ورقة بحث : الفلسفة الإسلامية بين المنصفين والجاحدين

0

 طرح العديد من الباحثين العرب مسألة وجود فلسفة إسلامية ، ولاسيما مع بواكير التأريخ العربي للفلسفة من الباحثين المعاصرين، وعلى رأس زعماء تلك الأطروحة الشيخ مصطفى عبد الرازق في تمهيده المحوري لتاريخ الفلسفة الإسلامية، وكذا الدكتور إبراهيم مدكور، وغيرهما كثير من الباحثين العرب في الفلسفة الذين دافعوا عن تلك الأطروحة – إسلامية الفلسفة الإسلامية – بحماس، مع إقرار باحثين آخرين بعدم أصالة الفلسفة الإسلامية، ولكن هؤلاء الباحثين الآخرين ظلوا تحت نير الاتهام بالتبعية للمستشرقين الحاقدين الساعين إلى التقليل من شأن اسهام الحضارة الإسلامية في الجانب الفلسفي.

من المعلوم أن الفلسفة الإسلامية نَهلت من عدة مَنابع كالتصوف الإسلامي الذي يشمل الأفلاطونية المحدثة وينحدر من الفلسفات المسيحية واليهودية، ثم الفقه وعلم الكلام، حث ظهرت الفلسفة الإسلامية مع الكندي، الفارابي وابن رشد، الذي استطاع أن يؤسس نسقا فلسفيا بين الفقه وعلم الكلام. 

تعتبر الفلسفة الإسلامية في حد ذاتها جمعا بين الفقه وعلم الكلام خصوصا مع المعتزلة لكونهم ناقشوا القضايا الكبرى بالاعتماد على العقل، كما يتجلى إسهام الفلسفة الإسلامية في إدخال مؤلفين في المنطق هما الشعر والخطابة لتصبح ثمانية مؤلفات عوض ستة مؤلفات.

لكن السؤال عن وجود فلسفة اسلامية أصيلة طفا على السطح خصوصا مع تشكيكات المستشرقين ،

- فهل في حضارة الإسلام فلسفة أصيلة ؟ 

- أم أن الفلسفة الإسلامية لا تعدو كونها ترجمة عربية للأصل اليوناني ؟

الرأي المدافع عن أصالة الفلسفة الإسلامية:

1- يعتمد هذا الرأي على جدل مطلق حول أن التشابه الذي لا تخطئه العين المجردة بين مضامين الفلسفة الإسلامية والفلسفة اليونانية؛ الذي لا يستلزم بالضرورة المساواة أو السببية، وأن الفلسفة الإسلامية اهتمت بموضوعات جديدة في السياق الإسلامي، أو عالجت موضوعات سبق تناولها في الفلسفة الكلاسيكية، ولكن بصورة إسلامية، فالوحي يبحث في أسئلة الوجود الأساسية: المصدر، والغاية، والقيمة، يبحث في الحق والخير، وهي ذاتها المواضيع التي تبحثها الفلسفة أيضا، وسواء في دائرتها الكلاسيكية (الحكمة النظرية والحكمة العملية) أو في دائرتها الحديثة (الأنطولوجيا والإكسيولوجيا والإبستمولوجيا) تسعى الفلسفة إلى الأهداف نفسها والإجابة على الأسئلة نفسها، فقط دون أن تكون خاضعة للوحي كمنظومة متعالية.

2- الفلسفة الإسلامية التي يمكن أن توصف بهذا الوصف حقًّا هي علم الكلام الإسلامي. ولذلك فالمستشرقون الأوائل الذين كتبوا في التاريخ الفلسفة الإسلامية، مثل دي بور، وكوربان، ونحوهما، كانوا مصيبين حين وضعوا الفرق الكلامية الإسلامية ضمن التأريخ الفلسفي للإسلام، وهو ما سار على دربه أكثر الباحثين المحدثين العرب بعد ذلك.

3- التفكر شرعي ومأمور به، ومادام في موضوعات مبحوثة في الفلسفة كمجال؛ فهو إذن فلسفة، فالتفكر الإسلامي هو نوع من التفلسف، ذلك أن التفكير كله فلسفة، وأنه حتى من ينقض الفلسفة فهو يتفلسف.


الرأي المشكك في أصالة الفلسفة الإسلامية:

1- يرى أن حجة تشابه المضامين غير كاف للزعم بوجود فلسفة كلاسيكية إسلامية بالمعنى الفني. فالفلاسفة الإسلاميون الروَّاد مصرحون بتعظيم الفلاسفة اليونان الأوائل، والأخذ عنهم، وبخاصة أفلاطون وأرسطو، وأنهم قدوات الكمال الإنساني وفي منزلة الأنبياء، واستفادتهم منهم، ونقلهم عنهم؛ أمر لا يحتاج إلى التدليل أو البرهنة. وكون الفلاسفة الإسلاميين خالفوا أرسطو أو أفلاطون أو غيرهما في مسائل، أو فرَّعوا مباحث جديدة، أو حتى موضوعات جديدة؛ فهذا لم تخل منه فلسفة تابعة قط حتى داخل المذهب الواحد.

2- علم الكلام يختلف عن الفلسفة في كونه ينطلق من الوحي، مستعملا المنهج العقلي، فهو يهدف لإثبات العقائد الإيمانية والدفاع عنها من خلال المنهج العقلي.

وهذا يختلف تمامًا عن الفلسفة المحضة المنسوبة للإسلاميين -الفارابي، ابن سينا، ابن رشد -؛ فهي تنطلق من العقل والفلسفة الفنية. وذلك بقطع النظر عن محاولة الفلاسفة الإسلاميين التوفيق بين النظر الفلسفي المحض مع المطالب الدينية الواردة في الوحي من عدمه؛ فإن مجرد الاتفاق في النتائج لا يستلزم الاتفاق في المنطلق المصدري أولًا، وفي الآلة الفنية المنهجية والبناء الاستدلالي ثانيًا.

3- رغم وجود دعوى واضحة لاستعمال العقل في التفكر الإسلامي غير أنه ستبقى هناك على الدوام أُطرًا إسلامية وحيانية عامة، قيمية أو علمية يجب أن يخضع لها ذلك العقل، لتكون فلسفته إسلامية بهذا الاعتبار ، ولكنه ساعتها لن يكون تفلسفا بالمعنى الفني، كما جادلنا من قبل، مادام خاضعًا لمصدر متعال "الوحي" في تفلسفه، ذلك أن البحث والتأمل في الموضوعات الفلسفية، مأطورًا بسقف الوحي: هو تفكُّر، والتفكر باستعمال أدواته الدينية، وغير الدينية في تلك المجالات، هو تفكر شرعي مأمور به. ولكنه ليس فلسفة بالمعنى الفني مادام ليس علمانيًّا وضعيًّا.



الخاتمة:

إن حاولنا الجواب عن السؤال: هل هناك فلسفة إسلامية؟ على المستوى المضموني المجرد، بمعنىي بقطع النظر عن مصدرية الاثنين: الوحي، والفلسفة-، فيمكن أن يقال إن في الإسلام مضمونًا فلسفيًّا واضحًا، من جهة أنه يتناول كثيرًا من الموضوعات ويقدم كثيرًا من الإجابات على الأسئلة الأساسية التي تتناولها الفلسفة.

 فالإسلام على مستوى النص يطرح أسئلة الوجود الإلهي، والكوزمولوجي، والإنساني، والعلاقة بين الجميع، وهي نفس الميادين التي يبحثها الفيلسوف، فللإسلام فلسفته بمعنى أن له أطروحاته وإجاباته على تلك الأسئلة.

ولكن إن نظرنا إلى ذلك السؤال بمعنى: هل في الإسلام فلسفة بالمعنى الفني، وهو الآراء الفلسفية المستمدة من الآلة العقلية والتأملية في الموجود بما هو موجود، بمعزل عن أي مصدرية متعالية؛ فليس في الإسلام فلسفة بهذا المعنى قطعًا، فالإسلام لا يقدم آراء فلسفية، ولكن حقائق نهائية من الله العليم الخبير، مستندة ومسنودة بالوجود المتعالي مطلق الكمال، وهذا ليس فلسفة بالمعنى الفني كما هو واضح.


ورقة بحث : فلسفة ومنهج ابن خلدون

0

 تتخذ فلسفة ابن خلدون عدة جوانب ، إنطلاقا من فلسفته الاجتماعیة والتي وضع من خلالها تفسیر للعصبیة وروح الاجتماع وروح السیاسة ، إلى فلسفة التاریخ من وجهة نظره والتي اعتمد فیها على وجود مناهج تصنف الوقائع إلى صنفین ، الصنف الأول : الوقائع الاقتصادیة والجغرافیة ، ثم تأتي الوقائع النفسیة التي هي نتیجة للوقائع الأولى إلى حد كبیر ، وتضمینه لفلسفة التاریخ ثلاث حركات متضایفة من حركات الوعي : حركة الوعي بالذات ، حركة الوعي بالمجتمع ، حركة الوعي بالتاریخ .

كما لا يجب إغفال فلسفة ابن خلدون الخُلقیة والتي تكلم فیها عن الفضائل التي یُعجب بها ، اما اشتغاله بمسائل الفلسفة فلا تخفى علاقة ابن خلدون بالمنطق الأرسطي وعلاقته ببعض الفلاسفة العرب ، وعلاقته بالعامة الذین رأى بأنهم أوفر حظاً في الحصول على السعادة في الحیاة الدنیا والآخرة من الفلاسفة والذین هم برأیه المتوافق مع رأي الغزالي قد شذوا عن الدین والشرائع السماویة.

فهل بالفعل كان ابن خلدون فیلسوفاً ؟ ، وما سبب خوف ابن خلدون من " تهمة " الفلسفة؟.

المبحث الأول:

1- التعريف بابن خلدون :

هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر، ، و حصل على لقب ابن خلدون نتیجة نسبه إلى جده التاسع خالد الذي شارك في فتح الأندلس وكان يدعى خلدون تعظيما له على عادة أهل الأندلس،

في تونس في غرة رمضان من عام 732 ه ( 27 أیار 1332 م )، وكان ینتمي إلى عائلة عریقة ونبیلة معروفة في اشبیلیة وتونس بدور أفرادها السیاسي والفكري ، ونتیجةً لكون تونس في ذلك الوقت مركز للعلماء وأهل الفكر ومستقر لِألمع العلماء والأدباء الذین رحلوا من الأندلس ومن غیرها ، استفاد منهم بأن أصبحوا معلموه وأساتذته بالإضافة إلى والده ، وهذا كله ساهم في صقل شخصیته وتنمیة فكره واكتسابه لعلمه وإعداداته لمهارات الإدارة والحكم .  

هناك العدید من الباحثین والمؤرخین الغربیین الذین أبدوا تقدیرهم وإعجابهم لما جاء به ابن خلدون من علم وأفكار ومنهم المؤرخ البریطاني أرنولد توینبي الذي قال عنه " قد أدرك وتصور وأنشأ فلسفة للتاریخ ، هي بلا شك أعظم عمل من نوعه خلقه أي عقل في أي زمان ومكان " ، أما روبرت فلینت فقال " من جهة علم التاریخ أو فلسفة التاریخ یتحلى الأدب العربي باسم من ألمع الأسماء . فلا العالم الكلاسیكي في القرون القدیمة ، ولا العالم المسیحي في القرون الوسطى ، یستطیع أن یقدم اسما یضاهي في لمعانه اسم ابن خلدون".

2- فلسفة ابن خلدون :

قام إبداع ابن خلدون في تطبیق منهاج الترصد والمشاهدة على دراسة المجتمعات ، بالتوفیق مع أسلافه من أعاظم فلاسفة العرب في مؤلفاتهم عن العلوم الطبیعیة والطب ، ولا یوجد دلیل صریح على ارتباط ابن خلدون بمفكري اليونان القدیمة كما صنع فلاسفة العرب نحو منطقیات أرسطو مثلاً ، وكان كتابا اليونان القدیمة الرئیسان اللذان یُمكن أن یوحیا إلى ابن خلدون مجهولین لدیه ، وهما : كتاب السیاسة لأرسطو ، وكان لا يزال مفقودا في ذلك العصر ، وكتاب الجمهوریة لأفلاطون ، وبالتالي عدم وجود ارتباط بينها وبین مقدمة ابن خلدون ، وعليه كان لزاماً البحث في مقدمته للتعرف على فلسفته الخاصة وتفسیر اتجاه مباحثه.1

ركز في مقدمته على علم التاریخ وعلى خطورة هذا العلم ، لما له أهمیة خاصة في نظریته الجدیدة التي وضعها " علم الاجتماع الإنساني و العمران البشري " ، وقد ركز علیه في فصول مقدمته حتى یلفت أنظار الدارسین إلى الأهمیة القصوى لهذا العلم تقییماً وفلسفة وتصویباً.

قام ابن خلدون بالفصل التام بین الفلسفة والوجود حتى لا یقع في المآزم و المشكلات التي تواجهها الفلسفة الفیضیة ، ، وهذا یعني بأن التاریخ هو الفلسفة في حالة التحقق والفلسفة هي التاریخ في حالة التعقل ، ویرى ابن خلدون بأن التاریخ العربي الإسلامي قد وصل إلى حالة التعقل وقد شارف على الوصول إلى الحكمة الكاملة ولكن تعرض لبعض العقبات التي منعت ذلك وهي عدم بروز الإنسان فیه كمحور أولي.3

المبحث الثاني:

1- نقد ابن خلدون للفلسفة:

تأثر ابن خلدون في نقده للفلسفة بآراء كل من الغزالي وابن تیمیة . 

یتفق ابن خلدون مع الغزالي من خلال القول بأن العقل البشري محدود وغیر قادر على النظر في حقائق الكون إلا ضمن نطاق محدد ومعین ، وشبه ابن خلدون العقل البشري بمیزان الذهب الذي لا یمكن استخدامه عند وَزن الجبال ، ومن وجهة نظره فإن العقل البشري عاجز عن فهم الأمور الاجتماعیة بالإضافة إلى الأمور الإلهیة، يقول ابن خلدون : "ومن هنا یتبین أن صناعة المنطق غیر مأمونة الغلط لكثرة ما فیها من الانتزاع وبعدها عن المحسوس ... ".

و في الفصل الذي وضعه بعنوان " في إبطال الفلسفة وفساد منتحلیها " ، فقد تحدث من خلاله بقصور المنطق الذي یتبعه الفلاسفة من ناحیتین :الأولى من ناحیة النظر في الإلهیات ، والثانیة من ناحیة النظر في الموجودات الجسمانیة والتي تسمى من قبلهم بالعلم الطبیعي ، فالنتائج الذهنیة التي یتم التوصل إلیها تستخرج بشكل غیر یقیني ، كما أنه أشار إلى أن بعض العلوم تخضع لمنطق أرسطو كعلم الهندسة والحساب ، أما العلوم التي لا تخضع لهذا المنطق فهي العلوم والمعرفة الاجتماعیة.

لقد قام ابن خلدون بتقدیم نقد شدید للمنطق الذي انتهجه الكثیر الفلاسفة ، وقد سار بشكل مشابه لمسار الغزالي قبله، وتحدث بأن المنطق القدیم لا یفید إلا بشكل محدود جداً ، ففي البدایة جاء الغزالي وحدد نطاق الاستفادة من المنطق ثم تبعه ابن تیمیة وجاء ابن خلدون لیزید هذا التحدید ، فهذا المنطق في رأي ابن خلدون یفید فقط في ترتیب الأدلة ، فالباحث لا یستخدم المنطق إلا بعد الانتهاء من البحث من اجل أن یقیم البراهین بشكل مرتب ومنسق ، أما استخدام المنطق بطریقة تختلف عن ذلك حسب رأیه تؤدي إلى نتائج خاطئة.

2- منهج ابن خلدون: 

يتسم منهج ابن خلدون في الناحیة التاریخیة بالنقد الدقیق ، فهو لم یكتفِ بالحدیث عن التاریخ والمؤ رخین وأخطائهم وضرب الأمثال ، بل كان یتطرق إلى هذا العلم في العدید من فصول مقدمته المتعلقة بالعمران ، فمثلاً في فصل " طبیعة العمران في الخلیقة " ، ذكر بأن التاریخ یخبر عن الاجتماع الإنساني ، فهو وسیلة للتعرف على المجتمعات الإنسانیة من خلال دقة الخبر و صدق الروایة ، وإن لم یحدث ذلك هو مزیف، حيث تعرض هذا العلم حسب ابن خلدون إلى العدید من أشكال التحریف و التشویه دون أن تدرك الأجیال المتعاقبة ذلك .

فلقد قام بإخضاع العدید من الأمثلة للنقد من خلال بعض الأسس التي وضعها هو وفي النهایة قام برفضها كما رفضها من قبله ، ومن الأمثلة على ذلك ، " خبر رواه المسعودي عن الإسكندر الأكبر حین فتح مصر وأراد بناء الإسكندریة فصدته دواب البحر عند بنائها ، فاتخذ صندوق الزجاج وغاص فیه إلى قاع البحر حتى صور تلك الدواب الشیطانیة التي رآها وعمل تماثیلها من أجساد معدنیة ونصبها حذاء البنیان ففرت الدواب . لقد حلل ابن خلدون هذه الروایة بأسالیب شتى وانتهى إلى أنها حدیث خرافة مستحیلة.

ویحلل ابن خلدون أخبار المؤرخین وروایاتهم التاریخیة على أساس بعض المعاییر التي توصل إلیها من خلال الممارسات الاستق ا رئیة ، والعلل العقلیة وأرجع أسباب الخطأ إلى العوامل التالیة :

1- المیل إلى التحیز إلى أ ري من الآ ا رء أو فئة من الفئات مما یؤدي إلى تصدیق كل الأفكار و الأخبار التي توافقها

2- التعدیل والجرح نتیجة للثقة بمن ینقلون هذه الأخبار دون التأكد منها .

3- التقرب إلى أصحاب المناصب الرفیعة من خلال المدح والثناء مما یجعل الناس تتناقل الأخبار التي تحمل الغلو والمبالغة فتضیع الحقیقة معها .

4- الخروج عن الهدف و المقصد الحقیقي للخبر لأن الناقل یقع في تخمینه وظنه فهذا یؤدي إلى الوقوع في الكذب .

5- نتیجة الثقة بالأشخاص الذین ینقلون الأخبار فیحدث هناك نوع من التوهم بالصدق .

6- عدم المعرفة بطبائع الأحوال في المجتمعات ولدى الجماعات ، فلكل حادثة وروایة وخبر ظروف خاصة بها فهذا یؤدي إلى الوقوع في الخطأ.


الخاتمة:

عند محاولة تحدید موقع ابن خلدون من الفلسفة یجب أولا تعریف الفلسفة والفیلسوف ، فقد كان " الفیلسوف " لقب یطلق على من اتبع طریق الفلسفة الإغریقیة واستخدم المصطلحات الفلسفیة التقلیدیة مثل الهیولي والتسلسل وواجب الوجود والدور ، وكان هذا المفهوم یطلق قدیماً وفي العصر الإسلامي ، لذلك كان عدد الفلاسفة محدود وكان منهم ، الفارابي و ابن سینا وابن رشد ، وأي شخص ینقد هذا المسار یعتبر خارج دائرة الفلاسفة. أما حدیثاً فقد اختلف مفهوم الفلسفة والتي عرفت بأنها " كل محاولة عقلیة یأتي بها مفكر لتفسیر الكون ومكان الإنسان فیه "، ومن خلال هذه التعریفات یصبح ابن خلدون فیلسوف من الدرجة الأولى ، فجمیع أفكاره كانت تدور حول الكون والمجتمع وما توصل إلیه الفكر البشري من الفلسفة في ما سبقه من عصور.2


المراجع:

1- بوتول ، غاستون .( 1984 ). فلسفة ابن خلدون الاجتماعیة ، عادل زعیتر ، بیروت : المؤسسة العربیة للد ا رسات والنشر.

2- الوردي ، علي .( 1994 ). منطق ابن خلدون ،  بیروت : دار كوفان للنشر .

3- نصّار ، ناصیف .( 1985 ). الفكر الواقعي عند ابن خلدون ، بیروت : دار الطلیعة للطباعة والنشر .


فلسفة ومنهج ابن خلدون


ورقة بحث : نشأة التفكير العقلي الإسلامي

0

 لقد اختلف الباحثون في تعريف الفلسفة الإسلامية، بين من نفى وجودها بالمرة واعتبرها مجرد إعادة إنتاج للفلسفة اليونانية وأن ما كتبه (الكندي، الفارابي، ابن رشد) هو تكرار لما قاله أفلاطون وأرسطو، هذه نظرة المستشرقين، ودليلهم على ذلك هو أن الفرد العربي قاصر على إبداع صيغ فلسفية متكاملة. ونجد أيضا بعض الإسلاميين المعاصرين لم يعترفوا بالفلسفة الإسلامية بدافع ديني تعصبي، معتبرين أن فلسفة الإسلام مستمدة من أصوله العقائدية والثقافية.

نَهلت الفلسفة الإسلامية من عدة مَنابع نذكر منها: التصوف الإسلامي الذي يشمل الأفلاطونية المحدثة وينحدر من التأثيرات المسيحية واليهودية، ثم الفقه وعلم الكلام. 

لقد ظهرت الفلسفة الإسلامية مع الكندي، الفارابي وابن رشد، هذا الأخير -ابن رشد- استطاع أن يؤسس نسقا فلسفيا بين الفقه وعلم الكلام. إن الفلسفة الإسلامية في حد ذاتها هي الفقه وعلم الكلام خصوصا مع المعتزلة لأنهم ناقشوا القضايا الكبرى بالاعتماد على العقل. وتبقى مرحلة الاندلس هي مرحلة الرقي الفلسفي مع كل من إبن رشد و ابن طفيل ،كما لا ننسى مرحلة التمهيد لهذا الرقي مع الرازي خصوصا. 

المبحث الأول : ضبط مفهوم الفلسفة في العصر الإسلامي

مفهوم الفلسفة الإسلامية

الفلسفة الإسلامية مصطلح عام يمكن تعريفه واستخدامه بطرق مختلفة، فيمكن للمصطلح أن يستخدم على انه الفلسفة المستمدة من نصوص الإسلام بحيث يقدم تصور الإسلام ورؤيته حول الكون والخلق والحياة والخالق. لكن الاستخدام الاخر الأعم يشمل جميع الأعمال والتصورات الفلسفية التي تمت وبحثت في إطار الثقافة العربية الإسلامية والحضارة الإسلامية تحت ظل الإمبراطورية الإسلامية من دون أي ضرورة لأن يكون مرتبطا بحقائق دينية أو نصوص شرعية إسلامية. في بعض الأحيان تقدم الفلسفة الإسلامية على أنها كل عمل فلسفي قام به فلاسفة مسلمون  نظرا لصعوبة الفصل بين جميع هذه الأعمال

مفهوم الفلسفة في الإسلام

أقرب كلمة مستخدمة في النصوص الإسلامية الأساسية (القرآن والسنة) لكلمة فلسفة هي كلمة (حكمة)، لهذا نجد الكثير من الفلاسفة المسلمين يستخدمون كلمة (حكمة) كمرادف لكلمة (فلسفة) التي دخلت إلى الفكر العربي الإسلامي كتعريب لكلمة Philosophy اليونانية. وإن كانت كلمة فلسفة ضمن سياق الحضارة الإسلامية بقيت ملتصقة بمفاهيم الفلسفة اليونانية الغربية، فإن عندما نحاول أن نتحدث عن فلسفة إسلامية بالمفهوم العام كتصور كوني وبحث في طبيعة الحياة : لا بد أن نشمل معها المدارس الأخرى تحت المسميات الأخرى : وأهمها علم الكلام وأصول الفقه وعلوم اللغة1.

المبحث الثاني : مراحل التفكير الفلسفي الإسلامي

نشأة الفلسفة الإسلامية

بدأت الفلسفة الإسلاميّة المبكّرة مع يعقوب بن اسحاق الكندي في القرن الثاني من التقويم الإسلامي (أوائل القرن التاسع الميلادي) وانتهت مع ابن رشد في القرن السادس الهجري (أواخر القرن الثاني عشر الميلادي)، وتزامن ذلك -على نطاق واسع- مع الفترة المعروفة باسم العصر الذهبيّ للإسلام

إذا اعتبرنا تعريف الفلسفة على أنها محاولة بناء تصور ورؤية شمولية للكون الحياة، فإن بديات هذه الأعمال في الحضارة الإسلامية بدأت كتيار فكري في البدايات المبكرة للدولة الإسلامية بدأ بعلم الكلام، ووصل الذروة في القرن التاسع عندما أصبح المسلمون على إطلاع بالفلسفة اليونانية القديمة والذي أدى إلى نشوء رعيل من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا يختلفون عن علماء الكلام.

علم الكلام كان يستند أساسا على النصوص الشرعية من قرآن وسنة وأساليب منطقية لغوية لبناء أسلوب احتجاجي يواجه به من يحاول الطعن في حقائق الإسلام، في حين أن الفلاسفة المشائين، وهم الفلاسفة المسلمين الذين تبنوا الفلسفة اليونانية، فقد كان مرجعهم الأول هو التصور الأرسطي أو التصور الأفلوطيني الذي كانوا يعتبرونه متوافقا مع نصوص وروح الإسلام. و من خلال محاولتهم لاستخدام المنطق لتحليل ما إعتبروه قوانين كونية ثابتة ناشئة من إرادة الله، قاموا بداية بأول محاولات توفيقية لردم بعض الهوة التي كانت موجودة أساسا في التصور لطبيعة الخالق بين المفهوم الإسلامي لله والمفهوم الفلسفي اليوناني للمبدأ الأول أو العقل الأول.

جدل الفلسفة العقلية في الإسلام

تطورت الفلسفة الإسلامية من مرحلة دراسة المسائل التي لا تثبت إلا بالنقل والتعبّد إلى مرحلة دراسة المسائل التي ينحصر إثباتها بالأدلة العقلية ولكن النقطة المشتركة عبر هذا الامتداد التأريخي كان معرفة الله وإثبات الخالق  بلغ هذا التيار الفلسفي منعطفا بالغ الأهمية على يد ابن رشد من خلال تمسكه بمبدأ الفكر الحر وتحكيم العقل على أساس المشاهدة والتجربة  أول من برز من فلاسفة العرب كان الكندي الذي يلقب بالمعلم الأول عند العرب، من ثم كان الفارابي الذي تبنى الكثير من الفكر الأرسطي من العقل الفعال وقدم العالم ومفهوم اللغة الطبيعية. أسس الفارابي مدرسة فكرية كان من أهم اعلامها : الأميري والسجستاني والتوحيدي. كان الغزالي أول من أقام صلحا بين المنطق والعلوم الإسلامية حين بين أن أساسيب المنطق اليوناني يمكن ان تكون محايدة ومفصولة عن التصورات الميتافيزيقية اليونانية. توسع الغزالي في شرح المنطق واستخدمه في علم أصول الفقه، لكنه بالمقابل شن هجوما عنيفا على الرؤى الفلسفية للفلاسفة المسلمين المشائين في كتاب تهافت الفلاسفة، رد عليه لاحقا ابن رشد في كتاب تهافت التهافت.

تيار الرفض ونقد الفلسفة في الإسلام

في إطار هذا المشهد كان هناك دوما اتجاه قوي يرفض الخوض في مسائل البحث في الإلهيات وطبيعة الخالق والمخلوق وتفضل الاكتفاء بما هو وارد في نصوص الكتاب والسنة، هذا التيار الذي يعرف "بأهل الحديث" والذي ينسب له معظم من عمل بالفقه الإسلامي والاجتهاد كان دوما يشكك في جدوى أساليب الحجاج الكلامية والمنطق الفلسفية. و ما زال هناك بعض التيارات الإسلامية التي تؤمن بأنه "لا يوجد فلاسفة للإسلام"، ولا يصح إطلاق هذه العبارة، فالإسلام له علماؤه الذين يتبعون الكتاب السنة، أما من اشتغل بالفلسفة فهو من المبتدعة الضُّلال

في مرحلة متأخرة من الحضارة الإسلامية، ستظهر حركة نقدية للفلسفة أهم أعلامها : ابن تيمية الذي يعتبر في الكثير من الأحيان أنه معارض تام للفلسفة وأحد أعلام مدرسة الحديث الرافضة لكل عمل فلسفي، لكن ردوده على أساليب المنطق اليوناني ومحاولته تبيان علاقته بالتصورات الميتافيزيقية (عكس ما أراد الغزالي توضيحه) وذلك في كتابه (الرد على المنطقيين) اعتبر من قبل بعض الباحثين العرب المعاصرين بمثابة نقد للفلسفة اليونانية أكثر من كونه مجرد رافضا لها. 

الخاتمة:

لم يكن للعرب قبل الإسلام مَباحثُ فلسفية تُذكَر، اللهم إلَّا بعض أشكال النظر العقلي البسيطة التي هدفَت إلى الاستدلال على خالق الكون. ومع ظهور رسالة الإسلام وانطلاق العرب لفتح البلاد، تعرَّفوا على علوم الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية، ولكنهم شُغِفوا بأعمال اليوناني «أرسطو»، فاعتنَوْا بترجمتها ودراسة شروحها، فتأثَّروا بها أيَّما تأثُّر، الأمر الذي جعل بعض المستشرقين يُقرِّرون أنْ ليس هناك فلسفةٌ إسلامية أو عربية خالصة، بل هي تَرجماتٌ عربية لمؤلَّفاتِ «أرسطو». 

لكن الحقيقة هي أن الفلسفة الإسلامية مرَّت بأطوارٍ طبيعية من التكوين والتأثُّر حتى قدَّمت موضوعاتها الخاصة، فظهر مثلًا «علم الكلام» الذي وُضِع للدفاع عن الدين ضد المتشكِّكين مُستخدِمًا أدواتٍ ووسائلَ منطقية وجدلية. كما ظهرت مدارسُ فلسفية، مثل «المعتزلة» و«المتصوِّفة»، أَثْرَت أعمالُها الفكرَ الإنساني.

˅

المراجع:

    1- تمهيد في تاريخ الفلسفة الإسلامية، مصطفى عبد الرازق 

    2- بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط، محمد يوسف موسى


تحميل البحث بصيغة PDF

نشأة التفكير العقلي الإسلامي

ملخصات دروس فلسفة : فلسفة العلوم التجريبية ، فلسفة الرياضيات

0


 

فلسفة : ورقة بحث : تاريخ العلوم بين التراكم والقطيعة

0
#The #philosophy #of #the #history #of #science #between #accumulation #and #estrangement     مفهوم تاريخ العلوم له شهادة ميلاد في اعمال كتاب القرن الثامن عشر الفرنسيين، وبخاصه فونتونال وكندوروسيه، فانبعاثه في اعمال كوبرنيك وفيزال، ثم في اعمال جاليلي.  إن الاسلوب الفرنسي لتاريخ العلوم وللممارسة الابستمولوجية قد تأسس مع كونت بصوره عامه ثم تطور مع كلود برنار في القرن التاسع عشر ليعرف أوجه مع باشلار، وكافاياس وكويريه وكانغيلام في القرن العشرين.  ويرى الأستاذ الدكتور رشدي راشد أن تاريخ العلوم، كما يتبادر في كتابات المنتسبين إليهِ لا يمثل فناً مختصاً، بل ميدان نشاط. إذ ينقصه مبدأ التوحّد الذي قد يمنحه القدرة والوسائل الكفيلة بتمييزه، بل هو يتوسع توسعاً غير محدود وذلك بإضافات متواترة، إنه عنوان لمواضيع مختلفة ومتنافرة وليس فناً مختصاً ذا تعريف إجرائي.  ويرى البعض، وهم غالبية، أن تاريخ العلوم هو تاريخ للأفكار بالمعنى المعروف للعبارة أي تاريخ للعقليات. في حين يرى البعض الآخر، وهم أكثر صرامة وفطنة، أن تاريخ العلوم هو تاريخ المفاهيم العلمية، تاريخ تكوّنها وتطوّرها وتعديلها. ويرى آخرون، وهم مؤرخون في أصل تكوينهم، أنه لا يبالي بالمفاهيم وبطبيعتها الخاصة، بل أن تاريخ العلوم قد يكون تاريخ إنتاج ثقافي على غرار تاريخ الرسم أو تاريخ الأديان. ولنذكر أيضاً أولئك الذين يجعلون منه ضرباً من علم النفس الاجتماعي للعلماء، وكذلك الذين يجعلون منه علم اجتماع ميداني على النحو الذي تطوّر عليه علم الاجتماع إثر الحرب العالمية الثانية بالولايات المتحدة على وجه الخصوص، أي علم اجتماع للجماعات والمخابر والمؤسسات.

مقدمة: المفهوم ومحاولة التعريف

مفهوم تاريخ العلوم له شهادة ميلاد في اعمال كتاب القرن الثامن عشر الفرنسيين، وبخاصه فونتونال وكندوروسيه، فانبعاثه في اعمال كوبرنيك وفيزال، ثم في اعمال جاليلي.

إن الاسلوب الفرنسي لتاريخ العلوم وللممارسة الابستمولوجية قد تأسس مع كونت بصوره عامه ثم تطور مع كلود برنار في القرن التاسع عشر ليعرف أوجه مع باشلار، وكافاياس وكويريه وكانغيلام في القرن العشرين.

ويرى الأستاذ الدكتور رشدي راشد أن تاريخ العلوم، كما يتبادر في كتابات المنتسبين إليهِ لا يمثل فناً مختصاً، بل ميدان نشاط. إذ ينقصه مبدأ التوحّد الذي قد يمنحه القدرة والوسائل الكفيلة بتمييزه، بل هو يتوسع توسعاً غير محدود وذلك بإضافات متواترة، إنه عنوان لمواضيع مختلفة ومتنافرة وليس فناً مختصاً ذا تعريف إجرائي.

ويرى البعض، وهم غالبية، أن تاريخ العلوم هو تاريخ للأفكار بالمعنى المعروف للعبارة أي تاريخ للعقليات. في حين يرى البعض الآخر، وهم أكثر صرامة وفطنة، أن تاريخ العلوم هو تاريخ المفاهيم العلمية، تاريخ تكوّنها وتطوّرها وتعديلها. ويرى آخرون، وهم مؤرخون في أصل تكوينهم، أنه لا يبالي بالمفاهيم وبطبيعتها الخاصة، بل أن تاريخ العلوم قد يكون تاريخ إنتاج ثقافي على غرار تاريخ الرسم أو تاريخ الأديان. ولنذكر أيضاً أولئك الذين يجعلون منه ضرباً من علم النفس الاجتماعي للعلماء، وكذلك الذين يجعلون منه علم اجتماع ميداني على النحو الذي تطوّر عليه علم الاجتماع إثر الحرب العالمية الثانية بالولايات المتحدة على وجه الخصوص، أي علم اجتماع للجماعات والمخابر والمؤسسات.

الابستمولوجيا الفرنسية: منهج التراكم

تاريخ العلوم يحتكم الى فلسفة أو نظريه ينقاد بها في هذا التاريخ، وهذه النظرية الابستمولوجيه هي ما يميز بصورة عامة الابستمولوجية والتاريخ الفرنسي أو كما يقول كانغيلام متحدثا عن ممارسة كونت للتاريخ (الأسلوب الفرنسي لتاريخ العلوم)، ميزة هذا الاسلوب هي الاحتكام الى نظرية، والبحث عن القوانين العامة التي تربط بين المفاهيم العلمية، وتؤسسها من أجل التقدم بها.

وهذا الاسلوب الفرنسي لإن بدأ مع كونت فإنه سيتطور في مشاريع تانوري ويجد اكتماله في أعمال كافاياس الخاصة بالرياضيات، وأعمال باشلار المتعلقة بالفيزياء الرياضية، واخيرا أعمال كانغيلام الذي يتخذ لنفسه مجالا آخر غير مجال أستاذيه باشلار وكافياس.

ان الاسلوب الفرنسي يعني اختبار تاريخ أي علم هو خلاصة قراءة مكتبة كامله مختصة، بداية من الألواح والبرديات الى الاقراص المغناطيسية مرورا ببدايات الطباعة.

هذه المكتبة وان كانت مكتبه مثاليه فإنها تمثل في الحقيقة مجموعة آثار ذلك العلم ورسومه، وتتمثل كلية الماضي في هذه الرسوم، وكأنها مجال متصل نستطيع ان ننقل عليه تبعا لأهمية اللحظة نقطة انطلاق التقدم وسيكون طرف التقدم الحالة الراهنة للعلم او للاهتمام.

وإن بدى هذا الأسلوب الفرنسي يميل إلى التراكمية والاتصال في منهجه، لكن تاريخ العلم لا يخلو من مراحل انفصال واضحة تقطع ذلك الاتساق المفترض، يقول الدكتور رشدي راشد ما مفاده: أنه يُعرض التمييز بين ما قبل العلمي والعلمي كما لو كان تمييزاً قطعياً يخضع له تاريخ العلوم بكليته. ويفهم هذا التقابل دائماً بمعنى تاريخي ومنطقي معاً. أي أن ما قبل العلمي يسبق دائماً منطقياً وتاريخياً ما هو علمي. وبمقتضى هذا التصور يزعم البعض أن القطيعة الحاسمة بينهما قد تمت جوهرياً في القرن السابع عشر.

مثال ذلك، إذا نعتت فيزياء أرسطو ونظرية العقد الاجتماعي بما قبل العلمية فبمعنى أن كلتيهما نظرية تخص تجربة معاشه - تجربة حركة النقلة أو تجربة الاقتراع في مجلس ما - ويعتقد أنها نسقية ومنسجمة. أما الداروينية الاجتماعية والفيزياء الاجتماعية، فينعتان بقبل العلمية، بمعنى أن كليهما يمثل علماً أُلحق بميدان مغاير لميدانه الأصلي، وتنعت مناظر إقليدس والإسهامات الحدّية (في الاقتصاد) بما قبل العلمية بمعنى المعرفة «الخالصة» الناتجة من تطبيق مباشر للرياضيات على نظريات تخص التجربة المعاشه، تجربة الإبصار المباشر وتجربة توزيع الخيرات. أخيراً تنعت بما قبل العلمية نماذج ترتاليا في "المدفعية" وكوندرسيه في العلوم الاجتماعية أو فون نیومان (Von Newmnan) في الاقتصاد باعتبارها تطبيقات غير مباشرة للرياضيات على نظرية عن التجربة المعاشه بحيث يكون هذا التطبيق معتمداً على قياس مع اختصاص ثالث.

هنا لا يمكن تجاهل التعديلات المنهجية والمراجعات التي طرأت على الأسلوب الفرنسي، هذه المراجعة وهذا التشطيب هو ما يعبر عنه باشلار بالقطيعة الايبيستمولوجية وما يعبر عنه كافاياس بالانكسار وكويرييه بالتحول الفجائي او النقلة النوعية، ويقدم كانغيلام طريقته في كتابه تاريخ العلوم وهي التي تسمى بالاستردادية والتراجعية، حيث يقول:

توجد طريقه اخرى في كتابه تاريخ العلوم غير تلك التي تسعى الى اقامة التواصل الخفي لتقدم الفكر، انها تلك التي تسعى الى جعل وضعية ما، قابلة للإدراك ومؤثرة، وكذا الأمر بالنسبة الى سلطة القطيعة المميزة للابتكار ما.

يعني بذلك ابرازه نقطة انطلاق التقدم او التحول في المفهوم والمنهج او التركيب التجريبي.

منهج القطيعة:

بحسب الدكتور رشدي راشد فالمعارف ما قبل العلمية هي إذن متعدّدة، وهي أيضا متفاوتة القيمة. فمع أنها تنطلق كلها من نظرية ما في التجربة المعاشه، ومع كونها تخضع إلى المعايير نفسها التي سبق عرضها، فإن أهدافها مختلفة وكذلك قدراتها التفسيرية ودرجة رقابتها لتركيبها اللغوي ولتقنيتها. لذلك، لا يمكن أن تكون لهذه المعارف نفس العلاقات مع العلم المقبل.

صحيح أن العلم المقبل إنما يتكون في تضاد وبقطيعة معها وهذا ما قيل مراراً، لكن القطيعة لا يكون لها في كل الحالات نفس المدى. فمع أن القطيعة مع نظرية التجربة ومع معاييرها تحدث دائماً في العمق، فإنها تسلك سبلاً لا تفتأ عن التباعد.

هكذا كان شأن علم المناظر مع ابن الهيثم، فإن قطيعته مع نظريات سابقيه تتمثل في فصل شروط انتشار الضوء عن شروط الرؤية، بحيث لا يؤخذ بعين الاعتبار في خصوص الأولى إلا أشياء مادية –«أصغر أجزاء الضوء» - لا تحمل من الصفات إلا التي تخضع إلى رقابة هندسية وتجريبية تاركة جانباً الكيفيات الحسية باستثناء تلك المتعلقة بالطاقة. ومع عمق هذه القطيعة - إذ مكنت مع إدراج ضرب جديد من البرهان في علم المناظر وفي العلم الطبيعي - فإنها لم تحصل بنفس الحال مع مناظر أقليدس ولا مع نظرية الإبصار الأرسطية. كذلك كان الشأن في الميكانيكا، فجاليليو كان أوّل من استطاع التمييز داخل نظريات الحركة بين ما هو عائد إلى علم الحركة (cinématique) وما يعود إلى الديناميكا، بحيث لا يؤخذ بعين الاعتبار إلا العلاقات بين أوضاع الأشياء المادية عبر الزمان. فلم تعد تكتسي إلا صفات يمكن مراقبتها هندسياً وتجريبياً إذ أقصيت كل الصفات الحسية ما عدا صفة مقاومة الحركة.

ويرى الدكتور رشدي راشد كذلك أن القطيعة تتم مع نظريات التجربة المعاشة - ومع معايير تطويرها في آن واحد - بفضل تصوّر لموضوع يحتوي على قانون للإجراء العملي وللحكم. فلا تكون المعرفة الناتجة (من القطيعة) متضمّنة لقوة تراكمية فحسب، بل إنها لا تحقق فعليا التراكم إلا بفضل تعديل مستمر لكيفية فهمها، وتبرز الصيغ الجديدة أثناء عمليات التعديل هذا، فإذا فكرنا بمفاهيم جاهزة سلفاً، فإنه يمكن القول إن الانفصالات والاتصالات مرسومة بعضها في بعض.

وقد تسمى أحياناً هذه القطيعة «ثورات» إشارة إلى الانتقال من نظرية إلى أخرى، من ميكانيك جاليليو ونيوتن إلى النسبية الخاصة، ومن هذه مع الكهردينامية والدينامية الحرارية المتصلة إلى نظرية الكوانطا (théorie des quanta ). ما يقصد هنا هو ظهور صيغ جديدة للعمل نفسه تعيد في كل مرة تحديد موضوعه، لكن بدون استبداله بموضوع آخر مغاير كما كان حال المعرفة ما قبل العلمية.

ملاحظة: تجاهل وتباين

هنالك عدم انفتاح وتجاهل يلاحظ عند الكتاب الأنجلوسكسون من ناحية، وعند كتاب القارة الأوروبية وبخاصه فرنسا من ناحية ثانية، حيث يغلب عليهم تجاهل بعضهم البعض، وهذا التجاهل المتبادل هو ظاهرة لفتت اهتمام الجيل الجديد من المطلعين بشؤون الفكر الفلسفي على ضفتي المحيط الاطلسي فحاولوا رصدها وفهم أبعادها،

كما يلاحظ عدم اهتمام الكتاب في الجزر البريطانية وبعض البلدان الأمريكية بالأسلوب الفرنسي في الأبستمولوجيا سواء في وجهه التحليلي او الفينومينولوجي، كما لا يذكر في تلك البلدان القائلون بالقطيعة والقائلون بالاتصال في مسيره التقدم العلمي.



مراجع:

1- مقال: تاريخ العلوم فيما بين فلسفة العلوم والتاريخ - أ‌.د. رشدي راشد – موقع: منظمة المجتمع العلمي العربي

2- كتاب: دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها – جورج كانغيلام – ترجمة – د. محمد بن ساسي


#فلسفة #تاريخ #العلوم #بين #التراكم #والقطيعة
#The #philosophy #of #the #history #of #science #between #accumulation #and #estrangement

ورقة بحث : إبستمولوجيا علم الفلك

0

 الأسس الإبستمولوجية لعلم الفلك في العصر الوسيط:3

 هناك أربعة أسس، يمكن أن تتفاوت في الأهمية،كما يمكن أن تتكامل فيما بينها، تدخل هذه الأسس كمنطلقات، لا يستطيع العقل أن يتجاوزها في تلك الفترة، حيث تتدخل بشكل أو بآخر في كل بحث معرفي، وفي مراحل كل منهج علمي. هذه الأسس هي كالتالي:

1 -  الأساس الميتافيزيقي: لعل أهم هذه الأسس على الإطالق، وهي المبادئ المشتركة بين جميع العلوم، والتي يقبلها العقل بدون برهان لبداهتهً. 

لا يتعلق الأمر هنا بعلم الفلك فحسب، بل نرى أنه لكل علم مبادئ تخصه، يتخذها كنقطة انطالق في دراساته وأبحاثه، غير أن هناك مبادئ واضحة تشترك فيها جميع العلوم و بدو ن استثناء، فإذا كان الوجود يمثل" نظاما" متماسكاً ، يوحد بين جميع اعناصره، فإن هذه النظرة الموضوعية الانطولوجية تنعكس على الذات في عملية توحيدها بين جميع ضروب المعرفة المختلفة، بحيث يدخل الأساس الميتافيزيقي كشرط إبستمولوجي عند تأسيس أي مبحث علمي.

2 - الأساس المنطقي: يمكن النظر إلى هذا الأساس على أنه المنهج القويم الذي يعتد به لتجنب الوقوع في الخطأ من أجل الكشف على الحقيقة الوحيدة المطلقة في أي مبحث. وإذا كانت المواضيع الميتافيزيقية لا تدعمها أي رؤية حسية، فإن المنطق هو السبيل الآمن لتناول مثل هذه المواضيع. 

3 - الأساس التجريبي: وينبني هذا الأساس على المشاهدات الحسية القائمة على قوة الملاحظة ودقتها،

وعادة ما تكون نقطة انطلاق للكثير من النظريات والتأملات الفلسفية.

4 - الأساس الرياضي: ويمكن اختزالًه تحديدا - في ذلك الزمان المتقدم- في الجانب الهندسي، كالحركة في دائرة أو كرة أو خط مستقيم.

لقد آمن فلاسفة اليونان القدامى وفي أعقابهم علماء القرون الوسطى إيمانا راسخا بثلاث نقاط أساسية لا تقبل المناقشة حول المواضيع المتعلقة بالكون وتتمثل هذه النقاط كالتالي:

1 - مركزية الأرض : ومفاد هذه المسلمة أن الأرض هي مركز الكون، ثابتة فيه لا تتحرك أبدا، و أن الكون كله بنجومه وأفالكه وكواكبه يدور من حولها، وأنها هي الجرم الوحيد الذي يحافظ على سكونه الدائم وسط الكون.

2 - ثنائية العالم : ينقسم العالم إلى عاملين اثنين، يختلفان اختالفا جذريا عالم ما فوق القمر وعالم ما تحت القمر؛ العالم الأخير هو عالم التغير، الكون والفساد، عالم الحركات المستقيمة نحو الأعلى بالنسبة للأشياء الخفيفة كالهواء والنار، ونحو الأسفل بالنسبة للأشياء الثقيلة كالتراب والماء. أما عالم ما فوق القمر فهو عالم الخلود والثبات، مادته هي الأثير أو العنصر الخامس وهي مادة تختلف جذريا عن مادة عالم ما تحت القمر. ومعنى هذا أن الابستمولوجيا التي تحكم عالم مافوق القمر تختلف جذريا عن تلك التي تحكم عالم ما تحت القمر.

3 -مبدأ الحركة: تتميز الحركة الخاصة بعالم مافوق القمر بميزتين أساسيتين؛ الأولى أنها حرك الدائرية تماما ، والثانية أنها حركة ثابتة لا تعرف زيادة ولا نقصانا ولا تباطئا و لا عجلة، وأنها هي الحركة الوحيدة الممكنة بالنسبة للكواكب والنجوم.


الأسس الإبستمولوجية للعصر الحديث:

أهتم أوجست كونت بمعالجة علاقة الفلسفة بالعلم , إذ رأى أن على الفلسفة إذا أرادت البقاء الابتعاد عن التأملات الميتافيزيقية وحدد لها وظيفة جديدة تتمثل في دراسة تطور العلوم ومناهجها ونتائجها للوقوف على الأسس المشتركة بين مختلف هذه العلوم الجزئية , فوظيفة الفيلسوف التأملي سابقاً كانت مبررة لعدم وجود تخصص , أما في الحالة الوضعية فعلى الفيلسوف أن يجمع شتات هذه العلوم وفق منهج واحد وهو المنهج الوضعي فالفيلسوف الوضعي يعتبره كونت من فئة العلماء الا أن ما يميزه عنهم كونه لا يبحث في تفصيلات العلوم الجزئية وإنما دوره يتمثل في دراسة عموم العلوم , ولذا يشترط كونت على الفيلسوف الوضعي أن يكون مكوناً تكويناً علمياً كما ينصح العلماء المتخصصين بالاستفادة من دراسات هؤلاء ليتمكنوا من تصحيح نتائجهم الجزئية وبالتالي تنمو المعرفة الإنسانية نمواً عظيماً , تتخلص من الجانب السلبي الذي قد تترتب على تقسيم العلوم .1

لقد أستفاد باشلار كثيراً من هذه الانجازات العلمية ففي سنة 1929 صدر كتابه " القيمة الاستقرائية للنظرية النسبية " حاول فيه أبراز القيم الابستمولوجية الجديدة التي أفرزتها الفيزياء المعاصرة . 

أن أهم ميزة في الفلسفة المعاصرة هي طغيان النزعة التجريبية وتقليص نفوذ المثالية المحضة , حيث تماشت التجريبية مع النظريات الحاصلة في العلم التجريبي في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وحتى في العلوم الإنسانية التي حاولت تقليد خطى العلوم الطبيعية وتطبيق هذه العلوم للرياضيات في دراسة الواقع ومن أبرز رواد الفلسفة التجريبية جون لوك , فرانسس بيكن , وديفيد هيوم , وصولاً الى جون ستيورات مل وهي نزعة معادية للتيار الميتافيزيقي والتي حاولت استبدال الفلسفة بالمنهج العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة فصد الكشف عن العلاقات بين الظواهر دون الاهتمام بالبحث في الغايات وطبائع الاشياء يقول رائد هذه النزعة فرانسس بيكن " ينبغي الا نعزو أية قيمة حقيقية الا للمعرفة العلمية القائمة على الاستقراء التجريب , العلم قوة ينبغي أبعاد البحث عن الغايات خارج النطاق العلمي ".1

تعتبر فلسفة باشلار محاولة للتوفيق بين الافكار والواقع من جهة ودعوة للتحرر من تأثير الواقعية الساذجة والمثالية المطلقة إذ أراد باشلار سدّ الفجوة بين العقل والتجربة والقول بواقع تقني مقاوم للواقعية الساذجة وللمثالية المحضة , العقلانية المطبقة فلسفة متفتحة على الانساق الفلسفية الأُخر , لانها تريد أن تكون فلسفة للعلم المعاصر1

في كتابه " تكوين العقل العلمي " تحدث باشلار عن أبرز العوائق التي حالت الفكر العلمي عن التطور منها :2

(1)عائق التجربة الاولى : 

المعرفة العامية تعتمد على التجربة الحسية وبالتالي فإن الواقع المباشر لايقود الى معرفة علمية والموضوع المباشر الذي تقدمه الحواس يلغي دور العقل في التفكير والنقد ويفرض عليه التصديق الكلي بكل ماتقدمه الحواس , ولذلك فأن التجربة الأولى العائق الأكبر أمام تطور المعرفة العلمية

(2)عائق المعرفة العامة : 

التعميم عقيدة سيطرت على الفكر البشري لمدة طويلة من الزمن في أبان أرسطو (384 ق.م _322 ق,م ) الى أيام روجر بيكون (1214 _1294 )ويرجع باشلار السبب في ذلك الى محاولة الفلاسفة التقليديين تكييف نتائج العلم لما يناسب مذهبهم الفلسفي يقول باشلار "للفلسفة علم خاص بها وحدها هو علم العمومية "

(3)العائق اللفظي :

الفكر "القبل علمي" لا يميز بين المفهوم واللفظ ولا يميز بين الكلمة التي تصلح للتفكير والكلمة القديمة التي تنتمي عصر قديم، وعليه تعتبر العادات اللفظية عوائقاً أبستمولوجية على الفكر العلمي تجاوزها.

(4)عائق المعرفة الموحدة النفعية : 

الفكر القبعلمي فكر موحد , فجميع الموجودات أرجعت الى مبدأ واحد وجميع الموضوعات تفسر بالاعتماد على النظم الوحيد الذي يحكم الطبيعة وجميع التجارب تؤكد هذا النظام وبالتالي أهملت التجارب التي تناقضه.

(5)العائق الجوهراني : 

الموضوع في الفكر القبعلمي جوهر ثابت لا يتغير تحمل عليه الصفات الاساسية والثانوية السطحية والعميقة , تعد الخصائص الاساسية قوائم الجواهر مهما تغيرت الاعراض مثل هذا التفكير تؤكده التجارب المباشرة .

إن الجواهر كنموذج تفسيري عائق متعدد الوجوه الاوجه تقف حائلاً أمام الثقافة العلمية , إن التلاعب بالالفاظ في تسمية الظواهر يرضي الفكر الساذج بسهولة ولفظ " عمق" الجواهر من منظور أبستمولوجي معاصر لايعبر عن العمق فعلاً , بل العكس هو الصحيح فالمعرفة العامة سطحية وليست عميقة.


مراجع:

1- ج, بينوربي " مصادر وتيارات الفلسفة المعاصرة في فرنسا " ترجمة , عبد الرحمن بدوي  ج1, لبنان , بيروت , ط2 , 1980

2- غاستون باشلار، "تكوين العقل العلمي"، ترجمة ، د خليل أحمد خليل، لبنان , بيروت، 1981

3- د. عبد الفتاح سعيدي، " نظرية الأفلاك وإبستمولوجيا العصر الوسيط "، جامعة الوادي، الجزائر، 2020



فلسفة : ورقة بحث : زينون الإيلي مخترع الجدل

0
من هو زينون الإيلي؟ ماهي ملامح منهجه الفلسفي؟ وما قيمة أثره في تاريخ الفلسفة اليونانية؟، كل ذلك نحاول الإجابة عنه في هذا البحث المقتضب، لكن بدايةً، يجدر بنا التعرف أولا على زمانه ومكانه وبالخصوص على معلمه بارمنديس الذي لا يقل أهمية عنه.  حيث يُعتبر بارمنيدس وزينون الممثلان الرئيسيان للمدرسة الإيلية التي كان مركزها بلدة إيليا في جنوب إيطاليا في القرن الخامس قبل الميلاد، ومعهما بدأت أولى خطوات الفلسفة الحقة بحسب "ولتر ستيس"، الذي اعتبر الإيلية أول فلسفة تُظهر عامل الحقيقة رغم كونه شاحبا وواهيا وغير دقيق، حين قال إن "الفلسفة ليست كما يظن الكثيرون تجمعا بسيطا للتأملات المتفرقة التي ندرسها بترتيب تاريخي، بل بالعكس، إن تاريخ الفلسفة يمثل خطا محددا للتطور حيث تكشف الحقيقة عن نفسها تدريجيا مع الزمن."1

من هو زينون الإيلي؟ ماهي ملامح منهجه الفلسفي؟ وما قيمة أثره في تاريخ الفلسفة اليونانية؟، كل ذلك نحاول الإجابة عنه في هذا البحث المقتضب، لكن بدايةً، يجدر بنا التعرف أولا على زمانه ومكانه وبالخصوص على معلمه بارمنديس الذي لا يقل أهمية عنه.

حيث يُعتبر بارمنيدس وزينون الممثلان الرئيسيان للمدرسة الإيلية التي كان مركزها بلدة إيليا في جنوب إيطاليا في القرن الخامس قبل الميلاد، ومعهما بدأت أولى خطوات الفلسفة الحقة بحسب "ولتر ستيس"، الذي اعتبر الإيلية أول فلسفة تُظهر عامل الحقيقة رغم كونه شاحبا وواهيا وغير دقيق، حين قال إن "الفلسفة ليست كما يظن الكثيرون تجمعا بسيطا للتأملات المتفرقة التي ندرسها بترتيب تاريخي، بل بالعكس، إن تاريخ الفلسفة يمثل خطا محددا للتطور حيث تكشف الحقيقة عن نفسها تدريجيا مع الزمن."1


من يكون بارمينيدس؟:

ولد بارمنيدس حوالي عام 514 ق م في إيليا، ولا يعرف الكثير عن حياته، كان في مطلع شبابه فيثاغوريا لكنه تمرد وصاغ فلسفته الخاصة. ولقد كان يحظى في القديم بتقدير كبير بسبب عمق تفكيره وسمو خلقه ونبالته. كان أفلاطون يشير إليه بكل تبجيل. وترد فلسفته في قصيدة تعليمية فلسفية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يدعى (طريق الحق)، والقسم الثاني يصف فيه الآراء الزائفة السائدة في أيامه وسماه (طريق الظن).1

ولد بارمنيدس حوالي عام 514 ق م في إيليا، ولا يعرف الكثير عن حياته، كان في مطلع شبابه فيثاغوريا لكنه تمرد وصاغ فلسفته الخاصة. ولقد كان يحظى في القديم بتقدير كبير بسبب عمق تفكيره وسمو خلقه ونبالته. كان أفلاطون يشير إليه بكل تبجيل. وترد فلسفته في قصيدة تعليمية فلسفية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يدعى (طريق الحق)، والقسم الثاني يصف فيه الآراء الزائفة السائدة في أيامه وسماه (طريق الظن).1

يرى "ولتر ستيس" أنه عند بارمنيدس تنشأ لأول مرة تفرقة ذات أهمية أساسية في الفلسفة وهي التفرقة بين الحس والعقل. حيث يقول بارمنيدس أن عالم الزيف والمظهر، عالم الصيرورة، عالم اللاوجود هو العالم الذي يمثل لنا بالحواس أما الوجود الحق والحقيقي فلا نعرفه إلا بالعقل أو الفكر. تبعا لذلك فإن الحواس عند بارمنيدس هي مصادر كل وهم وخطأ ولا تكمن الحقيقة إلا في العقل. وتعتبر أهمية هذا الكلام في كونه الموقف الأساسي في المثالية.1

يصف "عبد الرحمن بدوي" بارمنيدس بكونه أول الفلاسفة الحقيقيين من المدرسة الإيلية، وأول فيلسوف ميتافيزيقي وجد في بلاد اليونان، خصوصا إذا لاحظنا أنه قصر بحثه على فكرة الوجود، ونظر إليه بحسبانه شيئا مجرد وليس هو الطبيعة نفسها.2

وابتداءً من بارمنيدس ستتخذ الفلسفة اليونانية طريقين: الطريق الذي يقول بالوجود الثابت والطريق القائل بالوجود المتغير، وسيأتي الفلاسفة بعد ذلك للتوفيق بين هذين القولين المتاعرضين،2

وبهذه التفرقة بين المعرفة العقلية والمعرفة الحسية وضع بارمنيدس لأول مرة مشكلة المعرفة في وضعها الصحيح.2


زينون الإيلي:

ولد بإيليا جنوبي إيطاليا على ساحلها الغربي سنة 490 ق.م، وتتلمذ على يد الفيلسوف بارمنيدس. "ولم يخالف أستاذه في شيء، وحتى في الجزء الخاص بالطبيعيات، لم يخرج مطلقاً عما قال به بارمنيدس.

ولد بإيليا جنوبي إيطاليا على ساحلها الغربي سنة 490 ق.م، وتتلمذ على يد الفيلسوف بارمنيدس. "ولم يخالف أستاذه في شيء، وحتى في الجزء الخاص بالطبيعيات، لم يخرج مطلقاً عما قال به بارمنيدس.

دافع زينون عن مذهب بارمنيدس في الوجود الواحد الثابت، وأكد أن المذاهب المضادة لمذهب الوجود تفضي قطعاً إلى تناقض، ومعنى إفضائها إلى تناقض أنها غير صحيحة، وما دامت غير صحيحة فالمذاهب المضادة لها صحيحة. وبهذه الطريقة أثبت زينون الأصل ببطلان النقيض. ولا يخلو هذا المنهج من الجدل اللفظي، لكنه جدل مغاير تماماً للجدل السوفسطائي، فالغرض متباين عند الإثنين، فبينما يريد زينون بجدله إثبات حقيقة إيجابية مع مراعاة تامة لأصول المنطق، يرمي الجدل السوفسطائي إلى نتائج سلبية، وهي القضاء على الفلسفة كما صُورت في ذلك الحين." 2ص 126

كما يلاحظ أن الدقة المنطقية أو دقة الاستدلال عند زينون كانت دقة واضحة وتسير على أصول مرعية من المنطق، بينما لم تكن الحال كذلك عند السفسطائيين.2

ولقد سمي المنهج الفرضي بالجدل لارتباطه بزينون الإيلي، من قال عنه أرسطو "أنه مخترع الجدل"، والقصد من الجدل هنا برهان الخلف. 3 ص 29

واعتبر "واتر ستيس" مساهمة زينون في المدرسة الإيلية مساهمة سلبية للغاية بمعنى ما من المعاني فهو لم يضف أي شيء إيجابي إلى تعاليم بارمنيدس حيث أيد مذهب معلمه عن الوجود، لكن إضافاته جاءت في الأسباب التي طرحها للتدليل على نتائج معلمه، ففي محاولته تأكيد مذهب بارمنيدس من وجهة نظر جديدة أدلى بأفكار محددة عن الطبيعة القصوى للمكان والزمان وهي أفكار أصبحت منذ ذلك الوقت ذات أهمية بالغة في الفلسفة.

إن الكثرة والحركة هما الخاصيتان المميزتان لعالم الحواس الزائف، ولهذا وجه زينون مجادلاته ضدهما وحاول بشكل غير مباشر أن يدعم نتائج بارمنيدس بإظهار أن الكثرة والحركة مستحيلتان ومتناقضتان.1

اعترف أرسطو بأن زينون هو مبتكر الجدل، حيث عرّف الجدل بأنه طريقة الوصول إلى الحقيقة التي اتبعها سقراط في محاورات أفلاطون الأولى، فقد كان سقراط يحب محاورة الناس وسؤالهم عن آرائهم ليتوصل إلى نتائج ما كانوا ليفكِّروا فيها إلا بفضل أسئلته الثاقبة، وبذلك فقد كان يتمكَّن بالتدريج من تقويض الأساس الذي بَنَوْا عليه آراءهم وجعلهم يعيدون النظر في الأمور بشكل أعمق ليصلوا إلى إجابة للأسئلة التي بين أيديهم. ويبدو أن سقراط قد أخذ هذه الطريقة من أسلوب زينون التمحيصي.4 ص 92

حجج زينون:

أثار زينون مشكلة خطيرة لعبت دورا هاما في تاريخ الفلسفة من بعده، وخلاصتها أنه كيف يمكن إذا قلنا بالتقسيم أن نفسر الاتصال، لأن الواقع أن كل تقسيم معناه الانفصال، وفي هذا إنكار للاتصال، وفي إنكار الاتصال إنكار للتأثير، وفي إنكار التأثير إنكار للتغيير.2

ولقد لخص عدنان ملحم في مقاله حجج زينون على النحو التالي:

" ساق زينون حججه المشهورة ضد الكثرة والحركة، ليبرهن صحة مذهب بارمنيدس في أن الوجود يقوم على أصلين رئيسيين هما الوحدة والثبات. تنقسم حججه إلى قسمين: قسم خاص بالكثرة وقسم خاص بالحركة، ولكل من هذين القسمين حجج أربع.

أما عن حجج زينون ضد الكثرة فهي: حجة خاصة بالمقدار، وحجة خاصة بالعدد، وأخرى خاصة بالمكان، وحجة تقوم على فكرة التأثير الكلي (كومة الحنطة)، ومؤداها جميعاً أن الكثرة إذا كانت حقيقية، توجب أن تكون كما هي لا تزيد ولا تنقص، لكنها إذا بقيت من دون زيادة ولا نقصان فإنها تكون محدودة وليست كثرة. وإذا كانت الكثرة موجودة حقيقة فإنها تكون لا متناهية، بمعنى أنها كثرة آحاد، والآحاد تفصل بينها أوساط، والأوساط تفصل بينها أوساط، وهكذا إلى ما لا نهاية.

وحجج زينون ضد الحركة أربع، اثنتان تخصان المكان، وهما تقومان على فكرة تقسيم المكان إلى مالانهاية من الوحدات، والفارق بين البرهانين هو أن الهدف في الحجة الأولى ثابت ومحدود، بينما في الحجة الثانية الهدف متحرك متغير باستمرار. واثنتان تخصان الزمان، وتقومان على أن فكرة تقسيم الزمان إلى ما لانهاية من الأقسام، وعامة، حججه ضد الكثرة، كما ضد الحركة تنطوي على كثرة من المغالطات.

وحجج زينون أغاليط، وكانت شهرتها لسخافتها، وعلى حد تعبير أفلاطون «لهواً جدياً»، ولكنها جاءت أمراً جديداً في الفلسفة، فاستثارت الفلاسفة في ذاك الوقت للرد عليها، ومن ثم تحليل معاني الامتداد والزمان والمكان والعدد والحركة واللانهاية عند أفلاطون، وبالأخص أرسطو."5

وإذا كان القدماء قد رفضوا فكرة زينون في انقسام المسافة إلى مالا نهاية وسخروا منه، فإن الرياضيين المحدثين (والفضل في ذلك يرجع إلى ليبنتز) قد رأوا أن هذا الانقسام واقعي ولابد من حسابه، ومن هنا نشأ الحساب اللانهائي أو ما يسمى بحساب التفاضل والتكامل.6

ففي القرن التاسع عشر وضع نيوتن ولايبنتز عمليات حساب التفاضل والتكامل والنهايات الصغرية بينما اكتفى بعض العلماء بالقول باستحالة الوصول للنهايات بالنسبة للزمان والمكان والحركة وإنما أقصى ما يمكننا هو الاقتراب أكثر فأكثر، وبالطبع لا يمكننا الجزم بذلك، ولكن هذا ما هو عليه الحال بالنسبة للرياضيات والفيزياء والفلسفة حتى الآن، وإن شئت التأكد من ذلك ما عليك سوى البحث عن عدد حقيقي كامل وتام ومتناه يعبر بدقة عن قيمة ثلث الواحد.7

وعلى الرغم من كل الاعتراضات والردود التي نستطيع أن نسوقها ضد حجج زينون، فيجب أن نعترف أنه كان لمنهجه في التفكير شأن خطير في الفلسفة حيث كان منهج زينون جديدا مما جعل أرسطو يعده مكتشف الجدل، والقيمة التاريخية لهذه الحجج أكبر بكثير من حقيقة صحتها بحسب تعبير "عبد الرحمن بدوي"، فقد أثارت هذه الحجج مشكلة التغير والظواهر ووضعتها في أحدِّ صورة لها، وكان على الباحث في الطبيعة أن يحسب لهذه الحجج حسابها، ولهذا نرى أفلاطون وأرسطو يجدان نفسيهما مضطرين إلى الرد عليها قبل البحث في الحركة.2 ص 134

الخاتمة:

يمكننا ختام هذا البحث المقتضب بما أورده "ولتر ستيس" في ملاحظاته النقدية على المدرسة الإيلية حيث ذكرها على النحو التالي:

ترى الفلسفة الإيلية أن عالم الحس بالرغم من تميزه بصفات جوهرية هي الكثرة والحركة، غير أن هذا العالم الخارجي ليس هو الوجود الحق، وهم لا ينكرون وجود الحركة والكثرة، فما من رجل عاقل ينكر ذلك، فزينون مثلا لا ينفي وجود العالم ولكن ما ينفيه هو حقيقة وجوده، وما يعنيه هو أن العالم الحاضر أمام حواسنا ليس هو العالم الحقيقي بل مجرد مظهر وهمي، عرض خارجي، قناع زائف يخفي الوجود الحقيقي للأشياء.1 ص 60

ولكن التاريخ أنصف زينون ليس بكشف الغطاء عن جوانب الخير في حياته أو بإثبات صحة النتائج التي توصَّل إليها، ولكن باكتشاف جانب دائم الاستفزاز والاستثارة في مفارقاته. كما كتب الفيلسوف وعالِم الرياضيات "ألفريد نورث وايتهيد" عام 1932 ميلادية قائلًا: " إن محض الإقبال على تفنيد مفارقاته على مدار كل قرن هو دليل على النجاح الباهر الذي حقَّقه زينون … فلم يدرُس أحد فلسفة زينون دون أن يحاول تفنيدَها، ورغم ذلك يرى الفلاسفة في كل قرن أن آراءه ما زالت تستحق التفنيد."4 ص 93



المراجع:

1. تاريخ الفلسفة اليونانية: ولتر ستيس، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة للنشر والتوزيع

2. ربيع الفكر اليوناني: عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثالثة مكتبة النهضة المصرية

3. مناهج البحث الفلسفي: محمود زيدان

4. حلم العقل: أنتوني جوتليب، ترجمة محمد طلبة نصار

5. زينون الإيلي: مقال عدنان ملحم على موقع الموسوعة العربية

6. زينون الإيلي أعظم المفكرين: مقال نبيل حاجي نائف على موقع الحوار المتمدن

7. موقع أنا أصدق العلم: زاهر رفاعية وطارق الشعر



#فلسفة #زينون #الإيلي #مخترع #الجدل
#The #philosophy #of #Zeno #of #Elea #the #inventor #of #controversy

ورقة بحث : فلسفة علم الفلك نشأة الكون بين التفسيرين، الكلاسيكي والعلمي المعاصر

0

 إنّ علم الكون "الكوزمولوجيا" هو العلمُ الذي يدرسُ الكونَ من حيث نشأته وبنيته وتطوّره، والكونُ هو هذا العالَم الذي نعيش فيه بما يحويه من مادّة مرئيّة وغير مرئيّة.

ولقد استُعملت كلمة الكون (cosmos) في الفلسفة اليونانية القديمة بمعنى التمايز والنظام والانسجام (وأيضاً: الجمال) وهي عكس كلمة الفوضى (chaos) التي تعني أيضاً عدم التمايز والعشوائية. وهذا المعنى ينطبق أيضاً إلى حدٍّ كبيرٍ على الكلمة العربية "الكون": من التكوين أي التشكيل أي إعطاء شكلٍ محدّدٍ لشيءٍ كان غير متشكّلٍ أو غير متمايزٍ أي غير متكوّنٍ؛ وكلُّ ذلك يعود بأصله لرؤية فلسفيّة قديمة للخلق، حيث إنّ بعض النظريّات القديمة تعتبر أن العالَم كان موجوداً بشكلٍ غير متمايزٍ ثم تكوّن على ما هو عليه الآن في هذا الشكل الجميل والنظام البديع.6

علم الكونيات مثله مثل علم الفلك (وهو علم دراسة الأجسام السماوية)، يمكن له اختبار نظرياته فقط عن طريق الملاحظة بدلاً من التجريب. ورغم وجود الكثير من العلماء العالقين في نظريات مثل "قابلية الدحض"لكارل بوبر، إلا أنه لا يمكننا قطعا إجراء تجارب على الكون ككل، وأكثر ما يمكننا القيام به هو تفجير نجم في المختبر فرضاً. وحتى لو تمكنا من تفجير نجم في المختبر، فقد يأخذ المرء الموقف الفلسفي الذي لا ينبغي الأخذ به. 

ومع كل ذلك، بينما يقوم الفلكيون ببناء تلسكوبات لمراقبة ملايين المجرات أو مليارات النجوم، لا يوجد سوى كون واحد نعاينه. بالإضافة إلى كوننا على الأرض عالقون في نقطة واحدة ويمكننا ملاحظة قدر محدود جدا من الكون، تعني كل هذه القيود وغيرها أن الاختيارات الفلسفية سوف تلعب دون شك دوراً في بناء النظريات الكونية واختبارها.1

ولقد ناقشت الفلسفة مسألة نشأة الكون منذ القديم في مبحث الوجود، ولطالما تساءل الفلاسفة عبر العصور عن حجمه وعمره ومادته وآليات حركته،

- فكيف كان التفسير الفلسفي الكلاسيكي لنشأة الكون ؟

- وهل كشف التفسير العلمي المعاصر  لغزه المحير، أم لا يزال رهينا للفسفة ؟ 

المبحث الأول: التفسير الكلاسيكي لنشأة الكون

فلسفة ارسطو في  نشأة الكون:

كان أرسطو يعتقد بقدم العالم وقدم الحركة وله في ذلـك حجـة كليـة وجيهـة بعـض الشـيء، منصــبة علــى قــدم الحركـة ولكنهـا قائمـة علـى مبـدأ كلـي فيجـب تقـديمها فالعلـة الأولـى ثابتـة هـي هـي دائمـا لهـا نفـس القدرة ومحدثة نفس المعلول فلو فرضـنا وقتـا لـم يكـن فيـه حركـة لـزم عـن هـذا الغـرض ان لا تكـون حركـة ابـدا ولـو فرضـنا علـى العكـس ان الحركـة كانـت قـدما لـزم انهـا تبقـى دائمـا 3 

فيرى ارسطو واتباعه ان العالم قديم من خلال استدلالهم على انه يستحيل حدوث حادث مـن قـديم مطلقا فأرسطو يعتبر ان الزمن ليس شيئا حقيقيا ثابتا وانما هـو مظهـر فقـط يعتقد ان هذه الزمنية عرضية ومسالة ظاهرية لا حقيقـة لهـا وان العلاقـة ليسـت زمنيـة ولا علاقـة مـؤثر بـاثر انمـا هي علاقة منطقية 

أي انها علاقة مقدمة بنتيجة فالله مقدمة منطقيـة والعـالم النتيجـة واالله مـنح العـالم وجـوده كمـا تمـنح المقدمــة النتيجــة وجودهــا فالنتيجــة فــي القضــية المنطقيــة تتبــع المقدمــة اعنــي المقدمــة تــذكر اولا والنتيجة ثانيا ولكن جاءت اولا في الفكر لا فـي الـزمن فالتقـدم والتـأخر فـي المقدمـة والنتيجـة فكـري لازمني وكذلك واجب الوجود او مفـيض الوجـود علـى العـالم عنـد ارسـطو هـو اول فـي الفكـر لافـي الــزمن3

فلسفة ابن سينا في نشأة الكون:

يـرى ابــن ســينا ان العــالم قــديم بالزمــان حــادث بالــذات قــديم بالزمــان بمعنــى انــه لا أول لوجــوده ، وحادث بالذات بمعنى انه معلول لسبب الاول واجب الوجود ومعلوم ان العلة سابقة ذاتيا لا زمانيا فعند ابن سينا ان االله متقدم على العالم بالذات لا بالزمـان حتـى لا يفضـي الـى القـول بوجـود زمـان قبل هذا الزمان3

جوهر مشكلة قدم العالم بين رأي الفلاسفة ورأي علماء الكلام الأشاعرة:

طرح "الفلاسفة" وعلى رأسهم ابن سيناء المسألة على هذا الشكل: 

فالمنطلق عندهم هو صعوبة التخلص من الإشكالات المنطقية التي تلازم القول ب "حدوث العالم"؛ وهي الإشكالات التي لم تزدها نظرية الجوهر الفرد عند المتكلمين إلا تعقيدا. وفي مقدمة هذه الإشكالات، أن القول بأن العالم "حادث" بالمعنى الذي يعطيه الأشعرية ل "الحدوث"؛ وهو أن الله كان منذ الأزل وحده، لاشيء معهه ثم شاءت إرادته أن يخلق العالم، فخلقه؛ 

هذا القول يدفع إلى التساؤل: كيف نفهم أن الإرادة الإلهية شاءت في وقت ما خلق العالم؟ 

ما الذي جعل الإرادة الإهية لا تخلق العالم قبل وقت خلقه أو بعده؟ 

هل يرجع ذلك إلى قيام "مرجح”، رجح عملية الخلق في وقت دون آخر؟ 

هذا لا يمكن! لأن فكرة "المرجح”، سواء كانت دافعا داخليا أو حافزا خارجيا، لا معنى لها بالنسبة إلى الله المنزه عن الوقوع تحت أي تأثير مهما كان.1 

ولتجاوز هذا الإشكال المنطقي سلك ابن سينا مسلكا اعتقد أنه سيقدم به بديلا عن نظرية الأشعرية؛ فقال: إن "الحدوث" بالمعنى الذي يفهمه المتكلمون لا يمكن البرهان عليه ولا تجنب مشكل "المرجح" فيه؛ ولذلك ينبغي التخلي عن مقولتي "الحدوث" و "القدم "، وهما مقولتان "كلاميتان"؛ أي من وضع المتكلمين؛ والنظر في الأمر من زاوية مقولتين فلسفيتين هما: "الممكن" و"الواجب"؛ وكان الفارابي قد وظفهما من قبل في هذا المجال.

اعتراض الغزالي على ابن سينا في نشأة الكون:3

الوجه الأول : ان يقال للفلاسفة : بما تنكرون على مـن يقـول علـى ان العـالم حـدث بـإرادة قديمـة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه واما دعواهم باستحالة تعلق ارادة قديمة بأحداث شـيء مـا فيعتبرونهــا مــن الضــروريات البديهيــة ، وهــي ليســت كــذلك ، فكيــف تكــون بديهيــة وخصــومها لا يحصرهم بلد ولا يحصيهم عدد وباطل ذلك تمثيل الفلاسفة للإرادة الالهيـة القديمـة بـالإرادة البشـرية الحادثة التي لا يمكن لمرادها ان يتأخر عن ظهورها .

والوجـه الثـاني : يسـتبعد دليـل الفلاسـفة حـدوث حـادث مـن قـديم ولكنـه لابـد لهـم مـن الاعتـراف بـه فـان فـي العـالم حـوادث ولهـا أسـباب والحـوادث لا تسـتند الـى الحـوادث الـى غيـر نهايـة فيجـب ان تنتهي الى طرف وهذا الطرف قديم

رأي ابن رشد :

ناقش ابن رشد الخلاف القائم بين القائلين بأن العالم مخلوق محدث بعد أن لم يكن، وبين الفلاسفة القائلين بأن العالم قديم أزلي مع الاعتراف بأنه مخلوق. فيقول ابن رشد أن الخلاف في هذه المسألة يعود إلى اللفظ، أي خلاف لفظي غير جوهري، لأن في الوجود طرفين وواسطة لقد اتفق الجميع على الطرفين وهما:

أولاً: هناك واحد بالعدد قديم ـ الأول الذي ليس قبله شيء.

ثانياً: هناك على الطرف الآخر كائنات مكونة، وهي عند الجميع محدثة، ولكنهم اختلفوا في هذا العالم بجملته أقديم هو أم محدث؟ فيواصل الفيلسوف مناقشته قائلاً: "إن العالم في الحقيقة ليس محدثاً حقيقياً ولا قديماً حقيقياً لأن القول: إنه محدث حقيقي فاسد ضرورة لأن العالم ليس من طبيعته أن يفنى أي لا تنعدم مادته، والقدم الحقيقي ليس له علة والعالم له علة!!.

إذاً العالم محدث إذا نظرنا إليه من أنه معلول من الله، والعالم قديم إذا اعتبرنا أنه وجد عن الله منذ الأزل من غير تراخ في زمن، الخلاصة أن العالم بالإضافة إلى الله محدث، وبالإضافة إلى أعيان الموجودات قديم".4

وعليه فابن رشد يرى أن كلا الرأين متهافت: 

فقول ابن سينا ب"الممكن بذاته الواجب بغيره"؛ قول متناقض متهافت؛ 

لأنه يجمع بين شيئين متقابلين، كل منهما من طبيعة مختلفة: ف "الممكن" من طبيعته أنه يمكن أن يوجد وأن لا يوجد. بينما "الواجب" هو "الضروري الوجود". والقسمة العقلية تقتضي إما أن يكون الشيء ممكنا، وإما ضروريا، وإما ممتنعا. ولا يمكن أن يكرن "الممكن" واجباء بذاته أو بغيره، إلا إذا انقلبت طبيعة الممكن إلى الواجب، وهذا إلغاء للممكن!

أما احتجاج الغزالي ب "تراخي" الإرادة؛ فاحتجاج فاسد. 

أولا: لأن الإشكال سيبقى: ما الداعي إلى "التراخي"؟ هل هناك عامل ما خارجي أو داخلي، وهذا يعود بنا إلى الحاجة إلى مشكل "المرجح"؟! 

ثانيا: يجب أن نتفق على معنى الإرادة نفسها، لنرى هل يعقل القول بتراخيها أو لا يعقل؟ 

يقول الغزالي: الإرادة "صفة من شأنها تخصيص الشيء عن مثله"؛ فالإرادة الإهية خصصت وجود العالم بدل عدمه! ويعقب ابن رشد متسائلا: ولماذا كان هذا التخصيص؟ ثم ما الإرادة؟ أليست هي شوق إلى فعل شيء يستكمل به المريد، أي يلبي به حاجة في نفسه؟ وهل يجوز مثل هذا القول في حقه تعال؟ وأيضا ما معن "المثل" هنا؟ وهل"الوجود" مثل ل "العدم"» أم أنه مقابل له؟ ويدور نقاش طويل عريض حول هذه المسألة.5

محاولة ابن رشد في التوفيق بين الفلسفة وعلم الكلام في مسألة نشأة الكون  : 

كثيرا ما أسيء فهم موقف ابن رشد من مسألة قدم العالم؛ حيث اتُّهم بالقول بقدم العالم، لكن هذا اتهام باطل، ومجانب للحقيقة2 

لأن ابن رشد يعتقد أن العالم مخلوق مصنوع من الله تعالى، وأن لفظ القدم والحدوث لفظ بدعي، وأن الخلاف في المسألة راجع للاختلاف في التسمية، وأن حقيقة اعتقاد ابن رشد في العالم تقوم على آيات دلالة العناية الإلهية الواردة في القرآن الکريم، فضلا عن أن ابن رشد يعارض نظرية الفيض الإلهي التي اتهم بالقول بها أيضًا، والتي يقتضي القول بها القول بقدم العالم. 2

کما أن سبب الاختلاف في الحکم على ابن رشد راجع إلى الجهل بمنهج ابن رشد وبموضوعيته التي فسرها البعض جهلا بأنها انحياز للباطل، وکذلک إلى اقتصار البعض على شروح ومختصرات ابن رشد الفلسفية التي لا تعبر عن رأيه في المسألة، مع عدم الاطلاع الکامل على جميع مؤلفاته الأصلية التي تتضمن حقيقة اعتقاده وعدم فهم کلامه وفق ما يريد ويقصد في مؤلفاته، کما في کتابه تهافت التهافت؛ إذ يظن البعض أن ابن رشد لم ينتقد فيه إلا الغزالي فقط، مع أن الحقيقة أن ابن رشد قد انتقد الفارابي وابن سينا أيضًا، ووافق الغزالي في بعض ما ذهب إليه، وأثبت أن الفارابي وابن سينا قد خالفا الفلاسفة القدماء؛ لأنهم لم ينقلوا عنهم النقل السليم، وأن علومهم ظنية، فيما نقلوا عن الفلاسفة القدماء. 2

ومما يثبت أمانة ابن رشد وموضوعيته، أنه عزا قصور الغزالي في کتابه تهافت التهافت لاقتصاره على النظر في کتب ابن سينا، وأن الفارابي وابن سينا قد شوَّهوا ما ذهب إليه الفلاسفة القدماء، ولم يعرفوا حقيقة ما ذهبوا إليه، لا سيما أرسطو ومن قبله، وذلک لعدم نقلهم النقل السليم عن الفلاسفة القدماء، ولتأثرهم بغثاء الأفلاطونية المحدثة وغيرها من الفلسفات التي لا تمثل حقيقة ما ذهب إليه الفلاسفة القدماء. 2

المبحث الثاني: التفسير العلمي المعاصر لنشأة الكون

انهيار نظرية الكون الساكن:

كانت ميكانيكا نيوتن وقوانينُه جيدة بما فيه الكفاية لكي تفسّر حركة الأجرام في النظام الشمسي، ولكن نيوتن كان مخطئاً تماماً حينما اعتبر، مثل أرسطو، أن النجوم ثابتة وأن الكون الذي هو خارج النظام الشمسي ساكن لا يتحرك. على الرغم من أن ديناميكية الكون يمكن أن تُستنتج بسهولة من خلال نظريّة الجاذبية، ولكن الاعتقاد العميق بالكون الأرسطوطاليسي الساكن كان قوياً جدّاً بحيث استمرّ لثلاثة قرون بعد نيوتن وانطلى حتى على آينشتاين أثناء صياغته الأولى لنظريّة النسبيّة.6

في سنة 1718، قام ادموند هالي برصد النجوم وقارن مواقعها مع المواقع التي سُجّلت من قبل البابليين والفلكيين القدماء الآخرين فأدرك أنّ مواقع بعض النجوم ليست تماماً كما كانت عليه قبل آلاف السنين؛ فبعض هذه النجوم قد غيّرت مكانها بالنسبة للنجوم المجاورة بمقدار صغير ولكنه كان ملحوظاً وواضحاً. في عام 1783، اكتشف وليام هيرشيل الحركة الشمسية، أو حركة الشمس بالنسبة إلى النجوم المجاورة، وبيّن هيرشيل أيضاً أنّ الشمس والنجوم الأخرى تنتظم مثل قرص الرحى وهو ما سمّي فيما بعد بمجرة درب التبّانة.

بعد أكثر من قرن، في عام 1924، استطاع هابل قياس المسافات إلى بعض النجوم مستنداً على مبدأ انحراف الطيف نحو الأحمر وبيّن أنّ بعض النقاط اللامعة التي نراها في السماء ونحسبها نجوماً هي في الحقيقة مجرات أخرى تشبه مجرتنا، ولكنها تبدو صغيرةً جداً بسبب بعدها السحيق في عمق الفضاء. 6

من جهة أخرى فإنّ اكتشاف انحراف الضوء القادم من النجوم نحو الطرف الأحمر من الطيف لم يكن له أيّ تفسير سوى أنّ هذه النجوم تتحرّك بسرعة كبيرة مبتعدة عنّا، وهو ما عُرف لاحقاً بتمدّد الكون. 6

وبذلك فإن النظريّة الأرسطوطاليسية للكون الساكن قد انهارت تماماً، وأصبح من المؤكد أن جميع الأجرام في الفضاء هي في حركة دائمة كما يقول الله تعالى في سورة يس ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون [40]﴾. 6

نظرية الإنفجار العظيم تدعم نشأة الكون من العدم:

كما أشرنا أعلاه، كان العلماء حتى بداية القرن العشرين يؤمنون أن الكون ساكنٌ خارج النظام الشمسي، وهو ما عُرف بنموذج أو نظريّة الحالة المستقرة ، لكن ذلك أثبت عدم صحته خاصة مع اكتشاف تمدد الكون بعد قياس أطياف النجوم وملاحظة انحرافها نحو الأحمر.

في الحقيقة فإن نفس النظريّة التي حاول آينشتاين أوّلاً أن يجعلها تفسّر سكون النجوم أثبتت لاحقاً أنّ الكون يتوسّعُ مما يعني أنه بدأ في لحظة معينة، قبل حوالي خمسة عشر ألف مليون سنة، من نقطة صغيرة جدّاً، لكن بكثافة عالية جدّاً، وبعد ذلك توسّع إلى حالته الحالية. هذه الرؤية دُعيت باسم "الانفجار العظيم" (big bang)، والعديد من النماذج الكونية طُوّرت استناداً على هذه النظريّة. 6

لقد حاولت نظريّة الحالة المستقرة تفسير توسّع الكون بافتراض وجود خلق مستمر للمادة مما يملأ الفضاء ويؤدي إلى هذا التوسّع، لكنّ اكتشاف الإشعاع الخلفي للأمواج الميكروية في عام 1965 أدّى إلى انهيار نموذج الكون المستقر كلّيّاً لصالح نظريّة الانفجار العظيم، حيث فُسّر الإشعاع الخلفي على أنه الانعكاس المتبقّي من الانفجار العظيم، كما تنبّأ بذلك ألفر وهيرمان من قبلُ في عام 1949. 6

إن المشكلة الوحيدة بالنسبة للإشعاع الخلفي أنه كان متجانساً في جميع الاتجاهات، لأنه مع هذا التجانس لا يمكن تفسير نشأة النجوم والمجرات كما هو الأمر في الواقع، فقط في سنة 1992 استطاع القمر الصناعي المستكشف لناسا (COBE) اكتشاف أوّل عدم تجانس في هذا الإشعاع الخلفي؛ عبارة عن جزء واحد في مائة ألف، مما قد يُشيرُ إلى البذور الأولى التي تشكلّت منها المجرّات. 6

لقد كان نموذج الانفجار العظيم ناجحاً جدّاً في تفسير العديد من الملاحظات والأرصاد، رغم ما فيه من التناقضات التي حاول بعض العلماء حلّها، وقد تمّ بالفعل حلّ العديد من هذه التناقضات من خلال السيناريو التضخّمي، الذي ابتكره ألان غوث في عام 1979 حين فرض أنّ تمدد الكون في اللحظات الأولى من الخلق (عند حوالي 10-32 إلى 10-43من الثانية) قد تمّ بشكل تصاعدي نتيجة الكثافة الكبيرة والضغط العالي الذي كان فيه، ولكن لا تزال هناك أمور كثيرة عالقة لا يمكن تفسيرها وفق هذا النموذج. من أجل ذلك بدأ العلماء يفكرون بنظريّات أخرى لحل هذه المشكلات، وكان لا بدّ من سبر إمكانيات ميكانيكا الكمّ الذي قد بدأ يثبت جدارته على المستوى الذرّي. 6

الخاتمة:

كانت النقاشات الفلسفية مستمرة عبر قرون بين المؤمنين والماديين تزداد وتقل وفق العصور المختلفة بين قولين: هل الكون مخلوق أم أزلي؟ وكان للمؤمنين بالخالق ردودهم على الفلسفة المادية عن طريق الإثبات الفلسفي للكون المحدَث، وهو بطلان مفهوم التسلسل إلى اللانهاية، ومفهوم الذاتي والمكتسب وقانون العلة 

(كل محدَث يحتاج إلى خالق).7

وبعد ثبات نظرية الانفجار العظيم برزت قضية الخلق من جديد، وهذه المرة عن طريق العلم، فقد ثبت أن للكون بداية، وبالتالي من المنطقي أن يسأل الإنسان عن الخالق. لكن مع ذلك مازال هناك من العلماء المتخصصين من يرفض فكرة أن للكون خالقاً!! 7

ونختم بحثنا بكلام أحد العلماء المؤيد للتفسير الغيبي لأصل الكون، عالم الفيزياء "شارلز تاونز" الحاصل على جائزة نوبل والذي قال: «العلم كما نعرفه مبني على أساس السبب والأثر والمكان والزمان، فكيف يمكننا تفسير أصل الكون على أساس العلم؟ لا يمكنني أن أفهم كيف يمكن للعلم وحده وأن يفسر أصل كل الأشياء. صحيح أن الفيزيائيين يأملون التوصل إلى ما بعد الانفجار العظيم وإمكان تفسير أصل الكون الذي نحن فيه، ولكن كيف بدأ أصل الكون في الوجود؟ في نظري السؤال عن أصل الكون سيبقى من غير إجابة إذا اعتمدنا على العلم وحده».7

المراجـــع:

1- ترجمة آلاء أبو رميلة ، (2018م)،علم الكونيات بدون فلسفة.. هل هي سفينة بدون هيكل؟، ميدان، الجزيرة نت. 

2- سلمان نشمي العنزي . (2021).  موقف ابن رشد من مسالة قدم العالم. مجلة  كلية الآداب جامعة القاهرة.

3- مصطفى فاضل كريم الخفاجي.(2019).المنهج النقدي عند ابن رشد للرد على الفلاسفة في مسالة قدم العالم. جامعة بابل

4- كتاب العقل والنقل عند ابن رشد. محاولة ابن رشد الحل الوسط في قضية قدم العالم. المكتبة الشاملة.

5- محمد عابد الجابري. (1998). تهافت التهافت. مركز دراسات الوحدة العربية

6-محمد علي حاج يوسف،(2013م)، الكون والزّمن: بين الفلسفة والعلم الحديث، مجلة الإمارات الثقافية. 

7-كيف نشأ الكون،(2014)، العدد 24 من مجلة العربي العلمي، موقع بالعربيك.


فلسفة علم الفلك نشأة الكون بين التفسيرين، الكلاسيكي والعلمي المعاصر

بحث : ورقة بحثية فلسفة تأويل النص عند إبن رشد

0
ظهرت الحاجة للتأويل عند ابن رشد في مجالين على الأقل نحاول بسط الحديث فيها في هذه الورقة البحثية، وهما تأويل النص الفلسفي من جهة وتأويل النص الديني المقدس هو الآخر من جهة أخرى، و يبدو أن هذه الحاجة ألحت على ابن رشد بسبب تعارض ظواهر بعض النصوص المقدسة مع إقرارات العقل وكذا غموض وعسر مفاهيم الفلسفة العقلية، الأرسطية بالخصوص، وبُعدها عن متناول الفهم العام.   كذلك اشتغل ابن رشد بالتأويل ثقة منه أن العامة، الذين دعاهم بالخطابيين، لا قدرة لهم على فهم واستيعاب بعض الحقائق عارية دون تبسيطها وتأويل دلالاتها، غير أنه بمقابل ذلك ينهى عن تأويل بعض النصوص المقدسة وتركها على مدلولها الظاهري في متناول العامة ، رحمة بعقولهم وتجنبا للفتنة، فقد كان مما عابه على سابقيه، خصوصا في نقده للغزالي، كونهم فتحوا هذا المجال أمام الناس دون تحفظ فشاع الخلاف وظهرت الفرقة.  فكيف كان تأويله للنصين الفلسفي والديني ؟  وماهي القواعد التي سنها لضبط هذا التأويل ؟  و يعد الفيلسوف «ابن رشد» الفقيه والطبيب والفيزيائي والقاضي المسلم، المولود في «قرطبة» والذي عاش في وقتٍ كانت الأندلس منارة ثقافية وعلمية وحضارية كبرى بعلمائها ومكتباتها. صاحب إسهام عظيم في الفلسفة؛ حيث قدَّمَ شروحات للفلسفة اليونانية احتفى بها الغربُ وترجَمَها، وقد رأى ابن رشد أن ليس ثمة تعارُض بين الدِّين والفسلفة فكلاهما ينشد الحقيقة. وهذه الشروح حملت الكثير من فلسفته الخاصة، تلك الفلسفة كانت سببًا من أسباب نكبته المعروفة؛ حيث أُحْرِقت كُتُبه، وتم نفيه بعيدًا عن دياره بعد أن اتُّهِمَ بالزندقة والإلحاد بإيعاز من حساده، وإنْ كان قد بُرِّئَ منها في أواخر حياته.4  لقد كان من نتائج هذا العداء، أن وُجدت هوَّة بين الفلاسفة ورجال الدين ظلت دهرًا طويلًا فاصلًا بينهم، وأن رمي رجالُ الدين الفلاسفةَ بالإلحاد إن لم نقل بالكفر، وجازاهم هؤلاء شرًّا بشر فرموهم بالجهل وعدم فهم الدين! وكان من هذا وذاك أن حُرم الدين من جهود كثير من أبنائه المفكرين، فانكمش التفكير الحر الصحيح وخاصة بعد وفاة ابن رشد سنة ٥٩٠ﻫ، فقد فقدت به الفلسفة الإسلامية أكبر ممثل ونصير لها من المسلمين، وتضافرت عوامل مختلفة لسيادة روح التقليد.2

 المقدمة:

ظهرت الحاجة للتأويل عند ابن رشد في مجالين على الأقل نحاول بسط الحديث فيها في هذه الورقة البحثية، وهما تأويل النص الفلسفي من جهة وتأويل النص الديني المقدس هو الآخر من جهة أخرى، و يبدو أن هذه الحاجة ألحت على ابن رشد بسبب تعارض ظواهر بعض النصوص المقدسة مع إقرارات العقل وكذا غموض وعسر مفاهيم الفلسفة العقلية، الأرسطية بالخصوص، وبُعدها عن متناول الفهم العام. 

كذلك اشتغل ابن رشد بالتأويل ثقة منه أن العامة، الذين دعاهم بالخطابيين، لا قدرة لهم على فهم واستيعاب بعض الحقائق عارية دون تبسيطها وتأويل دلالاتها، غير أنه بمقابل ذلك ينهى عن تأويل بعض النصوص المقدسة وتركها على مدلولها الظاهري في متناول العامة ، رحمة بعقولهم وتجنبا للفتنة، فقد كان مما عابه على سابقيه، خصوصا في نقده للغزالي، كونهم فتحوا هذا المجال أمام الناس دون تحفظ فشاع الخلاف وظهرت الفرقة.

فكيف كان تأويله للنصين الفلسفي والديني ؟

وماهي القواعد التي سنها لضبط هذا التأويل ؟

و يعد الفيلسوف «ابن رشد» الفقيه والطبيب والفيزيائي والقاضي المسلم، المولود في «قرطبة» والذي عاش في وقتٍ كانت الأندلس منارة ثقافية وعلمية وحضارية كبرى بعلمائها ومكتباتها. صاحب إسهام عظيم في الفلسفة؛ حيث قدَّمَ شروحات للفلسفة اليونانية احتفى بها الغربُ وترجَمَها، وقد رأى ابن رشد أن ليس ثمة تعارُض بين الدِّين والفسلفة فكلاهما ينشد الحقيقة. وهذه الشروح حملت الكثير من فلسفته الخاصة، تلك الفلسفة كانت سببًا من أسباب نكبته المعروفة؛ حيث أُحْرِقت كُتُبه، وتم نفيه بعيدًا عن دياره بعد أن اتُّهِمَ بالزندقة والإلحاد بإيعاز من حساده، وإنْ كان قد بُرِّئَ منها في أواخر حياته.4

لقد كان من نتائج هذا العداء، أن وُجدت هوَّة بين الفلاسفة ورجال الدين ظلت دهرًا طويلًا فاصلًا بينهم، وأن رمي رجالُ الدين الفلاسفةَ بالإلحاد إن لم نقل بالكفر، وجازاهم هؤلاء شرًّا بشر فرموهم بالجهل وعدم فهم الدين! وكان من هذا وذاك أن حُرم الدين من جهود كثير من أبنائه المفكرين، فانكمش التفكير الحر الصحيح وخاصة بعد وفاة ابن رشد سنة ٥٩٠ﻫ، فقد فقدت به الفلسفة الإسلامية أكبر ممثل ونصير لها من المسلمين، وتضافرت عوامل مختلفة لسيادة روح التقليد.2


المبحث الأول : ما بين النصين الديني والفلسفي

المطلب الأول : تأويل النص الفلسفي عند ابن رشد

يرى ابن رشد أن الاستفادة من الفلسفة اليونانية ضرورية رغم الإشكالات الكثيرة التي حدثت بسبب تعارض الكثير من المفاهيم الفلسفية مع العقيدة الإسلامية حيث قال : 

وليس يمنع من النظر في تراث الإغريق أن ضلَّ بالنظر فيه قوم لم يكونوا أهلًا لمعرفته، كما ليس لنا أن نمنع العطشان من ورود الماء العذب البارد؛ لأن غيره شرب منه فمات؛ فإن هذا الضرر أمر عرض. 3

ويرى ابن رشد أن التأويل هو الوسيلة الناجعة لحل الخلاف الحاصل والتقريب بين المفاهيم، حيث لا شك عند ابن رشد أن التأويل هو منهج أساسي لفهم النص الديني أو الفلسفي وتحديد مقاصده. وهو أمر لا يتحقق للمؤول، إلا إذا اعتمد على آليات معينة، إلى جانب التزامه بأسس وقوانين محددة.5

وقد اعتمد ابن رشد على المنطق، بوصفه أداة أساسية في التأويل، تمكن من بلوغ الحقيقة اليقينية التي لا شك فيها. وإن كانت هذه الأداة من وضع أرسطو، إلا أن ابن رشد لم يرى فيها مشكلة، وحاول البرهنة على مشروعية الفلسفة وعلوم المنطق بالاستناد إلى الشرع. لكن ابن رشد تمكن بفضل القياس البرهاني من شرح وتفسير النص الأرسطي، لأنه يقوم على مقدمات يقينية واضحة، إما أن تكون ناتجة من البرهان أو بديهية، وبترتيب هذه المقدمات ترتيباً منطقياً، من البسيط إلى المعقد، يسهل إدراك النتيجة وفهمها، ومن ثم يزول الغموض، ويتوضح الغرض الأرسطي أكثر.5 

كما تمكن ابن رشد من تخليص النص الأرسطي من كل ما هو غامض، سواء على مستوى اللفظ أم المعنى، حيث استبدل بعض المصطلحات الغامضة، وغير المتداولة، في ذلك الوقت، بمصطلحات معروفة ومتداولة. وعمل أيضاً على ضبط المعنى بتقويم الجملة وتصحيحها على المستوى اللغوي.5

كان يهدف ابن رشد من خلال شرحه وتلخيصه للنص الأرسطي إلى تحديد أغراضه من جهة، وإلى البرهنة على المشاكل الفلسفية، وإيجاد الحلول لها بمقدمات صادقة من جهة أخرى، الأمر الذي مكنه من قراءة النص الأرسطي وفق رؤية متميزة، ومن البرهان على المشاكل الفلسفية التي طرحها أرسطو بمقدمات نابعة من رؤيته الميتافيزيقية الخاصة به لا بأرسطو، وهو بتلك القراءة يعدّ مجدداً لا مقلداً.5 

إضافة إلى أن النص الأرسطي يفتقد البيان والوضوح، بالنظر إلى عدم اعتماده على المقدمات الواضحة والبينة بذاتها، وعلى التسلسل في عرضها، لذلك لجأ ابن رشد إلى حلّ الإشكالات وتحديد غرض أرسطو بدقة، كي يزول الغموض وتتحدد الأهداف بمقدمات أكثر وضوحاً وبياناً وتسلسلاً، الأمر الذي يسهل الاستنباط، ومن ثم يحصل الفهم وتتم المعرفة.5

المطلب الثاني : النص الديني بين ظاهر وباطن

وفي مواجهة المشكلات الدلالية في النص الديني يرى ابن رشد أنه :  كان لا بد من أَخْذِ العُدَّة لعلاج ما يظهر من تعارض واختلاف بين النص ونظر العقل. هذه العدة تقوم على أنه من المقطوع به — كما يؤكد فيلسوفنا — أن كل ما أدَّى إليه البرهان الصحيح لا يمكن أن يخالف ما أتى به الشرع؛ فإن الحق لا يضاد الحق، بل يشهد له.3

وإذن؛ فإن وُجد هذا التعارض والاختلاف، كان لا بد من تأويل النص تأويلًا يتفق وما نعرف من قواعد اللغة، وذلك مثلًا بإخراجه عن دلالته الحقيقية إلى دلالته المجازية. بهذا لا يصطدم العقل والشرع، ولا تترك واحدًا منهما لأجل الآخر، بل نجعل لكل منهما اعتباره، ونوفق بينهما بما لا تأباه اللغة وأصولها، فتزول العقبة — وهي تعارض نص الوحي ونظر العقل — كانت تقف في سبيل هذا الجمع والتوفيق.3

وكان من نتائج هذا المنهج هو التأكيد على وجود آيات وأحاديث لا بد من صرفها عن ظاهرها وتأويلها لنتعرَّف على المعاني الخفية المرادة منها ، أو بعبارة أخرى هي ضرورة انقسام الشرع إلى ظاهر وباطن لكل منهما أهله، و أن الناس مختلفون في الفِطَر والعقول.3

وهم لهذا تختلف حالاتهم في فهم النصوص وإدراك ما يراد بها، كما تختلف وسائلهم في التصديق بما يجب التصديق به من أمور هذا العالم الحاضر والعالم الآخر، ومن وجود الله وما يتصل به من سائر ما جاء به الدين من معتقدات.3

ومن أجل ذلك، يُقسِّم فيلسوف قرطبة الناس إلى ثلاث طوائف: 

    1- الخطابيون، وهم الكثرة الغالبة السهلةُ الاقتناع التي تصدق بالأدلة الخطابية، 

    2- وأهل الجَدَل — ومنهم المتكلمون — الذين ارتفعوا حقًّا عن العامة، ولكنهم لم يصلوا لمرتبة أهل البرهان الحقيقي،

    3- والبرهانيون بطبائعهم المواتية وبالحكمة التي راضوا عقولهم عليها، وأخذوا أنفسهم بها.3


المبحث الثاني : قواعد التأويل عند ابن رشد

المطلب الأول : المستويات الثلاثة للتأويل 

لم يدع ابن رشد الأمر فوضى؛ فيؤول كلٌّ ما يريد من النصوص، ويثبت التآويل في أي كتاب يريد، ويصرح بها لمن يشاء، بل جعل لكل ذلك قانونًا يعلم منه ما يجوز تأويله وما لا يجوز، وما جاز تأويله فلمن؟ هذا التأويل، الذي جعل بحسبه كل شيء في موضعه، ختم به كتابه: «الكشف عن مناهج الأدلة.3

أراد ابن رشد بهذا القانون أن يضع حدًّا للتآويل التي كثرت وذاعت وتناولها الجميع حتى حدثت عنها اعتقادات غريبة وبعيدة عن ظاهر الشريعة، ووُجد بسببها في الإسلام فرق متباينة يكفِّر بعضها بعضًا. وهذا كله جهل بمقصد الشرع وتعدٍّ عليه كما يقول.3

ومن أجل ذلك، ولإزالة العداوة بين الفلسفة والشريعة، يجب بصفة عامة ألا يُصَرَّحَ بالتآويل، وبخاصة ما يحتاج منها إلى برهان لغير أهلها، وهم القادرون على البرهان والاستدلال بالمنطق، كما يجب ألا نثبت شيئًا منها في الكتب الخطابية والجدلية الموضوعة للعامة ومن إليهم من الجدليين. إننا إن فعلنا غير هذا أثمنَا، وكنا سببًا في إضلال كثير من الناس.3

من السهل بعد هذا أن نفهم أن فيلسوفنا لا يرى أن في النصوص الدينية — من القرآن والحديث — نصوصًا متشابهات، لا بالنسبة للعلماء الذين يعلمون مع الله تأويلها، ولا بالنسبة للجمهور الذي لا يُطْلَبُ منه إلا أن يؤمن بما يفهم من ظواهرها دون البحث عن تأويلها وبيان معانيها الخفية. 

أما أهل الجدل والمتكلمون، فهم الذين يوجد في حقهم التشابه في بعض هذه النصوص. إنهم وقد ارتفعوا عن العامة، ولم يصلوا إلى مرتبة الخاصة، عرضت لهم شكوك وشبه لا يقدرون على حلها، ولكنهم تعلقوا بها، فحاولوا عبثًا تأويلها، فضلوا في أنفسهم، وأضلوا من اتبعهم؛ لهذا ذمهم الله بأن في قلوبهم زيغًا ومرضًا، فهم يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله، وما هم ببالغيه، إذ لا يعلم هذا التأويل إلا الله والراسخون في العلم، وهم ليسوا منهم في شيء.3

كما أنه يتشدد في وجوب تطبيق ما وضع من مبادئ وقواعد تتعلق بالتأويل، وتحريم أن يذاع لغير أهله، ولهذا لام الغزالي — وسائر المتكلمين من أشاعرة ومعتزلة — لإثباتهم التآويل في مؤلفاتهم، فذاعت لذلك بين العامة ومن ليس أهلًا لها.3

المطلب الثاني : محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة 

كان همُّ ابن رشد هو الإلحاحَ أولًا على وجوب الفصل بين العامة والخاصة وتعاليم كل طائفة بينهما، وفي هذا سعادة الجميع؛ لأنَّ الحقيقة الواحدة يعبَّر عنها بطرق مختلفة باختلاف العقول والاستعدادات.2

وهذا ما جعل بعض الباحثين المُعاصرين يذهب إلى أنَّ توفيق ابن رشد بين الحكمة والشريعة — على خلاف ما كان من الفارابي وابن سينا — لم يكن توفيقًا «داخليًّا»، ولكنه فقط فصل ظاهري بين السلطات.2

ولكن الحقيقة هي أنَّ ابن رشد اضطر كما عرفنا بسبب حملة الغزالي إلى أن يترك لنا مُحاولة عملية للتوفيق بين الحكمة والشريعة توفيقًا داخليًّا حقًّا؛ ولهذا نراه في أكثر من موضع من كتاباته يعتذر من كل قلبه عما اضطر إليه من الكلام في مسائل الشريعة والفلسفة على ذلك النحو الذي لم يكن يَوَدُّه.2

ذلك ما كان من النَّاحية العملية الواقعية، أمَّا من ناحية الحق في نفسه، فإننا نستطيعُ أن نقول بأنَّ ابن رشد نجح في التوفيق بين الدين والفلسفة، وهذا في كثير من المسائل التي تناولها، ولكنه لم ينجح بصفة خاصَّة في مسألة البعث والجزاء في الدار الأُخرى؛ وذلك؛ لأنه لم يستطيع بل ليس من المُستطاع لأحد، تأويل كل الآيات القرآنية و الأحاديثَ أيضًا، التي تَدُلُّ صراحة على أنَّه في الحياة الأُخرى ستكون لذائذ وآلام جسمية بجانب الأُخرى الرُّوحية.2

الخاتمة :

رغم محاولات ابن رشد القيمة في كتبه لرأب الصدع العميق الذي تشكل عبر القرون بين الفلسفة والدين، إلا أنها كانت غير كافية للعديد من الاعتبارات، فكان بحق آخر إشراقة فلسفية في تاريخ الحضارة الإسلامية قبيل مغيبها، ويحسن هنا أن نورد اعتذاره الذي ساقه في كتابه " فصل المقال " :

فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا الجنس من النظر، أعني التكلم بين الشريعة والحكمة، وأحكام التأويل في الشريعة. ولولا شهرة ذلك عند الناس، وشهرة هذه المسائل التي ذكرناها، لما استجزنا أن نكتب في ذلك حرفًا، ولا أن نعتذر في ذلك لأهل التأويل بعذر؛ لأن شأن هذه المسائل أن تُذْكَرَ في كتب البرهان.3

وهذا الاعتذار الحق، الذي له أسبابه ومبرراته، يشبه اعتذار سلفه ابن طفيل — في مثل حالته — عن مخالفة طريق السلف الصالح في الضنِّ بالحكمة على غير أهلها، بأنه حاول إصلاح الذي أفسده سابقوه الذين صرحوا بآراء مفسدة، وتآويل ضالة تلقفها غير أهلها فعمَّ لذلك ضررُها.3

وبناءً على ما تقدم صار ابن رشد عبارة عن راية تتحارب حولها شعوب وأمم مختلفة في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا. وكان للفيلسوف العربي الجليل سمعتان, الأولى سمعة الفضل والعلم والنزاهة وهي عند أساتذة المدارس الذين كانوا يرومون كسر النير القديم. 

والثانية سمعة الكفر وبغض الدين وهي عند العامة والبسطاء والجهلاء. ولم يأت القرن الرابع عشر حتى صارت سلطة ابن رشد في أوروبا فوق كل سلطة وتقدم على ابن سينا بعد أن كان محسوبًا في القرن الثالث عشر دونه. ولما أراد الملك لويس الحادي عشر ملك فرنسا إصلاح التعليم الفلسفي في سنة ١٤٧٣ طلب من أساتذة المدارس «تعليم فلسفة أرسطو وشرح ابن رشد عليها؛ لأنه ثبت أن هذا الشرح صحيح مفيد».1

في الأخير، يمكن ملاحظة تشابه كبير بين أفكار ابن رشد من ناحية، وأفكار سبينوزا من ناحية أخرى، في ضرورة فصل الفلسفة عن الدين بالنظر إلى العامة، وبصفة عامة بين جمهرة مفكري الإسلام من ناحية، وجمهرة مُفكري اليهودية والمسيحية من ناحية أخرى، في ضرورة تأويل بعض ما جاء في الكتب المُقدسة تأويلًا مجازيًّا.3

# # #بحث # #ورقة #بحثية #فلسفة #تأويل #النص #عند #إبن #رشد #

#Research #paper #on #the #philosophy #of #interpretation #of #the #text #according #to #Averroes

المراجع:

    1- فَلسَفَةُ ابنِ رُشْد ، فرح أنطون

    2- بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط، محمد يوسف موسى

    3- ابن رشد الفيلسوف ، محمد يوسف موسى

    4- ابن رشد ، عباس محمود العقاد

    5- التأويل عند فلاسفة المسلمين ابن رشد نموذجاً، فتيحة فاطمي ، محمد بكري

تحميل البحث بصيغة PDF

ورقة بحثية فلسفة تأويل النص عند إبن رشد

ورقة بحث : الفلسفة الوضعية عند أوغست كونت

0

 - مقدمة:

أوغست كونت فيلسوف فرنسي ولد في فرنسا عام 1798م وعاش حتى 1857م من عائلة كاثوليكية، تزعم حركة عصيان قام بها الطلاب فصل بعدها من المدرسة وقد واصل دراسته إلى أن عين معيدا في كلية الهندسة. ثم عمل سكرتيرا للكاتب الاشتراكي سان سيمون والذي تركت أفكاره فيما يخص المنهج الوضعي وتطبيقه على دراسة الإنسان وقانون المراحل الثلاث واكتشاف القوانين الطبيعية للتقدم أثرا في فلسفة كونت لكن بسبب أفكار سيمون الاشتراكية المثالية وتأكيده على أهمية الطبقة الصناعية لم تكن مقبولة لدى كونت مما أدى إلى انتهاء العلاقة بينهما .

- أعماله:

نشر اوجست كونت عدد من الكتب والدراسات عبر فيها عن تصوره لنهضة فرنسا وتخلصها من النظام الذي كان مسيطر في العصور الوسطى وانتقالها إلى العصور الحديثة. ومن أهم أعماله ”الفلسفة الوضعية“ و“خطاب في الفلسفة الوضعية“ و“نظام السياسة الوضعية“.

المبحث الأول: تأسيس المنهج الوضعي عند كونت

المطلب الأول : الحلول المنهجية لدراسة علم الاجتماع 

رغب أوجست كونت في إصلاح المجتمع وإنقاذه من مظاهرالفوضى المنتشرة في مختلف نواحي المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت تتلخص هذه الفوضى في وجود أسلوبين متناقضين للتفكير وفهم الظواهر.

الأولى: الأسلوب العلمي الوضعي الذي يتجه إلى الناس في عصره إذ يفكرون في الظواهر الكونية والطبيعية والبيلوجية.

الثانية: التفكير الديني الميتافيزيقي الذي يتجهون إليه عند التفكير في الظواهر التي تتعلق بالإنسان والمجتمع.

يضع اوجست كونت ثلاث حلول من أجل حل هذا النزاع والقضاء على هذه الفوضى الفكرية:

أن نوفق بين التفكير الوضعي والتفكير الديني الميافيزيقي بحيث يوجدان معاً بدون تناقض.

•أن نجعل من المنهج الميتافيزيقي منهجاً عاملاً شاملاً تخضع له جميع العقول والعلوم 

•أن نعمم المنهج الوضعي فنجعل منه منهجاً كليا ً عاماً يشمل جميع ظواهر الكون.

المطلب الثاني : أولوية المنهج الوضعي عند كونت 

ثم يحاول مناقشة هذه الحلول ليصل إلى تقرير حل واحد فقد وكانت مناقشته كالتالي:

أن الوسيلة الأولى لا يمكن تحقيقها علمياً لأن المنهجين متناقضان تمام التناقض وتقدم أحدهما يستلزم ضرورة هدم الآخر.

أما الحل الثاني: وهو القضاء على الطريقة الوضعية وجعل الناس يفهمون الظواهر في ضوء الطريقة الدينية والميتافيزيقية فهذا الحل يتطلب ضرورة القضاء على الحقائق الوضعية التي حصلنا عليها .

ولو فرضنا أننا رجعنا بالمجتمع إلى ماكان عليه من قبل من حيث التفكير الديني الميتافيزيقي فهل نستطيع أن نحد من التفكير ونجعله يجمد على هذا الحال؟

وهل نستطيع أن نتحكم في القوانين الطبيعية التي حكمت على المراحل السابقة بالفساد: فنمنعها من أن تحدث النتيجة نفسها مرة أخرى؟

فكأننا نعيد الفوضى والجدل من جديد ونهدم المجتمع من حيث نريد له الاصلاح والتقدم.

وبناء على مناقشة اوجست كنت للهذه الحلول وتبين أن الحال الأول والثاني غير صالحين فقد قرر أنه لم يبقى إلا الحل وهو أن نجعل التفكير الوضعي منهجاً كلياً عاماً ونقضي على ما بقي من مظاهر التفكير الميتافيزيقي.

المبحث الثاني: المنهجية الوضعية للبحث عند كونت:

حدد اوجست كونت قواعد المنهج في الدراسة لهذا العلم الحديث وهي كالتالي:

الملاحظة

التجربة.

المنهج المقارن.

المنهج التاريخي.


 مميزات خصائص منهج الملاحظة عند اوجستكونت:

أولا: الملاحظة:

الملاحظة الاجتماعية هي أول قواعد المنهج الذي وضعها اوجست كونت وهي ليست مقتصرة على الإدراك المباشر للظواهر أو الوصف المباشر للحوداث, ولكن هناك وسائل

أخرى أخرى تساعدنا على الملاحظة الاجتماعية مثل: دراسة العادات والتقاليد والآثار ومظاهر التراث مثل دراسة 

الأمثال الشعبية وعلاقتها بثقافة مجتمع ما وتحليل ومقارنة اللغات والوقوف على الوثائق والسجلات التاريخية ودراسة التشريعات والنظم السياسية والاقتصادية .فهذه المصادر تقدم لعالم الاجتماع مادة غنية للدراسة والتحليل والحث

والملاحظة الاجتماعية ليست سهلة الأداء والسبب في ذلك أن الظواهر الاجتماعية ظواهر عادية ومنتشرة في جو المجتمع ومتداخلة في صميم الحياة الفردية والباحث نفسه يشارك فيها ... وهذه الأمور تزيدها صعوبة وتعقيد..

للذلك يجب ان ننظر إلى الحقائق "الظواهر" الاجتماعية على انها موضوعات منعزلة عنا خارجة عن ذواتنا ومنفصلة عنشعورنا الفردي حتى نستطيع أن نصل إلى نتائج وحقائق واقعية وصحيحة.

هذا المنهج قد يجعل الباحث لا تكون لديه الفرصة لليقضةالتامة والاشراف الدقيق على ما يحيط بالظاهرة بسبب أن الظواهر الاجتماعية معقدة جداً وكثيرة التغير ودائمة التفاعل.

عند استخدام هذا المنهج قد يخطئ الباحث في تفسير ما يلاحظه أو في إدراك ما يشاهده وقد يخطئ كذلك في 

الاستنتاجات التي ينتهي إليها من مشاهداته .وأيضاً الأهم من هذا قد يختلف موقف الباحثين من الشيء الملاحظ تبعاً لاختلاف عقولهم من جهة وإلى تفاوت في الخبرة من جهة أخرى.

وبناء على هذه الخصائص يرى كونت أن من الخطأ الاعتماد على منهج الملاحظة فقط واتخاذه اسلوب أساسيللكشف العلمي عن قوانين الظواهر الاجتماعية ولا بأس من اعتبارها عالاً مساعداً في البحث والدراسة.

ثانيا: التجربة:

يقصد كونت بالتجربة "التجربة الاجتماعية" وليست التجربة العلمية التي يستخدمها المتخصصين في علوم الظواهر الطبيهية "الكيمياء والبيولوجيا"

والتجربة الاجتماعية الصحيحة في نظر كونت إنما تقوم على مقارنة ظاهرتين متشابهتين في كل شيء ومختلفين في حالة واحدة واختلافهما يرجع إلى هذه الحالة فقط.

و وجود هذه الحالة الطبيعية إنما هو بمثابة تجربة مباشرة لاننانستطيع أن نستنتج بسهولة أثر هذا العامل الذي كان سببا في اختلاف الظاهرتين  ومدى تأثيره في غيرهما من الظواهر الأخرى. "عادة يستخدم هذا المنهج علم النفس في علم الاجتماع يصعب تطبيقه"

ثالثاَ : المقارنة.

صور المقارنة في علم الاجتماع :

المقارنة الاجتماعية بالمعنى الصحيح تقوم على مقارنة المجتمعات الإنسانية بعضها ببعض للوقوف على أوجه الشبه وأوجه التباين بينهما نجد مثلا ً: أن ظاهرة ما تتطور تطورا ً سريعاً في مجتمع بينما تتطور تطوراً بطيئاً في مجتمع آخر.

ونجد أيضاً أن طائفة معينة من النظم تنتشر في مجتمع ما بينما لا نجد مثلها في غيرها من المجتمعات. وأيضا ربما نجد أيض اً أن ظاهرة تقوم بوظيفية اجتماعية أساسية في مجتمع بينما لا تؤدي هذه الوظيفه أو ليست بالدرجة نفسها في مجتمع آخر.

قد تتخذ المقارنة صورة أضيق من ذلك نطاقاً بمعنى أنها تتناول مقارنة الطبقات أو الهيئات في نطاق شعب أو مجتمع واحد لمعرفة حالتها الاجتماعية ومدى احتياجاتها ومدى النفقات الموجودة في المجتمع من حيث درجة الحضارة 

والمدنية ومستوى المعيشة ومعايير الاخلاق والأذواق العامة واختلاف اللهجات وما إلى ذلك منن الأمور التي تهم الباحث الاجتماعي.

•الصورة الثالثة وهي أعم وأشمل من الصورتين السابقتين وهي مقارنة جميع المجتمعات الإنسانية في عصر ما بالمجتمعات الإنسانية نفسها في عصر آخر.

والمقارنة هنا في هذه النقطة تفقد موضوعيتها وتصبح قائمة على فكرة فلسفية مجردة تقترب إلى حد كبير من نظريات فلسفة التاريخ. وهذا المعنى الفلسفي هو الذي استأثر بعناية "اوجست كونت" وأعتبره أساس في المنهج المقارن. ولذلك فقد هذا المنهج أهميته عند "كونت" واختلط بنظرية في "التقدم" القائمة على أساس أن الانسانية ككل وكوحدة نوعية تنتقل عبر مراحل الارتقاء التدريجي .

رابعا: المنهج التاريخي:

يعتبره كونت آخر حجر في بناء المنهج الوضعي ويسميه  "المنهج السامي" ويقصد به المنهج الذي يكشف عن القوانين الأساسية التي تحكم التطور الاجتماعي للجنس البشري باعتبار أن هذا الجنس وحدة واحدة تنتقل من مرحلة إلى أخرى ارقى منها.وأقام كونت منهجه التاريخي على أساس قانونه الشهير ”بقانون الأطوار الثلاثة“ وهو قانون يدعي أنه استخلصه من دراسة تاريخ الانسانية دراسة علمية تحليلية .

والواقع أنه يعبر عن آراء فلسفية شخصية يؤمن بها كونت  وحده ولا يعبر عن حقائق التاريخ .فكأن كونت لم يفهم من المنهج التاريخي ذلك المعنى الذي 

نفهمه الأن أن هذا المنهج يتطلب أن يقف الباحث على طبيعة الظاهرة وعناصرها وتطورها واختلاف أشكالها باختلاف الشعوب وباختلاف مراحل التطور  وعلاقتها بما عداها من

الظواهر الاجتماعية ومبلغ تأثرها أو تأثيرها في في طوائف الظواهر الأخرى لان هذه الخطوات ضرورية لكشف الوظيفة التي تؤديها الظاهرة والوقوف على القوانين التي 

تحكمها لم يفهم ”كونت ” من المنهج التاريخي هذه المعاني العلمية التي تؤدي بالباحث إلى الاغراض الوصفية والتحليلية التي يرمي إليها. ولكنه فهم منه معنى فلسفياً بعيداً عن طبائع الأمور ولا يمكن أن يؤدي به إلى كشف علمي محقق.

الخاتمة:

إذا فالفلسفة الوضعية تعد من فلسفات العلوم التي تستند إلى رأي يقول أنه في مجال العلوم الاجتماعية، كما في العلوم الطبيعية، فإن المعرفة الحقيقية هي المعرفة والبيانات المستمدة من التجربة الحسية، والمعالجات المنطقية والرياضية لمثل هذه البيانات والتي تعتمد على الظواهر الطبيعية الحسية وخصائصها والعلاقات بينهم والتي يمكن التحقق منها من خلال الأبحاث والأدلة التجريبية. كما تعد قسم من أقسام «نظرية المعرفة» (إبستمولوجيا). حيث نشأت كنقيض لعلوم اللاهوت والميتافيزيقيا الذين يعتمدان المعرفة الاعتقادية غير المبرهنة.

لقد وضع أوغست كونت هذا المصطلح في القرن التاسع عشر وهو يعتقد بان العالم سيصل الی مرحلة من الفكر والثقافة التي سوف تنفي كل القضايا الدينية والفلسفية وسوف تبقى القضايا العلمية التي أثبتت بالحس والخبرة الحسية أو بالقطعية والوضعية. وفي ذلك العصر سوف يمح الدين من ساحة المجتمعات البشرية.

 اهتمت هذه المدرسة بإجراء الأبحاث الكمية، واعتمدت عادة في دراساتها للظواهر الاجتماعية على تصميم استبيانات بحثية بهدف إجراء البحث على عينة كبيرة من الناس واستخراج النتائج بصورة سريعة يمكن تعميمها على قطاعات أوسع من المجتمع. لاحقاً تعرضت هذه المدرسة الكلاسيكية لنقد كبير أدى إلى ظهور مدارس اجتماعية أخرى، مثل فلسفة ما بعد الوضعية، والفلسفة التأويلية، والظاهراتية، والحركة النقدية.

يتم التشغيل بواسطة Blogger.