ورقة بحث : التداولية في الدلالة اللغوية والدلالة الإصطلاحية

0

 التداولية مصطلح لساني غربي؛ يعبر عن اتجاه لساني حديث تطور في فترة السبعينات من القرن العشرين؛ يعنى بدراسة اللغة ضمن أسيقتها اللغوية وغير اللغوية. وهذه الدراسة تجتهد في تتبع الدلالة اللغوية والاصطالحية لهذا المصطلح في الثقافة اللسانية الغربية، وكيف انعكس ذلك على الثقافة اللسانية العربية، ترجمة وتعريبا في المصطلح والمفهوم؛ مع الوقوف على عملية الفصل بين التداولية كمنهج لساني، وبين الذرائعية كمذهب فلسفي نفعي.

قوبل المصطلح الأجنبي " PRAGMATICS " بكم هائل من المصطلحات العربية لدرجة التبذير والفوضى، ولكن هيمنةَ التداول كانت من نصيب مصطلح التداولية الذي وظفه الباحثان المغربيان "طه عبد الرحمن و أحمد المتوكل"، أما تعاريف الألسنيين العرب المحدثين فقد جاءت متقاربة لا تخرج عن مجال اللسانيات، وكلها تركز على السياق التخاطبي؛ وبعبارة أدق وأوضح سياق الحال أو المقام، ولذلك وجدنا منهم من يقول التداولية هي: المقامية.

في دلالة الجذراللغوي :

يعود أصل المصطلح الأجنبي "PRAGMATIQUE LA " إلى الكلمة الالتينية "PRAGMATICUS"، ومبناها على الجذر " PRAGMA" ؛ الذي يعني الفعل" ACTION"، وبفعل اللاحقة " TIQUE " صارت تعني كل ما له عالقة بالفعل والتحقق العملي في الواقع، وقبل أن يدخل هذا املصطلح مجال الحقول الفلسفية والأدبية استعمل في المجال القانوني ، وبالتحديد في عبارة "SANCTION PRAGMATIQUE " التي تعني المنشور أو المرسوم الذي يرمي إلى اقتراح حلول نهائية، وقابلة للتطبيق والتحقق في الواقع لقضيةِ  مهمة، ثم وظف هذا المصطلح في مجال العلوم الصرفة، ليدل على كل بحث أو جهد علمي أفضى إلى نتائج قابلة للتطبيق العملي؛ ثم صار يطلق في اللغة المستعملة في عبارات مثل:

هذا تفكير عملي، أو هو شخص عملي واقعي : أي نزاع وميال إلى اقتراح وإيجاد الحلول العملية والواقعية لما قد يطرح من مشاكل وعقبات.1

المفهوم الاصطلاحي للتداولية : 

إنه لمن الصعوبة بمكان الإلمام بتعريف مضبوط ودقيق للتداولية وذلك لألسباب التالية:

 1 - اتساع رقعتها المفهومية بحيث إنها لا تنتمي إلى أي من المستويات اللغوية المعروفة لدى الباحثين ، فهي دراسة فضفاضة، تلقي بظلالها على جميع المستويات.

2 - تعد التداولية ملتقى لكثير من العلوم، في حين أنها لا تقف وتستقر عند أحد منها، فهي تلتقي مع علم الدلالة، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، وتحليل الخطاب. 2

لذلك اختلفت تعريفات التداولية حسب التربة التي نشأت فيها، فكل باحث يحاول أن يعرفها وفق الجانب المعرفي الذي يعتمده في بحثه، فتعريف اللغوي يختلف عن تعريف الاجتماعي، وتعريف الأخير يختلف عن تعريف النفساني وهكذا، ولكن السمة الغالبة التي تجمعهم جميعا تهتم بالتواصل والاستعمال الحقيقي للغة، فهي إذن تعاريف غير متضاربة بقدر ما هي متفاوتة من حيث العموم والخصوص، والضبابية والوضوح.

اقترح الباحث اللساني التداولي ليفينسون "LEVINSON "في مؤلفه "PRAGMATICS" مجموعة من التعاريف، سوف نسوق بعضها لنقف على أوجه الاتفاق والاختلاف بينها .

أ - التعريف الأول: التداولية دراسة الاستعمال اللغوي "USAGE LANGUAGE" الذي يقوم به أشخاص لهم معارف خاصة، ووضعية اجتماعية معينة.

ب - التعريف الثاني: التداولية دراسة للمبادئ التي تمكننا من إدراك غرابة بعض الجمل، أو عدم مقبوليتها، أولحنها، أو عدم ورودها في لغة المتكلم.

ج - التعريف الثالث:  دراسة اللغة في إطارها الوظيفي ، أي فهم بنيات اللغة بالاعتماد على العلل والاستدلالات غير اللغوية " NO LINGUISTICS ".

د - التعريف الرابع : "التداولية دراسة للعلاقات بين اللغة والسياق، أو هي دراسة كفاية مستعملي اللغة في ربطهم لها بسياقاتها الخاصة" .

هـ- التعريف الخامس :" التداولية دراسة لظواهر بنية الخطاب اللغوي من تضمينات، واقتضاءات، أو ما يسمى بأفعال اللغة "ACTS SPEACH".3

واضح جدا من التعاريف السابقة أنها تدور بين الدلالة والاستعمال، وعندما أذكر الاستعمال ينضوي تحته حتما عناصره من متكلم ومستمع ، ومقاصد ونوايا، وسياقَ ومقام، وهي كلها متظافرة تسهم في إبراز الدلالة المقصدية،ِ وتجنبنا تفلت المعنى وتظَشيه .

ولكن هذا لا يمنعنا من الوقوف على تلك التعاريف المرتبطة بالتفكير التداولي في أطوار نشأته الأولى، ولعل أول ما يحضرنا هنا هو تعريف الفيلسوف الأمريكي تشارلز موريس " CHARLES MORRIS "، حين استخدم هذا المصطلح عام 1938م.

فالتداولية بحسب موريس: تهتم بدراسة العلامات، حيث تتشابك العلامات اللغوية فيما بينها وفق نظامها الخاص بها، ثم تأتي مرحلة الإحالة على مراجعها ولولا التركيب لما حدثت إحالة؛ وهذه الأخيرة تبقى دلالات فضفاضة و معاني واسعة، حتى إذا انتقلنا بها إلى إطارها التداولي حصلت المقصدية وزالت الاحتمالية.4

الخاتمة:

التداولية مصطلح يكتنفه الكثير من الغموض، والسبب في ذلك ارتباطه بكثير من القضايا المثارة من قبل كثير من الحقول المعرفية، ولذلك جاءت مفاهيمهم مختلفة تبعا لاختلاف المنطلقات الفكرية؛ ومع ذلك نلحظ أن تعريفات اللسانيين الغربيين كلها تركز على الاستعمال، وتنأى باللغة عن تلك الجدالات العقيمة المبتوتة الصلة بسياق التخاطب. 


المراجع:

1- نواري سعودي: في تداولية الخطاب الأدبي، بيت الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر الطبعة الأولى، سنة 2009م، 

2- محمود أحمد نحلة: آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، 2002م

3- إدريس مقبول: الأسس الإبستمولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه، عالم الكتاب الحديث، الأردن، الطبعة األولى، سنة 2006م،

4- محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 2011م

5- مفهوم التداولية  قراءة في المصطلح والمفهوم،عمر بوقمرة، مجلة المدونة، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، 2017م



التداولية في الدلالة اللغوية والدلالة الإصطلاحية 

يتم التشغيل بواسطة Blogger.