفصل الأول : العصر المدرسي الأول

المبحث الأول : رواد الفلسفة في العصر الوسيط
وأشهرهم ثلاثة، الأول: القديس أوغسطين مؤسس الأفلاطونية المسيحية ومثقف العصر الوسيط كله بمؤلفاته الزاخرة بالأدب والفلسفة واللاهوت. والثاني: ديونيسيوس وهو فيما يُظَنُّ أسقف سوري كتب باليونانية متأثرًا بالأفلاطونية أيضًا، إلا أن كتبه كان لها الحظ الأكبر في الغرب، حيث ترجمت إلى اللاتينية، وظلت مرجعًا في الإلهيات والتصوف. والثالث: بويس مترجم كتب أرسطو المنطقية، ولو أنه عمِّر وترجم باقي كتبه، كما كان معتزمًا أن يفعل، لجاءت الفلسفة المدرسية من أول أمرها أغنى وأعمق مما وفقت إليه مع الأفلاطونية، وقد امتد هذا الدور إلى القرن التاسع، وكان قليل الإنتاج على طوله بسبب ما أصاب روما وإمبراطوريتها من غزوات البرابرة، وما أحدثوا من انقلابات اجتماعية خطيرة تناولت تدمير المدارس وإتلاف الكتب، فجاهد رجال الكنيسة لصيانة آثار الثقافة، فكانت الأديرة المأوى الذي حفظها من الضياع، وكانوا هم حملة العلم، وانصرفوا إلى تمدين تلك الشعوب الفتية، يهذبون طباعها بتعاليم الدين ورياضاته، ويعلمونها الزراعة والصناعة، وينشئون المدارس، فيعملون على تكوين حضارة جديدة.

المبحث الثاني : مرحلة النشأة والازدهار
تشمل العصر الممتد من النهضة التي بعثها شارلمان في الربع الأخير من القرن الثامن إلى نهاية القرن الثاني عشر، تكاثرت المدارس وانتظم التعليم العالي ونبغ العلماء، فشهد القرن التاسع حركة علمية زاهرة كان أكبر أعلامها جون سكوت أريجنا، حتى استؤنف النشاط العلمي في القرن التالي، فنبغ جدليون — أي مناطقة — ونبغ لاهوتيون كان أعظمهم قدرًا القديس أنسلم، ولم يكن لدى هؤلاء وأولئك من أسباب العلم سوى مصادر الدور السابق، فكان اللاهوتيون أوغسطينيين أي أفلاطونيين، وكانت بضاعة الجدليين تنحصر في بعض آراء أفلاطونية ، و المقولات والعبارة والتحليلات الأولى لأرسطو، على أنه كان لهذا المنطق الضئيل أثران هامان:
فقد أدى من ناحية إلى إثارة مسألة الكليات الخمس ونصيبها من الحقيقة في الخارج، وكان هذا عبارة عن إثارة مسألة المعرفة،
وأدى من ناحية أخرى إلى محاولة تطبيق قواعد المنطق في معالجة المسائل اللاهوتية، وكان هذا بداية البحث في العلاقة بين العقل والإيمان،
حتى إذا ما جاء القرن الثاني عشر استقرت الحياة الاجتماعية فازدهرت التجارة والصناعة، ونشطت الفنون بأنواعها حول فن بناء الكاتدرائيات، وقامت رهبنات جديدة زادت في عدد المدارس إلى حد كبير، وخاصة في فرنسا، فاشتدت الحركة الأدبية والحركة العلمية، وظهر عدد وفير من اللاهوتيين والجدليين ، على أن أهم ظاهرة لدينا في هذا القرن — لما سيترتب عليها من أثر بالغ — هي ابتداء اتصال الغرب بالشرق، ونقل الكتب من العربية إلى اللاتينية، كتب اليونان وكتب المسلمين من فلسفية وعلمية.

الفصل الثاني : العصر المدرسي الأخير

المبحث الأول : عصر الجامعات والانفصال عن السلطة الكنسية
ببلوغ القرن الثالث عشر، ظهرت الكتب التي دفعت العقول إلى الأمام دفعًا قويًّا، وبعثت في المدارس العليا نشاطًا هائلًا أحست معه هذه المدارس بقوتها الذاتية فانفصلت عن السلطة الأسقفية واستقلت بشئونها العلمية والإدارية فكانت منها الجامعات، ورأينا في مقدمة تلك الكتب مؤلفات أرسطو مترجمة من العربية، ومؤلفات الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد ، بيد أن الأساتذة والطلاب تشبثوا بأرسطو بالرغم من التحريم الكنسي، ثم فطنوا إلى مساوئ الترجمات التي كانت بين أيديهم، فبحثوا عن ترجمات من اليونانية الأصلية بتمام الدقة، تسمح لهم بالتفرقة بين ما لأرسطو وما لغيره من الشراح اليونان والعرب، فنهض بالعمل علماءُ باليونانية، ودار حول أرسطو التفكير الفلسفي واللاهوتي، فريق معه، وفريق عليه، يحمل لواء كل فريق مفكرون من الطراز الأول، فتطورت الأوغسطينية، يمثلها القديس توما الأكويني فأنشأ الأرسطوطالية المسيحية، عارض بها المذهب الأوغسطيني الذي كان المذهب السائد بلا منازع، وتمسك البعض بتأويل ابن رشد لأرسطو فقامت في جامعة باريس «رشدية لاتينية» دار عليها نزاع عنيف، وانصرم القرن، والنضال بين المذاهب على أشده.

المبحث الثاني : عصر الثورة ونقد الفلسفة القديمة
القرن الرابع عشر، الذي امتاز بخصائص مختلفة، فكانت ثورة على الماضي كله، امتاز كل شيء بنفور شديد من المعاني المجردة ونزوع قوي إلى الواقع، أخذ في نقد المجردات ولم يرَ فيها إلا أنها أسماء أو ألفاظ جوفاء، بحيث تصح تسميته بعهد الاسمية أو اللفظية، وقاده هذا النقد إلى الشك في العقل والمعقولات، ودعا تفكير العقل فلسفة خالصة مقطوعة الصلة بالدين، وآمن بالدين إيمانًا دون أي سند من العقل، ومضى في نقده من المجردات العقلية الخاصة بأرسطو ، فبددها وتحرر من سلطان أرسطو في العلم والفلسفة جميعًا،
بل مد النقد إلى أصول الاجتماع فأيد أباطرة الجرمان والملوك في تمردهم على البابوية، وقال بوجوب الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية، ما كان يشير إلى قرب هبوب عاصفة «الإصلاح الديني»،
رأى الفلاسفة المجددون أن المعرفة الحسية الجزئية أوضح وأوكد من المعرفة العقلية المجردة، وأقبلوا على الطبيعة يدرسونها لذاتها فوضعوا العلم الخاص المستقل عن الفلسفة، جددوا علم الفلك واهتدوا إلى قوانين جديدة للحركة، فهدموا البناء الذي شاده أرسطو «للسماء والعالم»،
بحيث إذا نظرنا إلى هذا القرن بالإضافة إلى ما سبقه، وجدناه عصرَ انحلالٍ وشك وتمرد، ووجدنا أن كل ما يربطه بالعصر الوسيط هو أن رجاله مدرسيون، أي كهنة ورهبان من أساتذة الجامعات، وإذا نظرنا إليه بالإضافة إلى ما سيليه، قلنا: إنه عصر تجديد وإنشاء، وإنه إذا أريد تعيين بداية العصر الحديث بمميزاته الفكرية تعيينًا دقيقًا، وجب الرجوع إلى العام الأول من هذا القرن الرابع عشر.

الخاتمة :
يقال في العصر الوسيط بالإجمال: إنه كان عصر جهل وظلام لا خير فيه، يجب تخطيه إلى عصر «النهضة الحديثة» عصر النور والعرفان،
وقيل في الفلسفة المدرسية: إنها كانت تعلم وتدون بلاتينية ركيكة سقيمة، وتسرف في استخدام القياس وفي المناقشة اللفظية، وتعالج مسائل الدين ليس غير، وتخضع في ذلك للنقل دون العقل، أي لسلطة آباء الكنيسة وسلطة أرسطو، بغير نقد ولا تمحيص،
هذه أقوال ، أذاعها أول الأمر في القرن السادس عشر أولئك الأدباء الذين يصفون أنفسهم بالإنسانية، المتحلون بالثقافة اليونانية اللاتينية ، المتشبعون بما فيها من وثنية، المتحاملون على العصر الوسيط بما فيه من دين وأدب وعلم وفن.


المراجع:
تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط ، يوسف كرم ، 2012

ورقة بحثية : مشكلات الإيمان بين الجبر والاختيار

0


المقدمة:
من بين المسائل، التي شغلت عقول المتكلمين وبعض الفِرق الإسلامية، منذ القرن الهجري الأول، هل أن الأعمال البشريَّة اختيارية أم إجبارية؟ ورغم تفاوت وتعارض الآراء والأفكار بين بعضهم بعضاً، فإنهم جميعاً كانوا يتفقون وينافحون في مسألة التوحيد، عقيدة المسلمين الأساسية. وكان سياق الجدال في هذه المسألة ناتجاً عن التمازج الفكري والفلسفي للعقل العربي الإسلامي مع حضارات وثقافات شرقيَّة وغربيَّة سبقت الإسلام، اليونان والهند أنموذجاً.

المبحث الأول : الجَهْمية
كان المتكلمون الذين يدافعون عن فكرة الجبر، ينظرون إلى إرادة الإنسان باعتبارها عاجزة، لأن الله خلق الأفعال والاختيارات إلى الأبد. فعن زعيم الجبريين جَهْم بن صفوان (78-126ه/ 696-745م) قال إن: الإنسان مثل ريشة بمهب الريح، لا حول ولا قوة له، فهو مسلوب الإرادة والقدرة والاختيار، يتحرّك كما تتحرك الأشجار والظواهر الطبيعية الأخرى، إذ "لا فاعل إلا الله". فإذا جعلنا الإنسان خالقاً أفعاله أشركنا بالله إلهاً آخر، وقلنا بخالقين في الكون، تعالى الله عن ذلك علّواً كبيراً.
أمَّا عن النصوص القرآنية، التي تفيد الاختيار، فحسب رأي جهم، يجب تأويلها. وحسب رأيه أيضاً، إن الإيمانَ هو المعرفة بالله فقط، وإن الكفرَ هو الجهلُ به، وإن الجنةَ والنارَ تفنيان بعد يوم القيامة، وإن الله وحده الذي يبقى. ولقد أدت هذه المفاهيم بجهم إلى إنكار صفات الله، لكي يتجنَّب أي تشابه بين الإنسان والله من سمعٍ وبصرٍ وكلامٍ.

المبحث الثاني : الرد على الجَهْمية
بطبيعة الحال، كان عددٌ كبيرٌ من العلماء والمتكلمين ضد آراء جهم الجبرية، ومن بينهم أهل السلف وأهل الحديث وأهل السُّنة، علاوة على إخوان الصفا وخلان الوفا، والقدريّة، ومن أقطاب الفرقة القدريّة معبد الجُهني (80ه/ 702م)، وغيلان الدمشقي (106ه/ 724م)، وواصل بن عطا (71-131ه/ 699-749م). حيث اتفقوا جميعاً على نفي القدر، وإثبات أن الإنسان لديه القدرة والحرية في الاختيار لفعل الخير أو الشر، وأن الله أعطاه إرادة حرة حتى يتمكّن من ثوابه أو عقابه في يوم القيامة، وإذا تم تحديد أفعال الإنسان بالكامل من قِبل الله، فلماذا ينبغي عليه معاقبة الإنسان يوم الحساب؟ إن الله حكيم عادل لا يجوز أن يُضاف إليه شر ولا ظلم،

المبحث الثالث : رأي المعتزلة
لقد انصهرت أفكار القدريّة تدريجياً في المدرسة الفكرية المعتزلية، إذ أقرَّ واصل نفي القدر كقاعدة رئيسة من قواعد العدل في المفهوم المعتزلي. إذ إن حرية الإنسان كانت أهم قضية أساسية عند المعتزلة. وحسب رأي المعتزلة إن الله أعطى العباد القدرة على فعل ما يريدون، من أجل الخير أو الشر، وهذه الحرية هي واحدة من أسباب العقل، ومن دونها لن يكون لدينا أي فِهّم. لذلك لا يحدث شيء إلا من عند الله، لكن الشر لا يأتي منه تعالى، بالأحرى يأتي من حرية الاختيار للإنسان.
وهكذا، إن الإنسان "قادرٌ خالقٌ أفعاله، خيرها وشرها"، فهو مستحق على ما يفعله ثواباً وعقاباً في الدار الآخرة. والرب تعالى منزهٌ أن يضاف إليه شر وظلم، وفعلٌ هو كفر ومعصية، لأنه لو خلق الظلم كان ظالماً، كما لو خلق العدل كان عادلاً.
وهنا يبرز السؤال التالي: إذا كان "الرب تعالى منزهاً"، فمن أين جاء الشر والفساد في هذا العالم؟ جواب المعتزلة في النص أعلاه: إن الإنسان قادرٌ خالقٌ أفعاله، خيرها وشرها، مستحق على ما يفعله ثواباً أو عقاباً. فالله لم يخلق أفعال الإنسان، لكنه أوجد القدرة (الاستطاعة) فيه.
هذا وأطلق المعتزلة على أنفسهم اسم "أهلُ العدل"، إذ أكدوا أن للإنسان قدرة الفعل وحرية الاختيار كجزء من العدل الإلهي في هذا العالم الدنيوي. وأمّا السبب الذي دفعهم إلى نفي القدر فلكي ينفوا عن الله الظلم والقبح. ولقد اعتمدوا أيضاً على عديد من الآيات القرآنية لدعم وجهات نظرهم، منها:
"كُلُ نفسٍ بما كسبت رهينة". (38:74).
"مَن عمل صالحا فلنفسهِ ومَن أساءَ فعليها". (46:41).
"وَقُل الحقُ من رَّبِكمُ فَمَن شاءَ فليُؤمن َوَمن شاءَ فليكفُر". (29:18).
"إنَّا هديناهُ السبيلَ إمَّا شاكرا وإما كفُورا". (3:76).

المبحث الرابع : رأي الأشاعرة
أراد الأشاعرة أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية، فجاؤوا بنظرية الكسب، و هي لا تنفي قدرة العبد ولا اختياره، وإنما تنفي تأثيرَ قدرته في شيء من أفعاله، وقد ساقهم إلى القول بذلك النصوصُ الكثيرةُ من الكتاب والسنة المصرحةِ بتفرُّدِهِ تعالى بخلقِ كلِّ شيءٍ، الدالة على أنه لا مؤثر في الكون إلا الله،

الخاتمة:
عموماً كان المعتزلة أكثر عمقاً في بحثهم بمسألة حرية الإنسان، لكن المأخذ عليهم أنهم يعتبرون جميع أفعال الإنسان تكون مخلوقة بنفسه، ولهذا فقد هاجمهم الغزالي بقوة، وأكد أن الإنسان ليس أكثر من كائن مخلوق يتصرف الله به كيفما يشاء، وأن الحرية يجب أن يُنظر إليها على أنها ليست أكثر من مشورة نفسية، يمكن لأي إنسان أن يتمتع بها، طالما أنه لا يملك إرادة سلبية، بغض النظر عن التغييرات في الظروف الحياتية.


المراجع:

الجبر والاختيار في الفلسفة الإسلامية ، عماد الدين الجبوري ، 2019
بيان مسألة القدر على مذهب الأشاعرة، الشيخ محمد صالح بن أحمد الغرسي


تحميل البحث يصيغة PDF





يتم التشغيل بواسطة Blogger.