ورقة بحث : دراسة في فلسفة العلم حول المذهب الثباتي و المذهب التطوري

0

 مقدمة:

منذ فجر التاريخ، تملّك الإنسان فضول دفعه للتساؤل عن ماهية الوجود، وكيفيّة نشأة الكون، وما وراء الظواهر الطبيعية التي تحيط به. ولقد برز هذا السعي جليّاً في رحلة الفلاسفة والعلماء عبر العصور، ممّا أدّى إلى ظهور اتجاهات فلسفية متباينة، سعت كلّ منها لتقديم تفسير شامل للوجود وكيفية تكوّنه.

ومن بين أهمّ هذه الاتجاهات، برز مذهب الثباتية (Essentialism) كمدرسة فكرية تُؤمن بوجود جوهر ثابت لكلّ شيء، وأنّ هذا الجوهر هو الذي يُحدّد هويّة الشيء وخصائصه. ويرى أتباع الثباتية أنّ العالم مُكوّن من كيانات ثابتة لا تتغيّر، وأنّ التغييرات التي نراها إنّما هي مجرّد ظواهر عارضة لا تُمثّل التغيير الحقيقي في جوهر الأشياء.

يُعدّ أفلاطون من أشهر فلاسفة الثباتية، حيث اعتقد بوجود عالم مثالي مُجرّد يحتوي على الأشكال المثالية للأشياء، وأنّ عالمنا المادي إنّما هو ظلّ ناقص لهذه الأشكال المثالية. كما أنّ أرسطو، تلميذ أفلاطون، ساهم بدوره في تطوير مذهب الثباتية من خلال نظريته عن "العلّة الأربعة"، التي تُفسر نشأة كلّ شيء من خلال أربع علل: العلّة المادية، والعلّة الصورية، والعلّة الفاعلة، والعلّة الغائية.

وفي مقابل مذهب الثباتية، ظهر مذهب التطورية (Evolutionism) كمدرسة فكرية تُؤمن بوجود تغيّر مستمر في جميع جوانب الكون، وأنّ هذا التغيّر هو القانون الأساسي الذي يحكم الوجود. ويرى أتباع التطورية أنّ العالم لم يكن موجوداً منذ الأزل بشكلّه الحالي، بل إنّه قد نشأ من خلال عمليات التطور والتغيّر على مرّ الزمن.

يُعدّ داروين من أشهر فلاسفة التطورية، حيث قدّم نظريته الشهيرة عن "الانتقاء الطبيعي" لتفسير تطوّر الأنواع. ويرى داروين أنّ الأنواع الحيّة لم تتكوّن دفعة واحدة، بل إنّها قد تطوّرت تدريجياً من خلال عملية "البقاء للأصلح"، حيث تُبقى الكائنات الأكثر قدرة على التكيّف مع بيئتها، بينما تنقرض الكائنات الأقلّ قدرة.

شكّل الصراع بين الثباتية والتطورية محور نقاشات فلسفية عميقة امتدت عبر العصور، حيث حاول كلّ اتّجاه تقديم أدلّة تُثبت صحة نظريّته. ولقد ساهمت هذه النقاشات في دفع عجلة التقدّم العلمي والفكري، ممّا أدّى إلى فهم أفضل لطبيعة الوجود والكون.1

- فماهي الفروقات الفعلية بين المذهبين ؟

- وكيف كان تأثيرهما على مسار العلم وفلسفته ؟ 


المبحث الأول: المذهب الثباتي، بين ثبات الجوهر وتغير المظهر

المذهب الثباتي نظرة فلسفية:

يتبوأ المذهب الثباتي مكانة بارزة بين أهمّ التيارات الفلسفية التي ازدهرت في رحاب الفكر الإسلامي، ليُرسي قواعد ثابتة حول ثبات الأجسام وعدم قابليتها للتغير. ويُؤرّخ تأسيس هذا المذهب إلى الفيلسوف اليوناني العظيم أرسطو، حيث تبنى العديد من رواد الفكر الإسلامي، على رأسهم الكندي والفارابي وابن سينا، أفكاره حول ثبات الكيانات المادية2.

وتُعدّ هذه النظرية محوراً أساسياً في البنية الفلسفية الإسلامية، حيث تُشكل قاعدة جوهرية لفهم طبيعة الوجود والعالم المادي. وتتميز هذه النظرية بدقتها ومنطقيتها، ممّا جعلها تحظى بقبول واسع بين أوساط الفلاسفة الإسلاميين على مرّ العصور2.

ولقد برزت العديد من المدارس الفكرية التي ساهمت في تطوير المذهب الثباتي وتعميق أفكاره، ممّا أضفى ثراءً فكرياً هائلاً على هذا المجال. ونذكر من أهمّ هذه المدارس مدرسة بغداد ومدرسة البصرة، اللتان لعبتا دورًا هامًا في نشر وترويج أفكار المذهب الثباتي.

ولم يقتصر تأثير المذهب الثباتي على الفلسفة الإسلامية فحسب، بل امتدّ ليطال مجالات معرفية أخرى مثل علم الكلام والفقه، ممّا يدلّ على أهمية هذا المذهب وعمق تأثيره على الفكر الإسلامي بصفة عامة.

وبالرغم من بروز تيارات فلسفية أخرى تناقضت مع المذهب الثباتي، إلاّ أنّ هذا المذهب ظلّ يحتفظ بمكانته المرموقة في سياق الفكر الإسلامي، ممّا يدلّ على قوته وصلابته.

مبادئ المذهب الثباتي:3

1- ثبات الأجسام: جوهرٌ لا يتغير

يُرسي المذهب الثباتي قاعدة أساسية مفادها أن الأجسام في حالتها الطبيعية تتمتع بثباتٍ مطلقٍ لا يتزعزع. فما نراه من تغيراتٍ على الأجسام إنما هو نتاج عوامل خارجية تُؤثّر عليها، بينما يبقى جوهرها ثابتًا لا يتغير.

يُضرب أصحاب هذا المذهب أمثلةً توضيحيةً، مثل قطعة من الحديد التي تتعرض للتآكل بفعل عوامل بيئية، أو ثمرة تفاح تسقط من شجرة بفعل الجاذبية الأرضية. ففي كلتا الحالتين، تبقى هوية الحديد والتفاح كما هي، على الرغم من التغيرات الظاهرة التي طرأت عليهما.

2- الجوهر والعرض: خط فاصل دقيق

يُولي المذهب الثباتي اهتمامًا كبيرًا للتمييز بين مفهومي الجوهر والعرض. ففي نظرهم، يُمثل الجوهر البُعدَ الثابتَ الذي يُحدد هوية الشيء ويُميّزه عن غيره، بينما يُشير العرض إلى الصفات المتغيرة التي قد لا تُلامس جوهر الشيء.

على سبيل المثال، يُعدّ "الحديد" جوهرًا لقطعة معدنية، بينما يُعدّ "اللون" و"الشكل" عرضًا لها. فمهما تغيّر لون وشكل قطعة المعدن، فإنها تبقى حديدًا في جوهرها.

3- القوة والفعل: طاقة كامنة بداخل كل جسم

يُؤكّد المذهب الثباتي على أن كل جسمٍ ماديٍّ يحمل في داخله طاقة كامنة تُتيح له إحداث فعلٍ ما. وتتجلى هذه الطاقة بوضوحٍ في حركة الجسم أو قدرته على تغيير جسمٍ آخر.

فمثلاً، عندما تُلقى كرة على الأرض، تُمارس الكرة قوةً على الأرض، والعكس صحيح. وبالمثل، عندما تُدفع عربة، تُمارس القوة المُطبّقة على العربة فعلًا يُحرّكها من مكانها.

4- العلية والمعلولية: ربطٌ محكمٌ بين الأحداث

يُؤمن أصحاب المذهب الثباتي بقانون العلية والمعلولية، الذي ينصّ على أنّ كل معلولٍ لابدّ أن يكون له سببٌ محددٌ، وأنّ هذا السبب لابدّ أن يكون سابقًا على معلوله.

بمعنى آخر، لا يمكن أن يحدث أيّ حدثٍ دون وجود سببٍ يُفجّره. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن تسقط شجرة دون أن تُؤثّر عليها رياحٌ قوية.


المبحث الثاني: المذهب التطوري، تحولات لا تنقطع

المذهب التطوري نظرة فلسفية:

يشكل مفهوم التطور حجر الزاوية في فهمنا للعالم، فهو يؤكد على ديناميكية الوجود وتحوله المستمر من حالة إلى أخرى. ونجد جذور هذا المفهوم راسخة في الفكر العربي الإسلامي، حيث برزت بوادره مع الجاحظ وإخوان الصفا، وتطورت مع ابن خلدون لتصل إلى ذروتها في العصر الحديث.4

في السياق الإسلامي ازدادت وضوحًا أفكار التطور مع ابن خلدون، رائد علم الاجتماع، الذي ربط التطور بالتاريخ والظواهر الاجتماعية. ففي مقدمة كتابه "المقدمة"، أكّد ابن خلدون على أنّ الحضارات والعمران يتغيران عبر الزمن، وأنّ المجتمعات تخضع لدورات من الصعود والهبوط.4

لكن تجدر الإشارة إلى أن أفكار التطور في الفكر العربي الإسلامي ظلت محدودة نسبيًا مقارنة بنظريات التطور الحديثة. ففي حين ركز مفكرو الإسلام على التطور الاجتماعي والثقافي، لم يتطرقوا بشكل عميق إلى التطور البيولوجي.

أما في السياق الغربي ورغم أنه يُمكن تتبع جذور المذهب التطوري إلى فلاسفةٍ إغريقٍ قدامى مثل هراكليطس، الذي آمن بأنّ "كلّ شيءٍ يتدفق"، وأفلاطون، الذي اعتقد بوجود عالم مثالي تتجسد فيه المُثل العليا، وتسعى الكائنات الحية في العالم الماديّ إلى الوصول إليه، فإننا نلاحظ  ازدهار هذه الأفكار في الفكر الغربي مع ظهور علماء مثل لامارك الذي وضع نظرية "التطور الوراثي المكتسب".5

ولكنّ الثورة الحقيقية في مجال التطور حدثت مع تشارلز داروين، الذي نشر في عام 1859 كتابه الشهير "أصل الأنواع". حيث قدّم داروين في هذا الكتاب نظرية "الانتقاء الطبيعي" التي شكّلت أساسًا متينًا لفهم آليات التطور.5

مبادئ المذهب التطوري:5

يرتكز المذهب التطوري على مجموعة من المبادئ الأساسية، تشمل:

1- التغير المستمر: 

تنصّ هذه المبدأ على أنّ جميع الكائنات الحية في حالة تغيّر مستمرّ ودائم، وأنّ الأنواع البيولوجية ليست ثابتة بل تتطور بمرور الزمن.

2- التنوع: 

تُشير هذه المبدأ إلى أنّ التنوع الهائل في الحياة على الأرض هو نتيجة لعملية التطور، وأنّ الأنواع المختلفة قد نشأت من أصل مشترك.

3- الانتقاء الطبيعي: 

يُعدّ الانتقاء الطبيعي المحرك الأساسي للتطور، حيث أنّ الكائنات الأكثر قدرةً على التكيف مع بيئتها هي التي تبقى وتتكاثر، بينما تنقرض الأنواع الأقلّ قدرةً على التكيف.

4- الوراثة: 

تُعدّ الوراثة آلية انتقال الصفات من جيل إلى آخر، وهي المسؤولة عن تنوع الكائنات الحية وتطورها.

5- التباعد التدريجي: 

تنصّ هذه المبدأ على أنّ الأنواع الجديدة تنشأ من خلال عملية التباعد التدريجي من الأنواع الموجودة مسبقًا، وذلك بفعل التغيرات الوراثية والتكيف مع البيئات المختلفة.

6- التعميم: 

يُمكن تطبيق مبادئ التطور على مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك الكائنات الحية والمجتمعات والثقافات. 

يُعدّ المذهب التطوري نظرية علمية مدعومة بأدلة قوية من مختلف مجالات العلم، مثل:

علم الأحياء التطوري: يُقدم هذا العلم أدلةً مُقنعةً على تغيّر الأنواع بمرور الزمن، وذلك من خلال دراسة الأحفورات والسجلات الجينية.

علم التشكل المقارن: يُظهر هذا العلم التشابه في التركيب التشريحي بين الأنواع المختلفة، ممّا يدعم فكرة النشوء المشترك.

علم الجينات: يُقدّم هذا العلم أدلةً على دور الوراثة في نقل الصفات من جيل إلى آخر، ممّا يُفسّر تنوع الكائنات الحية.


الخاتمة:

شهدت فلسفة العلم نقاشًا حادًا حول طبيعة العالم الطبيعي، فتنازع المذهب الثباتي والمذهب التطوري لتقديم تفسيرات مغايرة لِنشأة وتطور الأنواع.

المذهب الثباتي، الذي يُمثّل وجهة نظر تقليدية، ينادي بثبات الأنواع، معتقدًا أنّ كل نوع خُلق بشكل منفصل ودائم دون أي تغيير عبر الزمن. بينما يُعارض المذهب التطوري هذه الفكرة جَذْرِيًّا، مؤكّدًا على أنّ الأنواع تتغير وتتطور بمرور الوقت، وأنّ جميع الكائنات الحية تنحدر من سلف مشترك.

يُهيمن المذهب التطوري على العلم الحديث، مدعومًا بأدلة قاطعة من مختلف مجالات العلوم، مثل علم الأحياء، وعلم الأحفوريات، وعلم الوراثة، وعلم التشريح المقارن. فقد أظهرت الاكتشافات العلمية قدرة الأنواع على التكيف مع بيئتها، وكشفت عن تنوع هائل في أشكال الحياة على الأرض.

تُقدم نظرية التطور تفسيرًا منطقيًا لِعمليات التغير التي تُلاحظ في العالم الطبيعي، مثل ظهور أنواع جديدة وانقراض أنواع أخرى.

ومع ذلك، لا يزال المذهب الثباتي يحظى بدعم من بعض الفئات، خاصةً لأسباب دينية أو فلسفية.

ففي حين أنّ العلم قدّم أدلة قوية تدعم التطور، إلا أنّ الجدل حول أصل الأنواع لا يزال مستمرًا، مع طرح أسئلة حول آليات التطور، ودور الخالق في عملية التغير. 


ورقة بحث : قراءة في كتاب تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية لكارل ياسبرز

0

 مقدمة:

يُعدّ كارل ياسبرز أحد رواد الفلسفة الوجودية. تأثّر ياسبرز بشكل كبير بدراسته لعلم النفس، ممّا انعكس بوضوح في طرحه لعلم النفس الوجودي. ساهم هذا التأثير في تشكله الفلسفي وجعله ينضمّ إلى مارتن هايدغر في تأسيس المدرسة الوجودية الفلسفية.

يُمثّل كتاب "تاريخ الفلسفة" لـ ياسبرز المحاولة الثانية والأخيرة لتأريخ الفلسفة، بعد كتابه الضخم "الفلاسفة العِظام". يُعدّ تأريخ الفلسفة مهمّةً شاقةً بالنسبة للفيلسوف، إذ يتطلّب منه اتّخاذ موقفٍ محدّد من مختلف المذاهب الفلسفية. ولذلك، تُلاحظ بوضوح تأثيرات المنهج الظاهري على منهج ياسبرز في هذا الكتاب، بدءًا من نظرته للتفلسف إلى الإطار الزمني إلى التاريخ العيني للفلسفة، وذلك على الرغم من محاولته عرض مختلف المذاهب الفلسفية بشكلٍ موضوعيّ. 

المؤلف:

كارل ياسبرز (1889-1969): فيلسوف ألماني وجودي، يُعدّ من أهمّ رواد المدرسة الوجودية في القرن العشرين. اشتهر بأعماله في الفلسفة الوجودية، وأخلاقيات المعرفة، وفلسفة الدين.

المترجم:

عبد الغفار مكاوي: أكاديمي مصري، وأستاذ للفلسفة بجامعة عين شمس. له العديد من الترجمات الفلسفية المهمة، من بينها ترجمة كتاب "تاريخ الفلسفة الغربية" لبرتراند راسل.

قام المترجم عبد الغفار مكاوي بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، ونشرته دار نهضة مصر في عام 1962. 

تُعدّ ترجمة مكاوي من أفضل الترجمات العربية للكتاب، حيث تميزت بأمانتها ودقتها، ونقلها للأفكار الفلسفية المعقدة بأسلوب سهل الفهم.

هذا الملخص لنسخة PDF من الكتاب طبعة 2017م مؤسسة هندواي.

أهم أفكار الكتاب:

1- في مقدمة كتابه ناقش ياسبرز الأفكار التالية:

قدم تساؤلات حول كيفية فهمنا لتاريخ الفلسفة وتراثها، وكيفية تقييم محاولات إعادة كتابته.

صعوبات كتابة تاريخ الفلسفة:

ضخامة التراث: يصعب على شخص واحد معرفة كل النصوص الفلسفية بدقة.

تعدد التفسيرات: تحتمل النصوص الأصلية تفسيرات لا حصر لها.

الذاتية: تعكس كتابات تاريخ الفلسفة أسلوب تفكير أصحابها ونزعاتهم.

غموض الوجودية: تبقى بعض جوانب التصور غامضة من الناحية الوجودية.

دور مؤرخ الفلسفة:

المعرفة الذاتية: على مؤرخ الفلسفة أن يفهم نفسه ووجهة نظره.

التواضع الفكري: لا ينبغي له أن يتبنى وجهة نظر ثابتة.

السعي للفهم الشامل: ينبغي له أن يسعى لفهم تاريخ الفلسفة من منظور شامل.

المشاركة في التفلسف: ينبغي له أن يشارك في نهر التفلسف العام.

إنتاج صور متعددة: ينتج صوراً متعددة لتاريخ الفلسفة تتفاعل مع بعضها البعض.

2- الفلسفة بمعناها الصحيح وتاريخ الفلسفة (فكرة الفلسفة الخالدة) 

يقدم ياسبرز وجهتي نظر مختلفتين حول العلاقة بين الفلسفة وتاريخها:

النظرة التقليدية: ترى أن تاريخ الفلسفة هو مجرد سلسلة من الأخطاء التي تم تجاوزها، وأن الحقيقة الفلسفية تتقدم مع مرور الوقت وتصل إلى ذروتها في اللحظة الحالية.

النظرة النقدية: ترى أن الفلسفة ليست علماً دقيقاً ذا حقائق مطلقة، بل هي محاولة لفهم الوجود الإنساني بشكل شامل. ولهذا، فإن تاريخ الفلسفة مهم لفهم الأفكار الفلسفية المختلفة وكيف تطورت عبر الزمن.

خصائص الفلسفة:

كما حدد الخصائص الرئيسية للفلسفة على النحو التالي:

البحث عن الدقة: تسعى الفلسفة إلى استخدام المنطق والأدلة لبناء نظريات متماسكة حول العالم.

النظم الفلسفية: لكل فيلسوف نظامه الخاص الذي يعكس وجهة نظره حول العالم.

الحوار الفكري: الفلسفة هي عملية مستمرة من الحوار والنقاش بين الفلاسفة عبر الزمن.

الوحدة والتعدد: تمثل الفلسفة الخالدة وحدة شاملة، بينما تتجلى في أشكال متعددة عبر التاريخ

الفرق بين تاريخ الفلسفة وتاريخ العلم:

وفي معرض نقده للتصور التقليدي لتاريخ الفلسفة حدد الكاتب الفروقات الجوهرية بينها وبين تاريخ العلم كالتالي:  

محدودية تاريخ العلوم: يختلف تاريخ الفلسفة عن تاريخ العلوم، ففي حين يمثل تاريخ العلوم جزءًا أساسيًا من دراسة تلك العلوم، فإن تاريخ الفلسفة هو موضوعها الأساسي.

شمولية الفلسفة: تختلف الفلسفة عن العلوم في أنها لا تسعى فقط إلى المعرفة الدقيقة، بل تهتم أيضًا بالقيم والمعنى والحقيقة المطلقة.

أهمية تاريخ الفلسفة: يقدم تاريخ الفلسفة فهمًا أعمق للطبيعة البشرية، ويساعد على تقييم الأفكار الفلسفية المختلفة، ويوضح تطور الفكر الإنساني.

3- إدراك الحقيقة والواقع في تاريخ الفلسفة (اختيار الأساسي والجوهري) 

يناقش ياسبرز طبيعة فهم تاريخ الفلسفة، مؤكداً على ضرورة تجاوز النظرة الضيقة التي تقتصر على المعرفة الموضوعية أو تحكمها معايير محددة.

الإحساس بواقع "الشامل": لفهم تاريخ الفلسفة، يجب على المرء أن يكون لديه إحساس بواقع "الشامل"، وهو الواقع الذي يتجاوز حدود المعرفة العلمية والفلسفية التقليدية.

التجرد من الأحكام المسبقة: يجب على المرء أن يتجرد من أي أحكام مسبقة أو أفكار مسبقة عند دراسة تاريخ الفلسفة.

الوجود ممكن: الفلسفة ليست رصيدًا ثابتًا من المعارف، بل هي وجودٌ ممكن يتواصل مع وجوداتٍ أخرى في الماضي.

العلاقة بين الوجود الحاضر والماضي: الماضي له تأثير عميق على الحاضر، ويفهم المرء نفسه من خلال استيعاب أفكار الفلاسفة السابقين.

استيعاب أفكار الفلاسفة السابقين: من المهم استيعاب أفكار الفلاسفة السابقين دون التقيد بها بشكلٍ أعمى.

الانفتاح على الوجود الواقعي: نقطة المرجعية لفهم تاريخ الفلسفة ليست وجهة نظر معينة، بل هي الانفتاح على الوجود الواقعي. 

4- الخصائص الأساسية لتصور تاريخ الفلسفة تصورًا له معناه 

يُقدم ياسبرز رؤية شاملة لتاريخ الفلسفة، مُتضمنًا خصائص أساسية يجب أن يتمتع بها هذا التاريخ ليكون مُفيدًا وفهمًا عميقًا.

الخصائص الأساسية لتاريخ الفلسفة:

1. العالمية:

شمولية المكان والزمان: يمتد تاريخ الفلسفة ليشمل جميع الحضارات والأفكار الفلسفية على مر العصور، مُتنبّهًا للتفاعلات والتأثيرات المتبادلة بينها.

المرآة: يُمثّل تاريخ الفلسفة مرآةً تعكس الوجود الإنساني بمجمله، مُمكّنًا الفرد من فهم ذاته وموقعه في العالم.

تعدد الظواهر: يُظهر تاريخ الفلسفة غنى وتنوع الأفكار الفلسفية، مُبيّنًا أوجه الاتفاق والاختلاف بينها.

التواصل: يُشجع تاريخ الفلسفة على التواصل والحوار بين مختلف الثقافات الفلسفية، سعيًا لفهم مشترك للوجود الإنساني.

2. العيانية (الحَدس):

إعادة التفكير: يتطلب فهم الأفكار الفلسفية إعادة التفكير فيها ضمن سياقها التاريخي والثقافي.

الوصول إلى الجوهر: تسعى العيانية (الحَدس) إلى الوصول إلى الجوهر المُتضمّن في الأفكار الفلسفية، مُتجاوزةً التفسيرات السطحية.

رؤية الأبدي: تُمكّن العيانية (الحَدس) من إدراك الأبعاد الأبدية للأفكار الفلسفية، حتى وإن كانت مُتجسّدة في ظواهر تاريخية محددة.

النماذج والصور: تُستخدم النماذج والصور كأدوات لفهم الأفكار الفلسفية المعقدة، مع إدراك نسبيّتها وقابليّة مراجعتها.

3. البساطة:

التركيز على الجوهري: ينبغي لتاريخ الفلسفة أن يُركّز على الأفكار الفلسفية الجوهرية، مُتنبّهًا للتفاصيل المهمة دون الوقوع في فخّ التجميع المُفرط للمعلومات.

التنظيم المنطقي: يجب تنظيم تاريخ الفلسفة بشكلٍ منطقي يُسهّل فهمه وترابط أفكاره.

الوضوح: ينبغي استخدام لغة واضحة ومباشرة في كتابة تاريخ الفلسفة، مُتجنّبًا المصطلحات المُعقّدة دون داعٍ.

5- الإقبال على تاريخ الفلسفة عن رغبة واهتمام هو نفسه نوع من التفلسف 

يشرح الكاتب أنّ إقبالنا على تاريخ الفلسفة يدلّ على رغبة فطرية لدينا في التفلسف. ويؤكد على أنّ فهم الفلسفة يتطلب منا أكثر من مجرد معرفة اللغة التي كتبت بها، بل يتطلب منّا أن نضع أنفسنا في مكان الفيلسوف ونشارك في تفكيره.

الفهم الحقيقي للفلسفة:

يُعرّف الفهم الحقيقي للفلسفة بأنّه القدرة على إدراك الأفكار الفلسفية حتى لو كانت مضادة لنا أو غريبة علينا. ويؤكد على أنّ هذا الفهم يتطلب منّا التواضع والاعتراف بحدود معرفتنا.

الاستيعاب المتبادل بين تاريخ الفلسفة والتفلسف الشخصي:

يُشير  إلى أنّ استيعاب تاريخ الفلسفة يتفاعل مع تفلسفنا الشخصي ويُثريه. ويُحذّر من محاولة توجيه تاريخ الفلسفة أو بنائه من وجهة نظر فلسفية محددة، لأنّ ذلك سيُفقده طابعه التاريخي.

عدم وجود حقيقة واحدة في تاريخ الفلسفة:

يُفند فكرة وجود حقيقة واحدة في تاريخ الفلسفة. ويؤكد على أنّ تاريخ الفلسفة مليء بأصوات متعددة المعاني، وأنّ محاولات تحديد وجهة نظر واحدة ستكون نوعًا من الوثنية الجديدة.

التاريخ المتغير لتاريخ الفلسفة:

يُشير إلى أنّ نظرتنا لتاريخ الفلسفة تتغير مع تغير تفكيرنا الفلسفي. ويُؤكد على أنّ هذا التغير ضروري لفهم تاريخ الفلسفة بشكل أفضل.

الواقع كمرجعية لفهم تاريخ الفلسفة:

يُؤكد على أنّ فهم تاريخ الفلسفة يجب أن ينطلق من الواقع، وأنّ على مؤرخ الفلسفة أن يبدأ بفحص الوقائع وتحديد معناها.

تاريخ الفلسفة كحركة متجددة:

يرى الكاتب أنّ تاريخ الفلسفة ليس مجرّد مجموعة من الأفكار الثابتة، بل هو حركة متجددة يمكن أن تُلهمنا وتُساعدنا على فهم العالم بشكل أفضل.


يُختتم الكتاب بتأكيد ياسبرز على أنّ دراسة تاريخ الفلسفة هي دراسة فلسفية، وأنّ التاريخ الصحيح للفلسفة يجب أن يُؤدي إلى تعمق التفكير الفلسفي.


الخاتمة:

يرى بعض النقاد أن كتاب "تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية" يُركز بشكل كبير على الفلسفة الغربية، بينما لا يُعطي اهتمامًا كافيًا للفلسفات الشرقية، كما يرى البعض الآخر أن أسلوب ياسبرز في الكتابة قد يكون صعبًا على بعض القراء.

لكن الكتاب مع ذلك يُعد من أهم كتب تاريخ الفلسفة، وقد أثّر بشكل كبير على العديد من الفلاسفة والمثقفين.

كما يعد مرجعًا هامًا لطلاب الفلسفة وللمهتمين بتاريخ الفكر الإنساني. يُقدم الكتاب نظرة مبتكرة لتاريخ الأفكار الفلسفية وتأثيرها على تطور الفكر الإنساني.


قراءة في كتاب تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية لكارل ياسبرز 

ورقة بحث : التداولية في الدلالة اللغوية والدلالة الإصطلاحية

0

 التداولية مصطلح لساني غربي؛ يعبر عن اتجاه لساني حديث تطور في فترة السبعينات من القرن العشرين؛ يعنى بدراسة اللغة ضمن أسيقتها اللغوية وغير اللغوية. وهذه الدراسة تجتهد في تتبع الدلالة اللغوية والاصطالحية لهذا المصطلح في الثقافة اللسانية الغربية، وكيف انعكس ذلك على الثقافة اللسانية العربية، ترجمة وتعريبا في المصطلح والمفهوم؛ مع الوقوف على عملية الفصل بين التداولية كمنهج لساني، وبين الذرائعية كمذهب فلسفي نفعي.

قوبل المصطلح الأجنبي " PRAGMATICS " بكم هائل من المصطلحات العربية لدرجة التبذير والفوضى، ولكن هيمنةَ التداول كانت من نصيب مصطلح التداولية الذي وظفه الباحثان المغربيان "طه عبد الرحمن و أحمد المتوكل"، أما تعاريف الألسنيين العرب المحدثين فقد جاءت متقاربة لا تخرج عن مجال اللسانيات، وكلها تركز على السياق التخاطبي؛ وبعبارة أدق وأوضح سياق الحال أو المقام، ولذلك وجدنا منهم من يقول التداولية هي: المقامية.

في دلالة الجذراللغوي :

يعود أصل المصطلح الأجنبي "PRAGMATIQUE LA " إلى الكلمة الالتينية "PRAGMATICUS"، ومبناها على الجذر " PRAGMA" ؛ الذي يعني الفعل" ACTION"، وبفعل اللاحقة " TIQUE " صارت تعني كل ما له عالقة بالفعل والتحقق العملي في الواقع، وقبل أن يدخل هذا املصطلح مجال الحقول الفلسفية والأدبية استعمل في المجال القانوني ، وبالتحديد في عبارة "SANCTION PRAGMATIQUE " التي تعني المنشور أو المرسوم الذي يرمي إلى اقتراح حلول نهائية، وقابلة للتطبيق والتحقق في الواقع لقضيةِ  مهمة، ثم وظف هذا المصطلح في مجال العلوم الصرفة، ليدل على كل بحث أو جهد علمي أفضى إلى نتائج قابلة للتطبيق العملي؛ ثم صار يطلق في اللغة المستعملة في عبارات مثل:

هذا تفكير عملي، أو هو شخص عملي واقعي : أي نزاع وميال إلى اقتراح وإيجاد الحلول العملية والواقعية لما قد يطرح من مشاكل وعقبات.1

المفهوم الاصطلاحي للتداولية : 

إنه لمن الصعوبة بمكان الإلمام بتعريف مضبوط ودقيق للتداولية وذلك لألسباب التالية:

 1 - اتساع رقعتها المفهومية بحيث إنها لا تنتمي إلى أي من المستويات اللغوية المعروفة لدى الباحثين ، فهي دراسة فضفاضة، تلقي بظلالها على جميع المستويات.

2 - تعد التداولية ملتقى لكثير من العلوم، في حين أنها لا تقف وتستقر عند أحد منها، فهي تلتقي مع علم الدلالة، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، وتحليل الخطاب. 2

لذلك اختلفت تعريفات التداولية حسب التربة التي نشأت فيها، فكل باحث يحاول أن يعرفها وفق الجانب المعرفي الذي يعتمده في بحثه، فتعريف اللغوي يختلف عن تعريف الاجتماعي، وتعريف الأخير يختلف عن تعريف النفساني وهكذا، ولكن السمة الغالبة التي تجمعهم جميعا تهتم بالتواصل والاستعمال الحقيقي للغة، فهي إذن تعاريف غير متضاربة بقدر ما هي متفاوتة من حيث العموم والخصوص، والضبابية والوضوح.

اقترح الباحث اللساني التداولي ليفينسون "LEVINSON "في مؤلفه "PRAGMATICS" مجموعة من التعاريف، سوف نسوق بعضها لنقف على أوجه الاتفاق والاختلاف بينها .

أ - التعريف الأول: التداولية دراسة الاستعمال اللغوي "USAGE LANGUAGE" الذي يقوم به أشخاص لهم معارف خاصة، ووضعية اجتماعية معينة.

ب - التعريف الثاني: التداولية دراسة للمبادئ التي تمكننا من إدراك غرابة بعض الجمل، أو عدم مقبوليتها، أولحنها، أو عدم ورودها في لغة المتكلم.

ج - التعريف الثالث:  دراسة اللغة في إطارها الوظيفي ، أي فهم بنيات اللغة بالاعتماد على العلل والاستدلالات غير اللغوية " NO LINGUISTICS ".

د - التعريف الرابع : "التداولية دراسة للعلاقات بين اللغة والسياق، أو هي دراسة كفاية مستعملي اللغة في ربطهم لها بسياقاتها الخاصة" .

هـ- التعريف الخامس :" التداولية دراسة لظواهر بنية الخطاب اللغوي من تضمينات، واقتضاءات، أو ما يسمى بأفعال اللغة "ACTS SPEACH".3

واضح جدا من التعاريف السابقة أنها تدور بين الدلالة والاستعمال، وعندما أذكر الاستعمال ينضوي تحته حتما عناصره من متكلم ومستمع ، ومقاصد ونوايا، وسياقَ ومقام، وهي كلها متظافرة تسهم في إبراز الدلالة المقصدية،ِ وتجنبنا تفلت المعنى وتظَشيه .

ولكن هذا لا يمنعنا من الوقوف على تلك التعاريف المرتبطة بالتفكير التداولي في أطوار نشأته الأولى، ولعل أول ما يحضرنا هنا هو تعريف الفيلسوف الأمريكي تشارلز موريس " CHARLES MORRIS "، حين استخدم هذا المصطلح عام 1938م.

فالتداولية بحسب موريس: تهتم بدراسة العلامات، حيث تتشابك العلامات اللغوية فيما بينها وفق نظامها الخاص بها، ثم تأتي مرحلة الإحالة على مراجعها ولولا التركيب لما حدثت إحالة؛ وهذه الأخيرة تبقى دلالات فضفاضة و معاني واسعة، حتى إذا انتقلنا بها إلى إطارها التداولي حصلت المقصدية وزالت الاحتمالية.4

الخاتمة:

التداولية مصطلح يكتنفه الكثير من الغموض، والسبب في ذلك ارتباطه بكثير من القضايا المثارة من قبل كثير من الحقول المعرفية، ولذلك جاءت مفاهيمهم مختلفة تبعا لاختلاف المنطلقات الفكرية؛ ومع ذلك نلحظ أن تعريفات اللسانيين الغربيين كلها تركز على الاستعمال، وتنأى باللغة عن تلك الجدالات العقيمة المبتوتة الصلة بسياق التخاطب. 


المراجع:

1- نواري سعودي: في تداولية الخطاب الأدبي، بيت الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر الطبعة الأولى، سنة 2009م، 

2- محمود أحمد نحلة: آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، 2002م

3- إدريس مقبول: الأسس الإبستمولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه، عالم الكتاب الحديث، الأردن، الطبعة األولى، سنة 2006م،

4- محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 2011م

5- مفهوم التداولية  قراءة في المصطلح والمفهوم،عمر بوقمرة، مجلة المدونة، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، 2017م



التداولية في الدلالة اللغوية والدلالة الإصطلاحية 

ورقة بحث : فلسفة علم الفلك نشأة الكون بين التفسيرين، الكلاسيكي والعلمي المعاصر

0

 إنّ علم الكون "الكوزمولوجيا" هو العلمُ الذي يدرسُ الكونَ من حيث نشأته وبنيته وتطوّره، والكونُ هو هذا العالَم الذي نعيش فيه بما يحويه من مادّة مرئيّة وغير مرئيّة.

ولقد استُعملت كلمة الكون (cosmos) في الفلسفة اليونانية القديمة بمعنى التمايز والنظام والانسجام (وأيضاً: الجمال) وهي عكس كلمة الفوضى (chaos) التي تعني أيضاً عدم التمايز والعشوائية. وهذا المعنى ينطبق أيضاً إلى حدٍّ كبيرٍ على الكلمة العربية "الكون": من التكوين أي التشكيل أي إعطاء شكلٍ محدّدٍ لشيءٍ كان غير متشكّلٍ أو غير متمايزٍ أي غير متكوّنٍ؛ وكلُّ ذلك يعود بأصله لرؤية فلسفيّة قديمة للخلق، حيث إنّ بعض النظريّات القديمة تعتبر أن العالَم كان موجوداً بشكلٍ غير متمايزٍ ثم تكوّن على ما هو عليه الآن في هذا الشكل الجميل والنظام البديع.6

علم الكونيات مثله مثل علم الفلك (وهو علم دراسة الأجسام السماوية)، يمكن له اختبار نظرياته فقط عن طريق الملاحظة بدلاً من التجريب. ورغم وجود الكثير من العلماء العالقين في نظريات مثل "قابلية الدحض"لكارل بوبر، إلا أنه لا يمكننا قطعا إجراء تجارب على الكون ككل، وأكثر ما يمكننا القيام به هو تفجير نجم في المختبر فرضاً. وحتى لو تمكنا من تفجير نجم في المختبر، فقد يأخذ المرء الموقف الفلسفي الذي لا ينبغي الأخذ به. 

ومع كل ذلك، بينما يقوم الفلكيون ببناء تلسكوبات لمراقبة ملايين المجرات أو مليارات النجوم، لا يوجد سوى كون واحد نعاينه. بالإضافة إلى كوننا على الأرض عالقون في نقطة واحدة ويمكننا ملاحظة قدر محدود جدا من الكون، تعني كل هذه القيود وغيرها أن الاختيارات الفلسفية سوف تلعب دون شك دوراً في بناء النظريات الكونية واختبارها.1

ولقد ناقشت الفلسفة مسألة نشأة الكون منذ القديم في مبحث الوجود، ولطالما تساءل الفلاسفة عبر العصور عن حجمه وعمره ومادته وآليات حركته،

- فكيف كان التفسير الفلسفي الكلاسيكي لنشأة الكون ؟

- وهل كشف التفسير العلمي المعاصر  لغزه المحير، أم لا يزال رهينا للفسفة ؟ 

المبحث الأول: التفسير الكلاسيكي لنشأة الكون

فلسفة ارسطو في  نشأة الكون:

كان أرسطو يعتقد بقدم العالم وقدم الحركة وله في ذلـك حجـة كليـة وجيهـة بعـض الشـيء، منصــبة علــى قــدم الحركـة ولكنهـا قائمـة علـى مبـدأ كلـي فيجـب تقـديمها فالعلـة الأولـى ثابتـة هـي هـي دائمـا لهـا نفـس القدرة ومحدثة نفس المعلول فلو فرضـنا وقتـا لـم يكـن فيـه حركـة لـزم عـن هـذا الغـرض ان لا تكـون حركـة ابـدا ولـو فرضـنا علـى العكـس ان الحركـة كانـت قـدما لـزم انهـا تبقـى دائمـا 3 

فيرى ارسطو واتباعه ان العالم قديم من خلال استدلالهم على انه يستحيل حدوث حادث مـن قـديم مطلقا فأرسطو يعتبر ان الزمن ليس شيئا حقيقيا ثابتا وانما هـو مظهـر فقـط يعتقد ان هذه الزمنية عرضية ومسالة ظاهرية لا حقيقـة لهـا وان العلاقـة ليسـت زمنيـة ولا علاقـة مـؤثر بـاثر انمـا هي علاقة منطقية 

أي انها علاقة مقدمة بنتيجة فالله مقدمة منطقيـة والعـالم النتيجـة واالله مـنح العـالم وجـوده كمـا تمـنح المقدمــة النتيجــة وجودهــا فالنتيجــة فــي القضــية المنطقيــة تتبــع المقدمــة اعنــي المقدمــة تــذكر اولا والنتيجة ثانيا ولكن جاءت اولا في الفكر لا فـي الـزمن فالتقـدم والتـأخر فـي المقدمـة والنتيجـة فكـري لازمني وكذلك واجب الوجود او مفـيض الوجـود علـى العـالم عنـد ارسـطو هـو اول فـي الفكـر لافـي الــزمن3

فلسفة ابن سينا في نشأة الكون:

يـرى ابــن ســينا ان العــالم قــديم بالزمــان حــادث بالــذات قــديم بالزمــان بمعنــى انــه لا أول لوجــوده ، وحادث بالذات بمعنى انه معلول لسبب الاول واجب الوجود ومعلوم ان العلة سابقة ذاتيا لا زمانيا فعند ابن سينا ان االله متقدم على العالم بالذات لا بالزمـان حتـى لا يفضـي الـى القـول بوجـود زمـان قبل هذا الزمان3

جوهر مشكلة قدم العالم بين رأي الفلاسفة ورأي علماء الكلام الأشاعرة:

طرح "الفلاسفة" وعلى رأسهم ابن سيناء المسألة على هذا الشكل: 

فالمنطلق عندهم هو صعوبة التخلص من الإشكالات المنطقية التي تلازم القول ب "حدوث العالم"؛ وهي الإشكالات التي لم تزدها نظرية الجوهر الفرد عند المتكلمين إلا تعقيدا. وفي مقدمة هذه الإشكالات، أن القول بأن العالم "حادث" بالمعنى الذي يعطيه الأشعرية ل "الحدوث"؛ وهو أن الله كان منذ الأزل وحده، لاشيء معهه ثم شاءت إرادته أن يخلق العالم، فخلقه؛ 

هذا القول يدفع إلى التساؤل: كيف نفهم أن الإرادة الإلهية شاءت في وقت ما خلق العالم؟ 

ما الذي جعل الإرادة الإهية لا تخلق العالم قبل وقت خلقه أو بعده؟ 

هل يرجع ذلك إلى قيام "مرجح”، رجح عملية الخلق في وقت دون آخر؟ 

هذا لا يمكن! لأن فكرة "المرجح”، سواء كانت دافعا داخليا أو حافزا خارجيا، لا معنى لها بالنسبة إلى الله المنزه عن الوقوع تحت أي تأثير مهما كان.1 

ولتجاوز هذا الإشكال المنطقي سلك ابن سينا مسلكا اعتقد أنه سيقدم به بديلا عن نظرية الأشعرية؛ فقال: إن "الحدوث" بالمعنى الذي يفهمه المتكلمون لا يمكن البرهان عليه ولا تجنب مشكل "المرجح" فيه؛ ولذلك ينبغي التخلي عن مقولتي "الحدوث" و "القدم "، وهما مقولتان "كلاميتان"؛ أي من وضع المتكلمين؛ والنظر في الأمر من زاوية مقولتين فلسفيتين هما: "الممكن" و"الواجب"؛ وكان الفارابي قد وظفهما من قبل في هذا المجال.

اعتراض الغزالي على ابن سينا في نشأة الكون:3

الوجه الأول : ان يقال للفلاسفة : بما تنكرون على مـن يقـول علـى ان العـالم حـدث بـإرادة قديمـة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه واما دعواهم باستحالة تعلق ارادة قديمة بأحداث شـيء مـا فيعتبرونهــا مــن الضــروريات البديهيــة ، وهــي ليســت كــذلك ، فكيــف تكــون بديهيــة وخصــومها لا يحصرهم بلد ولا يحصيهم عدد وباطل ذلك تمثيل الفلاسفة للإرادة الالهيـة القديمـة بـالإرادة البشـرية الحادثة التي لا يمكن لمرادها ان يتأخر عن ظهورها .

والوجـه الثـاني : يسـتبعد دليـل الفلاسـفة حـدوث حـادث مـن قـديم ولكنـه لابـد لهـم مـن الاعتـراف بـه فـان فـي العـالم حـوادث ولهـا أسـباب والحـوادث لا تسـتند الـى الحـوادث الـى غيـر نهايـة فيجـب ان تنتهي الى طرف وهذا الطرف قديم

رأي ابن رشد :

ناقش ابن رشد الخلاف القائم بين القائلين بأن العالم مخلوق محدث بعد أن لم يكن، وبين الفلاسفة القائلين بأن العالم قديم أزلي مع الاعتراف بأنه مخلوق. فيقول ابن رشد أن الخلاف في هذه المسألة يعود إلى اللفظ، أي خلاف لفظي غير جوهري، لأن في الوجود طرفين وواسطة لقد اتفق الجميع على الطرفين وهما:

أولاً: هناك واحد بالعدد قديم ـ الأول الذي ليس قبله شيء.

ثانياً: هناك على الطرف الآخر كائنات مكونة، وهي عند الجميع محدثة، ولكنهم اختلفوا في هذا العالم بجملته أقديم هو أم محدث؟ فيواصل الفيلسوف مناقشته قائلاً: "إن العالم في الحقيقة ليس محدثاً حقيقياً ولا قديماً حقيقياً لأن القول: إنه محدث حقيقي فاسد ضرورة لأن العالم ليس من طبيعته أن يفنى أي لا تنعدم مادته، والقدم الحقيقي ليس له علة والعالم له علة!!.

إذاً العالم محدث إذا نظرنا إليه من أنه معلول من الله، والعالم قديم إذا اعتبرنا أنه وجد عن الله منذ الأزل من غير تراخ في زمن، الخلاصة أن العالم بالإضافة إلى الله محدث، وبالإضافة إلى أعيان الموجودات قديم".4

وعليه فابن رشد يرى أن كلا الرأين متهافت: 

فقول ابن سينا ب"الممكن بذاته الواجب بغيره"؛ قول متناقض متهافت؛ 

لأنه يجمع بين شيئين متقابلين، كل منهما من طبيعة مختلفة: ف "الممكن" من طبيعته أنه يمكن أن يوجد وأن لا يوجد. بينما "الواجب" هو "الضروري الوجود". والقسمة العقلية تقتضي إما أن يكون الشيء ممكنا، وإما ضروريا، وإما ممتنعا. ولا يمكن أن يكرن "الممكن" واجباء بذاته أو بغيره، إلا إذا انقلبت طبيعة الممكن إلى الواجب، وهذا إلغاء للممكن!

أما احتجاج الغزالي ب "تراخي" الإرادة؛ فاحتجاج فاسد. 

أولا: لأن الإشكال سيبقى: ما الداعي إلى "التراخي"؟ هل هناك عامل ما خارجي أو داخلي، وهذا يعود بنا إلى الحاجة إلى مشكل "المرجح"؟! 

ثانيا: يجب أن نتفق على معنى الإرادة نفسها، لنرى هل يعقل القول بتراخيها أو لا يعقل؟ 

يقول الغزالي: الإرادة "صفة من شأنها تخصيص الشيء عن مثله"؛ فالإرادة الإهية خصصت وجود العالم بدل عدمه! ويعقب ابن رشد متسائلا: ولماذا كان هذا التخصيص؟ ثم ما الإرادة؟ أليست هي شوق إلى فعل شيء يستكمل به المريد، أي يلبي به حاجة في نفسه؟ وهل يجوز مثل هذا القول في حقه تعال؟ وأيضا ما معن "المثل" هنا؟ وهل"الوجود" مثل ل "العدم"» أم أنه مقابل له؟ ويدور نقاش طويل عريض حول هذه المسألة.5

محاولة ابن رشد في التوفيق بين الفلسفة وعلم الكلام في مسألة نشأة الكون  : 

كثيرا ما أسيء فهم موقف ابن رشد من مسألة قدم العالم؛ حيث اتُّهم بالقول بقدم العالم، لكن هذا اتهام باطل، ومجانب للحقيقة2 

لأن ابن رشد يعتقد أن العالم مخلوق مصنوع من الله تعالى، وأن لفظ القدم والحدوث لفظ بدعي، وأن الخلاف في المسألة راجع للاختلاف في التسمية، وأن حقيقة اعتقاد ابن رشد في العالم تقوم على آيات دلالة العناية الإلهية الواردة في القرآن الکريم، فضلا عن أن ابن رشد يعارض نظرية الفيض الإلهي التي اتهم بالقول بها أيضًا، والتي يقتضي القول بها القول بقدم العالم. 2

کما أن سبب الاختلاف في الحکم على ابن رشد راجع إلى الجهل بمنهج ابن رشد وبموضوعيته التي فسرها البعض جهلا بأنها انحياز للباطل، وکذلک إلى اقتصار البعض على شروح ومختصرات ابن رشد الفلسفية التي لا تعبر عن رأيه في المسألة، مع عدم الاطلاع الکامل على جميع مؤلفاته الأصلية التي تتضمن حقيقة اعتقاده وعدم فهم کلامه وفق ما يريد ويقصد في مؤلفاته، کما في کتابه تهافت التهافت؛ إذ يظن البعض أن ابن رشد لم ينتقد فيه إلا الغزالي فقط، مع أن الحقيقة أن ابن رشد قد انتقد الفارابي وابن سينا أيضًا، ووافق الغزالي في بعض ما ذهب إليه، وأثبت أن الفارابي وابن سينا قد خالفا الفلاسفة القدماء؛ لأنهم لم ينقلوا عنهم النقل السليم، وأن علومهم ظنية، فيما نقلوا عن الفلاسفة القدماء. 2

ومما يثبت أمانة ابن رشد وموضوعيته، أنه عزا قصور الغزالي في کتابه تهافت التهافت لاقتصاره على النظر في کتب ابن سينا، وأن الفارابي وابن سينا قد شوَّهوا ما ذهب إليه الفلاسفة القدماء، ولم يعرفوا حقيقة ما ذهبوا إليه، لا سيما أرسطو ومن قبله، وذلک لعدم نقلهم النقل السليم عن الفلاسفة القدماء، ولتأثرهم بغثاء الأفلاطونية المحدثة وغيرها من الفلسفات التي لا تمثل حقيقة ما ذهب إليه الفلاسفة القدماء. 2

المبحث الثاني: التفسير العلمي المعاصر لنشأة الكون

انهيار نظرية الكون الساكن:

كانت ميكانيكا نيوتن وقوانينُه جيدة بما فيه الكفاية لكي تفسّر حركة الأجرام في النظام الشمسي، ولكن نيوتن كان مخطئاً تماماً حينما اعتبر، مثل أرسطو، أن النجوم ثابتة وأن الكون الذي هو خارج النظام الشمسي ساكن لا يتحرك. على الرغم من أن ديناميكية الكون يمكن أن تُستنتج بسهولة من خلال نظريّة الجاذبية، ولكن الاعتقاد العميق بالكون الأرسطوطاليسي الساكن كان قوياً جدّاً بحيث استمرّ لثلاثة قرون بعد نيوتن وانطلى حتى على آينشتاين أثناء صياغته الأولى لنظريّة النسبيّة.6

في سنة 1718، قام ادموند هالي برصد النجوم وقارن مواقعها مع المواقع التي سُجّلت من قبل البابليين والفلكيين القدماء الآخرين فأدرك أنّ مواقع بعض النجوم ليست تماماً كما كانت عليه قبل آلاف السنين؛ فبعض هذه النجوم قد غيّرت مكانها بالنسبة للنجوم المجاورة بمقدار صغير ولكنه كان ملحوظاً وواضحاً. في عام 1783، اكتشف وليام هيرشيل الحركة الشمسية، أو حركة الشمس بالنسبة إلى النجوم المجاورة، وبيّن هيرشيل أيضاً أنّ الشمس والنجوم الأخرى تنتظم مثل قرص الرحى وهو ما سمّي فيما بعد بمجرة درب التبّانة.

بعد أكثر من قرن، في عام 1924، استطاع هابل قياس المسافات إلى بعض النجوم مستنداً على مبدأ انحراف الطيف نحو الأحمر وبيّن أنّ بعض النقاط اللامعة التي نراها في السماء ونحسبها نجوماً هي في الحقيقة مجرات أخرى تشبه مجرتنا، ولكنها تبدو صغيرةً جداً بسبب بعدها السحيق في عمق الفضاء. 6

من جهة أخرى فإنّ اكتشاف انحراف الضوء القادم من النجوم نحو الطرف الأحمر من الطيف لم يكن له أيّ تفسير سوى أنّ هذه النجوم تتحرّك بسرعة كبيرة مبتعدة عنّا، وهو ما عُرف لاحقاً بتمدّد الكون. 6

وبذلك فإن النظريّة الأرسطوطاليسية للكون الساكن قد انهارت تماماً، وأصبح من المؤكد أن جميع الأجرام في الفضاء هي في حركة دائمة كما يقول الله تعالى في سورة يس ﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون [40]﴾. 6

نظرية الإنفجار العظيم تدعم نشأة الكون من العدم:

كما أشرنا أعلاه، كان العلماء حتى بداية القرن العشرين يؤمنون أن الكون ساكنٌ خارج النظام الشمسي، وهو ما عُرف بنموذج أو نظريّة الحالة المستقرة ، لكن ذلك أثبت عدم صحته خاصة مع اكتشاف تمدد الكون بعد قياس أطياف النجوم وملاحظة انحرافها نحو الأحمر.

في الحقيقة فإن نفس النظريّة التي حاول آينشتاين أوّلاً أن يجعلها تفسّر سكون النجوم أثبتت لاحقاً أنّ الكون يتوسّعُ مما يعني أنه بدأ في لحظة معينة، قبل حوالي خمسة عشر ألف مليون سنة، من نقطة صغيرة جدّاً، لكن بكثافة عالية جدّاً، وبعد ذلك توسّع إلى حالته الحالية. هذه الرؤية دُعيت باسم "الانفجار العظيم" (big bang)، والعديد من النماذج الكونية طُوّرت استناداً على هذه النظريّة. 6

لقد حاولت نظريّة الحالة المستقرة تفسير توسّع الكون بافتراض وجود خلق مستمر للمادة مما يملأ الفضاء ويؤدي إلى هذا التوسّع، لكنّ اكتشاف الإشعاع الخلفي للأمواج الميكروية في عام 1965 أدّى إلى انهيار نموذج الكون المستقر كلّيّاً لصالح نظريّة الانفجار العظيم، حيث فُسّر الإشعاع الخلفي على أنه الانعكاس المتبقّي من الانفجار العظيم، كما تنبّأ بذلك ألفر وهيرمان من قبلُ في عام 1949. 6

إن المشكلة الوحيدة بالنسبة للإشعاع الخلفي أنه كان متجانساً في جميع الاتجاهات، لأنه مع هذا التجانس لا يمكن تفسير نشأة النجوم والمجرات كما هو الأمر في الواقع، فقط في سنة 1992 استطاع القمر الصناعي المستكشف لناسا (COBE) اكتشاف أوّل عدم تجانس في هذا الإشعاع الخلفي؛ عبارة عن جزء واحد في مائة ألف، مما قد يُشيرُ إلى البذور الأولى التي تشكلّت منها المجرّات. 6

لقد كان نموذج الانفجار العظيم ناجحاً جدّاً في تفسير العديد من الملاحظات والأرصاد، رغم ما فيه من التناقضات التي حاول بعض العلماء حلّها، وقد تمّ بالفعل حلّ العديد من هذه التناقضات من خلال السيناريو التضخّمي، الذي ابتكره ألان غوث في عام 1979 حين فرض أنّ تمدد الكون في اللحظات الأولى من الخلق (عند حوالي 10-32 إلى 10-43من الثانية) قد تمّ بشكل تصاعدي نتيجة الكثافة الكبيرة والضغط العالي الذي كان فيه، ولكن لا تزال هناك أمور كثيرة عالقة لا يمكن تفسيرها وفق هذا النموذج. من أجل ذلك بدأ العلماء يفكرون بنظريّات أخرى لحل هذه المشكلات، وكان لا بدّ من سبر إمكانيات ميكانيكا الكمّ الذي قد بدأ يثبت جدارته على المستوى الذرّي. 6

الخاتمة:

كانت النقاشات الفلسفية مستمرة عبر قرون بين المؤمنين والماديين تزداد وتقل وفق العصور المختلفة بين قولين: هل الكون مخلوق أم أزلي؟ وكان للمؤمنين بالخالق ردودهم على الفلسفة المادية عن طريق الإثبات الفلسفي للكون المحدَث، وهو بطلان مفهوم التسلسل إلى اللانهاية، ومفهوم الذاتي والمكتسب وقانون العلة 

(كل محدَث يحتاج إلى خالق).7

وبعد ثبات نظرية الانفجار العظيم برزت قضية الخلق من جديد، وهذه المرة عن طريق العلم، فقد ثبت أن للكون بداية، وبالتالي من المنطقي أن يسأل الإنسان عن الخالق. لكن مع ذلك مازال هناك من العلماء المتخصصين من يرفض فكرة أن للكون خالقاً!! 7

ونختم بحثنا بكلام أحد العلماء المؤيد للتفسير الغيبي لأصل الكون، عالم الفيزياء "شارلز تاونز" الحاصل على جائزة نوبل والذي قال: «العلم كما نعرفه مبني على أساس السبب والأثر والمكان والزمان، فكيف يمكننا تفسير أصل الكون على أساس العلم؟ لا يمكنني أن أفهم كيف يمكن للعلم وحده وأن يفسر أصل كل الأشياء. صحيح أن الفيزيائيين يأملون التوصل إلى ما بعد الانفجار العظيم وإمكان تفسير أصل الكون الذي نحن فيه، ولكن كيف بدأ أصل الكون في الوجود؟ في نظري السؤال عن أصل الكون سيبقى من غير إجابة إذا اعتمدنا على العلم وحده».7

المراجـــع:

1- ترجمة آلاء أبو رميلة ، (2018م)،علم الكونيات بدون فلسفة.. هل هي سفينة بدون هيكل؟، ميدان، الجزيرة نت. 

2- سلمان نشمي العنزي . (2021).  موقف ابن رشد من مسالة قدم العالم. مجلة  كلية الآداب جامعة القاهرة.

3- مصطفى فاضل كريم الخفاجي.(2019).المنهج النقدي عند ابن رشد للرد على الفلاسفة في مسالة قدم العالم. جامعة بابل

4- كتاب العقل والنقل عند ابن رشد. محاولة ابن رشد الحل الوسط في قضية قدم العالم. المكتبة الشاملة.

5- محمد عابد الجابري. (1998). تهافت التهافت. مركز دراسات الوحدة العربية

6-محمد علي حاج يوسف،(2013م)، الكون والزّمن: بين الفلسفة والعلم الحديث، مجلة الإمارات الثقافية. 

7-كيف نشأ الكون،(2014)، العدد 24 من مجلة العربي العلمي، موقع بالعربيك.


فلسفة علم الفلك نشأة الكون بين التفسيرين، الكلاسيكي والعلمي المعاصر

ورقة بحث : فلسفة ومنهج ابن خلدون

0

 تتخذ فلسفة ابن خلدون عدة جوانب ، إنطلاقا من فلسفته الاجتماعیة والتي وضع من خلالها تفسیر للعصبیة وروح الاجتماع وروح السیاسة ، إلى فلسفة التاریخ من وجهة نظره والتي اعتمد فیها على وجود مناهج تصنف الوقائع إلى صنفین ، الصنف الأول : الوقائع الاقتصادیة والجغرافیة ، ثم تأتي الوقائع النفسیة التي هي نتیجة للوقائع الأولى إلى حد كبیر ، وتضمینه لفلسفة التاریخ ثلاث حركات متضایفة من حركات الوعي : حركة الوعي بالذات ، حركة الوعي بالمجتمع ، حركة الوعي بالتاریخ .

كما لا يجب إغفال فلسفة ابن خلدون الخُلقیة والتي تكلم فیها عن الفضائل التي یُعجب بها ، اما اشتغاله بمسائل الفلسفة فلا تخفى علاقة ابن خلدون بالمنطق الأرسطي وعلاقته ببعض الفلاسفة العرب ، وعلاقته بالعامة الذین رأى بأنهم أوفر حظاً في الحصول على السعادة في الحیاة الدنیا والآخرة من الفلاسفة والذین هم برأیه المتوافق مع رأي الغزالي قد شذوا عن الدین والشرائع السماویة.

فهل بالفعل كان ابن خلدون فیلسوفاً ؟ ، وما سبب خوف ابن خلدون من " تهمة " الفلسفة؟.

المبحث الأول:

1- التعريف بابن خلدون :

هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر، ، و حصل على لقب ابن خلدون نتیجة نسبه إلى جده التاسع خالد الذي شارك في فتح الأندلس وكان يدعى خلدون تعظيما له على عادة أهل الأندلس،

في تونس في غرة رمضان من عام 732 ه ( 27 أیار 1332 م )، وكان ینتمي إلى عائلة عریقة ونبیلة معروفة في اشبیلیة وتونس بدور أفرادها السیاسي والفكري ، ونتیجةً لكون تونس في ذلك الوقت مركز للعلماء وأهل الفكر ومستقر لِألمع العلماء والأدباء الذین رحلوا من الأندلس ومن غیرها ، استفاد منهم بأن أصبحوا معلموه وأساتذته بالإضافة إلى والده ، وهذا كله ساهم في صقل شخصیته وتنمیة فكره واكتسابه لعلمه وإعداداته لمهارات الإدارة والحكم .  

هناك العدید من الباحثین والمؤرخین الغربیین الذین أبدوا تقدیرهم وإعجابهم لما جاء به ابن خلدون من علم وأفكار ومنهم المؤرخ البریطاني أرنولد توینبي الذي قال عنه " قد أدرك وتصور وأنشأ فلسفة للتاریخ ، هي بلا شك أعظم عمل من نوعه خلقه أي عقل في أي زمان ومكان " ، أما روبرت فلینت فقال " من جهة علم التاریخ أو فلسفة التاریخ یتحلى الأدب العربي باسم من ألمع الأسماء . فلا العالم الكلاسیكي في القرون القدیمة ، ولا العالم المسیحي في القرون الوسطى ، یستطیع أن یقدم اسما یضاهي في لمعانه اسم ابن خلدون".

2- فلسفة ابن خلدون :

قام إبداع ابن خلدون في تطبیق منهاج الترصد والمشاهدة على دراسة المجتمعات ، بالتوفیق مع أسلافه من أعاظم فلاسفة العرب في مؤلفاتهم عن العلوم الطبیعیة والطب ، ولا یوجد دلیل صریح على ارتباط ابن خلدون بمفكري اليونان القدیمة كما صنع فلاسفة العرب نحو منطقیات أرسطو مثلاً ، وكان كتابا اليونان القدیمة الرئیسان اللذان یُمكن أن یوحیا إلى ابن خلدون مجهولین لدیه ، وهما : كتاب السیاسة لأرسطو ، وكان لا يزال مفقودا في ذلك العصر ، وكتاب الجمهوریة لأفلاطون ، وبالتالي عدم وجود ارتباط بينها وبین مقدمة ابن خلدون ، وعليه كان لزاماً البحث في مقدمته للتعرف على فلسفته الخاصة وتفسیر اتجاه مباحثه.1

ركز في مقدمته على علم التاریخ وعلى خطورة هذا العلم ، لما له أهمیة خاصة في نظریته الجدیدة التي وضعها " علم الاجتماع الإنساني و العمران البشري " ، وقد ركز علیه في فصول مقدمته حتى یلفت أنظار الدارسین إلى الأهمیة القصوى لهذا العلم تقییماً وفلسفة وتصویباً.

قام ابن خلدون بالفصل التام بین الفلسفة والوجود حتى لا یقع في المآزم و المشكلات التي تواجهها الفلسفة الفیضیة ، ، وهذا یعني بأن التاریخ هو الفلسفة في حالة التحقق والفلسفة هي التاریخ في حالة التعقل ، ویرى ابن خلدون بأن التاریخ العربي الإسلامي قد وصل إلى حالة التعقل وقد شارف على الوصول إلى الحكمة الكاملة ولكن تعرض لبعض العقبات التي منعت ذلك وهي عدم بروز الإنسان فیه كمحور أولي.3

المبحث الثاني:

1- نقد ابن خلدون للفلسفة:

تأثر ابن خلدون في نقده للفلسفة بآراء كل من الغزالي وابن تیمیة . 

یتفق ابن خلدون مع الغزالي من خلال القول بأن العقل البشري محدود وغیر قادر على النظر في حقائق الكون إلا ضمن نطاق محدد ومعین ، وشبه ابن خلدون العقل البشري بمیزان الذهب الذي لا یمكن استخدامه عند وَزن الجبال ، ومن وجهة نظره فإن العقل البشري عاجز عن فهم الأمور الاجتماعیة بالإضافة إلى الأمور الإلهیة، يقول ابن خلدون : "ومن هنا یتبین أن صناعة المنطق غیر مأمونة الغلط لكثرة ما فیها من الانتزاع وبعدها عن المحسوس ... ".

و في الفصل الذي وضعه بعنوان " في إبطال الفلسفة وفساد منتحلیها " ، فقد تحدث من خلاله بقصور المنطق الذي یتبعه الفلاسفة من ناحیتین :الأولى من ناحیة النظر في الإلهیات ، والثانیة من ناحیة النظر في الموجودات الجسمانیة والتي تسمى من قبلهم بالعلم الطبیعي ، فالنتائج الذهنیة التي یتم التوصل إلیها تستخرج بشكل غیر یقیني ، كما أنه أشار إلى أن بعض العلوم تخضع لمنطق أرسطو كعلم الهندسة والحساب ، أما العلوم التي لا تخضع لهذا المنطق فهي العلوم والمعرفة الاجتماعیة.

لقد قام ابن خلدون بتقدیم نقد شدید للمنطق الذي انتهجه الكثیر الفلاسفة ، وقد سار بشكل مشابه لمسار الغزالي قبله، وتحدث بأن المنطق القدیم لا یفید إلا بشكل محدود جداً ، ففي البدایة جاء الغزالي وحدد نطاق الاستفادة من المنطق ثم تبعه ابن تیمیة وجاء ابن خلدون لیزید هذا التحدید ، فهذا المنطق في رأي ابن خلدون یفید فقط في ترتیب الأدلة ، فالباحث لا یستخدم المنطق إلا بعد الانتهاء من البحث من اجل أن یقیم البراهین بشكل مرتب ومنسق ، أما استخدام المنطق بطریقة تختلف عن ذلك حسب رأیه تؤدي إلى نتائج خاطئة.

2- منهج ابن خلدون: 

يتسم منهج ابن خلدون في الناحیة التاریخیة بالنقد الدقیق ، فهو لم یكتفِ بالحدیث عن التاریخ والمؤ رخین وأخطائهم وضرب الأمثال ، بل كان یتطرق إلى هذا العلم في العدید من فصول مقدمته المتعلقة بالعمران ، فمثلاً في فصل " طبیعة العمران في الخلیقة " ، ذكر بأن التاریخ یخبر عن الاجتماع الإنساني ، فهو وسیلة للتعرف على المجتمعات الإنسانیة من خلال دقة الخبر و صدق الروایة ، وإن لم یحدث ذلك هو مزیف، حيث تعرض هذا العلم حسب ابن خلدون إلى العدید من أشكال التحریف و التشویه دون أن تدرك الأجیال المتعاقبة ذلك .

فلقد قام بإخضاع العدید من الأمثلة للنقد من خلال بعض الأسس التي وضعها هو وفي النهایة قام برفضها كما رفضها من قبله ، ومن الأمثلة على ذلك ، " خبر رواه المسعودي عن الإسكندر الأكبر حین فتح مصر وأراد بناء الإسكندریة فصدته دواب البحر عند بنائها ، فاتخذ صندوق الزجاج وغاص فیه إلى قاع البحر حتى صور تلك الدواب الشیطانیة التي رآها وعمل تماثیلها من أجساد معدنیة ونصبها حذاء البنیان ففرت الدواب . لقد حلل ابن خلدون هذه الروایة بأسالیب شتى وانتهى إلى أنها حدیث خرافة مستحیلة.

ویحلل ابن خلدون أخبار المؤرخین وروایاتهم التاریخیة على أساس بعض المعاییر التي توصل إلیها من خلال الممارسات الاستق ا رئیة ، والعلل العقلیة وأرجع أسباب الخطأ إلى العوامل التالیة :

1- المیل إلى التحیز إلى أ ري من الآ ا رء أو فئة من الفئات مما یؤدي إلى تصدیق كل الأفكار و الأخبار التي توافقها

2- التعدیل والجرح نتیجة للثقة بمن ینقلون هذه الأخبار دون التأكد منها .

3- التقرب إلى أصحاب المناصب الرفیعة من خلال المدح والثناء مما یجعل الناس تتناقل الأخبار التي تحمل الغلو والمبالغة فتضیع الحقیقة معها .

4- الخروج عن الهدف و المقصد الحقیقي للخبر لأن الناقل یقع في تخمینه وظنه فهذا یؤدي إلى الوقوع في الكذب .

5- نتیجة الثقة بالأشخاص الذین ینقلون الأخبار فیحدث هناك نوع من التوهم بالصدق .

6- عدم المعرفة بطبائع الأحوال في المجتمعات ولدى الجماعات ، فلكل حادثة وروایة وخبر ظروف خاصة بها فهذا یؤدي إلى الوقوع في الخطأ.


الخاتمة:

عند محاولة تحدید موقع ابن خلدون من الفلسفة یجب أولا تعریف الفلسفة والفیلسوف ، فقد كان " الفیلسوف " لقب یطلق على من اتبع طریق الفلسفة الإغریقیة واستخدم المصطلحات الفلسفیة التقلیدیة مثل الهیولي والتسلسل وواجب الوجود والدور ، وكان هذا المفهوم یطلق قدیماً وفي العصر الإسلامي ، لذلك كان عدد الفلاسفة محدود وكان منهم ، الفارابي و ابن سینا وابن رشد ، وأي شخص ینقد هذا المسار یعتبر خارج دائرة الفلاسفة. أما حدیثاً فقد اختلف مفهوم الفلسفة والتي عرفت بأنها " كل محاولة عقلیة یأتي بها مفكر لتفسیر الكون ومكان الإنسان فیه "، ومن خلال هذه التعریفات یصبح ابن خلدون فیلسوف من الدرجة الأولى ، فجمیع أفكاره كانت تدور حول الكون والمجتمع وما توصل إلیه الفكر البشري من الفلسفة في ما سبقه من عصور.2


المراجع:

1- بوتول ، غاستون .( 1984 ). فلسفة ابن خلدون الاجتماعیة ، عادل زعیتر ، بیروت : المؤسسة العربیة للد ا رسات والنشر.

2- الوردي ، علي .( 1994 ). منطق ابن خلدون ،  بیروت : دار كوفان للنشر .

3- نصّار ، ناصیف .( 1985 ). الفكر الواقعي عند ابن خلدون ، بیروت : دار الطلیعة للطباعة والنشر .


فلسفة ومنهج ابن خلدون


ورقة بحث : الفلسفة الإسلامية بين المنصفين والجاحدين

0

 طرح العديد من الباحثين العرب مسألة وجود فلسفة إسلامية ، ولاسيما مع بواكير التأريخ العربي للفلسفة من الباحثين المعاصرين، وعلى رأس زعماء تلك الأطروحة الشيخ مصطفى عبد الرازق في تمهيده المحوري لتاريخ الفلسفة الإسلامية، وكذا الدكتور إبراهيم مدكور، وغيرهما كثير من الباحثين العرب في الفلسفة الذين دافعوا عن تلك الأطروحة – إسلامية الفلسفة الإسلامية – بحماس، مع إقرار باحثين آخرين بعدم أصالة الفلسفة الإسلامية، ولكن هؤلاء الباحثين الآخرين ظلوا تحت نير الاتهام بالتبعية للمستشرقين الحاقدين الساعين إلى التقليل من شأن اسهام الحضارة الإسلامية في الجانب الفلسفي.

من المعلوم أن الفلسفة الإسلامية نَهلت من عدة مَنابع كالتصوف الإسلامي الذي يشمل الأفلاطونية المحدثة وينحدر من الفلسفات المسيحية واليهودية، ثم الفقه وعلم الكلام، حث ظهرت الفلسفة الإسلامية مع الكندي، الفارابي وابن رشد، الذي استطاع أن يؤسس نسقا فلسفيا بين الفقه وعلم الكلام. 

تعتبر الفلسفة الإسلامية في حد ذاتها جمعا بين الفقه وعلم الكلام خصوصا مع المعتزلة لكونهم ناقشوا القضايا الكبرى بالاعتماد على العقل، كما يتجلى إسهام الفلسفة الإسلامية في إدخال مؤلفين في المنطق هما الشعر والخطابة لتصبح ثمانية مؤلفات عوض ستة مؤلفات.

لكن السؤال عن وجود فلسفة اسلامية أصيلة طفا على السطح خصوصا مع تشكيكات المستشرقين ،

- فهل في حضارة الإسلام فلسفة أصيلة ؟ 

- أم أن الفلسفة الإسلامية لا تعدو كونها ترجمة عربية للأصل اليوناني ؟

الرأي المدافع عن أصالة الفلسفة الإسلامية:

1- يعتمد هذا الرأي على جدل مطلق حول أن التشابه الذي لا تخطئه العين المجردة بين مضامين الفلسفة الإسلامية والفلسفة اليونانية؛ الذي لا يستلزم بالضرورة المساواة أو السببية، وأن الفلسفة الإسلامية اهتمت بموضوعات جديدة في السياق الإسلامي، أو عالجت موضوعات سبق تناولها في الفلسفة الكلاسيكية، ولكن بصورة إسلامية، فالوحي يبحث في أسئلة الوجود الأساسية: المصدر، والغاية، والقيمة، يبحث في الحق والخير، وهي ذاتها المواضيع التي تبحثها الفلسفة أيضا، وسواء في دائرتها الكلاسيكية (الحكمة النظرية والحكمة العملية) أو في دائرتها الحديثة (الأنطولوجيا والإكسيولوجيا والإبستمولوجيا) تسعى الفلسفة إلى الأهداف نفسها والإجابة على الأسئلة نفسها، فقط دون أن تكون خاضعة للوحي كمنظومة متعالية.

2- الفلسفة الإسلامية التي يمكن أن توصف بهذا الوصف حقًّا هي علم الكلام الإسلامي. ولذلك فالمستشرقون الأوائل الذين كتبوا في التاريخ الفلسفة الإسلامية، مثل دي بور، وكوربان، ونحوهما، كانوا مصيبين حين وضعوا الفرق الكلامية الإسلامية ضمن التأريخ الفلسفي للإسلام، وهو ما سار على دربه أكثر الباحثين المحدثين العرب بعد ذلك.

3- التفكر شرعي ومأمور به، ومادام في موضوعات مبحوثة في الفلسفة كمجال؛ فهو إذن فلسفة، فالتفكر الإسلامي هو نوع من التفلسف، ذلك أن التفكير كله فلسفة، وأنه حتى من ينقض الفلسفة فهو يتفلسف.


الرأي المشكك في أصالة الفلسفة الإسلامية:

1- يرى أن حجة تشابه المضامين غير كاف للزعم بوجود فلسفة كلاسيكية إسلامية بالمعنى الفني. فالفلاسفة الإسلاميون الروَّاد مصرحون بتعظيم الفلاسفة اليونان الأوائل، والأخذ عنهم، وبخاصة أفلاطون وأرسطو، وأنهم قدوات الكمال الإنساني وفي منزلة الأنبياء، واستفادتهم منهم، ونقلهم عنهم؛ أمر لا يحتاج إلى التدليل أو البرهنة. وكون الفلاسفة الإسلاميين خالفوا أرسطو أو أفلاطون أو غيرهما في مسائل، أو فرَّعوا مباحث جديدة، أو حتى موضوعات جديدة؛ فهذا لم تخل منه فلسفة تابعة قط حتى داخل المذهب الواحد.

2- علم الكلام يختلف عن الفلسفة في كونه ينطلق من الوحي، مستعملا المنهج العقلي، فهو يهدف لإثبات العقائد الإيمانية والدفاع عنها من خلال المنهج العقلي.

وهذا يختلف تمامًا عن الفلسفة المحضة المنسوبة للإسلاميين -الفارابي، ابن سينا، ابن رشد -؛ فهي تنطلق من العقل والفلسفة الفنية. وذلك بقطع النظر عن محاولة الفلاسفة الإسلاميين التوفيق بين النظر الفلسفي المحض مع المطالب الدينية الواردة في الوحي من عدمه؛ فإن مجرد الاتفاق في النتائج لا يستلزم الاتفاق في المنطلق المصدري أولًا، وفي الآلة الفنية المنهجية والبناء الاستدلالي ثانيًا.

3- رغم وجود دعوى واضحة لاستعمال العقل في التفكر الإسلامي غير أنه ستبقى هناك على الدوام أُطرًا إسلامية وحيانية عامة، قيمية أو علمية يجب أن يخضع لها ذلك العقل، لتكون فلسفته إسلامية بهذا الاعتبار ، ولكنه ساعتها لن يكون تفلسفا بالمعنى الفني، كما جادلنا من قبل، مادام خاضعًا لمصدر متعال "الوحي" في تفلسفه، ذلك أن البحث والتأمل في الموضوعات الفلسفية، مأطورًا بسقف الوحي: هو تفكُّر، والتفكر باستعمال أدواته الدينية، وغير الدينية في تلك المجالات، هو تفكر شرعي مأمور به. ولكنه ليس فلسفة بالمعنى الفني مادام ليس علمانيًّا وضعيًّا.



الخاتمة:

إن حاولنا الجواب عن السؤال: هل هناك فلسفة إسلامية؟ على المستوى المضموني المجرد، بمعنىي بقطع النظر عن مصدرية الاثنين: الوحي، والفلسفة-، فيمكن أن يقال إن في الإسلام مضمونًا فلسفيًّا واضحًا، من جهة أنه يتناول كثيرًا من الموضوعات ويقدم كثيرًا من الإجابات على الأسئلة الأساسية التي تتناولها الفلسفة.

 فالإسلام على مستوى النص يطرح أسئلة الوجود الإلهي، والكوزمولوجي، والإنساني، والعلاقة بين الجميع، وهي نفس الميادين التي يبحثها الفيلسوف، فللإسلام فلسفته بمعنى أن له أطروحاته وإجاباته على تلك الأسئلة.

ولكن إن نظرنا إلى ذلك السؤال بمعنى: هل في الإسلام فلسفة بالمعنى الفني، وهو الآراء الفلسفية المستمدة من الآلة العقلية والتأملية في الموجود بما هو موجود، بمعزل عن أي مصدرية متعالية؛ فليس في الإسلام فلسفة بهذا المعنى قطعًا، فالإسلام لا يقدم آراء فلسفية، ولكن حقائق نهائية من الله العليم الخبير، مستندة ومسنودة بالوجود المتعالي مطلق الكمال، وهذا ليس فلسفة بالمعنى الفني كما هو واضح.


ورقة بحث : كتاب تهافت التهافت لابن رشد : مسألة قدم العالم

0

 اعتمدت في دراسة مسألة قدم العالم كما عالجها ابن رشد في كتابه تهافت التهافت على كتاب المفكر المغربي محمد عابد الجابري تحت نفس العنوان "تهافت التهافت"، طبعة مركز دراسات الوحدة العربية لسنة 1998م، هذا الكتاب الذي اتسم بالعمق والتوسع معا على عادة الجابري وبأسلوب سهل واضح وفق فيه ليس فقط في اظهار روعة هذا النقاش الراقي بين أعمدة الفلسفة الإسلامية متشخصة في ابن سينا والغزالي وابن رشد، بل وأضاف عليها الجابري لمسته في نفض الغبار الكثيف الذي أخفى الظروف التاريخية، السياسية والمذهبية التي كانت الدافع الرئيسي لهذا النقاش ووسطه الذي ازدهر فيه.  

وصف الكتاب :

كتاب"تهافت التهافت" لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد هو رد مباشر على كتاب الغزالي "تهافت الفلاسفة، سلك فيه فيلسوف قرطبة الطريقة نفسها - تقريبا- التي سلكها في شروحه المطولة على كتب أرسطو: حيث يتتبع الكتاب فقرة فقرة ويقوم بإبداء الرأي: يأتي بكلام الغزالي، كاملا في الأعم الأغلب؛ وأحيانا يعيد تلخيصه بأسلوبه هو قبل أن يرد عليه، وأحيانا يقاطعه ليدلي بتعليق أو ترضيح؛ قبل أن يتركه يواصل الكلام. 1 

وفي أحيان قليلة يقتصر ابن رشد على تلخيص نص الغزالي أو يذكر جملة أو جملتين منه ثم يشير إلى نهاية الفقرة التي سيناقشها بعبارة: "إلى قوله...". هذا باستثناء المسألتين التاسعة عشرة والعشرين اللتين لم يذكر نص كلام الغزالي فيهما لكونهما تتناولان موضوعا هو في نظره من اختصاص الدين وحده؛ موضوع "البعث ": هل سيكون للنفوس وحدها أم لها وللأجساد؟ وكان ابن سينا قد تكلم فيه برأي فرد عليه الغزالي. أما فيلسوف قرطبة فقد فضل عدم الانخراط في الخدال حول هذه المسألة؛ لأنها عنده من مبادئ الدين لا من قضايا الفلسفة» فاكتفى بإبداء رأيه في المسألة ككل. وهكذا فبنية كتاب ابن رشد "تهافت التهافت" هي في الجملة نفس بنية كاب الغزالي "تهافت الفلاسفة"، والذي قصد بعنوانه تناقض آراء الفلاسفة وعدم بلوغها مرتبة اليقين.1

موقف ارسطو من مسألة قدم العالم

كان أرسطو يعتقد بقدم العالم وقدم الحركة وله في ذلـك حجـة كليـة وجيهـة بعـض الشـيء، منصــبة علــى قــدم الحركـة ولكنهـا قائمـة علـى مبـدأ كلـي فيجـب تقـديمها فالعلـة الأولـى ثابتـة هـي هـي دائمـا لهـا نفـس القدرة ومحدثة نفس المعلول فلو فرضـنا وقتـا لـم يكـن فيـه حركـة لـزم عـن هـذا الغـرض ان لا تكـون حركـة ابـدا ولـو فرضـنا علـى العكـس ان الحركـة كانـت قـدما لـزم انهـا تبقـى دائمـا 3 

فيرى ارسطو واتباعه ان العالم قديم من خلال استدلالهم على انه يستحيل حدوث حادث مـن قـديم مطلقا فأرسطو يعتبر ان الزمن ليس شيئا حقيقيا ثابتا وانما هـو مظهـر فقـط يعتقد ان هذه الزمنية عرضية ومسالة ظاهرية لا حقيقـة لهـا وان العلاقـة ليسـت زمنيـة ولا علاقـة مـؤثر بـاثر انمـا هي علاقة منطقية 

أي انها علاقة مقدمة بنتيجة فالله مقدمة منطقيـة والعـالم النتيجـة واالله مـنح العـالم وجـوده كمـا تمـنح المقدمــة النتيجــة وجودهــا فالنتيجــة فــي القضــية المنطقيــة تتبــع المقدمــة اعنــي المقدمــة تــذكر اولا والنتيجة ثانيا ولكن جاءت اولا في الفكر لا فـي الـزمن فالتقـدم والتـأخر فـي المقدمـة والنتيجـة فكـري لازمني وكذلك واجب الوجود او مفـيض الوجـود علـى العـالم عنـد ارسـطو هـو اول فـي الفكـر لافـي الــزمن3

رأي ابن سينا :

يـرى ابــن ســينا ان العــالم قــديم بالزمــان حــادث بالــذات قــديم بالزمــان بمعنــى انــه لا أول لوجــوده ، وحادث بالذات بمعنى انه معلول لسبب الاول واجب الوجود ومعلوم ان العلة سابقة ذاتيا لا زمانيا فعند ابن سينا ان االله متقدم على العالم بالذات لا بالزمـان حتـى لا يفضـي الـى القـول بوجـود زمـان قبل هذا الزمان3

جوهر مشكلة قدم العالم :

طرح "الفلاسفة" وعلى رأسهم ابن سيناء المسألة على هذا الشكل: 

فالمنطلق عندهم هو صعوبة التخلص من الإشكالات المنطقية التي تلازم القول ب "حدوث العالم"؛ وهي الإشكالات التي لم تزدها نظرية الجوهر الفرد عند المتكلمين إلا تعقيدا. وفي مقدمة هذه الإشكالات، أن القول بأن العالم "حادث" بالمعنى الذي يعطيه الأشعرية ل "الحدوث"؛ وهو أن الله كان منذ الأزل وحده، لاشيء معهه ثم شاءت إرادته أن يخلق العالم، فخلقه؛ 

هذا القول يدفع إلى التساؤل: كيف نفهم أن الإرادة الإلهية شاءت في وقت ما خلق العالم؟ 

ما الذي جعل الإرادة الإهية لا تخلق العالم قبل وقت خلقه أو بعده؟ 

هل يرجع ذلك إلى قيام "مرجح”، رجح عملية الخلق في وقت دون آخر؟ 

هذا لا يمكن! لأن فكرة "المرجح”، سواء كانت دافعا داخليا أو حافزا خارجيا، لا معنى لها بالنسبة إلى الله المنزه عن الوقوع تحت أي تأثير مهما كان.1 

ولتجاوز هذا الإشكال المنطقي سلك ابن سينا مسلكا اعتقد أنه سيقدم به بديلا عن نظرية الأشعرية؛ فقال: إن "الحدوث" بالمعنى الذي يفهمه المتكلمون لا يمكن البرهان عليه ولا تجنب مشكل "المرجح" فيه؛ ولذلك ينبغي التخلي عن مقولتي "الحدوث" و "القدم "، وهما مقولتان "كلاميتان"؛ أي من وضع المتكلمين؛ والنظر في الأمر من زاوية مقولتين فلسفيتين هما: "الممكن" و"الواجب"؛ وكان الفارابي قد وظفهما من قبل في هذا المجال.

اعتراض الغزالي :3

الوجه الأول : ان يقال للفلاسفة : بما تنكرون على مـن يقـول علـى ان العـالم حـدث بـإرادة قديمـة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه واما دعواهم باستحالة تعلق ارادة قديمة بأحداث شـيء مـا فيعتبرونهــا مــن الضــروريات البديهيــة ، وهــي ليســت كــذلك ، فكيــف تكــون بديهيــة وخصــومها لا يحصرهم بلد ولا يحصيهم عدد وباطل ذلك تمثيل الفلاسفة للإرادة الالهيـة القديمـة بـالإرادة البشـرية الحادثة التي لا يمكن لمرادها ان يتأخر عن ظهورها .

والوجـه الثـاني : يسـتبعد دليـل الفلاسـفة حـدوث حـادث مـن قـديم ولكنـه لابـد لهـم مـن الاعتـراف بـه فـان فـي العـالم حـوادث ولهـا أسـباب والحـوادث لا تسـتند الـى الحـوادث الـى غيـر نهايـة فيجـب ان تنتهي الى طرف وهذا الطرف قديم

رأي ابن رشد :

ناقش ابن رشد الخلاف القائم بين القائلين بأن العالم مخلوق محدث بعد أن لم يكن، وبين الفلاسفة القائلين بأن العالم قديم أزلي مع الاعتراف بأنه مخلوق. فيقول ابن رشد أن الخلاف في هذه المسألة يعود إلى اللفظ، أي خلاف لفظي غير جوهري، لأن في الوجود طرفين وواسطة لقد اتفق الجميع على الطرفين وهما:

أولاً: هناك واحد بالعدد قديم ـ الأول الذي ليس قبله شيء.

ثانياً: هناك على الطرف الآخر كائنات مكونة، وهي عند الجميع محدثة، ولكنهم اختلفوا في هذا العالم بجملته أقديم هو أم محدث؟ فيواصل الفيلسوف مناقشته قائلاً: "إن العالم في الحقيقة ليس محدثاً حقيقياً ولا قديماً حقيقياً لأن القول: إنه محدث حقيقي فاسد ضرورة لأن العالم ليس من طبيعته أن يفنى أي لا تنعدم مادته، والقدم الحقيقي ليس له علة والعالم له علة!!.

إذاً العالم محدث إذا نظرنا إليه من أنه معلول من الله، والعالم قديم إذا اعتبرنا أنه وجد عن الله منذ الأزل من غير تراخ في زمن، الخلاصة أن العالم بالإضافة إلى الله محدث، وبالإضافة إلى أعيان الموجودات قديم".4

وعليه فابن رشد يرى أن كلا الرأين متهافت: 

فقول ابن سينا ب"الممكن بذاته الواجب بغيره"؛ قول متناقض متهافت؛ 

لأنه يجمع بين شيئين متقابلين، كل منهما من طبيعة مختلفة: ف "الممكن" من طبيعته أنه يمكن أن يوجد وأن لا يوجد. بينما "الواجب" هو "الضروري الوجود". والقسمة العقلية تقتضي إما أن يكون الشيء ممكنا، وإما ضروريا، وإما ممتنعا. ولا يمكن أن يكرن "الممكن" واجباء بذاته أو بغيره، إلا إذا انقلبت طبيعة الممكن إلى الواجب، وهذا إلغاء للممكن!

أما احتجاج الغزالي ب "تراخي" الإرادة؛ فاحتجاج فاسد. 

أولا: لأن الإشكال سيبقى: ما الداعي إلى "التراخي"؟ هل هناك عامل ما خارجي أو داخلي، وهذا يعود بنا إلى الحاجة إلى مشكل "المرجح"؟! 

ثانيا: يجب أن نتفق على معنى الإرادة نفسها، لنرى هل يعقل القول بتراخيها أو لا يعقل؟ 

يقول الغزالي: الإرادة "صفة من شأنها تخصيص الشيء عن مثله"؛ فالإرادة الإهية خصصت وجود العالم بدل عدمه! ويعقب ابن رشد متسائلا: ولماذا كان هذا التخصيص؟ ثم ما الإرادة؟ أليست هي شوق إلى فعل شيء يستكمل به المريد، أي يلبي به حاجة في نفسه؟ وهل يجوز مثل هذا القول في حقه تعال؟ وأيضا ما معن "المثل" هنا؟ وهل"الوجود" مثل ل "العدم"» أم أنه مقابل له؟ ويدور نقاش طويل عريض حول هذه المسألة.1

حقيقة موقف ابن رشد : 

كثيرا ما أسيء فهم موقف ابن رشد من مسألة قدم العالم؛ حيث اتُّهم بالقول بقدم العالم، لكن هذا اتهام باطل، ومجانب للحقيقة2 

لأن ابن رشد يعتقد أن العالم مخلوق مصنوع من الله تعالى، وأن لفظ القدم والحدوث لفظ بدعي، وأن الخلاف في المسألة راجع للاختلاف في التسمية، وأن حقيقة اعتقاد ابن رشد في العالم تقوم على آيات دلالة العناية الإلهية الواردة في القرآن الکريم، فضلا عن أن ابن رشد يعارض نظرية الفيض الإلهي التي اتهم بالقول بها أيضًا، والتي يقتضي القول بها القول بقدم العالم. 2

کما أن سبب الاختلاف في الحکم على ابن رشد راجع إلى الجهل بمنهج ابن رشد وبموضوعيته التي فسرها البعض جهلا بأنها انحياز للباطل، وکذلک إلى اقتصار البعض على شروح ومختصرات ابن رشد الفلسفية التي لا تعبر عن رأيه في المسألة، مع عدم الاطلاع الکامل على جميع مؤلفاته الأصلية التي تتضمن حقيقة اعتقاده وعدم فهم کلامه وفق ما يريد ويقصد في مؤلفاته، کما في کتابه تهافت التهافت؛ إذ يظن البعض أن ابن رشد لم ينتقد فيه إلا الغزالي فقط، مع أن الحقيقة أن ابن رشد قد انتقد الفارابي وابن سينا أيضًا، ووافق الغزالي في بعض ما ذهب إليه، وأثبت أن الفارابي وابن سينا قد خالفا الفلاسفة القدماء؛ لأنهم لم ينقلوا عنهم النقل السليم، وأن علومهم ظنية، فيما نقلوا عن الفلاسفة القدماء. 2

ومما يثبت أمانة ابن رشد وموضوعيته، أنه عزا قصور الغزالي في کتابه تهافت التهافت لاقتصاره على النظر في کتب ابن سينا، وأن الفارابي وابن سينا قد شوَّهوا ما ذهب إليه الفلاسفة القدماء، ولم يعرفوا حقيقة ما ذهبوا إليه، لا سيما أرسطو ومن قبله، وذلک لعدم نقلهم النقل السليم عن الفلاسفة القدماء، ولتأثرهم بغثاء الأفلاطونية المحدثة وغيرها من الفلسفات التي لا تمثل حقيقة ما ذهب إليه الفلاسفة القدماء. 2

الخاتمة:

حــاول ابــن رشــد بإيجــاز ان يقــول ان نظريــة اقدميــة العــالم فــي أي حــال لا تتعــارض مــع القــران والشـرع ومـا الضـير ان كانـت مـادة العـالم أزليـة فـالخلق يبقـى تلـك الحركـة الاضـطرارية فـي هـذه المـادة التـي تنشـا عنهـا الكائنـات وتتولـد بعضـها مـن بعـض امـا الخـالق فهـو المحـرك وبمـا المـادة ازلية فجميع المخلوقات الناجمة عنها مشاركة لها فـي الأزليـة واالله الخـالق هـو الـذي ينظمهـا ولهـذا السـبب تتطـور المـادة وتتكيـف بطريقـة مسـتمرة وهكـذا فـان العـالم المصـنوع هـو ازلـي النشـوء دائـم الحـدوث بينمـا ان االله ازلـي بـدون سـبب وعليـه فـان اقدميـة العـالم ليسـت كازليـة االله بـل لـيس العـالم محدثا حقيقيا ولا قديما حقيقيا.

المراجع:

1- محمد عابد الجابري. (1998). تهافت التهافت. مركز دراسات الوحدة العربية. 

2- سلمان نشمي العنزي . (2021).  موقف ابن رشد من مسالة قدم العالم. مجلة  كلية الآداب جامعة القاهرة.

3- مصطفى فاضل كريم الخفاجي.(2019).المنهج النقدي عند ابن رشد للرد على الفلاسفة في مسالة قدم العالم. جامعة بابل

4- كتاب العقل والنقل عند ابن رشد. محاولة ابن رشد الحل الوسط في قضية قدم العالم. المكتبة الشاملة.


كتاب تهافت التهافت لابن رشد : مسألة قدم العالم 

الفعل التواصلي عند هابرماس

0
لقد شكلت التحولات الحضارية الجديدة مناخا فكريا لولادة أنظمة فكرية تتسم بطابع الذكاء والتعقيد والتكامل في الآن الواحد، وهذه الولادة الذكية جاءت تعبيراً عن وعي إنساني جديد يتميز بطابعه النقدي المتمرد، وفي هذا السياق يمكن أن نقف عند محورين إشكاليين أساسيين لمرحلة ما بعد الحداثة وهما إشكالية العلاقة بين العقلانية والذاتية من جهة وإشكالية التكاملية من جهة أخرى، وتعتبر العقلانية من بين أهم السمات الفلسفية للحداثة، وهي صفة ملازمة للذاتية وتعني إخضاع كل شيء لقدرة العقل

وقد اعتقد هابرماس أن الفاعلية التواصلية طورت من خلال مـسار التـطور الطـبيعي للعقلانية والأنسنة وديمُقرطة المجتمع من الناحية المؤسساتية والإمكانية العقلية المتأصلة في الفاعلية التواصلية التي هي حالة متفردة للنوع الإنساني، لكن المجـتمع المعاصر الـذي يقمع في أغلب الأحيان عن طريق المجالات الرئيسية للحياة الاجتماعية، مثل السوق، الدولة، والمنظمات سيطر عليه عن طريق العقلانية الاستراتيجيِة/ الأداتية.

فماهو مفهوم الفعل التواصلي عند هابرماس؟ ، وماهي أسسه ومنطلقاته ؟

ملخص كتاب ما وراء الخير والشر للفيلسوف نيتشه

0
كتاب "ما وراء الخير والشر" هو كتاب مركزى بين مؤلفات "نيتشة" وينتمى للمرحلة الختامية من سيرته الفكرية ، ويشكل حقل اختبار للأفكار الدينامية التى تميز بها "نيتشه" عن من سواه من الفلاسفة ، وهو فى جوهره نقد للحداثة كما يقول "نيتشة" نفسه ، نقد لا تستثنى منه لا العلوم الحديثة ولا الفنون الحديثة ولا حتى السياسة الحديثة ، إنه خلخلة ، من منظور أرستقراطى ، لقيم (التمدن) كلها بدءاً من الموضوعية العلمية ومطلب الحقيقة المجردة وصولاً إلى المساواة والتقدم ، مروراً بحقوق الإنسان والمواطن ، وأخلاق التراحم والعطف ، وحقوق المرأة ، وحق الشعوب.

الفكر العربي المعاصر : محمد أركون نموذجا

0
محمد أركون، فيلسوف ومفكر جزائري ، ولد سمة 1928م وتوفي سنة 2010م، باحث أكاديمي ومؤرخ متخصص في الدراسات الإسلامية و اللغة العربية والعلوم الإنسانية.

قام محمد أركون بتوظيف آليات جديدة من أجل بناء معرفة معاصرة حول النص، وذلك بالاعتماد على المناهج الغربية الحديثة لفهم طبقات النص المقدس وتحقيق القراءة النقدية، وهكذا طبق التحليل الألسني، والتحليل السيميائي الدلالي، والتحليل التاريخي، والتحليل الاجتماعي أو السوسيولوجي، والتحليل الانتروبولوجي، والتحليل الفلسفي، وعلى هذا النحو فتح المجال لولادة فكر تأويلي جديد للظاهرة الدينية، ولكن من دون أن يعزلها أبدا عن الظواهر الأخرى المشكلة للواقع الاجتماعي والتاريخي الكلي.

والهدف عند أركون من كل هذه التحليلات المختلفة، والتي هي نتاج العلوم الانسانية والاجتماعية التي عرفتها أوروبا، هو إدراك معنى الظاهرة الدينية، وبالتحديد إدراك معنى النصوص المقدسة، وعلى رأسها القرآن الكريم، أي كيف يمكن القبض على المعنى؟.

الفكر العربي المعاصر : محمد أركون نموذجا 

المنهج الظواهري عند هوسرل

0


إذا كان القرن التاسع عشر ، قد عرف تطورا ملحوظا في ميدان العلوم بمختلف أنواعها ، فإن القرن العشرين هو بمثابة بداية أزمة الفلسفة ، لأن تطور الذي شهده المنهج التجريبي أصبح يشكل عقبة حقيقية تهدد كيان الفلسفة ، و في هذا الصدد تأسست الفلسفة الظاهراتية من أجل التخفيف من حدة هذه الأزمة داعية إلى التشبت بعلم جديد يهدف إلى حل مختلف المشكلات الفلسفية .2

فالظواهرية أو الفينومينولوجيا هي مدرسة فلسفية اجتماعية ترجع أصولها إلى القرن التاسع عشر، ظهرت كرد فعل على المدرسة الوضعية. والمفكرون الظاهراتيون ينتقدون الوضعية لأنها تسلم بوجود حقائق موضوعية مستقلة عن الوعي الفردي. وملخص أفكار هذه المدرسة هي أنها تهتم بالوعي الإنساني باعتباره الطريق الموصل إلى فهم الحقائق الاجتماعية، وخاصة بالطريقة التي التي يفكر بها الإنسان في الخبرة التي يعيشها، أي كيف يشعر الإنسان بوعيه.

لهذا وللضرورة المعرفية والمنهجية وجب أن نتساءل:

ما الظواهرية عند هوسرل تحديدا ؟

وماهي خصائصها واشكالاتها الكبرى في نظره ؟


مفهوم الجميل والجمال

0

كلمة الجمال ذات أصل يوناني، ويُقصد بها العلم المتعلِّق بالإحساس أو علم التعرّف على الأشياء من خلال الحواس، ويعرف باسم (الإستاطيقا ) وكذلك باسم فلسفة الفن، وقد عَرَّف هربرت ريد الجمال بأنه وحدة العلاقات الشكليَّة بين الأشياء التي تدركها حواسنا، ومن التعريفات الجميلة حول الجمال ما قاله هيجل عنه بأنه الجنّي الأنيس الذي نصادفه في كل مكان، وقديماً كان الجمال أحد فروع الفلسفة، إلى أن جاء الفيلسوف بومجارتن، وفرّق بين علم الجمال وباقي المعارف.4

فما هو الجميل؟ وما الفرق بينه وبين الجمال؟.

خصائص الروح العلمية عند كلود برنار

0

ساهمت الكشوف العلمية حتى أواخر ق 19 في إرساء دعائم العلم الحديث ، وذلك بفضل الاعتماد على المنهج التجريبي الصارم والقطع التام مع الأفكار الميتافيزيقية المتوارثة في سبيل تحقيق الموضوعية العلمية ..2

حيث تعزز المنهج التجريبي الذي يعتمد في دراسته للظواهر على الاستقراء والتحليل، والتركيب والتجريب، ويتميز بحرصه الشديد في البحث عن العلاقات الثابتة بين الظواهر، ويعد الفلاسفة التجريبيون على غرار فرانسيس بيكون وستيوارت ميل ممن أحدثوا قطيعة إبستيمولوجية مع المنهج التأملي القديم الذي لا يستوفي شروط العلمية، وبين هذا المنهج الذي يتميز بالجدة والبحث في قوانين الطبيعة.2

كما يعد كلود برنار من بين العلماء التجريبيين الذين ساهموا في تأسيسي المنهج التجريبي الخاضع للشروط العلمية، وذلك بتأكيده على مرحلية الملاحظة الفرضية ثم التجربة

فماهي خصائص الروح العلمية التي أكد عليها كلود برنار؟

وكيف كان يرى علاقة الفلسفة بالعلم ؟

الديداكتيك عند عند سقراط وكانط وهيغل

0

 مارس الكثير من الفلاسفة، عبر تاريخ الفلسفة، التدريس والتعليم الفلسفي. فقد كان للفيلسوف، في معظم الأحيان، تلامذته ومريدوه. وهكذا، نجد درجة معينة من التلازم بين الاشتغال بالفلسفة والاشتغال بالتدريس؛ بحيث أن الفيلسوف كان، بمعنى ما، مدرسا للفلسفة، كما أن مدرس الفلسفة لم يكن غير الفيلسوف ذاته. وهذا من شأنه أن يدفع إلى التفكير في إمكانية وجود ديداكتيك للفلسفة مستلهم ليس فقط من تأملات الفلاسفة ونظرياتهم حول هذا الموضوع، بل أيضا من خلال مؤلفاتهم وكتاباتهم بصفة عامة.

فماهو ديداكتيك ؟

وكيف مارسه كل من سقراط وكانط وهيغل ؟



قراءة في كتاب: نظرية المعرفة عند أرسطو – للدكتور مصطفى النشار

0

 

#Reading #in #Aristotle's #epistemology #book #by #Dr. #Mustafa #Al-Nashar    الدكتور مصطفى النشار، واحد من أهم المفكرين والفلاسفة المصريين المعاصرين، ولد في الثلاثين من سبتمبر 1953م بقرية شوبر – مركز طنطا بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، حصل على الدكتوراة في الفلسفة اليونانية عن نظرية العلم الأرسطية بمرتبة الشرف الأولى من نفس الجامعة عام 1985م، للدكتور مصطفى النشار أكثر من خمسين مؤلفا علميا في مجالات الفلسفة المختلفة وخاصة في الفلسفة اليونانية والفكر المصري القديم، ومن أبرز اسهاماته الفكرية رد الفلسفة اليونانية إلى مصادرها الشرقية وتأكيده على الأصل المصري للفلسفة عموما والفلسفة اليونانية على وجه الخصوص.

الوصف الشكلي:

الكتاب بصيغة PDF، بدون رسوم على غلافه، عنوانه نظرية المعرفة عند أرسطو، الكاتب: دكتور مصطفى النشار، الطبعة الثالثة مزيدة ومنقحة، سنة 1995م، عدد الصفحات 165.

سبب اختيار الكتاب:

من خلال بحثي عن كتاب يتحدث عن فلسفة المعرفة عند اليونان، كان كتاب مصطفى النشار الوحيد الذي صادفته في هذا المجال، رغم توفر الكثير من المراجع التي عالجت نظرية المعرفة ولكن بشكل عام أو لفترات تاريخية أخرى.

التعريف بالكاتب:

الدكتور مصطفى النشار، واحد من أهم المفكرين والفلاسفة المصريين المعاصرين، ولد في الثلاثين من سبتمبر 1953م بقرية شوبر – مركز طنطا بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، حصل على الدكتوراة في الفلسفة اليونانية عن نظرية العلم الأرسطية بمرتبة الشرف الأولى من نفس الجامعة عام 1985م، للدكتور مصطفى النشار أكثر من خمسين مؤلفا علميا في مجالات الفلسفة المختلفة وخاصة في الفلسفة اليونانية والفكر المصري القديم، ومن أبرز اسهاماته الفكرية رد الفلسفة اليونانية إلى مصادرها الشرقية وتأكيده على الأصل المصري للفلسفة عموما والفلسفة اليونانية على وجه الخصوص.

موضوعات الكتاب:

1- مقدمة: من ص 11 إلى ص 22

2- الفصل الأول: الإطار العام لمشكلة المعرفة في الفلسفة اليونانية: من ص 27 إلى ص 33

3- الفصل الثاني: المعرفة الحسية: من ص 39 إلى ص 64

4- الفصل الثالث: المعرفة العقلية: من ص 69 إلى ص 86

5- الفصل الثالث: المعرفة الحدسية: من ص 91 إلى ص 110

6- خاتمة: ص 113

قراءة في موضوعات الكتاب: (ملخص المقدمة والفصلين الأول والثاني)

المقدمة:

- أولا: مكانة أرسطو وتميزه عن أفلاطون:

بحسب الكاتب يحتل أرسطو بين فلاسفة العالم مكانة رفيعة ويكفي ان نتذكر انه مع استاذه افلاطون تقاسما التأثير على كل ما شهده العالم من فلاسفة اما ايجابا او سلبا، وقد استطاع التلميذ أرسطو أن يستوعب نظريات استاذه افلاطون، وسرعان ما استطاع ان يضيف اليها من روحه ورؤيته الخاصة ما جعله صاحب منهج ومذهب جديدين، شد اليه الانظار وأصبح من خلالهما ندا لأستاذه بل تفوق عليه في مجالات عديدة كان هو مبدعها.

يقول الكاتب ان كان دافع افلاطون دائما اخلاقيا دينيا ممتزجا بالأغراض السياسية في كتاباته، فقد كان دافع ارسطو اكثر رحابه واشد توفيقا بالنسبة لما كانت تتطلبه تلك الفترة من تاريخ الفكر البشري، وقد كان برتراند راسل على حق حينما حاول تقرير الدوافع التي قادت الناس عموما للبحث في المشكلات الفلسفية، فوجدهم احد فريقين، الاول كان منبعه ودافعه الدين والاخلاق، والآخر كان منبعه ودافعه العلم، ووضع افلاطون على راس الفريق الاول بينما وضع لوك وهيوم على راس الفريق الثاني، اما ارسطو ومعه ديكارت وبركلي فلا يمكن ضمهم الى اي فريق ، حيث ان منبعهم ودافعهم الاخلاق والدين من جهة والعلم من جهة اخرى.

- ثانيا: أسلوب أرسطو العلمي:

كان ارسطو فيلسوفا مبدعا ومنطقيا فردا وعالما حاول تخليص العلم من الكثير من الخرافات والاساطير التي علقت به في المراحل السابقة عليه، ويشير الكاتب الى عمليه الاسلوب الذي عالج به ارسطو المشكلات العلمية التي تعرض لها، فقد كان حريصا في ابحاثه على التحقق مما يأتيه من معلومات من خلال ما يشاهده هو بعينيه ويزنه بميزان عقله،

ويتضح لنا مدى شغف ارسطو بمعرفه اسرار الكون حتى مع ادراكه ان الاسباب الصحيحة لها غير متوافره، فقد كان يثق في مدى ما يمكن ان يقدمه الاستدلال العقلي والقياس من معرفه قد تكون صائبة، خاصه إذا استند على مشاهدات وخبرات سابقه.

- ثالثا: طبيعة المنطق وارتباطه بالمعرفة:

ركز ارسطو اهتمامه على دراسة العقل وامكاناته المعرفية، ومحاوله من جانب اخر وضع القوانين اللازمة لضبط التفكير العقلي، حتى لا يشتط العقل ولا يبتعد عن المجال المعرفي الصحيح، ومن هنا اسس ارسطو المنطق وفصله عن بقية العلوم، كما بحث في نظريه المعرفة، فقد كان المنطق بالنسبة لأرسطو متميزا عن الميتافيزيقا بمعناها الدقيق كما يتصورها هو، اي باعتبارها علم الوجود،

ان ارسطو لم يفكر في فصل دراسة المعرفة عن المنطق والميتافيزيقا، فقد ظلت نظريه المعرفة عند ارسطو مختلطة بالمنطق، وكانت قيمه العلم وطرق تحصيله يشكلان سويا موضوع دراسة واحده.

- رابعا: التأثير الأرسطي:

على الرغم من كون تأثير ارسطو كان عظيما في تلك الفترة، فقد عجز فلاسفتها عن تجاوز ارسطو وفلسفته وتطوير فكره، مما جعل الكثيرين يظلمون ارسطو ويعتقدون انه سبب الجمود، كما لو كان العقبة التي اعاقت تطور الفكر البشري خاصه في النواحي العلمي،

ورغم ذلك فقد اهتم ارسطو على وجهه الخصوص بميدان العلم، واسس نظريه المعرفة التي تستند على دعائم اربعه، اولها التعريف، وثانيا القياس، وثالثا الاستقراء، ورابعا العلية، وقد ركز في التحليلات على تلك النظرية، مستندا في ذلك على تحليل راسخ لوسائل المعرفة الإنسانية وامكانات العقلي الانساني الهائلة.

- خامسا: إساءة فهم أرسطو سبب الجمود:

يرى الكاتب ان ارسطو لم يكن سببا في هذا الجمود الذي ساد الفكر البشري بعده، فقد ظلت السيادة معقوده له ولمنطقه، لا لأنه اراد ذلك، بل لان من جاءوا بعده هم الذين داروا في فلكه، وانبهروا به وبمنهجه وبأسلوبه من ناحية، كما كان لهم مصلحه في ان تظل له السيادة من ناحية اخرى، لأسباب عديده كانت في اغلبها دينيه الطابع.

- سادسا: منهج الكاتب في هذه الدراسة:

اختار الكاتب منهج دراسة نظريات ارسطو من خلال نصوصه، مع النظر اليها بمعيار العصرين، عصره وعصرنا، وكان اختيار الكاتب لهذا المنهج لأسباب منها، عدم الابتعاد عن الموضوعية في التفسير، وكذلك عدم تجميد النص في إطار عصره.

الفصل الأول:

- أولا: نشأة نظرية المعرفة، مفهومها ومجالها:

يعتبر الفيلسوف الانجليزي جون لوك اول من بحث في نظريه المعرفة كعلم مستقل في كتابه "مبحث في الفهم الانساني"، الذي نشر نهاية القرن السابع عشر سنه 1690، حيث يعد اول بحث علمي منظم يتناول بالفحص والدرس أصل المعرفة وماهيتها وحدودها ودرجه اليقين فيها.

لكن يمكن اعتبار أن ارسطو قد تطرق لنظريه المعرفة في كتاباته، النفس، الذاكرة والتذكر، والكتاب الاول من الميتافيزيقا، ورغم تركيز ارسطو بشكل عام على نظريه النفس بجانبيها التجريبي والتأملي، وكذلك مبادئه الميتافيزيقية العامة، فاهتمامه بالمعرفة والاخلاق قد شكل نقطه تلاحم مع مبادئه الميتافيزيقية، وتتمه ضرورية للأخلاق، كما القى الضوء على اسس المنطق في نظريه المعرفة عند ارسطو التي تشكل المفتاح لمذهبه.

- ثانيا: طريقة فلاسفة اليونان في وضع مشكلة المعرفة:

يرى الكاتب ان طريقه اليونان في وضع مشكله المعرفة يمكن ان تميز بصفه عامه بين اتجاهات ثلاثة رئيسيه، الاتجاه الاول: كان يركز على مشكلتي الكفاءة، فطالما كانت الفلسفة تتناول موضوعات تتعدى حدود التجربة الإنسانية، اما الاتجاه الثاني: فكان يركز على ان الفلسفة تتكلم عن ظواهر لا يمكن ان تصل اليها المعرفة الحسيه او الإدراك الحسي، وهي مباحث تم التطرق لها منذ عهد الفلاسفة قبل سقراط، والاتجاه الثالث: الذي ركز على مجموعه اخرى من المشكلات الأساسية التي تتناول من حيث المبدأ، عمليات التفكير والادارات الحسي، مثل كيف يتم الابصار؟، كيف يحدث التفكير ؟، وكيف يحدث التذكر؟.

- ثالثا: أرسطو يواصل الطريقة بصورة أفضل:

يوضح الكاتب ان ارسطو كان على حق حينما ربط بوضوح بين نظريه المعرفة ونظريته في العلم، حيث وجد ان امكانات الانسان المعرفية، ووسائله الإدراكية، تمكنه من بناء نظريات عديده، يمكنه من خلالها الكشف عن اسرار هذا العالم، وبالتالي تساهم معالجته لوسائل المعرفة، في الكشف عن قدرات الانسان الحقيقية، ومن ثم تساهم في بناء نظريه عن العلم، تمكن الانسان من تنميه المعرفة باطراد دون توقف.

الفصل الثاني:

- أولا: أهمية المعرفة الحسية عند أرسطو:

لقد أكد ارسطو ان طريقه المعرفة يجب ان تبدأ مما تعطيه لنا الحواس، ومن خلال الفهم الجيد، يمكن تبرير وتأكيد الوقائع الملاحظة.

- ثانيا: الإدراك الحسي ونقد أرسطو:

يفسر ارسطو الادراك الحسي من خلال التمييز بين الحس بالفعل والحس بالقوة، حيث يقول بداية، ان قوه الحس لا توجد بالفعل بل بالقوة فقط، والامر هنا كما هو في الوقود الذي لا يشتعل بنفسه بغير ما يشعله، فاذا اشتعل بنفسه لم تكن هناك حاجه لوجود النار المشتعلة بالفعل.

- ثالثا: مركز الإحساس وموضوعه:

يرى ارسطو ان ابتداء الحس من القلب، وهو يعني بذلك حس الاشياء التي تحس باللمس احيانا، كحس المذاق، وفي مرات اخرى يرى القلب باعتباره مبدا الحواس كلها، ويبدو من ذلك حيره ارسطو فيما يخص تحديد مركز الاحساس ومبداه في الحيوان والانسان، وان كان قد احتار في تحديد مركز الحواس، فانه يتحدث عن حواس البصر والسمع والشم بوصفها موجودة في الراس، وكذلك الذوق، اما حاسة اللمس فإنها وحدها خارج الراس.

- رابعا: تحليل الإدراك الحسي من خلال الحواس الخمس:

يؤكد ارسطو انه يجب البحث اولا عن المحسوسات، قبل النظر في اي حاسة من الحواس، فالمحسوسات بحسبه على ثلاثة انواع، نوعان بالذات ونوع بالعرض، النوعان الاولان يستحيل ان يقع الخطأ فيهما، مثال ذلك البصر في حاسة اللون والسمع في حاسة الصوت والذوق في حاسة الطعم، اما اللمس فموضوعاته مختلفة، فهذه المحسوسات التي يقول عنها ارسطو انها مدركه بالذات، اما المحسوسات المشتركة، كالحركة والسكون والعدد والشكل والمقدار، فهي محسوسات لا تخص اي حاسة بل تعمها جميعا.

- خامسا: الحس المشترك:

ان الحس المشترك هو ذلك الحس الباطن الذي تجتمع عنده جميع الاحساسات الآتية من الحواس الظاهرة، وهو لذلك بمثابة المركز لهذه الحواس، تتلاقى عنده احساساتها ويحدث فيه الاحساس في الحقيقة كما يقول ارسطو.

- سادسا: تكون الصور في الحس الباطن:

لا يوجد اختلاف بين الاحساسين الظاهر والباطن عند ارسطو، وان كان ثمة اختلاف فانه اختلاف ظاهري، فهو اختلاف في الوسيلة وليس اختلافا في الماهية، ولذلك فقد أخطأ نقاد ارسطو حينما اعتبروا تلك الاختلافات الظاهرية عله للقول بانه لم يقدر على وضعي نظريه واحده للإحساسين الظاهر والباطن.

- سابعا: الخيال وتمييزه عن الإحساس والفكر:

ناقش ارسطو الخيال بالتفصيل في كتابه النفس، ورغم ان هذه الكلمة لم تظهر في الفكر السابق على سقراط، وظهرت غالبا في كتابات من قدموا اراء هؤلاء من الكتاب المتأخرين، وهي تظهر فيما نذر عند افلاطون في الجمهورية، وكان نشاط هذه القوة عنده ينحصر في تفسير خطا او صواب الاحساس.

اما ارسطو فقد بحث في الخيال بوصفه من قوى المعرفة الإنسانية، وعرفه تعريفا محددا بقوله: ان التخيل شيء مميز عن الاحساس والتفكير، ولو انه لا يمكن ان يوجد بدون احساس، وبدون تخيل لا يحصل التفكير والاعتقاد.

- ثامنا: الذاكرة واختلافها عن الحس والخيال:

يعرف ارسطو هذه القوة تعريفا دقيقا في بحثه عنها قائلا: انها ليست ادراكا حسيا وليست تصورا، اي ليست خيالا ولكنها تأثر في أحدهما بشرط قضاء مده من الزمن، وكما هو ملاحظ، ليس هناك شيء ندعوه ذاكره مما يحدث في الوقت الحاضر، لان الحاضر هو موضوع للإدراك الحسي فقط، اما المستقبل فهو موضوع للتوقع، اما موضوع الذاكرة فهو الماضي، فكل ذاكره إذا تتعلق بزمن انقضى.

- تاسعا: أهمية الإحساس والخبرة في المعرفة والاستقراء:

على الرغم من تأكيد ارسطو على اهميه الاحساس والخبرة، كدرجه من درجات المعرفة الإنسانية، الا انه نظر اليهما كمجرد درجه لها حد تتوقف عنده اهميتها، فاذا اراد الانسان الارتفاع من الجزئي الى الكلي، او اراد البرهان، فان الحواس لا تستطيع ذلك، ولا مجرد الخبرة تقدر عليه، فالأسبقية الزمانية للحس عنده لا تعني اولويته، فهو مرتبه ادنى، يجب ان نرتقي منها الى مراتب اعلى، حتى يتحقق لنا العلم ونمتلك ناصيه المعرفة الحقيقية.

- عاشرا: امتناع البرهان بطريق الحس وأخطاء الحواس:

بعد ان بين ارسطو اهميه الحواس وما تقدمه من معرفه تشكل الخبرة، اوضح لنا انه و إن كان يقدر المعرفة الحسيه، الا انه لا يفضل هذا النوع من المعرفة، لأنه يعتقد ان الفهم اقرب الى العلم اكثر من الخبرة، فنحن نعتقد ان العلماء اكثر حكمه من رجال الخبرة، ويرجع هذا الى انهم يعلمون العله والآخرون لا يعلمونها، فرجال الخبرة يعلمون ان شيئا ما هو هكذا ولكنهم لا يعرفون السبب، بينما الآخرون، اي رجال العلم، فيعرفون لماذا هو هكذا، اي يعلمون العله، ولذلك فنحن نعتقد ايضا ان من يوجهون العمل ويديرونه، اكثر اهليه لتقديرنا من العمال العاديين الذين ينفذونه، لان الاول يعرفون علل واسباب كل ما يفعل.


تحميل المقال بصيغة PDF

#قراءة #في #كتاب #نظرية #المعرفة #عند #أرسطو #للدكتور #مصطفى #النشار
#Reading #in #Aristotle's #epistemology #book #by #Dr. #Mustafa #Al-Nashar

يتم التشغيل بواسطة Blogger.