ورقة بحث : الفلسفة الإسلامية بين المنصفين والجاحدين

0

 طرح العديد من الباحثين العرب مسألة وجود فلسفة إسلامية ، ولاسيما مع بواكير التأريخ العربي للفلسفة من الباحثين المعاصرين، وعلى رأس زعماء تلك الأطروحة الشيخ مصطفى عبد الرازق في تمهيده المحوري لتاريخ الفلسفة الإسلامية، وكذا الدكتور إبراهيم مدكور، وغيرهما كثير من الباحثين العرب في الفلسفة الذين دافعوا عن تلك الأطروحة – إسلامية الفلسفة الإسلامية – بحماس، مع إقرار باحثين آخرين بعدم أصالة الفلسفة الإسلامية، ولكن هؤلاء الباحثين الآخرين ظلوا تحت نير الاتهام بالتبعية للمستشرقين الحاقدين الساعين إلى التقليل من شأن اسهام الحضارة الإسلامية في الجانب الفلسفي.

من المعلوم أن الفلسفة الإسلامية نَهلت من عدة مَنابع كالتصوف الإسلامي الذي يشمل الأفلاطونية المحدثة وينحدر من الفلسفات المسيحية واليهودية، ثم الفقه وعلم الكلام، حث ظهرت الفلسفة الإسلامية مع الكندي، الفارابي وابن رشد، الذي استطاع أن يؤسس نسقا فلسفيا بين الفقه وعلم الكلام. 

تعتبر الفلسفة الإسلامية في حد ذاتها جمعا بين الفقه وعلم الكلام خصوصا مع المعتزلة لكونهم ناقشوا القضايا الكبرى بالاعتماد على العقل، كما يتجلى إسهام الفلسفة الإسلامية في إدخال مؤلفين في المنطق هما الشعر والخطابة لتصبح ثمانية مؤلفات عوض ستة مؤلفات.

لكن السؤال عن وجود فلسفة اسلامية أصيلة طفا على السطح خصوصا مع تشكيكات المستشرقين ،

- فهل في حضارة الإسلام فلسفة أصيلة ؟ 

- أم أن الفلسفة الإسلامية لا تعدو كونها ترجمة عربية للأصل اليوناني ؟

الرأي المدافع عن أصالة الفلسفة الإسلامية:

1- يعتمد هذا الرأي على جدل مطلق حول أن التشابه الذي لا تخطئه العين المجردة بين مضامين الفلسفة الإسلامية والفلسفة اليونانية؛ الذي لا يستلزم بالضرورة المساواة أو السببية، وأن الفلسفة الإسلامية اهتمت بموضوعات جديدة في السياق الإسلامي، أو عالجت موضوعات سبق تناولها في الفلسفة الكلاسيكية، ولكن بصورة إسلامية، فالوحي يبحث في أسئلة الوجود الأساسية: المصدر، والغاية، والقيمة، يبحث في الحق والخير، وهي ذاتها المواضيع التي تبحثها الفلسفة أيضا، وسواء في دائرتها الكلاسيكية (الحكمة النظرية والحكمة العملية) أو في دائرتها الحديثة (الأنطولوجيا والإكسيولوجيا والإبستمولوجيا) تسعى الفلسفة إلى الأهداف نفسها والإجابة على الأسئلة نفسها، فقط دون أن تكون خاضعة للوحي كمنظومة متعالية.

2- الفلسفة الإسلامية التي يمكن أن توصف بهذا الوصف حقًّا هي علم الكلام الإسلامي. ولذلك فالمستشرقون الأوائل الذين كتبوا في التاريخ الفلسفة الإسلامية، مثل دي بور، وكوربان، ونحوهما، كانوا مصيبين حين وضعوا الفرق الكلامية الإسلامية ضمن التأريخ الفلسفي للإسلام، وهو ما سار على دربه أكثر الباحثين المحدثين العرب بعد ذلك.

3- التفكر شرعي ومأمور به، ومادام في موضوعات مبحوثة في الفلسفة كمجال؛ فهو إذن فلسفة، فالتفكر الإسلامي هو نوع من التفلسف، ذلك أن التفكير كله فلسفة، وأنه حتى من ينقض الفلسفة فهو يتفلسف.


الرأي المشكك في أصالة الفلسفة الإسلامية:

1- يرى أن حجة تشابه المضامين غير كاف للزعم بوجود فلسفة كلاسيكية إسلامية بالمعنى الفني. فالفلاسفة الإسلاميون الروَّاد مصرحون بتعظيم الفلاسفة اليونان الأوائل، والأخذ عنهم، وبخاصة أفلاطون وأرسطو، وأنهم قدوات الكمال الإنساني وفي منزلة الأنبياء، واستفادتهم منهم، ونقلهم عنهم؛ أمر لا يحتاج إلى التدليل أو البرهنة. وكون الفلاسفة الإسلاميين خالفوا أرسطو أو أفلاطون أو غيرهما في مسائل، أو فرَّعوا مباحث جديدة، أو حتى موضوعات جديدة؛ فهذا لم تخل منه فلسفة تابعة قط حتى داخل المذهب الواحد.

2- علم الكلام يختلف عن الفلسفة في كونه ينطلق من الوحي، مستعملا المنهج العقلي، فهو يهدف لإثبات العقائد الإيمانية والدفاع عنها من خلال المنهج العقلي.

وهذا يختلف تمامًا عن الفلسفة المحضة المنسوبة للإسلاميين -الفارابي، ابن سينا، ابن رشد -؛ فهي تنطلق من العقل والفلسفة الفنية. وذلك بقطع النظر عن محاولة الفلاسفة الإسلاميين التوفيق بين النظر الفلسفي المحض مع المطالب الدينية الواردة في الوحي من عدمه؛ فإن مجرد الاتفاق في النتائج لا يستلزم الاتفاق في المنطلق المصدري أولًا، وفي الآلة الفنية المنهجية والبناء الاستدلالي ثانيًا.

3- رغم وجود دعوى واضحة لاستعمال العقل في التفكر الإسلامي غير أنه ستبقى هناك على الدوام أُطرًا إسلامية وحيانية عامة، قيمية أو علمية يجب أن يخضع لها ذلك العقل، لتكون فلسفته إسلامية بهذا الاعتبار ، ولكنه ساعتها لن يكون تفلسفا بالمعنى الفني، كما جادلنا من قبل، مادام خاضعًا لمصدر متعال "الوحي" في تفلسفه، ذلك أن البحث والتأمل في الموضوعات الفلسفية، مأطورًا بسقف الوحي: هو تفكُّر، والتفكر باستعمال أدواته الدينية، وغير الدينية في تلك المجالات، هو تفكر شرعي مأمور به. ولكنه ليس فلسفة بالمعنى الفني مادام ليس علمانيًّا وضعيًّا.



الخاتمة:

إن حاولنا الجواب عن السؤال: هل هناك فلسفة إسلامية؟ على المستوى المضموني المجرد، بمعنىي بقطع النظر عن مصدرية الاثنين: الوحي، والفلسفة-، فيمكن أن يقال إن في الإسلام مضمونًا فلسفيًّا واضحًا، من جهة أنه يتناول كثيرًا من الموضوعات ويقدم كثيرًا من الإجابات على الأسئلة الأساسية التي تتناولها الفلسفة.

 فالإسلام على مستوى النص يطرح أسئلة الوجود الإلهي، والكوزمولوجي، والإنساني، والعلاقة بين الجميع، وهي نفس الميادين التي يبحثها الفيلسوف، فللإسلام فلسفته بمعنى أن له أطروحاته وإجاباته على تلك الأسئلة.

ولكن إن نظرنا إلى ذلك السؤال بمعنى: هل في الإسلام فلسفة بالمعنى الفني، وهو الآراء الفلسفية المستمدة من الآلة العقلية والتأملية في الموجود بما هو موجود، بمعزل عن أي مصدرية متعالية؛ فليس في الإسلام فلسفة بهذا المعنى قطعًا، فالإسلام لا يقدم آراء فلسفية، ولكن حقائق نهائية من الله العليم الخبير، مستندة ومسنودة بالوجود المتعالي مطلق الكمال، وهذا ليس فلسفة بالمعنى الفني كما هو واضح.


يتم التشغيل بواسطة Blogger.