فلسفة : ورقة بحث : زينون الإيلي مخترع الجدل

0
من هو زينون الإيلي؟ ماهي ملامح منهجه الفلسفي؟ وما قيمة أثره في تاريخ الفلسفة اليونانية؟، كل ذلك نحاول الإجابة عنه في هذا البحث المقتضب، لكن بدايةً، يجدر بنا التعرف أولا على زمانه ومكانه وبالخصوص على معلمه بارمنديس الذي لا يقل أهمية عنه.  حيث يُعتبر بارمنيدس وزينون الممثلان الرئيسيان للمدرسة الإيلية التي كان مركزها بلدة إيليا في جنوب إيطاليا في القرن الخامس قبل الميلاد، ومعهما بدأت أولى خطوات الفلسفة الحقة بحسب "ولتر ستيس"، الذي اعتبر الإيلية أول فلسفة تُظهر عامل الحقيقة رغم كونه شاحبا وواهيا وغير دقيق، حين قال إن "الفلسفة ليست كما يظن الكثيرون تجمعا بسيطا للتأملات المتفرقة التي ندرسها بترتيب تاريخي، بل بالعكس، إن تاريخ الفلسفة يمثل خطا محددا للتطور حيث تكشف الحقيقة عن نفسها تدريجيا مع الزمن."1

من هو زينون الإيلي؟ ماهي ملامح منهجه الفلسفي؟ وما قيمة أثره في تاريخ الفلسفة اليونانية؟، كل ذلك نحاول الإجابة عنه في هذا البحث المقتضب، لكن بدايةً، يجدر بنا التعرف أولا على زمانه ومكانه وبالخصوص على معلمه بارمنديس الذي لا يقل أهمية عنه.

حيث يُعتبر بارمنيدس وزينون الممثلان الرئيسيان للمدرسة الإيلية التي كان مركزها بلدة إيليا في جنوب إيطاليا في القرن الخامس قبل الميلاد، ومعهما بدأت أولى خطوات الفلسفة الحقة بحسب "ولتر ستيس"، الذي اعتبر الإيلية أول فلسفة تُظهر عامل الحقيقة رغم كونه شاحبا وواهيا وغير دقيق، حين قال إن "الفلسفة ليست كما يظن الكثيرون تجمعا بسيطا للتأملات المتفرقة التي ندرسها بترتيب تاريخي، بل بالعكس، إن تاريخ الفلسفة يمثل خطا محددا للتطور حيث تكشف الحقيقة عن نفسها تدريجيا مع الزمن."1


من يكون بارمينيدس؟:

ولد بارمنيدس حوالي عام 514 ق م في إيليا، ولا يعرف الكثير عن حياته، كان في مطلع شبابه فيثاغوريا لكنه تمرد وصاغ فلسفته الخاصة. ولقد كان يحظى في القديم بتقدير كبير بسبب عمق تفكيره وسمو خلقه ونبالته. كان أفلاطون يشير إليه بكل تبجيل. وترد فلسفته في قصيدة تعليمية فلسفية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يدعى (طريق الحق)، والقسم الثاني يصف فيه الآراء الزائفة السائدة في أيامه وسماه (طريق الظن).1

ولد بارمنيدس حوالي عام 514 ق م في إيليا، ولا يعرف الكثير عن حياته، كان في مطلع شبابه فيثاغوريا لكنه تمرد وصاغ فلسفته الخاصة. ولقد كان يحظى في القديم بتقدير كبير بسبب عمق تفكيره وسمو خلقه ونبالته. كان أفلاطون يشير إليه بكل تبجيل. وترد فلسفته في قصيدة تعليمية فلسفية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يدعى (طريق الحق)، والقسم الثاني يصف فيه الآراء الزائفة السائدة في أيامه وسماه (طريق الظن).1

يرى "ولتر ستيس" أنه عند بارمنيدس تنشأ لأول مرة تفرقة ذات أهمية أساسية في الفلسفة وهي التفرقة بين الحس والعقل. حيث يقول بارمنيدس أن عالم الزيف والمظهر، عالم الصيرورة، عالم اللاوجود هو العالم الذي يمثل لنا بالحواس أما الوجود الحق والحقيقي فلا نعرفه إلا بالعقل أو الفكر. تبعا لذلك فإن الحواس عند بارمنيدس هي مصادر كل وهم وخطأ ولا تكمن الحقيقة إلا في العقل. وتعتبر أهمية هذا الكلام في كونه الموقف الأساسي في المثالية.1

يصف "عبد الرحمن بدوي" بارمنيدس بكونه أول الفلاسفة الحقيقيين من المدرسة الإيلية، وأول فيلسوف ميتافيزيقي وجد في بلاد اليونان، خصوصا إذا لاحظنا أنه قصر بحثه على فكرة الوجود، ونظر إليه بحسبانه شيئا مجرد وليس هو الطبيعة نفسها.2

وابتداءً من بارمنيدس ستتخذ الفلسفة اليونانية طريقين: الطريق الذي يقول بالوجود الثابت والطريق القائل بالوجود المتغير، وسيأتي الفلاسفة بعد ذلك للتوفيق بين هذين القولين المتاعرضين،2

وبهذه التفرقة بين المعرفة العقلية والمعرفة الحسية وضع بارمنيدس لأول مرة مشكلة المعرفة في وضعها الصحيح.2


زينون الإيلي:

ولد بإيليا جنوبي إيطاليا على ساحلها الغربي سنة 490 ق.م، وتتلمذ على يد الفيلسوف بارمنيدس. "ولم يخالف أستاذه في شيء، وحتى في الجزء الخاص بالطبيعيات، لم يخرج مطلقاً عما قال به بارمنيدس.

ولد بإيليا جنوبي إيطاليا على ساحلها الغربي سنة 490 ق.م، وتتلمذ على يد الفيلسوف بارمنيدس. "ولم يخالف أستاذه في شيء، وحتى في الجزء الخاص بالطبيعيات، لم يخرج مطلقاً عما قال به بارمنيدس.

دافع زينون عن مذهب بارمنيدس في الوجود الواحد الثابت، وأكد أن المذاهب المضادة لمذهب الوجود تفضي قطعاً إلى تناقض، ومعنى إفضائها إلى تناقض أنها غير صحيحة، وما دامت غير صحيحة فالمذاهب المضادة لها صحيحة. وبهذه الطريقة أثبت زينون الأصل ببطلان النقيض. ولا يخلو هذا المنهج من الجدل اللفظي، لكنه جدل مغاير تماماً للجدل السوفسطائي، فالغرض متباين عند الإثنين، فبينما يريد زينون بجدله إثبات حقيقة إيجابية مع مراعاة تامة لأصول المنطق، يرمي الجدل السوفسطائي إلى نتائج سلبية، وهي القضاء على الفلسفة كما صُورت في ذلك الحين." 2ص 126

كما يلاحظ أن الدقة المنطقية أو دقة الاستدلال عند زينون كانت دقة واضحة وتسير على أصول مرعية من المنطق، بينما لم تكن الحال كذلك عند السفسطائيين.2

ولقد سمي المنهج الفرضي بالجدل لارتباطه بزينون الإيلي، من قال عنه أرسطو "أنه مخترع الجدل"، والقصد من الجدل هنا برهان الخلف. 3 ص 29

واعتبر "واتر ستيس" مساهمة زينون في المدرسة الإيلية مساهمة سلبية للغاية بمعنى ما من المعاني فهو لم يضف أي شيء إيجابي إلى تعاليم بارمنيدس حيث أيد مذهب معلمه عن الوجود، لكن إضافاته جاءت في الأسباب التي طرحها للتدليل على نتائج معلمه، ففي محاولته تأكيد مذهب بارمنيدس من وجهة نظر جديدة أدلى بأفكار محددة عن الطبيعة القصوى للمكان والزمان وهي أفكار أصبحت منذ ذلك الوقت ذات أهمية بالغة في الفلسفة.

إن الكثرة والحركة هما الخاصيتان المميزتان لعالم الحواس الزائف، ولهذا وجه زينون مجادلاته ضدهما وحاول بشكل غير مباشر أن يدعم نتائج بارمنيدس بإظهار أن الكثرة والحركة مستحيلتان ومتناقضتان.1

اعترف أرسطو بأن زينون هو مبتكر الجدل، حيث عرّف الجدل بأنه طريقة الوصول إلى الحقيقة التي اتبعها سقراط في محاورات أفلاطون الأولى، فقد كان سقراط يحب محاورة الناس وسؤالهم عن آرائهم ليتوصل إلى نتائج ما كانوا ليفكِّروا فيها إلا بفضل أسئلته الثاقبة، وبذلك فقد كان يتمكَّن بالتدريج من تقويض الأساس الذي بَنَوْا عليه آراءهم وجعلهم يعيدون النظر في الأمور بشكل أعمق ليصلوا إلى إجابة للأسئلة التي بين أيديهم. ويبدو أن سقراط قد أخذ هذه الطريقة من أسلوب زينون التمحيصي.4 ص 92

حجج زينون:

أثار زينون مشكلة خطيرة لعبت دورا هاما في تاريخ الفلسفة من بعده، وخلاصتها أنه كيف يمكن إذا قلنا بالتقسيم أن نفسر الاتصال، لأن الواقع أن كل تقسيم معناه الانفصال، وفي هذا إنكار للاتصال، وفي إنكار الاتصال إنكار للتأثير، وفي إنكار التأثير إنكار للتغيير.2

ولقد لخص عدنان ملحم في مقاله حجج زينون على النحو التالي:

" ساق زينون حججه المشهورة ضد الكثرة والحركة، ليبرهن صحة مذهب بارمنيدس في أن الوجود يقوم على أصلين رئيسيين هما الوحدة والثبات. تنقسم حججه إلى قسمين: قسم خاص بالكثرة وقسم خاص بالحركة، ولكل من هذين القسمين حجج أربع.

أما عن حجج زينون ضد الكثرة فهي: حجة خاصة بالمقدار، وحجة خاصة بالعدد، وأخرى خاصة بالمكان، وحجة تقوم على فكرة التأثير الكلي (كومة الحنطة)، ومؤداها جميعاً أن الكثرة إذا كانت حقيقية، توجب أن تكون كما هي لا تزيد ولا تنقص، لكنها إذا بقيت من دون زيادة ولا نقصان فإنها تكون محدودة وليست كثرة. وإذا كانت الكثرة موجودة حقيقة فإنها تكون لا متناهية، بمعنى أنها كثرة آحاد، والآحاد تفصل بينها أوساط، والأوساط تفصل بينها أوساط، وهكذا إلى ما لا نهاية.

وحجج زينون ضد الحركة أربع، اثنتان تخصان المكان، وهما تقومان على فكرة تقسيم المكان إلى مالانهاية من الوحدات، والفارق بين البرهانين هو أن الهدف في الحجة الأولى ثابت ومحدود، بينما في الحجة الثانية الهدف متحرك متغير باستمرار. واثنتان تخصان الزمان، وتقومان على أن فكرة تقسيم الزمان إلى ما لانهاية من الأقسام، وعامة، حججه ضد الكثرة، كما ضد الحركة تنطوي على كثرة من المغالطات.

وحجج زينون أغاليط، وكانت شهرتها لسخافتها، وعلى حد تعبير أفلاطون «لهواً جدياً»، ولكنها جاءت أمراً جديداً في الفلسفة، فاستثارت الفلاسفة في ذاك الوقت للرد عليها، ومن ثم تحليل معاني الامتداد والزمان والمكان والعدد والحركة واللانهاية عند أفلاطون، وبالأخص أرسطو."5

وإذا كان القدماء قد رفضوا فكرة زينون في انقسام المسافة إلى مالا نهاية وسخروا منه، فإن الرياضيين المحدثين (والفضل في ذلك يرجع إلى ليبنتز) قد رأوا أن هذا الانقسام واقعي ولابد من حسابه، ومن هنا نشأ الحساب اللانهائي أو ما يسمى بحساب التفاضل والتكامل.6

ففي القرن التاسع عشر وضع نيوتن ولايبنتز عمليات حساب التفاضل والتكامل والنهايات الصغرية بينما اكتفى بعض العلماء بالقول باستحالة الوصول للنهايات بالنسبة للزمان والمكان والحركة وإنما أقصى ما يمكننا هو الاقتراب أكثر فأكثر، وبالطبع لا يمكننا الجزم بذلك، ولكن هذا ما هو عليه الحال بالنسبة للرياضيات والفيزياء والفلسفة حتى الآن، وإن شئت التأكد من ذلك ما عليك سوى البحث عن عدد حقيقي كامل وتام ومتناه يعبر بدقة عن قيمة ثلث الواحد.7

وعلى الرغم من كل الاعتراضات والردود التي نستطيع أن نسوقها ضد حجج زينون، فيجب أن نعترف أنه كان لمنهجه في التفكير شأن خطير في الفلسفة حيث كان منهج زينون جديدا مما جعل أرسطو يعده مكتشف الجدل، والقيمة التاريخية لهذه الحجج أكبر بكثير من حقيقة صحتها بحسب تعبير "عبد الرحمن بدوي"، فقد أثارت هذه الحجج مشكلة التغير والظواهر ووضعتها في أحدِّ صورة لها، وكان على الباحث في الطبيعة أن يحسب لهذه الحجج حسابها، ولهذا نرى أفلاطون وأرسطو يجدان نفسيهما مضطرين إلى الرد عليها قبل البحث في الحركة.2 ص 134

الخاتمة:

يمكننا ختام هذا البحث المقتضب بما أورده "ولتر ستيس" في ملاحظاته النقدية على المدرسة الإيلية حيث ذكرها على النحو التالي:

ترى الفلسفة الإيلية أن عالم الحس بالرغم من تميزه بصفات جوهرية هي الكثرة والحركة، غير أن هذا العالم الخارجي ليس هو الوجود الحق، وهم لا ينكرون وجود الحركة والكثرة، فما من رجل عاقل ينكر ذلك، فزينون مثلا لا ينفي وجود العالم ولكن ما ينفيه هو حقيقة وجوده، وما يعنيه هو أن العالم الحاضر أمام حواسنا ليس هو العالم الحقيقي بل مجرد مظهر وهمي، عرض خارجي، قناع زائف يخفي الوجود الحقيقي للأشياء.1 ص 60

ولكن التاريخ أنصف زينون ليس بكشف الغطاء عن جوانب الخير في حياته أو بإثبات صحة النتائج التي توصَّل إليها، ولكن باكتشاف جانب دائم الاستفزاز والاستثارة في مفارقاته. كما كتب الفيلسوف وعالِم الرياضيات "ألفريد نورث وايتهيد" عام 1932 ميلادية قائلًا: " إن محض الإقبال على تفنيد مفارقاته على مدار كل قرن هو دليل على النجاح الباهر الذي حقَّقه زينون … فلم يدرُس أحد فلسفة زينون دون أن يحاول تفنيدَها، ورغم ذلك يرى الفلاسفة في كل قرن أن آراءه ما زالت تستحق التفنيد."4 ص 93



المراجع:

1. تاريخ الفلسفة اليونانية: ولتر ستيس، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة للنشر والتوزيع

2. ربيع الفكر اليوناني: عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثالثة مكتبة النهضة المصرية

3. مناهج البحث الفلسفي: محمود زيدان

4. حلم العقل: أنتوني جوتليب، ترجمة محمد طلبة نصار

5. زينون الإيلي: مقال عدنان ملحم على موقع الموسوعة العربية

6. زينون الإيلي أعظم المفكرين: مقال نبيل حاجي نائف على موقع الحوار المتمدن

7. موقع أنا أصدق العلم: زاهر رفاعية وطارق الشعر



#فلسفة #زينون #الإيلي #مخترع #الجدل
#The #philosophy #of #Zeno #of #Elea #the #inventor #of #controversy
يتم التشغيل بواسطة Blogger.