إن الله لا يقمع التفكير

0
إن الله لا يقمع التفكير ، بل يحث على سلامة التقدير ..   قال الله تعالى:  إنه فكر وقدر, فقتل كيف قدر, ثم قتل كيف قدر                     المدثر 18 * 19 * 20  ذاك أن التفكير مجال واسع و غير محدود ؛ لأنه نعمة من الله لا يكفيها شكر ، لكنه بذلك بحر متلاطم الأمواج ، يحتاج ميزان تقدير دقيقا وسليما ،لتخلص الأفكار عبره إلى نتائج سليمة ، ليتمخض عن ماكنة التفكير هذه :  حق لا باطل  خير لا شر  والخلل الذي يحيل الخير شرا والحق باطلا ، هو خلل في كيفية التقدير .. وذاك هو القياس الجائر بوصف الحسن البصري وابن سيرين ...  لأجل ذلك ،كان الشيطان ضحية لتقديرات تفكيره الخاطئة .  هنا مفصل أساسي في مشكلة الشيطان ؛ لأن خطيئة الشيطان تتجاوز حدود الذنب ، لتسقط في قاع الكفر ..  هناك شيء ما في داخل الشيطان ... طفرة فكر أو خاطر ، غيرت نظرته لخالقه سبحانه وتعالى ، غيرت مفهومه عن الإله ، طفرة في تركيبة نفسه جعلته يتعدى في طموحاته كل المراتب، ويعتقد أن ثمة أسبابا لو امتلكها يوما ،لاستطاع بها أن يصير إله ، ولعل من تلك الأسباب عنده الخلد والملك ..

كتبت يوما ما من أيام عام 2011 م

إن الله لا يقمع التفكير ، بل يحث على سلامة التقدير .. 

قال الله تعالى: 
إنه فكر وقدر, فقتل كيف قدر, ثم قتل كيف قدر                     المدثر 18 * 19 * 20 
ذاك أن التفكير مجال واسع و غير محدود ؛ لأنه نعمة من الله لا يكفيها شكر ، لكنه بذلك بحر متلاطم الأمواج ، يحتاج ميزان تقدير دقيقا وسليما ،لتخلص الأفكار عبره إلى نتائج سليمة ، ليتمخض عن ماكنة التفكير هذه : 
حق لا باطل 
خير لا شر 
والخلل الذي يحيل الخير شرا والحق باطلا ، هو خلل في كيفية التقدير .. وذاك هو القياس الجائر بوصف الحسن البصري وابن سيرين ... 
لأجل ذلك ،كان الشيطان ضحية لتقديرات تفكيره الخاطئة . 
هنا مفصل أساسي في مشكلة الشيطان ؛ لأن خطيئة الشيطان تتجاوز حدود الذنب ، لتسقط في قاع الكفر .. 
هناك شيء ما في داخل الشيطان ... طفرة فكر أو خاطر ، غيرت نظرته لخالقه سبحانه وتعالى ، غيرت مفهومه عن الإله ، طفرة في تركيبة نفسه جعلته يتعدى في طموحاته كل المراتب، ويعتقد أن ثمة أسبابا لو امتلكها يوما ،لاستطاع بها أن يصير إله ، ولعل من تلك الأسباب عنده الخلد والملك .. 
الشيطان الذي رأى حقيقة ملكوت الله ،وعظمته ومقدرته ... كيف يختار أن يعادي الإله العظيم في ملكه ؟؟؟ ... كيف يختار لنفسه هذا المصير ؟؟.. 
كيف سمح لنفسه بهذا الجور ..؟ وكيف سمح الله العظيم بهذا الشر ..؟ 
يجيبك (ابن عنابة) القديس أوغستين ، بأن الله تعالى رأى بحكمته أن الأفضل إخراج الخير من الشر، على عدم السماح للشر أصلا بالوجود ... 
لأن الله سبحانه يخلق ، لكنه لا يكره خلقه على حبه .. كما كان يقول بول أفدوكيموف ، فلا حب مع إكراه ، والحب ثمرة الحرية ،
 لأن : 
في الحرية حب وكره 
في الحرية طاعة ومعصية 
وفي الحرية توبة وكفر 
أقول: وجوهر الفصل بين معصية الإنسان ومعصية الشيطان ، أن في الإنسان حب لله أعاده إليه بالتوبة ، وفي الشيطان كره له تعالى أبعده عنه بالكفر . 
إن مجال الحرية في الحياة شديد الأهمية ؛ لأن الله العظيم سبحانه هو الذي سمح به ، الله هو من سمح للشيطان المتمرد بالحياة وأعطاه كامل الفرصة لتحقيق أفكاره ، بل واستجاب لمطالبه .. 
لأنه ملك عظيم قوي لا يضره شيء ، خلق خلقه وأعطاهم الحرية ، فإذا ما أراد الشيطان أن يسلب خلقه حريتهم ، ألزمه حده وصانها لهم .. 
قال الله تعالى للشيطان : 
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان                              الحجر 42 – الإسراء 65

شعائر أم مشاعر ؟

0
في ليلة من ليالي الزمن الغابر، في برية الأردن، جلس الحواريون من حول المسيح عليه السلام وهو يعلمهم معنى الإيمان، ويزكي قلوبهم حتى فاضت أعينهم من الدمع وخشعت أرواحهم فتاقت أنفسهم إلى الصلاة...  عندها بادر يوحنا بالقول: يا معلم ، فلنغتسل كما أمر الله على لسان موسى ...  فأجابه السيد المسيح قائلا: لا تظنوا أني قد أتيت لأبطل الشريعة وكلام الأنبياء من قبلي، لعمر الله إنما بعثت لأحفظها... والذي تقف نفسي بحضرته ، لن يرضى الله عمن يخالف وصية من وصاياه ... لكني أحب ان تفقهوا جيدا كلام الله على لسان النبي أشعيا حين قال(اغتسلوا وكونوا طاهرين ، أبعدوا أفكاركم عن عيني)  الحق أقول لكم، إن ماء البحر كله لن يغسل من كان قلبه يحب الآثام...1  للشعائر والمناسك مقصد في قلب الانسان إن بلغته فقد حققت ما فرضت من أجله ، فقلب الإنسان وضميره الخفي هو ما جاءت من أجله الرسالات وبعث في سبيله الأنبياء ، ذلك السر الباطن الذي لا يطلع عليه إلا اثنان ، العبد وربه ، ومن ثمة فلا رقيب عليه سواهما ...  ربما... من أثر العادة والاعتياد قد يظن العبد أن مبتغى الرب منه أن يتعب جسده الضعيف في طقوس غامضة لا يفهم كنهها، أو أن يقرب إليه قربانا يقتطعه من ماله وعرق جبينه ، كل ذلك لأن الرب يرجوا شقاءه في هذه الدنيا وأن شقاء الدنيا ونكدها لازم إن رغب العبد في نعيم الآخرة ..

كتبت يوما ما من أيام عام 2012م

شعائر أم مشاعر ؟.. 

في ليلة من ليالي الزمن الغابر، في برية الأردن، جلس الحواريون من حول المسيح عليه السلام وهو يعلمهم معنى الإيمان، ويزكي قلوبهم حتى فاضت أعينهم من الدمع وخشعت أرواحهم فتاقت أنفسهم إلى الصلاة... 
عندها بادر يوحنا بالقول: يا معلم ، فلنغتسل كما أمر الله على لسان موسى ... 
فأجابه السيد المسيح قائلا: لا تظنوا أني قد أتيت لأبطل الشريعة وكلام الأنبياء من قبلي، لعمر الله إنما بعثت لأحفظها... والذي تقف نفسي بحضرته ، لن يرضى الله عمن يخالف وصية من وصاياه ... لكني أحب ان تفقهوا جيدا كلام الله على لسان النبي أشعيا حين قال(اغتسلوا وكونوا طاهرين ، أبعدوا أفكاركم عن عيني) 
الحق أقول لكم، إن ماء البحر كله لن يغسل من كان قلبه يحب الآثام...1 
للشعائر والمناسك مقصد في قلب الانسان إن بلغته فقد حققت ما فرضت من أجله ، فقلب الإنسان وضميره الخفي هو ما جاءت من أجله الرسالات وبعث في سبيله الأنبياء ، ذلك السر الباطن الذي لا يطلع عليه إلا اثنان ، العبد وربه ، ومن ثمة فلا رقيب عليه سواهما ... 
ربما... من أثر العادة والاعتياد قد يظن العبد أن مبتغى الرب منه أن يتعب جسده الضعيف في طقوس غامضة لا يفهم كنهها، أو أن يقرب إليه قربانا يقتطعه من ماله وعرق جبينه ، كل ذلك لأن الرب يرجوا شقاءه في هذه الدنيا وأن شقاء الدنيا ونكدها لازم إن رغب العبد في نعيم الآخرة ... 
ثم إن صنفا آخر من الناس ، ممن كان منهم في درك الشيئية البحثة ، ليظن أن لله نصيبا مما ينفق في سبيله أو أن الله في حاجة إلى جهد عضلاته ، تعالى الله سبحانه عما يظنون علوا كبيرا 
كلا ، وألف كلا ... فلن ينال الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم 
إن مقصد الإنفاق هو الإيثار في النفس وتزكية ما بها عن النهم والطمع والتمسك بالأشياء 
ومقصد الجهد والمجاهدة تمحيص القلب من كل عوالق الأنا التي تشده إلى الأرض شدا 
فالشعائر بذلك رياضة تنطلق بفعلها من أعماق القلب تطهره من كل ما يشوه إنسانيته و يخون حبه المقدس لخالقه، لأن محور هذه التعاليم كلها هو امتحان مقدار هذا الحب وصدقه، فمن لم تتحقق لديه هذه الغاية في شعائر عبادته فقدت الشعائر معناها عنده بل وتفقد قيمتها حتى: 
" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له "2 محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 
" رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، "3 محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 
------------------------------------------------
1 : إنجيل برنابا الفصل الثامن والثلاثون (بتصرف) 
2 : رواه ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين (تفسير ابن كثير) 
3 : (أخرجه ابن ماجة : برقم 1690، و أحمد في المسند 2/373، 441).

باسكال في كاليفورنيا -12- إلى وقت النهاية

0
إذن ... فعلى المؤمنين ترقب العلامات ... ولكن ماذا عن رجسة الخراب هذه ...؟ بني ... هي من كلام النبي دانيال الذي رأى في رُأياه نبأ آخر الزمان وأحداثه ... فيها كلام كثير لست أدري إن كنت تستطيع استيعابه ...؟ أبتي ... ما جئت من كاليفورنيا إلى هنا وتركت عملي .. إلا لأستوعب هذا الكلام  حسنا بني ... لعلك وحدك من يبحث عن مثل هذه الأخبار في زمننا هذا (وأخرج من درجه الكتاب المقدس ثم تناول نظاراته وهو يقول)... اسمع .. كان دانيال نبيا عظيما من انبياء اليهود عندما كانوا أسرى في مملكة بابل العظيمة ، قبل الميلاد زهاء السبعة قرون ... وبلغ من مجده أن صار وزيرا لملوك متعاقبين على الحكم هناك ... وكان يرى في منامه أحداثا سرعان ما تحققها الأيام ، وكان يكتم بعضها بأمر من ملاك الله ويكتبها سرا ،لأنها من خبر آخر الأيام ... يقول في واحدة منها :( أن الدجال يشتد غيضه على المتمسكين بالعهد المقدس .. فيتخذ له بطانة من الذين خانوا عهد الله .. فيحرك أذرعه الخفية لتُنجس المقدِسَ الحصين ... و تبني الرجس المخرب عليه ... فيغوي الناس على نكث عهد الله بزخارف الحياة ... أما المؤمنون الذين لم يرتابوا في ربهم فيثبتون ويجاهدونه ... وأصحاب الفهم من المؤمنين يُعلِمون كثيرا من الناس .. فينزل الدجال بهم ضربا بالسيف والنار والسبي والنهب أياما ... وكلما انهزم المؤمنون لا يجدون من العون إلا قليلا .. فتتصل بهم أطراف كثيرة تعرض عليهم عروضا لينكثوا عهد الله ... حتى أن بعض الفاهمين يتعثرون امتحانا لهم وتطهيرا من الله للمؤمنين ... وسمع دانيال في الرؤيا قديسا من قديسي الله يقول :" إلى متى تبقى معصية الخراب على القدس ويبقى جند الله مدوسين ..؟" فأجابه قديس آخر :" ماهي إلا ليالي وأيام حتي يتبرأ القدس من هذا الرجس ".... ثم إن كثيرين سوف يُغربَلون ويمحصون ويُطهرون ... فيتيه الأشرار غير مدركين لما يجري .. ووحدهم الفاهمون يفهمون ... فطوبى لمن انتظر ... وإذا على سحب السماء كأن ابن الإنسان أتى .. ونزل بين الأطهار، فقربوه قدامهم ... فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا وذلت له شعوب الأرض كلها ...) ولما أتم دانيال الرؤيا قال له ملاك الرب :« أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيآلُ فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. فكَثِيرُونَ سيَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ ستَزْدَادُ». ثم أغلق الأب الكتاب وانتظر تعليقا من بيلي الذي أذهلته هذه الكلمات

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

إلى وقت النهاية

إذن ... فعلى المؤمنين ترقب العلامات ... ولكن ماذا عن رجسة الخراب هذه ...؟
بني ... هي من كلام النبي دانيال الذي رأى في رُأياه نبأ آخر الزمان وأحداثه ... فيها كلام كثير لست أدري إن كنت تستطيع استيعابه ...؟
أبتي ... ما جئت من كاليفورنيا إلى هنا وتركت عملي .. إلا لأستوعب هذا الكلام 
حسنا بني ... لعلك وحدك من يبحث عن مثل هذه الأخبار في زمننا هذا (وأخرج من درجه الكتاب المقدس ثم تناول نظاراته وهو يقول)... اسمع .. كان دانيال نبيا عظيما من انبياء اليهود عندما كانوا أسرى في مملكة بابل العظيمة ، قبل الميلاد زهاء السبعة قرون ... وبلغ من مجده أن صار وزيرا لملوك متعاقبين على الحكم هناك ... وكان يرى في منامه أحداثا سرعان ما تحققها الأيام ، وكان يكتم بعضها بأمر من ملاك الله ويكتبها سرا ،لأنها من خبر آخر الأيام ... يقول في واحدة منها :( أن الدجال يشتد غيضه على المتمسكين بالعهد المقدس .. فيتخذ له بطانة من الذين خانوا عهد الله .. فيحرك أذرعه الخفية لتُنجس المقدِسَ الحصين ... و تبني الرجس المخرب عليه ... فيغوي الناس على نكث عهد الله بزخارف الحياة ... أما المؤمنون الذين لم يرتابوا في ربهم فيثبتون ويجاهدونه ... وأصحاب الفهم من المؤمنين يُعلِمون كثيرا من الناس .. فينزل الدجال بهم ضربا بالسيف والنار والسبي والنهب أياما ... وكلما انهزم المؤمنون لا يجدون من العون إلا قليلا .. فتتصل بهم أطراف كثيرة تعرض عليهم عروضا لينكثوا عهد الله ... حتى أن بعض الفاهمين يتعثرون امتحانا لهم وتطهيرا من الله للمؤمنين ... وسمع دانيال في الرؤيا قديسا من قديسي الله يقول :" إلى متى تبقى معصية الخراب على القدس ويبقى جند الله مدوسين ..؟" فأجابه قديس آخر :" ماهي إلا ليالي وأيام حتي يتبرأ القدس من هذا الرجس ".... ثم إن كثيرين سوف يُغربَلون ويمحصون ويُطهرون ... فيتيه الأشرار غير مدركين لما يجري .. ووحدهم الفاهمون يفهمون ... فطوبى لمن انتظر ... وإذا على سحب السماء كأن ابن الإنسان أتى .. ونزل بين الأطهار، فقربوه قدامهم ... فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا وذلت له شعوب الأرض كلها ...) ولما أتم دانيال الرؤيا قال له ملاك الرب :« أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيآلُ فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. فكَثِيرُونَ سيَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ ستَزْدَادُ».
ثم أغلق الأب الكتاب وانتظر تعليقا من بيلي الذي أذهلته هذه الكلمات 
أظن .. انه لا يزال أمامي الكثير لأبحث عنه ... كلما طلبتُ جوابا ، ظفرت بأسئلة جديدة ... (قال بيلي) .. لكن أبتي إن كان المسيح طالب المؤمنين بالصبر و بالوقوف شاهدين بالحق أمام الأمم ... و دانيال يصف أعداء الدجال بأنهم يُعلمون الناس ... فأين هم هؤلاء الصادعون بالحق والمعلمون ..؟ 
(فنظر إليه الأب ،ثم قال) إنهم موجودون .. لكنهم مختفون لأنهم مضطهدون ... ومهددون بالقتل يا بني ..
فكيف يجتمع الاختفاء والخوف مع الشهادة بالحق أمام جميع الأمم ..؟
بني ... لا تتعجل الفهم ... فلا تزال هنالك الكثير من الخفايا التي لا تعلمها و لا يعلمها حتى العجوز الجالس أمامك، الذي أمضى عمره كله في البحث عنها ... لأجل ذلك .. فالمسير في طريق الأسرار المقدسة يحتاج صبرا وطول نفس يا بني
وبعدما آنس الأب من بيلي الاكتفاء .. بادره بالكلام :
أما وقد حاولتُ أن أجيب عن أسئلتك الصعبة ، فاسمح لي أن أسألك سؤالا واحدا ... من أين لك بهذه المعلومات عن مسايا اليهود ..؟
من صفحات الإنترنت طبعا ..
إذا فهي فكرة سيئة .. بني ... كان الأجدر بك أن لا تقع كالفراشة الضعيفة في شبكة العنكبوت الرهيبة هذه ... كان الأجدى والأكثر أمانا لك أن تقصد المكتبات وتتصفح أوراق الكتب هناك ... فلتحترس أكثر بني 
لكن بيلي لم يعقب على كلام الأب ولزم الصمت ، 
ثم ودعه وقفل عائدا ... في المطار اتصلت به آنا جزعة وهي تقول له :
لقد جاءنا اليوم رجل ادعى أنه من الشرطة الفدرالية .. سأل عنك وعن عملك ، وطلب رؤية غرفتك لكننا تحججنا بغيابك ومنعناه ...
لا يحتاج الأمر إلى كل هذا الجزع .. فلا تقلقي .. أعتقد انها مخالفة إنترنت ، جاء الرجل ليستفسر عنها .. ليس أكثر 
وفي الطائرة أخذ يفكر بيلي في كل ما يجري من حوله وفي كلام الأنبياء الذي سمعه من الأب .. هل تراها محاولات لإرهابه وثنيه عن مواصلة طريقه في البحث عن الحقيقة ... هل بعد كل الذي عرفه يتراجع ... هل يلقي بكل هذه النبوءات خلف ظهره ... كان يتساءل عن أطهار الله الذين لا يخافون الجهر بالحق .. فلم لا يكون واحدا منهم وقد لاحت الفرصة أمامه ليختبر عزمه ... فعزم على أمره .. ما الذي سيخسره ..؟ .. بعد أن خسر نصف جسده في الحادث .. كم بقي أمامه ليعيشه في هذه الدنيا ... فلم لا يجعل لأيامه الباقية معنى ... ويعيش لفكرة تستحق الحياة والموت لأجلها ... هكذا عزم بيلي وأضمر في قلبه . 
في كاليفورنيا ... حاول بيلي طمأنة الجميع بأن الأمر ليس أكثر من مشكلة على الإنترنت .. ثم اختلى بآنا وقال لها :
ركزي معي جيدا .. فثمة أمر خطير يحدث من حولنا .. وأحتاج مساعدتك .. اسمعي جيدا ، سوف تصلك رسائل إلكترونية باسم مستعار هو "باسكال" حاولي أن ترسليها إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء عندما أطلب منك ذلك ...
ما الأمر بيلي ... ما الذي يحدث ..؟
لا أستطيع أن أشرح لك كل شيء الآن ... لكنك إذا قرأت تلك الرسائل ، ستفهمين الموضوع ...
ثم اختلى ببيتر وديفد كل على حدى وطلب منهما نفس الشيء ...
وفي المساء عمد بيلي إلى الدخول إلى الإنترنت هذه المرة باسمه المستعار "باسكال" وسارع بإنشاء مجموعة من المواقع المتفرقة ونظم معلوماته التي جمعها بشكل مقالات محددة ،قام بنشرها على دفعات ثم بدأ بإرسال رسائله إلى كل من تمكن من الظفر ببريده الإلكتروني ... واستمر يعمل طيلة الليل ... 
في الصباح وعندما خرج من غرفته .. وجد رفاق سره ينظرون إليه نظرات كلها دهشة واستغراب لكن أحدا منهم لم ينبس بكلمة ... واستمر عملهم كعادته .. وفي المساء أقبل ديفد قلقا وقال لبيلي:
يجب أن نرحل فورا من هنا (فاعترضته آنا مستفسرة ، فقال لها)
هناك سيارتا شرطة معهما سيارة سوداء مصفحة في طريقها إلى هنا 
ما العمل غذا قال بيتر ..؟
يجب ان اختفي مع بيلي .. وإن سأل أحد عنا .. قولا أننا ذهبنا إلى المتنزه العام 
وفي غمرة العجلة حمل بيلي معه حاسوبه المحمول وشرائح الذاكرة ، ثم ركب مع ديفد في سيارته وأقلعا عبر طريق خلفي ملتوي ... ولم تمضي غير لحظات حتى حاصرت الشرطة المكان وأخذت تبحث عن بيلي وعندما لم تجده بدأت في التحقيق مع أفراد الفريق ...
ركن ديفد سيارته عند بيت أحد أصدقائه ... ثم طلب من صديقه السماح له باستعارة سيارته ، ولما قبل الصديق استبدل ديفد وبيلي سيارتهما وأقلعا :
إلى أين تعتقد أنه يمكننا الذهاب الآن بيلي ..؟ (قال ديفد) 
إلى فانكوفر .. ليس هناك مكان آخر ..
فانكوفر ..؟ .. سيكون الطريق طويلا و يعج بنقاط التفتيش ..؟ (ثم التفت نحو بيلي) ليس هناك أفضل من هذا يا صاااااح ... 
لم تفعل هذا ..؟
ماذا ..؟ لم أسمعك جيدا ..؟
أقصد .. لم تخاطر بنفسك من أجل شخص مجنون مثلي ..؟
هههههههههههههه .. انت مجنون حقا... تطاردك الشرطة الفدرالية .. ومطلوب لدى الأمن المركزي ... لا يحظى المرء دائما بفرصة رائعة كهاته ... سوف تظهر صورتك على شاشات التلفزة ، ألم أقل ذلك لك ..؟ أتمنى ان يختاروا لي صورة جميلة ... اسمع لا تخشى شيئا ... فقد تبادرت الآن لعقلي الداهية ،فكرة عبقرية ... أعرف كيف سنجتاز حقل الألغام هذا ... سوف نصل إلى فانكوفر عبر طرق فرعية من ابتكاري ...
أووه .. يا إلهي .. لقد نسيت دوائي ...
هذا خبر جميل ... والأجمل منه انني نسيت محفظة نقودي (قال ديفد وهو يبتسم).
و استمر مسيرهما متقطعا .. لكن ديفد عرف كيف يستفيد من بعض معارفه على الطريق ... وبدأت أعراض المرض تبدوا على بيلي من جراء عدم تناوله للدواء .. فكان يتحامل على نفسه ولا يريد أن يُظهر أي ضعف ...
في كاليفورنيا صادرت الشرطة كل حاجيات بيلي وانصرفت ... فساد الصمت والوجوم على المركز وأفراده الذين لم يستوعب بعضهم ما يجري .. وبقيت آنا مع بيتر في حيرة .. لا يدريان ما يعملان ... لا يستطيعان التواصل مع ديفد وبيلي فالخطوط مراقبة .. وآنا أكثر قلقا من أن يتسرب الأمر إلى أم بيلي ...
وبعد سفر طويل وصل الهاربان إلى ضواحي فانكوفرن وبيلي في حالة يرثى لها ... فأوصى ديفد بأن يتصل بالأب توماس ويخبره بالأمر بعد أن هداه إلى مكانه ... ولم يطل الامر حتى عاد ديفد مع الأب توماس في سيارته وهما يحملان معهما الدواء لبيلي ... ثم انطلق الثلاثة نحو دير الشهداء ...
ما الذي دعاك لتفعل ما فعلت يا بني ..؟
الداعي الذي دعا باسكال لكتابة رسائله الريفية .. يا أبتي 
بني ... لقد سلكت طريقا لا يسلكها إلا قدوسوا الله وأطهاره ... وإني لأدعو الله لك بالحفظ والبركة ... فليباركك الرب الرحيم ... بني ... بعد هذا لم يعد لك مقام في هذه البلاد ... إن أخذت بمشورتي فسيؤامن لك العبور إلى كندا عبر أصدقائي من الهنود .. سوف تجد بمعيتهم الأمن من ملاحقة هؤلاء الذئاب ... وبعدها الله الرحيم يتخد لك سبلا ...
شكرا أبتي ... لكن قبل ذلك لا يزال علي فعل شيء ما دمت على هذه الأرض ... (ثم التفت نحو ديفد) إنها ساعت "الرسائل الانشطارية" هل أنت مستعد للمضي قدما معي في هذه المغامرة ..؟
أنت تعجبني يا صاااح.. لم تخيب ظني
إذن ولحظة عبورنا للحدود قل لآنا وبيتر أن يفجرا الرسائل عبر الشبكة.
ثم انطلق الجميع عبر الغابة والتقوا بالهنود مثلما خطط الأب توماس ... ولحظة الوداع .. وديفد يتصل بآنا ... اقترب الأب من بيلي و الدموع تسيل على خديه من شدة التأثر .. ثم حضن بيلي وقال :
بني سامحني ... لقد قصرت في حقك كثيرا ... أنت تستحق أكثر مما أخذت بكثير ... أذكرني بدعائك فإن قلبك نقي وطاهر ... (ثم أخرج كتابا من جيبه) .. سامحني بني .. فلم املك الجرأة لأقول لك الحقيقة كاملة ... الحقيقة التي تبحث عنها ستجدها في هذا الكتاب (ثم دسه في ملا بس بلي) 
ثم أقبل ديفد مستبشرا كعادته:
تهانينا أيها القائد المحترم ... لقد تمت العملية بنجاح 
وتم الوداع سريعا ... واخترق الهاربان الحدود مع الهنود ... وفي طريقه أخرج بيلي الكتاب ليقرأ على غلافه "إنجيل برنابا".

باسكال في كاليفورنيا -11- لم أهضم هذا الخلط

0
في الصباح والجميع منهمك في عمله ، إذا ببيتر ينادي عليهم جميعا ... فاجتمع الكل من حوله : معهد باسادينا يعلن أن الإشارة تعود إلى سوبرنوفا (وهو يشير إلى عناوين تتصدر صفحات بعض المواقع على الانترنت) هذا غير معقول ..!!! (قال البعض) هذا محبط للغاية ..!!! (قال بعض آخر) ربما تكون مجرد إشاعة (قال ديفد) لا يمكن ... هذا الموقع رسمي ولا يمكنه المجازفة بسمعته (رد بيتر) واختلط الامر في المركز ... لكن بيلي لم يكترث واستمر في تعديل برنامجه ... وآنا تراقب برودته من بعيد وتسترجع بعض ما دار بينهما من حديث ... ثم تكلم أحدهم : يا جماعة .. الخبر ليس أكيدا.. لقد اتصلت بصديق قديم يعمل معهم ، فقال لي انه مجرد افتراض ... وأنه لا يعرف كيف خرج الخبر إلى الإعلام .. فسكن روع الفريق قليلا ... لكن الشك بدأ يتسرب إلى القلوب ... واستمر النقاش ...  انسحبت آنا من حلقت النقاش وجلست بجانب بيلي : إذا مثلما قلتَ تماما ... عملنا من غير جدوى (وهي تنظر إليه ، تنتظر تعليقا منه) حتى وإن كان مجرد نجم متفجّر ، فهذا مفيد للعلم (وهو يبتسم) لكنها ليست الحياة التي نبحث عنها ... آنا يجب أن تفهمي اننا لا نبحث عن الحياة .. بل نبحث عن الحقيقة  حقيقة ماذا ؟؟ عن حقيقة هذه الحياة ..!!!  ألم تستوعب بعد حقيقة الحياة أيها الفيلسوف ..؟

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

لم أهضم هذا الخلط

في الصباح والجميع منهمك في عمله ، إذا ببيتر ينادي عليهم جميعا ... فاجتمع الكل من حوله :
معهد باسادينا يعلن أن الإشارة تعود إلى سوبرنوفا (وهو يشير إلى عناوين تتصدر صفحات بعض المواقع على الانترنت)
هذا غير معقول ..!!! (قال البعض)
هذا محبط للغاية ..!!! (قال بعض آخر)
ربما تكون مجرد إشاعة (قال ديفد)
لا يمكن ... هذا الموقع رسمي ولا يمكنه المجازفة بسمعته (رد بيتر)
واختلط الامر في المركز ... لكن بيلي لم يكترث واستمر في تعديل برنامجه ... وآنا تراقب برودته من بعيد وتسترجع بعض ما دار بينهما من حديث ... ثم تكلم أحدهم :
يا جماعة .. الخبر ليس أكيدا.. لقد اتصلت بصديق قديم يعمل معهم ، فقال لي انه مجرد افتراض ... وأنه لا يعرف كيف خرج الخبر إلى الإعلام ..
فسكن روع الفريق قليلا ... لكن الشك بدأ يتسرب إلى القلوب ... واستمر النقاش ... 
انسحبت آنا من حلقت النقاش وجلست بجانب بيلي :
إذا مثلما قلتَ تماما ... عملنا من غير جدوى (وهي تنظر إليه ، تنتظر تعليقا منه)
حتى وإن كان مجرد نجم متفجّر ، فهذا مفيد للعلم (وهو يبتسم)
لكنها ليست الحياة التي نبحث عنها ...
آنا يجب أن تفهمي اننا لا نبحث عن الحياة .. بل نبحث عن الحقيقة 
حقيقة ماذا ؟؟
عن حقيقة هذه الحياة ..!!! 
ألم تستوعب بعد حقيقة الحياة أيها الفيلسوف ..؟
نعم آنا .. ليس بعد .. لأجل ذلك يجب أن أعود إلى فانكوفر غدا.. وعليك أن تغطي علي هذه المرة أيضا وقولي بأنني قد عدت إلى شيكاغو لموعد الطبيب 
ثانيةً !!!؟ متى سوف ينتهي فلمك وتريحني من هذا الحرج ؟
قريبا آنا.. قريبا فلا تقلقي 
وفي الغد امتطى بيلي الطائرة نحو فانكوفر .. ثم إلى الجمعية الخيرية حيث جلس في المكتب ينتظر عودة الأب توماس ... ولما عاد الأب اندهش لدى رؤيته بيلي :
بني لقد عدت سريعا
لا أبتي .. فقد كانت أيامي بعيدا عنك طويلة جدا 
(فابتسم الأب توماس) ربما سنعود إلى الدير إذا ..؟
لا أبتي .. ليس ذلك ضروريا ... تكفيني جلسة هنا إن اتسع الوقت لديك ... أريد أن أستوضح فيها من أبتي بعض الأمور التي أشكلت علي ... فمن غزير علمك نغترف ..
)ظل الأب مبتسما) أنا رهن إشارتك .. وفي خدمتك بني
أبتي .. إن سمحت .. أريد أن أعرف من هو المسايا الذي انتظره اليهود منذ آلاف السنين..؟
)نظر إليه الأب قليلا ثم قام وأغلق النافذة والباب بالمفتاح ثم عاد وجلس) .. بني ... هو المسيح يسوع الناصري ..
فكيف إذا رفضه اليهود و كانوا ينتظرونه على أحر من الجمر .. أليس هو من سيرد لهم ملكهم ..؟
لأن جيل اليهود ذاك، كان جيلا شريرا ... فاسقا .. لم يعرف حق المسيح وسعى لقتله مثلما قتل زكريا ويوحنا من قبل
إذا فقد فشل المسيح في تحقيق نبوءة المسايا ، بإعادة الملك لإسرائيل ..؟
لا.. ليس هكذا يا بني (وهو ينظر باستغراب إلى بيلي(
إذا لم يكن فشلا ، كان خطأً في التوقيت ... المسيح أخطأ الزمن المناسب لتحقيق نبوءته ... وإلا فلم أرسل لذلك الجيل بالضبط ..؟
بني ... (ثم صمت قليلا) ... ليس اعتباطا أن يُبعث المسيح لذلك الجيل ... ليس حسنا أن نقول هذا عن حكمة الله العظيمة التي لا نحيط بخفاياها وأسرارها مهما فعلنا لأن عقولنا قاصرة ... يبقى المسيح هو المسايا المنتظر برغم جحود اليهود به وتلك حكمة الله
أبتي ... إذا كان اليهود قد رفضوا المسيح وصلبوه يومها ، فكيف يتحمسون لعودته الآن ويبذلون كل هذه الجهود تحظيرا لتتويجه ملكا على العالم ..؟
أولا بني ... لست ممن يعتقد بصلب المسيح ، فالمسيح لم يصلب ولم يقتل ، رفع حيا مكرما مطهرا إلى السماء، وعندما يعود سيُدين اليهود الذين سعو لقتله مثلما سيدين الذين عبدو الصليب من أجله ، هذه الوثنية أُقحمت في الإنجيل إقحاما يتحمل وزره بولس الرسول الذي ابتدع قصة الخطيئة الأزلية والتضحية على الصليب ... انا لست من المخدوعين بزخرفة أقواله الفلسفية ، والمسيح بالنسبة لي بشر رسول أرسله الله مثلما أرسل موسى من قبله .. 
ثانيا.. من قال إن المسايا الذي يدعي اليهود اليوم أنهم ينتظرونه ، هو المسيح يسوع الناصري ..؟
إذا فمن هو الملك الخفي الذي يدير "حكومة الأربعمئة رئيس" التي ستحكم العالم من اورشليم ..؟
بني ... ذاك هو الكذاب الذي سيدعي دجلا انه المسيح المنتظر وهو في الحقيقة ضده تماما ... المسيح يا بني سينزل من السماء أمام مرأى الناس جميعا ولن يخرج من اعماق البحر خِفية ... ذاك الوحش البحري الذي حذر منه الانبياء، هو من سيخرج في زمننا هذا...
أبتي .. سامحني .. فلم أهضم هذا الخلط ... كيف ينكر اليهود المسيح الحقيقي ويصدقون شخصا آخر كذاب بهذه البساطة ... أليس هناك علامات يفرق بها الناس بين الحقيقي والكذاب ..؟
أجل هناك علامات تميز الصادق من المفتري تكلم بها الأنبياء من قبل ... لكن جلاء الخلط من عقلك ، هو أن اتِّباع اليهود لهذا الكذاب ليس سذاجة منهم .. ولكنها الخيانة التي خانوا بها مواثيقهم مع الرب ... إنه تحالفهم الأزلي مع الشيطان ... رفضهم للمسيح الحقيقي هو رفضهم لمسايا الرب إرضاء للشيطان ... وقبولهم اليوم بالمسيح المزيف هو أيضا إرضاء للشيطان وخدمة لمشروعه ... الشيطان يريد أن يحكم العالم بواسطة هذا المسيح المزيف ... لأجل ذلك ترى هذا السعي الرهيب في تحظير الأجواء عبر العالم كله لتُقبل فكرةُ مسيح منتظر يأتي ليحكم العالم باسم الرب ... لكن الحقيقة أن لا رب يقصده هؤلاء إلا الشيطان الجاثم في أعماق المحيط...
أبتي ... هل الله بهذا الضعف ليدع مسيحه يهان بهذه الطريقة ، ومسيح الشيطان ينجح عبر العالم كله هكذا ..؟
لا .. بني حاشا الله أن يوصف بالضعف ... لكنها حكمته التي تعطي الشيطان واتباعه كامل الفرصة في هذه الحياة ليحققوا أهدافهم .. بل هي القوة عينها في تركهم بكل حرية يسعون في الأرض ... وعندما يعود المسيح الحق سوف تتبخر كل احلام الشيطان هذه ... وسوف تنهار مملكته وسوف يندم اليهود .
و متى سيعود المسيح الحقيقي يا أبتي..؟ 

عندما يظن الشيطان ومسيحه الكذاب انهما خدعا كل البشر .. عندما يعتقد الشيطان أنه نجح في القضاء على المؤمنين بالله وانتصر على الله في الأرض ... عندها يعود المسيح الحقيقي .. لأنه هكذا قال يسوع المسيح لتلاميذه عندما سألوه متى ستعود ..؟ قال لهم : احترسوا .. فلا يخدعكم الدجال .. فإنه سيأتي بعدي كثيرون كل يدعي أنه المسيح وسوف يضلون خلقا كثيرا وسوف تقوم حروب عظيمة .. فلا ترتاعوا واثبتوا على الحق ... فإنها فتنة مكتوبة منذ الأزل .. لأنكم يومها ستكونون مكروهين من جميع الأمم لأجل اسمي .. وسوف تطاردون وتقتلون .. لكن الذي يصبر منكم ويقف شاهدا على الحق أمام الأمم .. فهو الذي ينال الخلاص ... ومتى شاهدتم "رجسة الخراب" قائمة ببيت المقدس ... والناس يهربون إلى الجبال .. وضيقا عظيما لم يشهده العالم منذ أول الدهر يكاد يهلك جميع الناس إلا المختارين .. فإن الله لأجلهم يقصر تلك الأيام ... يومها إن قيل لكم : هو ذا المسيح هنا أو هناك ،فلا تصدقوا .. فإنه سيقوم مسيح كذاب يأتي بآيات عظيمة وعجائب تكاد تخدع حتى المختارين من الناس ... فإني الآن أخبركم .. إن قيل لكم هو في البرية فلا تخرجوا إليه وإن قيل لكم هو في المدينة فلا تتبعوه .. لأنه مثلما البرق يومض من الشرق إلى الغرب ، كذلك يكون سعيه .. لأنه حيثما تكون جيفة تجتمع النسور .. في ضيق تلك الأيام تظهر علامة ابن الإنسان في السماء .. ويأتي ابن الإنسان من السماء على السحاب بالقوة والمجد وينصر المختارين ... كمثل شجرت التين التي إذا أصبح غصنها غضا وأخرجت أوراقها آذنت بفصل الصيف ... كذلك هذه علامات لكم متى رأيتموها علمتم بها قرب عودتي ...

باسكال في كاليفورنيا -10- الأمن القومي

0
في الغد لم يمهل الأب بيلي ، وقام يحزم متاعهما ثم ركبا معا في السيارة وانطلقا نحو فانكوفر ... ومن ثمة وبعد استراحة خفيفة توجها إلى المطار حيث ودع الأب بيلي وداعا حارا وهو يتمنى له النجاح في عمله ...  في الطائرة ، بيلي على مقعده الخاص لم يهضم جيدا تصرفات الأب توماس ... وكأنما يخفي أشياء كثيرة ... أو ربما لم يحز بيلي على ثقته التامة ... مهما كان الأمر فما قاله عن أبناء الشيطان وسيطرتهم على الحياة في الولايات المتحدة ، كان خبرا صدمه صدمة شديدة ... فعزم بيلي على التحقق من الامر بنفسه حالما يصل إلى كاليفورنيا ...  في المطار وجد بيلي آنا في انتظاره، فأقبلت نحوه وهي تقول :  أنا مدينة لك بعشاء فاخر أيها الشقي ... أمك لم تنقطع يوما عن الاتصال بي طيلة هذا الأسبوع ، وأنا مسترسلة في خداعها ، ... نعم لقد تناول دواءه .. اجل هو بخير ...  إن كان هذا كل ما تطلبينه مقابل هذه المغامرة .. فهو قليل  هل لديك عرض أفضل ..؟  أجل ... اخبرك بسر ذهابي إلى فانكوفر  أوه .. نعم .. هذا عرض جيد أقبل به  لكن ليس الآن ..  يا لك من مخادع ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م


الأمن القومي 

في الغد لم يمهل الأب بيلي ، وقام يحزم متاعهما ثم ركبا معا في السيارة وانطلقا نحو فانكوفر ... ومن ثمة وبعد استراحة خفيفة توجها إلى المطار حيث ودع الأب بيلي وداعا حارا وهو يتمنى له النجاح في عمله ... 
في الطائرة ، بيلي على مقعده الخاص لم يهضم جيدا تصرفات الأب توماس ... وكأنما يخفي أشياء كثيرة ... أو ربما لم يحز بيلي على ثقته التامة ... مهما كان الأمر فما قاله عن أبناء الشيطان وسيطرتهم على الحياة في الولايات المتحدة ، كان خبرا صدمه صدمة شديدة ... فعزم بيلي على التحقق من الامر بنفسه حالما يصل إلى كاليفورنيا ... 
في المطار وجد بيلي آنا في انتظاره، فأقبلت نحوه وهي تقول : 
أنا مدينة لك بعشاء فاخر أيها الشقي ... أمك لم تنقطع يوما عن الاتصال بي طيلة هذا الأسبوع ، وأنا مسترسلة في خداعها ، ... نعم لقد تناول دواءه .. اجل هو بخير ... 
إن كان هذا كل ما تطلبينه مقابل هذه المغامرة .. فهو قليل 
هل لديك عرض أفضل ..؟ 
أجل ... اخبرك بسر ذهابي إلى فانكوفر 
أوه .. نعم .. هذا عرض جيد أقبل به 
لكن ليس الآن .. 
يا لك من مخادع ... 
وعادا معا إلى مركز الأبحاث حيث لقي بيلي استقبالا حارا من فريق العمل ، ثم طلب ديفد من الجميع السكوت وقد جاء بهدية كبيرة مغلفة يجرها حتى قدمها إلى بيلي وطلب الجميع منه فتحها ... فإذا بها كرسيا متحركا آليا ذو دفع ذاتي وتحكم تقني عالي الجودة ... لم يخفي بيلي فرحته ، ولم يعرف كيف يشكر زملائه على هذه اللفتة الرائعة ... 
في المساء بعد الحفلة الجميلة التي أقيمة على شرفه ورغم التعب الذي تملكه بعد رحلاته الطويلة ، لم يخلد بيلي إلى النوم قبل أن يتصفح الإنترنت ، فقد عزم على تتبع المفاتيح التي ظفر بها من كلام الأب توماس، فأخد يجمع المعلومات عن محافل الماسون و تاريخ جمعية "بناي برث" ومقدار نفوذ قادتها وأعضائها في الحياة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة ... فاندهش لمدى ارتكاز الدوافع السياسية على البعد الديني ، ومدى حضور الخلفية الدينية في خطابات الزعماء السياسيين المؤثرين في البلد ... ثم تساءل .. كيف يعمد هؤلاء إلى إفراغ المحتوى العلمي من كل مدلول ديني ثم يقحمون التفسير الديني في أشد القضايا حساسية للأمة ... ثم استمر يجمع معلوماته عن الرموز الدينية والسرية في الطقوس الماسونية ... ليقف على دلالات رمزية معقدة ومتداخلة تجمع خليطا من المعتقدات والأديان لكنه استطاع ان يخلص منها إلى أن هؤلاء الناس يعملون على تمهيد الطريق أمام ملك سوف يظهر قريبا ، يملك العالم ويحكم باسم الرب، وبحسب التعبير اليهودي فهو "مسايا" ينتظره اليهود منذ آلاف السنين ، يعيد لليهود سيطرتهم على جميع الشعوب ويحكم العالم كله من أورشليم حيث هيكله المقدس ... 
ثم وقف على بعض الكلام عن وجوده فعلا في الوقت الحاضر ، وأنه يحكم العالم فعلا عبر حكومة خفية تسيطر على القرار في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي ... وكيف أن أغلبية الموظفين في هذه المؤسسات العالمية ينتمون إلى الماسونية ، وكيف ان هذه التنظيمات السرية هي أصلا من سعت إلى إنشاء هذه المؤسسات منذ عصبة الأمم ، وكيف لم يخفوا في خطبهم البعد الديني لمخططاتهم ... ثم قادته شبكة المعلومات هذه إلى تتبع شكل سيطرتهم على القرار في الولايات المتحدة ذاتها عبر لوبيات متعددة وحضور قوي في الكونغرس ومجلس الشيوخ ، وتحكمهم في المصالح الحيوية للبلاد من شركات الطاقة والبترول ، إلى شركات صناعة الأسلحة ... وكيف يتبجح بعضهم بالقول انهم من صنعوا أمريكا القوية ... ثم توالى ظهور نافذة في وجه بيلي تقول (عذرا .. ممنوع تصفح هذه الملفات .. خطر يهدد الأمن القومي) كلما أراد المضي قدما في بحثه ... لكن بيلي ابتسم ، لأنه يعرف جيدا كيف يتعامل مع مثل هذه الانظمة الأمنية ... 
في الصباح استيقظ بيلي متعبا من طول سهره في الليل ، قدمت له آنا فطوره الصباحي وساعدته على ركوب كريسه الآلي ، ثم أخذ جولة به في أرجاء المركز ... كان كرسيا رائعا ، سهل القيادة ، سلس الحركة ونظامه سريع الاستجابة لأوامر بيلي ، 
ثم التحق مع آنا بباقي أعضاء الفريق في مركز المعلومات حيث اطلع بيلي على آخر أخبار الإشارة .. وآخر أخبار برنامجه الذي كان يحتاج بعض التعديلات بحسب طلب المسؤولين .. فانهمك مع البقية في محاولة إعادة برمجته من جديد ... 
ومضت بضع أيام على تلك الحال ، في الصباح يعترك بيلي مع البرنامج والإشارة .. وفي المساء ينغمس في حل الشبكة المعقدة لأسرار أبناء الشيطان .. 
وذات مساء في وقت الراحة ، وأعضاء الفريق يتسلون خارجا بكرة السلة .. أخذت آنا تتجول مع بيلي : 
كنت قد وعدتني بكشف سر ذهابك إلى فانكوفر .. 
نعم ولازلت على وعدي .. 
إذا ..؟ 
ليس بهذه البساطة آنا .. الامر أشد تعقيدا من أن أكشفه هكذا في جلسة واحدة 
أوو .. يبدوا أمرا خطيرا .. فلتكشفه مجزأً إذا.. وهلم لي بجزئه الأول الآن .. بيلي.. 
هههه .. عنيدة كعادتك 
لست أكثر عنادا منك .. لكنني أطالب بحقي معك .. أم انك لا تثق بي ..؟ 
لا آنا .. لا تقولي هذا .. فليس هناك من أحد أقرب إلي منك .. ولن أنسى فضلك علي ما حييت .. الأمر وما فيه ليس شيئا شخصيا أريد أن أخفيه عنك .. الأمر وما فيه عبارة عن ... كيف يمكن أن أشرح لك ... 
إنه قلق عميق في داخلي تجاه ما نعمل الآن آنا .. هل لهذا الجهد من جدوى وراءه ..؟ 
أعنى هل نعرف جيدا ما نحن بصدد البحث عنه ..؟ 
أظن أنني لم أعد مقتنعا بجدوى البحث عن إشارة لفضائيين من السماء .. 
ما الذي دهاك بيلي.. أبعد كل هذا الجهد وهذه النتائج تقول هذا ..؟ 
إن أردت الصراحة آنا ... فإني أصبحت اكثر اقتناعا بأننا نبحث عن الله في السماء 
نبحث عن الله ..؟ 
أجل آنا ... ونحن لا ندري ... الله هو الحياة التي نبحث عنها في أقاصي الكون ... ليس هناك من حياة هناك .. في الآفاق إلا ملكوته .. حيث تختفي الأسرار ... هل تعتقدين أن بإمكاننا ، بهذه التكنلوجيا الأرضية، أن نخترق أسوار مملكته العظيمة ... كلا آنا ... لن نستطيع أبدا أن نطل على العالم الآخر من خلال عدسة تليسكوب . 
بيلي كلامك هذا بدأ يخيفني ... ما الذي وجدته في فانكوفر حتى غير تفكيرك هكذا.؟ 
لا آنا .. تفكيري هذا هو الذي اخذني إلى هناك .. ألم أقل انك لن تستطيعي فهمي .. 
لا بيلي اسمع ... أنا لا انكر وجود الله .. أنا مؤمنة وإن كنت لست مواظبة على الذهاب إلى الكنيسة ... لكن هذا شيء ذاتي لا أخلطه بأمور عملي وحياتي العلمية .. لكل مجاله ... الحياة الروحية لها مجالها الخاص بها 
هنا لب المشكلة آنا ... إن كان لكل مجاله الخاص حقا .. فلمَ يعمد ساستنا إلى الخلط بين السياسة الدين .. أليست خطبهم وكأنها آيات من التوراة والإنجيل ..؟ 
إنها بروباغاندا معهودة ... إنه اللعب على العواطف الدينية للشعب من أجل المكاسب الانتخابية 
لا آنا ... هذه خدعة ... الامر اكثر بعدا من هذا ... على كلٍ .. هذا هو الجزء الاول من الحقيقة .. ويبدوا انك لم تستطيعي استيعابه ... 
ليلا في مخدعه ، وجد بيلي رسالة تحذير في بريده الإلكتروني تقول: 
بيلي ميللر ، لقد خالفت القوانين بتعديك على خصوصية المواقع التالية ... مخالفتك هذه تقع تحت جنحة القرصنة وتهديد الامن القومي ... 
انت ممنوع من استعمال حساباتك الخاصة لمدة ... 
عليك دفع غرامة تعويضية للأضرار الناجمة عن تعديك ... 
بيلي كان يتوقع شيئا من هذا القبيل ، فعمد إلى إفراغ معلوماته التي جمعها وخزنها في شرائح للذاكرة ، وأخذ يفكر في خطوته التالية ، إنه يفكر اكثر في طبيعة تجاوب آنا مع كلامه .. وبدأ يحس بمقدار المسؤولية التي يتحملها تجاه أصدقائه الغافلين عن هذه الحقائق ، يجب ان لا يبقى مكتوف الأيدي ... يجب على أحدهم ان يتحمل مسؤولية كشف الحقائق للناس جميعا ... يجب أن لا يطمئن أبناء الشيطان هؤلاء إلى غفلة الناس وسذاجتهم بعد الآن ... يجب على أحدهم أن يضحي بحياته من أجل البسطاء من الناس ... وبيلي مستعد ليكون ذلك المغامر ... 
لكن قبل ذلك ، لا تزال بعض الغوامض تحتاج إلى إيضاح أكثر...

باسكال في كاليفورنيا -9- الرجل المستنير

0
الرجل المستنير  كان بيلي جائعا ، فأكل مما اعطاه الأب وأبقى منه شيئا تقدم به نحوه وقدمه إليه قائلا : أبتي .. لم تأكل شيئا منذ الصباح .. (فأشار إليه الأب بيده ، أنه لا يريد أكلا) ففهم بيلي أنه صائم ، ... ثم تذكر بيلي دواءه فذهب يتفقد حقيبته ، وبعدما تناول دواءه عاد إلى مكانه ولزمه يراقب الأب توماس وهو يتقلب بين التلاوة والصلاة في خشوع حتى أشفق لحاله ... ثم غلبه النعاس فنام  ثم دخل غابة الأحلام .. وإذا هو بسهل أخضر فسيح ونسيم عليل يتخلله ، ثم ها هو ذا الرجل المستنير ينضم إلى حلقة من الناس تجلس فيه مجتمعة تنصت إلى رجل قد توسطهم جالسا على كرسي منير ... من شدة نوره لم يتمكن من تبين ملا محه ... ثم أفاق وإذا بالصباح قد أطل ، وقد تغلف برداء سميك غطّاه به الأب وهو يغط في نومه ، أما الأب فلم يكن في القاعة ... لقد خرج ليحضر الماء ... ولما عاد شرع يطهو شيئا من القهوة لبيلي ... لكنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يكتفي بالإشارة إلى بيلي إذا أراد شيئا ما .. واستمر في صومه وتلاوته وصلاته ، واستمر بيلي يراقبه ... حتى انقضى اليوم الثاني كسابقه .. وخشي بيلي أن ينقضي الأسبوع كله هكذا .. وفي اليوم التالي أخذ يعمد بيلي إلى تحضير الطعام بمفرده ، وأخذ يحاول أن يسعى في بعض حاجيات الأب من غير أن يطلب منه ذلك .. وأصبح يتعود على سكينة الدير شيئا فشيئا .. أحس أن ضوضاء المدينة وصخبها كان معششا في مسمعه يشوش عليه نغم الحياة الرقيق من حوله .. وأن العيش بين جدران الإسمنت والفولاذ ، محاطا بالألمنيوم والبلاستيك يؤثر في الذات ، يُبَلد التفكير ويميت الإحساس .. لأنه يعزلها عن الحياة .. عن التربة الناعمة الفواحة ، عن خرير المياه الباردة العذبة ، عن الخضرة الرطبة النظرة ... هكذا أصبح بيلي يتنسم الحياة كل صباح ...  وفي مساء اليوم الأخير، أتم الأب صلاته وصومه ونزع عنه لباس الرهبان وانضم إلى بيلي في المطبخ يحضران العشاء في جو من المرح ... ثم جلسا معا على الطاولة يتناولان الطعام ... فقال الأب لبيلي: بني .. هل تذكر الدعاء الذي صليتُ به لحظة وصولنا إلى هنا ..؟ أجل أبتي .. تلك الكلمات .. كانت من أول موعظة للمسيح وعظ بها الناس في أورشليم ... يجب أن تعرف يا بني .. أن أعداء المسيح الذين حاربوه وأرادوا قتله ، لا يزالون إلى يومنا هذا يحاربون كل ناطق بالحق ومدافع عن الحقيقة، ويسعون في قتله .. يجب أن تعرف يا بني .. أنهم يكرهون الحق والحقيقة ، ليس لأنهم جاهلون بالصواب .. أو لأن ذلك يعارض مصالحهم ... كلا ... بل لأنهم متحالفون مع الشيطان .. نعم يا بني .. حقيقة وليس مجازا أقول هذا لك ... إن آمنت من كل قلبك بأن الله موجود في السماء يراقبنا .. ويرسل رسله إلينا ليبلغونا أوامره بالتزام الحق ... فستؤمن بأن الشيطان كامن في قاع المحيط يحضر لمكيدة كبرى بهذا الجنس البشري ... ويرسل أبناءه ليحكمونا ويستبدلوا الحق الذي نزل من السماء ، بالباطل الذي اختلقوه ... بني ... لست في معرض سرد حكاية خيالية لك ، ولا في اجترار أسطورة قديمة ... إنني أقسم على الحق الذي أتكلم به الآن لك ... الحق والحق أقول لك .. إن أبناء الشيطان قلة ، لكنهم يمتلكون زمام هذا البلد في أيديهم ، قلة قليلة لكنها كحية عظيمة ، رأسها في نيويورك ، وعيناها في هوليود .. تلتهم في بطنها كل ثروات هذا البلد ومقدراته ، وأذنابها تجلجل من كل مكان ... بني .. أقسم لك على الحق .. لأنهم يهود ... ولأني يهودي منهم كبرت فيهم وأعرفهم جيدا ... ليست قصصا سمعتها ... ولكنها حقائق رأتها عيناي ... هم من أشاعوا في الناس الكفر والإلحاد باسم العلم ، لتظل اعينهم مغلقة عن الحقيقة ، وليخلُوَ لهم الجو لينفذوا خطط ابيهم الشيطان وهو يتحضر للخروج إلى العالم ... وقد قربت ساعته .. بني .. يجب أن تعلم بأنهم حريصون على ان تبقى أعين الناس مغلقة ، حريصون على ان تبقى طموحات الشباب من امثالك ساذجة ، ضحلة وحقيرة ... فإذا ما قام رجل نزيه يدعوا الناس ليفتحوا أعينهم على الحقائق ، أغلقوا فمه بكل وسائلهم الخبيثة وإذا فشلوا لم يتورعوا عن قتله .. مثلما قتلوا فورستال ، وزير الدفاع في حكومة ترومان، ثم زعموا أنه انتحر ... هكذا يا بني لا يسلم منهم شخص مهما كان منصبه ، لأنهم يقبضون على كل شيء بين أيديهم الملطخة بدماء الطاهرين ...  كيف ذلك أبتي ..؟ .. ومنذ متى ..؟ منذ دهر بعيد بني ... بلدنا هذا ليس إلا مرحلة من المراحل بالنسبة لهم ، حتى إذا استنزفوا خيراته، تركوه جثة هامدة وركبوا بلدا آخر ليجلدوا شعبه كالدواب، من أجل تنفيذ مخطط أ بيهم ...  أي مخطط ..؟ الشيطان يا بني يريد أن يحكم العالم كله بواسطة أبناءه ... فإذا ما سيطر عليه سيطرة كاملة خرج على الناس ونصّب نفسه إله على كل الأرض ...  لقد حاول ذلك أكثر من مرة ومنذ دهور بعيدة ، لكنه كان دائما كلما اقترب من هدفه يأتي أنبياء الله والقديسون ليحطموا أهدافه وينقذوا البشر من مخالبه ... بني .. لكم عانى الأطهار أحباب الله من العداء والمكر والمكيدة ... لا لشيء إلا لأنهم ارادوا الخير للبشر كل البشر ... أرادوا أن يذكروهم بحقيقة عدوهم .. بأنه الشيطان الكامن لهم في أعماق المحيط ، لا إخوانهم من بني آدم وحواء ... لكن أبناء الشيطان هؤلاء وفي كل مرة يسعون في إسكاتهم وقتلهم وتشويه تعاليمهم .. أبناء الشيطان هؤلاء هم من يكذبون الآن على موسى و سليمان قدوسا الله ... ويقولان انهما كانا أستاذان أعظمان في أول محافل الماسون ...  كيف يجرؤون على قول ذلك ، وهم يعظمون الشيطان ويعبدونه في محافلهم ... هل كان رب موسى وسليمان، تيسا بقرنين ...؟ الويل لهم ... لم يدعوا خيرا إلا لطخوه ... الويل لهم لم يدعوا طريقا إلى الله إلا وقطعوه ... الويل لهم ... مما قالت ألسنتهم على مريم الطاهرة وابنها ... الويل لهم لأنهم كذبوا على الله ليرضوا الشيطان ... الويل لهم .. أبتي ... تتكلم عنهم وكأنهم أحياء بيننا .. بني ... وإن تعاقبت القرون والأجيال ... فذنب الأب يحمله الابن من بعده ... ليس ظلما .. تعلم لماذا .؟.. لأنها منظمة واحدة منذ زمن موسى إلى يومنا هذا ... عصابة متماسكة سرية ... تعمل في الخفاء ، وتتوارث العهد على الوفاء للشيطان ،وتتوارث العهد على معادات الله وأنبيائه ... فإذا ما ندم أحد اعضائها واستيقظ ضميره يريد كشف خيانتهم قتلوه فورا .... لأنهم "أبناء العهد" .. "بناي برث" ... ولا يحق لأحد أن يسألهم عن ماهية هذا العهد ... أبتي ... إن كانوا يملكون كل هذه القوة ... فأين الله ..؟ وأين أطهاره من كل هذا ..؟ إنه صمت السماء يا بني ... إنه عصرنا الذي لم يبعث الله فيه أي إشارة منذ قرون عديدة ... إنه عصر الصبر والاحتساب ... لأنه لا أحد يسأل الله عما يفعل او لا يفعل .. ولأن هذا من تمام إيماننا بحكمة الله وقوته ... فلعله يعطي الفرصة للشيطان حتى يظن انه تمكن من اهدافه ... فما هو دور المؤمنين إذن ..؟ أن لا يتخلوا عن إيمانهم بالله في هذا الزمن الصعب الذي كثر فيه الكفر والإلحاد ، وتجبر فيه الشيطان وابناءه وظنوا انهم سيطروا على العالم ... إلى متى ..؟ (فأطرق الأب وصمت قليلا ثم تكلم) .. إلى هنا ينتهي الدرس الأول بني .. قم لتنام وفي الغد تعود إلى كاليفورنيا .. (ثم قام من مجلسه وترك بيلي وحيدا)

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

الرجل المستنير

كان بيلي جائعا ، فأكل مما اعطاه الأب وأبقى منه شيئا تقدم به نحوه وقدمه إليه قائلا :
أبتي .. لم تأكل شيئا منذ الصباح ..
(فأشار إليه الأب بيده ، أنه لا يريد أكلا) ففهم بيلي أنه صائم ، ... ثم تذكر بيلي دواءه فذهب يتفقد حقيبته ، وبعدما تناول دواءه عاد إلى مكانه ولزمه يراقب الأب توماس وهو يتقلب بين التلاوة والصلاة في خشوع حتى أشفق لحاله ... ثم غلبه النعاس فنام 
ثم دخل غابة الأحلام .. وإذا هو بسهل أخضر فسيح ونسيم عليل يتخلله ، ثم ها هو ذا الرجل المستنير ينضم إلى حلقة من الناس تجلس فيه مجتمعة تنصت إلى رجل قد توسطهم جالسا على كرسي منير ... من شدة نوره لم يتمكن من تبين ملا محه ...
ثم أفاق وإذا بالصباح قد أطل ، وقد تغلف برداء سميك غطّاه به الأب وهو يغط في نومه ، أما الأب فلم يكن في القاعة ... لقد خرج ليحضر الماء ... ولما عاد شرع يطهو شيئا من القهوة لبيلي ... لكنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يكتفي بالإشارة إلى بيلي إذا أراد شيئا ما .. واستمر في صومه وتلاوته وصلاته ، واستمر بيلي يراقبه ...
حتى انقضى اليوم الثاني كسابقه .. وخشي بيلي أن ينقضي الأسبوع كله هكذا ..
وفي اليوم التالي أخذ يعمد بيلي إلى تحضير الطعام بمفرده ، وأخذ يحاول أن يسعى في بعض حاجيات الأب من غير أن يطلب منه ذلك .. وأصبح يتعود على سكينة الدير شيئا فشيئا .. أحس أن ضوضاء المدينة وصخبها كان معششا في مسمعه يشوش عليه نغم الحياة الرقيق من حوله .. وأن العيش بين جدران الإسمنت والفولاذ ، محاطا بالألمنيوم والبلاستيك يؤثر في الذات ، يُبَلد التفكير ويميت الإحساس .. لأنه يعزلها عن الحياة .. عن التربة الناعمة الفواحة ، عن خرير المياه الباردة العذبة ، عن الخضرة الرطبة النظرة ... هكذا أصبح بيلي يتنسم الحياة كل صباح ... 
وفي مساء اليوم الأخير، أتم الأب صلاته وصومه ونزع عنه لباس الرهبان وانضم إلى بيلي في المطبخ يحضران العشاء في جو من المرح ... ثم جلسا معا على الطاولة يتناولان الطعام ... فقال الأب لبيلي:
بني .. هل تذكر الدعاء الذي صليتُ به لحظة وصولنا إلى هنا ..؟
أجل أبتي ..
تلك الكلمات .. كانت من أول موعظة للمسيح وعظ بها الناس في أورشليم ...
يجب أن تعرف يا بني .. أن أعداء المسيح الذين حاربوه وأرادوا قتله ، لا يزالون إلى يومنا هذا يحاربون كل ناطق بالحق ومدافع عن الحقيقة، ويسعون في قتله ..
يجب أن تعرف يا بني .. أنهم يكرهون الحق والحقيقة ، ليس لأنهم جاهلون بالصواب .. أو لأن ذلك يعارض مصالحهم ... كلا ... بل لأنهم متحالفون مع الشيطان ..
نعم يا بني .. حقيقة وليس مجازا أقول هذا لك ...
إن آمنت من كل قلبك بأن الله موجود في السماء يراقبنا .. ويرسل رسله إلينا ليبلغونا أوامره بالتزام الحق ...
فستؤمن بأن الشيطان كامن في قاع المحيط يحضر لمكيدة كبرى بهذا الجنس البشري ... ويرسل أبناءه ليحكمونا ويستبدلوا الحق الذي نزل من السماء ، بالباطل الذي اختلقوه ...
بني ... لست في معرض سرد حكاية خيالية لك ، ولا في اجترار أسطورة قديمة ... إنني أقسم على الحق الذي أتكلم به الآن لك ...
الحق والحق أقول لك .. إن أبناء الشيطان قلة ، لكنهم يمتلكون زمام هذا البلد في أيديهم ، قلة قليلة لكنها كحية عظيمة ، رأسها في نيويورك ، وعيناها في هوليود .. تلتهم في بطنها كل ثروات هذا البلد ومقدراته ، وأذنابها تجلجل من كل مكان ...
بني .. أقسم لك على الحق .. لأنهم يهود ... ولأني يهودي منهم كبرت فيهم وأعرفهم جيدا ... ليست قصصا سمعتها ... ولكنها حقائق رأتها عيناي ...
هم من أشاعوا في الناس الكفر والإلحاد باسم العلم ، لتظل اعينهم مغلقة عن الحقيقة ، وليخلُوَ لهم الجو لينفذوا خطط ابيهم الشيطان وهو يتحضر للخروج إلى العالم ... وقد قربت ساعته ..
بني .. يجب أن تعلم بأنهم حريصون على ان تبقى أعين الناس مغلقة ، حريصون على ان تبقى طموحات الشباب من امثالك ساذجة ، ضحلة وحقيرة ...
فإذا ما قام رجل نزيه يدعوا الناس ليفتحوا أعينهم على الحقائق ، أغلقوا فمه بكل وسائلهم الخبيثة وإذا فشلوا لم يتورعوا عن قتله .. مثلما قتلوا فورستال ، وزير الدفاع في حكومة ترومان، ثم زعموا أنه انتحر ... هكذا يا بني لا يسلم منهم شخص مهما كان منصبه ، لأنهم يقبضون على كل شيء بين أيديهم الملطخة بدماء الطاهرين ... 
كيف ذلك أبتي ..؟ .. ومنذ متى ..؟
منذ دهر بعيد بني ... بلدنا هذا ليس إلا مرحلة من المراحل بالنسبة لهم ، حتى إذا استنزفوا خيراته، تركوه جثة هامدة وركبوا بلدا آخر ليجلدوا شعبه كالدواب، من أجل تنفيذ مخطط أ بيهم ... 
أي مخطط ..؟
الشيطان يا بني يريد أن يحكم العالم كله بواسطة أبناءه ... فإذا ما سيطر عليه سيطرة كاملة خرج على الناس ونصّب نفسه إله على كل الأرض ... 
لقد حاول ذلك أكثر من مرة ومنذ دهور بعيدة ، لكنه كان دائما كلما اقترب من هدفه يأتي أنبياء الله والقديسون ليحطموا أهدافه وينقذوا البشر من مخالبه ...
بني .. لكم عانى الأطهار أحباب الله من العداء والمكر والمكيدة ... لا لشيء إلا لأنهم ارادوا الخير للبشر كل البشر ... أرادوا أن يذكروهم بحقيقة عدوهم .. بأنه الشيطان الكامن لهم في أعماق المحيط ، لا إخوانهم من بني آدم وحواء ...
لكن أبناء الشيطان هؤلاء وفي كل مرة يسعون في إسكاتهم وقتلهم وتشويه تعاليمهم ..
أبناء الشيطان هؤلاء هم من يكذبون الآن على موسى و سليمان قدوسا الله ... ويقولان انهما كانا أستاذان أعظمان في أول محافل الماسون ... 
كيف يجرؤون على قول ذلك ، وهم يعظمون الشيطان ويعبدونه في محافلهم ... هل كان رب موسى وسليمان، تيسا بقرنين ...؟
الويل لهم ... لم يدعوا خيرا إلا لطخوه ... الويل لهم لم يدعوا طريقا إلى الله إلا وقطعوه ... الويل لهم ... مما قالت ألسنتهم على مريم الطاهرة وابنها ... الويل لهم لأنهم كذبوا على الله ليرضوا الشيطان ... الويل لهم ..
أبتي ... تتكلم عنهم وكأنهم أحياء بيننا ..
بني ... وإن تعاقبت القرون والأجيال ... فذنب الأب يحمله الابن من بعده ... ليس ظلما .. تعلم لماذا .؟.. لأنها منظمة واحدة منذ زمن موسى إلى يومنا هذا ... عصابة متماسكة سرية ... تعمل في الخفاء ، وتتوارث العهد على الوفاء للشيطان ،وتتوارث العهد على معادات الله وأنبيائه ... فإذا ما ندم أحد اعضائها واستيقظ ضميره يريد كشف خيانتهم قتلوه فورا .... لأنهم "أبناء العهد" .. "بناي برث" ... ولا يحق لأحد أن يسألهم عن ماهية هذا العهد ...
أبتي ... إن كانوا يملكون كل هذه القوة ... فأين الله ..؟ وأين أطهاره من كل هذا ..؟
إنه صمت السماء يا بني ... إنه عصرنا الذي لم يبعث الله فيه أي إشارة منذ قرون عديدة ... إنه عصر الصبر والاحتساب ... لأنه لا أحد يسأل الله عما يفعل او لا يفعل .. ولأن هذا من تمام إيماننا بحكمة الله وقوته ... فلعله يعطي الفرصة للشيطان حتى يظن انه تمكن من اهدافه ...
فما هو دور المؤمنين إذن ..؟
أن لا يتخلوا عن إيمانهم بالله في هذا الزمن الصعب الذي كثر فيه الكفر والإلحاد ، وتجبر فيه الشيطان وابناءه وظنوا انهم سيطروا على العالم ...
إلى متى ..؟
(فأطرق الأب وصمت قليلا ثم تكلم) .. إلى هنا ينتهي الدرس الأول بني .. قم لتنام وفي الغد تعود إلى كاليفورنيا .. (ثم قام من مجلسه وترك بيلي وحيدا)  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


# باسكال #في #كاليفورنيا #-9- #الرجل #المستنير # #قصة #رواية # 

باسكال في كاليفورنيا -8- طفولة محرومة

0
طفولة محرومة   وامتطى في الغد الطائرة إلى دنفر بعدما ودع امه في المطار .. وفي دنفر غير مساره واستقل طائرة إلى فانكوفر ، وهناك في المطار أقبل عليه رجل مسن ذو لحية بيضاء من الشيب وعلى جبينه ارتسمت آثار السنين ... فلما اقترب منه ناداه متسائلا : باسكال ..؟  نعم باسكال ... أيها الأب توماس ..  فابتسم الأب توماس ورحب به وحمل عنه حقيبته واخذ يقود كرسيه خارجا من المطار ثم إلى سيارته .. ومن ثمة أقلع باتجاه ضواحي المدينة إلى أن توقف بجانب بناية متواضعة .. فلما ولجا إليها إذا هي مدرسة متعددة بها عدد من أطفال الهنود .. وإذا بقسم آخر فيها يضم صبيانا وبنات يبدو عليهم التخلف الذهني .. ثم انتهوا إلى مكتب صغير في طرف البناية هو مكتب الأب توماس ، جلسا معا وقدم الأب شيئا من الأكل لبيلي ، وعرّفه أيضا ببعض الاصدقاء العاملين معه في هذه الجمعية الخيرية ثم اختليا معا في المكتب :  كم عندك من الوقت ،بني، لتقضيه هنا معنا ..؟  أسبوعا أو أقل ...  أعذرني على سؤالي .. لكنه من أجل ترتيب مواعيدي .. أريد حقا ان أستثمر وقتك الثمين الذي اقتطعته من أجل زيارتي ...  لقد اخبرني ريتشارد بخصوصية حالتك ... وبالعمل الخاص الذي تقوم به في كاليفورنيا .. لذلك لا اريد ان يكون مجيؤك إلى هنا عبثا .. وكذلك لا اريد أن أأخرك عن الالتحاق بعملك ..  كل الشكر والتقدير لك أبتي .. بل أنا الذي يعتذر منك ، لأنني قد اكون سببت لك شيئا من الإزعاج وصرفتك عن بعض أعمالك الجليلة ...  واستمر حديثهما حميميا إلى أن استأذن الأب بيلي في قضاء بعض الحوائج خارجا .. وبقي بيلي يتجول بهدوء يتفقد أقسام الجمعية ويتأمل هؤلاء الشباب والشابات المكبين على رعاية هذه الطفولة المحرومة تطوعا من غير أجر .. ثم تذكر كلام نيتشه عن أحقية الانسان القوي بالبقاء وعن حتمية الفناء لكل من به عاهة أو نقص يمنعه من الحياة السوية ، بل وتعدى ذلك يعطي للأقوياء حق إبادة الضعفاء .. لأنهم بذلك حسب زعمه يطهرون الأرض وينقون جنس البشرية من كل عيب ... وطفق بيلي يقول في نفسه إن عدم الإيمان بإله خالق لهذا الكون ، يدفع بالإنسان إلى التخبط في هذه الحياة على غير هدى .. بل يصير الإنسان وحشا .. وحشا بريا بلا قيد من الأخلاق ولا رادع من القيم ... بلا هدف واضح في الحياة ... حتى ليفقد معنى الخير ومعنى الشر .. ولا يحس بفرق بين الفضيلة والرذيلة ...  ثم عاد الأب توماس و أخذ بيلي معه في السيارة وبدأ يقودها في اتجاه طريق يؤدي إلى خارج المدينة :  لقد تحررتُ من جميع التزاماتي هذا الاسبوع .. ونحن الآن في طريقنا إلى دير الشهداء .. إنه دير متواضع اعتكفَ فيه جملة من القدسين والبررة منذ قرون .. لكنه اليوم مهجور تماما .. تعودتُ ان أختلي فيه كلما لاحت لي الفرصة ... واليوم بفضلك أعود إليه بعد غياب طويل ...  لن نجد فيه أحدا إذن ...  لن يكون فيه غيرنا ...  وبعد ساعات سيرا وصلا إلى الدير في وسط غابة .. تكاد تخفيه الأشجار العالية ، وقد بني بالحجارة ... كان بناء قديما وكأنما ينضح منه عبق التاريخ ...  ثم دخلا إلى الدير وإذا بقاعة للصلاة فيه ،تنبه بيلي إلى خلوها من أي أيقونة أو صليب .. حتى جدارها الأمامي الذي تعودت الكنائس على نصب صليب كبير فيه ، ليس فيه إلا آثار للهب الشموع ... وبعد أن وضع متاعهما داخل غرفة صغيرة ، عاد الأب توماس إلى قاعة الصلاة وجلس على ركبتيه قبالة الجدار العتيق ، وطأطأ رأسه يضم كلتا يديه إلى صدره في خشوع وسكون وصمت ... ثم انطلق لسانه بالدعاء:  تبارك اسم الله القدوس الذي من سره ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم على لسان عبده داوود قائلا : (قبل كوكب الصبح ، في ضياء القديسين خلقتك) ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي لعن وخذل الشيطان و أتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله أن يسجد الجميع له ،  تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض و جعله قيما على أعماله،  تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء ،  تبارك اسم الله القدوس الذي لعن بعدله قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة ، وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه ، وأدب الكفرة ولعن غير التائبين ،  تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ،  الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبه موسى لكي لا يغشنا الشيطان ... (فخنقت العبرات كلماته ثم أجهش بالبكاء)  ولبث كذلك مليا .. منكسر الخاطر .. ذليلا في محرابه ، حتى ظن بيلي أنه قد نسيه ..  ثم قام الأب وعاد يسير بسكينة إلى ان جلس قبالة بيلي ، ثم تكلم :  بني ... ما زلت شابا يافعا ... ومازال امامك مستقبل مشرق ... فلم تشغل نفسك ووقتك الثمين، بخرافات تستهوي المسنين ..؟  (فابتسم بيلي وقال) .. يا أبتي ... لقد اعتزل باسكال في دير ولم يكن مسنا ، وكان امامه مستقبل أكثر إشراقا من مستقبلي .  بني ... لما .. لم تقنع بما قنع به أكثر العلماء والباحثين في هذا العالم ... بأن حقيقة الحياة مادية ... وأن هذه اللاهوتيات مجرد أوهام ..؟  .. أبتي ... لو كانت أسرار الحياة في متناول الجميع ، لما أصبح لها معنى .  (فابتسم عندها الأب ، ثم قام وهو يقول لبيلي) .. إن أردت طعاما ، فستجده في المطبخ .  ثم دخل غرفة ، وبعد برهة خرج وهو يرتدي لباس الرهبان، ويحمل كتابا عتيقا كأنه مخطوط ، ولما انتهى إلى زاوية قاعة الصلاة جلس يتصفحه، ثم أخذ يقرأه ويتلوا آياته بلغة لم يفهمها بيلي .. واستمر الحال على ذلك ... الأب مستغرق في تلاوته وبيلي يراقبه من بعيد ، حتى أحس بالضجر ، راودته نفسه على التفسح في أرجاء الدير لكنه قاومها ولازم مكانه حتى أظلم الليل .. ولما أُعتم المكان ، قام الأب من مكانه وأخذ يوقد الشمع في أرجاء قاعة الصلاة ومن ثمة في أرجاء الدير كله ، ولما عاد كان يحمل في يده بعض الطعام ناوله بيلي وعاد خاويا إلى مكانه في زاوية القاعة ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

طفولة محرومة 

وامتطى في الغد الطائرة إلى دنفر بعدما ودع امه في المطار .. وفي دنفر غير مساره واستقل طائرة إلى فانكوفر ، وهناك في المطار أقبل عليه رجل مسن ذو لحية بيضاء من الشيب وعلى جبينه ارتسمت آثار السنين ... فلما اقترب منه ناداه متسائلا : باسكال ..؟ 
نعم باسكال ... أيها الأب توماس .. 
فابتسم الأب توماس ورحب به وحمل عنه حقيبته واخذ يقود كرسيه خارجا من المطار ثم إلى سيارته .. ومن ثمة أقلع باتجاه ضواحي المدينة إلى أن توقف بجانب بناية متواضعة .. فلما ولجا إليها إذا هي مدرسة متعددة بها عدد من أطفال الهنود .. وإذا بقسم آخر فيها يضم صبيانا وبنات يبدو عليهم التخلف الذهني .. ثم انتهوا إلى مكتب صغير في طرف البناية هو مكتب الأب توماس ، جلسا معا وقدم الأب شيئا من الأكل لبيلي ، وعرّفه أيضا ببعض الاصدقاء العاملين معه في هذه الجمعية الخيرية ثم اختليا معا في المكتب : 
كم عندك من الوقت ،بني، لتقضيه هنا معنا ..؟ 
أسبوعا أو أقل ... 
أعذرني على سؤالي .. لكنه من أجل ترتيب مواعيدي .. أريد حقا ان أستثمر وقتك الثمين الذي اقتطعته من أجل زيارتي ... 
لقد اخبرني ريتشارد بخصوصية حالتك ... وبالعمل الخاص الذي تقوم به في كاليفورنيا .. لذلك لا اريد ان يكون مجيؤك إلى هنا عبثا .. وكذلك لا اريد أن أأخرك عن الالتحاق بعملك .. 
كل الشكر والتقدير لك أبتي .. بل أنا الذي يعتذر منك ، لأنني قد اكون سببت لك شيئا من الإزعاج وصرفتك عن بعض أعمالك الجليلة ... 
واستمر حديثهما حميميا إلى أن استأذن الأب بيلي في قضاء بعض الحوائج خارجا .. وبقي بيلي يتجول بهدوء يتفقد أقسام الجمعية ويتأمل هؤلاء الشباب والشابات المكبين على رعاية هذه الطفولة المحرومة تطوعا من غير أجر .. ثم تذكر كلام نيتشه عن أحقية الانسان القوي بالبقاء وعن حتمية الفناء لكل من به عاهة أو نقص يمنعه من الحياة السوية ، بل وتعدى ذلك يعطي للأقوياء حق إبادة الضعفاء .. لأنهم بذلك حسب زعمه يطهرون الأرض وينقون جنس البشرية من كل عيب ... وطفق بيلي يقول في نفسه إن عدم الإيمان بإله خالق لهذا الكون ، يدفع بالإنسان إلى التخبط في هذه الحياة على غير هدى .. بل يصير الإنسان وحشا .. وحشا بريا بلا قيد من الأخلاق ولا رادع من القيم ... بلا هدف واضح في الحياة ... حتى ليفقد معنى الخير ومعنى الشر .. ولا يحس بفرق بين الفضيلة والرذيلة ... 
ثم عاد الأب توماس و أخذ بيلي معه في السيارة وبدأ يقودها في اتجاه طريق يؤدي إلى خارج المدينة : 
لقد تحررتُ من جميع التزاماتي هذا الاسبوع .. ونحن الآن في طريقنا إلى دير الشهداء .. إنه دير متواضع اعتكفَ فيه جملة من القدسين والبررة منذ قرون .. لكنه اليوم مهجور تماما .. تعودتُ ان أختلي فيه كلما لاحت لي الفرصة ... واليوم بفضلك أعود إليه بعد غياب طويل ... 
لن نجد فيه أحدا إذن ... 
لن يكون فيه غيرنا ... 
وبعد ساعات سيرا وصلا إلى الدير في وسط غابة .. تكاد تخفيه الأشجار العالية ، وقد بني بالحجارة ... كان بناء قديما وكأنما ينضح منه عبق التاريخ ... 
ثم دخلا إلى الدير وإذا بقاعة للصلاة فيه ،تنبه بيلي إلى خلوها من أي أيقونة أو صليب .. حتى جدارها الأمامي الذي تعودت الكنائس على نصب صليب كبير فيه ، ليس فيه إلا آثار للهب الشموع ... وبعد أن وضع متاعهما داخل غرفة صغيرة ، عاد الأب توماس إلى قاعة الصلاة وجلس على ركبتيه قبالة الجدار العتيق ، وطأطأ رأسه يضم كلتا يديه إلى صدره في خشوع وسكون وصمت ... ثم انطلق لسانه بالدعاء: 
تبارك اسم الله القدوس الذي من سره ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم على لسان عبده داوود قائلا : (قبل كوكب الصبح ، في ضياء القديسين خلقتك) ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي لعن وخذل الشيطان و أتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله أن يسجد الجميع له ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض و جعله قيما على أعماله، 
تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي لعن بعدله قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة ، وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه ، وأدب الكفرة ولعن غير التائبين ، 
تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ، 
الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبه موسى لكي لا يغشنا الشيطان ... (فخنقت العبرات كلماته ثم أجهش بالبكاء) 
ولبث كذلك مليا .. منكسر الخاطر .. ذليلا في محرابه ، حتى ظن بيلي أنه قد نسيه .. 
ثم قام الأب وعاد يسير بسكينة إلى ان جلس قبالة بيلي ، ثم تكلم : 
بني ... ما زلت شابا يافعا ... ومازال امامك مستقبل مشرق ... فلم تشغل نفسك ووقتك الثمين، بخرافات تستهوي المسنين ..؟ 
(فابتسم بيلي وقال) .. يا أبتي ... لقد اعتزل باسكال في دير ولم يكن مسنا ، وكان امامه مستقبل أكثر إشراقا من مستقبلي . 
بني ... لما .. لم تقنع بما قنع به أكثر العلماء والباحثين في هذا العالم ... بأن حقيقة الحياة مادية ... وأن هذه اللاهوتيات مجرد أوهام ..؟ 
.. أبتي ... لو كانت أسرار الحياة في متناول الجميع ، لما أصبح لها معنى . 
(فابتسم عندها الأب ، ثم قام وهو يقول لبيلي) .. إن أردت طعاما ، فستجده في المطبخ . 
ثم دخل غرفة ، وبعد برهة خرج وهو يرتدي لباس الرهبان، ويحمل كتابا عتيقا كأنه مخطوط ، ولما انتهى إلى زاوية قاعة الصلاة جلس يتصفحه، ثم أخذ يقرأه ويتلوا آياته بلغة لم يفهمها بيلي .. واستمر الحال على ذلك ... الأب مستغرق في تلاوته وبيلي يراقبه من بعيد ، حتى أحس بالضجر ، راودته نفسه على التفسح في أرجاء الدير لكنه قاومها ولازم مكانه حتى أظلم الليل .. ولما أُعتم المكان ، قام الأب من مكانه وأخذ يوقد الشمع في أرجاء قاعة الصلاة ومن ثمة في أرجاء الدير كله ، ولما عاد كان يحمل في يده بعض الطعام ناوله بيلي وعاد خاويا إلى مكانه في زاوية القاعة ...  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


# باسكال #في #كاليفورنيا #-8- #طفولة #محرومة #قصة #رواية # 

باسكال في كاليفورنيا -7- مستحيل

0
مستحيل  ولما استنار الصباح ، خرج بيلي من غرفته ليجد أمه تتكلم في الهاتف ويدها على صدرها .. وما إن أكملت الحديث حتى التفتت إلى بيلي وقالت : أم بول في المستشفى ... (جحظت عينا بيلي) .. ما الذي حدث لها ..؟ أصيبت بجلطة في الدماغ ليلة البارحة، أخذت على إثرها إلى المستشفى .. بني .. يجب ان أذهب لأراها فورا .. أرجوك أن تلزم البيت .(ثم ما لبثت أن جهزت نفسها وخرجت) وبقي بيلي في البيت غير مصدق ، يراجع ما رآه البارحة في منامه ... ثم عزم على الذهاب إلى محل العجوز ريتشارد ... ولما أخبره بحال أم بول ، تأسف ريتشارد وقال : المسكينة .. لكم كانت متعلقة بابنها .. لقد حضرتُ جنازة بول ولمحتها .. كانت منهارة تماما .. بالكاد كانت تستطيع الوقوف .. أم بول ستموت .. (قال بيلي وأخذ يحدق في العجوز) .. لقد رأيتها البارحة مع بول في منامي .. (سكت ريتشارد قليلا وهو ينظر إلى بيلي) .. ما الذي رأيته بالضبط ..؟ فسرد عليه بيلي ما رآه من عجب في نومه هذه الأيام ، وكيف أن ما رآه كان كالحقيقة .. فاستدركه العجوز مستفسرا: الرجل الذي رأيته ، هو نفسه الذي كان مع بول أول الأمر ..؟ نعم هو ذاته .. كيف كان يبدو .. ماذا عن ملامحه، هل تعرفه ..؟ لا ... لا أعرفه ... كان حسن الوجه ...ثيابه بيضاء مشعة ... وشعره شديد السواد .. ألم يتكلم بشيء ..؟ لا .. لا أذكر ذلك .. أول الامر ابتسم لي ثم كلّم بول .. والبارحة ناول بول وأمه شيئا ككوب الماء .. باسكال يا صغيري .. لست أدري ما أقول لك .. لكن هذا يبدو لي شيئا عظيما .. يبدو أبعد ما يكون عن إدراكي ...  وفي المساء جاء الخبر يقينا ، أم بول فارقت الحياة ، وفي الغد أقيمت لها جنازة مهيبة ودفنت بجانب ابنها .. حضر بيلي الجنازة وكذلك العجوز ريتشارد .. وعندما انفض الناس تقدم ريتشارد نحو أم بيلي واستأذنها في أخذ بيلي في جولة فقبلت .. أخذ العجوز ريتشارد بيلي إلى المتنزه العام ، واختار مكانا جميلا خاليا ، وجلس يحدثه : باسكال .. أخشى أنه علي أن اناديك منذ الآن بالقديس ..(وهو يبتسم) لا أعتقد .. أنه يجب عليك ذلك ، مستر ريتش .. على حسب علمي .. لا يرى هذه الأشياء إلا القديسون الطاهرون .. باسكال كان كذلك فعلا .. كان شخصا صادقا مخلصا ... تَعلم ريتشارد !... أحس انني في حاجة إلى المزيد من المعرفة بأسرار العالم الآخر ... بذاك العالم الخفي عن اعيننا ... البعيد عن مدى رصد تلسكوباتنا الجبارة ... تلك الأسرار التي لا تستطيع التكنلوجيا كشفها ... باسكال قال بأن الكتب المقدسة تحتويها ... نعم .... لأنها تحمل الرسائل التي بعثت من السماء منذ آلاف السنين ... الرسائل التي كذّبها أغلب الناس وكذبوا الذين تكلموا بها ... حدثني عنها ريتشارد .. حقا أريد معرفتها .. أعذرني باسكال ... فلست أهلا لذلك ... الأسرار المقدسة لها أصحابها .. إذن فأنا أطلب مستحيلا .. لا ... باسكال ... فأنت واحد منهم ... اسمع ، اعرف واحدا ، وواحدا فقط من هؤلاء في هذا البلد يحوز على ثقتي وتقديري ... إنه صديق قديم، يعود له الفضل في هدايتي إلى الحقيقة ... اسمه الأب توماس .. أين أجده ..؟ أخشى يا صغيري إن أصريت .. أن يكون سفرك طويلا .. لا تهم المسافات في طلب الحقيقة ، مستر ريتش.. هذا الصديق القديم يستقر حاليا في ضواحي فانكوفر ... هل ما تزال مصرا على لقائه؟ نعم مستر ريتش .. سأفكر في الأمر ... بعد أيام فاتح بيلي أمه برغبته في السفر مع أصدقائه لقضاء إجازة في مونتانا ، فرفضت الأم الفكرة متحججة بصحته : يجب أن تداوم على تناول دوائك بيلي ، وأعلم أنك لن تحرص عليه في غيابي .. ثم إني قد برمجت لك موعدا مع دكتور متخصص ، لقد درس حالتك وحدثني عن فرصة لشفائك إن تكفل بك ... وبعد إلحاح أمه عليه تنازل عن فكرة السفر كليا .. وعاد إلى غرفته ليغط في نوم ثقيل ... فعاودته عصرات الأحلام تهجم عليه .. أفاق في منتصف الليل .. ثم عاد وغلبه النعاس ، ليرى وكأن الدنيا ، كل الدنيا أظلمت من حوله ، فشعر بضيق في صدره يكاد يخنق أنفاسه .. حتى بزغ نور أمامه وإذا بالرجل المستنير يقبل عليه مبتسما ... حتى إذا لم يبقى بينهما إلا امتار معدودات توقف ، ثم أومأ لبيلي بيده ان أقبل علي .. وبيلي مصمر في كرسيه المتحرك لا يقوى على النهوض .. لكن الرجل بقي مبتسما واستدار ثم أخذ يمشي مبتعدا .. فاستبد ببيلي القلق وهو ينازع نفسه يريد اللحاق به .. وإذا به تحمله قدماه واقفا تاركا كرسيه .. ثم أخذ يسير مقتفيا أثر الرجل ... في الصباح عزم بيلي في نفسه على الذهاب إلى فانكوفر.. وعلم ان شيئا ما ينتظره هناك وأن روحا تدعوه إلى المغامرة من اجل الحقيقة ... فتريث حتى أنجز مع أمه موعد الطبيب الخاص ، ثم اخبر امه بأن الفريق في معهد كاليفورنيا يحتاجونه لأمر عاجل ، ويجب عليه العودة ... فأصرت امه على مرافقته لكنه استطاع اقناعها بأن لا داعي لذلك ، وأن آنا ستكون في انتظاره في المطار .. ثم عمد إلى غرفته واتصل بآنا : آنا عزيزتي ... أحتاجك في أمر هام  ما الأمر بيلي ... هل جد جديد عندك ..؟ اسمعي آنا ... لقد اخبرت امي بأني سأعود بمفردي إلى كاليفورنيا غدا ، وبانكم تحتاجونني عندكم ... ولما أصرت على مرافقتي ، أخبرتها بأنك ستكونين في انتظاري في المطار.. والحقيقة آنا ... أنني سوف أعرج أولا على فانكوفر لأمر مهم ولم أخبرها بذلك .... إلى فانكوفر ..؟ (استطردت آنا باستغراب) نعم آنا ..لأمر خاص فعلا ... أرجوك ... أعلم انني أضعك في موقف محرج .. لكنه شديد الاهية بالنسبة لي .. لو علمتُ ان امي ستتركني اذهب لما كلفتك معي هذا العناء .. لكنك تعرفين أمي جيدا ... هل أستطيع أن أطلع على هذا الأمر المهم ، بيلي...؟  لا آنا ... ليس الآن ... ربما في وقت آخر ... أرجوك آنا .. حاولي أن تتفهمي حالتي .. حسننا بيلي .. يبدو انك نجحت في اقحامي في فلمك الذي تعده .. لكنني لست ممثلة بارعة كما تعرف .. شكرا جزيلا آنا ... لا تخافي ستحوزين على الأوسكار هذا العام (وهو يبتسم)

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

مستحيل

ولما استنار الصباح ، خرج بيلي من غرفته ليجد أمه تتكلم في الهاتف ويدها على صدرها .. وما إن أكملت الحديث حتى التفتت إلى بيلي وقالت :
أم بول في المستشفى ...
(جحظت عينا بيلي) .. ما الذي حدث لها ..؟
أصيبت بجلطة في الدماغ ليلة البارحة، أخذت على إثرها إلى المستشفى .. بني .. يجب ان أذهب لأراها فورا .. أرجوك أن تلزم البيت .(ثم ما لبثت أن جهزت نفسها وخرجت)
وبقي بيلي في البيت غير مصدق ، يراجع ما رآه البارحة في منامه ... ثم عزم على الذهاب إلى محل العجوز ريتشارد ... ولما أخبره بحال أم بول ، تأسف ريتشارد وقال :
المسكينة .. لكم كانت متعلقة بابنها .. لقد حضرتُ جنازة بول ولمحتها .. كانت منهارة تماما .. بالكاد كانت تستطيع الوقوف ..
أم بول ستموت .. (قال بيلي وأخذ يحدق في العجوز) .. لقد رأيتها البارحة مع بول في منامي ..
(سكت ريتشارد قليلا وهو ينظر إلى بيلي) .. ما الذي رأيته بالضبط ..؟
فسرد عليه بيلي ما رآه من عجب في نومه هذه الأيام ، وكيف أن ما رآه كان كالحقيقة .. فاستدركه العجوز مستفسرا:
الرجل الذي رأيته ، هو نفسه الذي كان مع بول أول الأمر ..؟
نعم هو ذاته ..
كيف كان يبدو .. ماذا عن ملامحه، هل تعرفه ..؟
لا ... لا أعرفه ... كان حسن الوجه ...ثيابه بيضاء مشعة ... وشعره شديد السواد ..
ألم يتكلم بشيء ..؟
لا .. لا أذكر ذلك .. أول الامر ابتسم لي ثم كلّم بول .. والبارحة ناول بول وأمه شيئا ككوب الماء ..
باسكال يا صغيري .. لست أدري ما أقول لك .. لكن هذا يبدو لي شيئا عظيما .. يبدو أبعد ما يكون عن إدراكي ... 
وفي المساء جاء الخبر يقينا ، أم بول فارقت الحياة ، وفي الغد أقيمت لها جنازة مهيبة ودفنت بجانب ابنها .. حضر بيلي الجنازة وكذلك العجوز ريتشارد .. وعندما انفض الناس تقدم ريتشارد نحو أم بيلي واستأذنها في أخذ بيلي في جولة فقبلت ..
أخذ العجوز ريتشارد بيلي إلى المتنزه العام ، واختار مكانا جميلا خاليا ، وجلس يحدثه :
باسكال .. أخشى أنه علي أن اناديك منذ الآن بالقديس ..(وهو يبتسم)
لا أعتقد .. أنه يجب عليك ذلك ، مستر ريتش ..
على حسب علمي .. لا يرى هذه الأشياء إلا القديسون الطاهرون ..
باسكال كان كذلك فعلا .. كان شخصا صادقا مخلصا ... تَعلم ريتشارد !... أحس انني في حاجة إلى المزيد من المعرفة بأسرار العالم الآخر ... بذاك العالم الخفي عن اعيننا ... البعيد عن مدى رصد تلسكوباتنا الجبارة ... تلك الأسرار التي لا تستطيع التكنلوجيا كشفها ... باسكال قال بأن الكتب المقدسة تحتويها ...
نعم .... لأنها تحمل الرسائل التي بعثت من السماء منذ آلاف السنين ... الرسائل التي كذّبها أغلب الناس وكذبوا الذين تكلموا بها ...
حدثني عنها ريتشارد .. حقا أريد معرفتها ..
أعذرني باسكال ... فلست أهلا لذلك ... الأسرار المقدسة لها أصحابها ..
إذن فأنا أطلب مستحيلا ..
لا ... باسكال ... فأنت واحد منهم ... اسمع ، اعرف واحدا ، وواحدا فقط من هؤلاء في هذا البلد يحوز على ثقتي وتقديري ... إنه صديق قديم، يعود له الفضل في هدايتي إلى الحقيقة ... اسمه الأب توماس ..
أين أجده ..؟
أخشى يا صغيري إن أصريت .. أن يكون سفرك طويلا ..
لا تهم المسافات في طلب الحقيقة ، مستر ريتش..
هذا الصديق القديم يستقر حاليا في ضواحي فانكوفر ... هل ما تزال مصرا على لقائه؟
نعم مستر ريتش .. سأفكر في الأمر ...
بعد أيام فاتح بيلي أمه برغبته في السفر مع أصدقائه لقضاء إجازة في مونتانا ، فرفضت الأم الفكرة متحججة بصحته :
يجب أن تداوم على تناول دوائك بيلي ، وأعلم أنك لن تحرص عليه في غيابي .. ثم إني قد برمجت لك موعدا مع دكتور متخصص ، لقد درس حالتك وحدثني عن فرصة لشفائك إن تكفل بك ...
وبعد إلحاح أمه عليه تنازل عن فكرة السفر كليا .. وعاد إلى غرفته ليغط في نوم ثقيل ... فعاودته عصرات الأحلام تهجم عليه .. أفاق في منتصف الليل .. ثم عاد وغلبه النعاس ، ليرى وكأن الدنيا ، كل الدنيا أظلمت من حوله ، فشعر بضيق في صدره يكاد يخنق أنفاسه .. حتى بزغ نور أمامه وإذا بالرجل المستنير يقبل عليه مبتسما ... حتى إذا لم يبقى بينهما إلا امتار معدودات توقف ، ثم أومأ لبيلي بيده ان أقبل علي .. وبيلي مصمر في كرسيه المتحرك لا يقوى على النهوض .. لكن الرجل بقي مبتسما واستدار ثم أخذ يمشي مبتعدا .. فاستبد ببيلي القلق وهو ينازع نفسه يريد اللحاق به .. وإذا به تحمله قدماه واقفا تاركا كرسيه .. ثم أخذ يسير مقتفيا أثر الرجل ...
في الصباح عزم بيلي في نفسه على الذهاب إلى فانكوفر.. وعلم ان شيئا ما ينتظره هناك وأن روحا تدعوه إلى المغامرة من اجل الحقيقة ... فتريث حتى أنجز مع أمه موعد الطبيب الخاص ، ثم اخبر امه بأن الفريق في معهد كاليفورنيا يحتاجونه لأمر عاجل ، ويجب عليه العودة ... فأصرت امه على مرافقته لكنه استطاع اقناعها بأن لا داعي لذلك ، وأن آنا ستكون في انتظاره في المطار .. ثم عمد إلى غرفته واتصل بآنا :
آنا عزيزتي ... أحتاجك في أمر هام 
ما الأمر بيلي ... هل جد جديد عندك ..؟
اسمعي آنا ... لقد اخبرت امي بأني سأعود بمفردي إلى كاليفورنيا غدا ، وبانكم تحتاجونني عندكم ... ولما أصرت على مرافقتي ، أخبرتها بأنك ستكونين في انتظاري في المطار.. والحقيقة آنا ... أنني سوف أعرج أولا على فانكوفر لأمر مهم ولم أخبرها بذلك ....
إلى فانكوفر ..؟ (استطردت آنا باستغراب)
نعم آنا ..لأمر خاص فعلا ... أرجوك ... أعلم انني أضعك في موقف محرج .. لكنه شديد الاهية بالنسبة لي .. لو علمتُ ان امي ستتركني اذهب لما كلفتك معي هذا العناء .. لكنك تعرفين أمي جيدا ...
هل أستطيع أن أطلع على هذا الأمر المهم ، بيلي...؟ 
لا آنا ... ليس الآن ... ربما في وقت آخر ... أرجوك آنا .. حاولي أن تتفهمي حالتي ..
حسننا بيلي .. يبدو انك نجحت في اقحامي في فلمك الذي تعده .. لكنني لست ممثلة بارعة كما تعرف ..
شكرا جزيلا آنا ... لا تخافي ستحوزين على الأوسكار هذا العام (وهو يبتسم)  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


 #قصة #رواية # #باسكال #في #كاليفورنيا #-7- #مستحيل

باسكال في كاليفورنيا -6- المخلص باسكال

0
المخلص باسكال   في الصباح لم يتمالك بيلي نفسه حتى حكي لأمه ما رآه البارحة ... لم تجد الأم ما تقوله غير أنها سألت بيلي :  كنت متأثرا بالأمس ... هل فكرت ببول قبل النوم ؟  لا وإن كنت حقيقة تأثرت بزيارته ... لكن ما رأيته كان كالحقيقة ...  كل الناس يرون في الأحلام ما يخالجهم من أحاسيس في الواقع .. يا بني ..  نعم وأنا كذلك تراودني بعض هذه الأشياء .. لكن صدقيني .. ما رأيته البارحة كان مختلفا ..  وبعدما آنس من أمه عدم الاهتمام، غير الموضوع ... ثم عاد إلى غرفته وتناول كتاب باسكال، تأمل مواضيعه وإذا به يجد "الرهان" الذي تكلم عنه العجوز ريتشارد، وإذا بباسكال يقول فيه  إذا أضيف الواحد إلى اللانهاية لم يزدها شيئا ، شأنه في ذلك شأن وحدة الطول القياسية بالنسبة إلى المدى اللامتناهي ، فالمحدود يتلاشى أمام اللانهاية ويصبح عدما محضا . هذه هي حال فكرنا أمام الذات الإلهية ، وعدالتنا أمام العدالة الربانية . إن الاختلاف بين عدالتنا وعدالته كالاختلاف بين الواحد واللانهاية ...  إننا نعرف وجود المحدود وماهيته ، لأننا مثله محدودون منتهون .  ونعرف وجود اللانهاية ونجهل ماهيتها ، لأن لها بداية مثلنا ، وليست محدودة مثلنا.  بيد أننا لا نعرف وجود الله ولا نعلم ماهيته ، لأنه بلا امتداد ولا حدود .  ولكننا نعرف وجوده بالإيمان.  إذا كان هنالك إله فإن العقول لا تدركه اطلاقا لأنه بلا أعضاء وبلا حدود . إنه لا يملك أي علاقة تجانس معنا . نحن عاجزون عن أن نعرف ما هو ، وهل هو موجود .. فمن يجرؤ إذن على الشروع بحل هذه المسألة ؟  إننا لا نجرؤ ، لأننا لا نملك أي علاقة تجانس معه.  "الله موجود أو غير موجود" . ولكن إلى أي اتجاه نميل ؟.. إن العقل لا يستطيع أن يعين شيئا .. هناك احتمالان في نهاية هذا الشوط اللامتناهي ، فعلام تراهن..؟  بالعقل لا تستطيع أن تفعل لا هذا ولا ذاك ، بالعقل لا تستطيع أن تدافع عن أي منهما ... فلا تلم إذن من اختاروا لأنك لا تعلم عن الامر شيئا.  كلا .. إنني لا ألومهم على الاختيار (قال بيلي) ، لكن الأصح أن لا نراهن إطلاقا على شيء مجهول ..  أجل بيلي ، ولكن لابد من الرهان . ليس الأمر رهانا بإرادتنا ، إنك مضطر ، فأيهما تختار ..؟ .. وبما أنه لا مفر من الاختيار فيجب أن نرى ما هو أقل استرعاء لاهتمامك ، ولنوازن بين الربح والخسارة اذا قلنا بوجود الله..  هناك حالتان : اذا ربحت فزت بكل شيء ، واذا خسرت فانك لا تخسر شيئا على الإطلاق ..  راهن إذن على وجوده دون تردد ..  هذا رائع ، حقا يجب ان أراهن .. ولكن لعلني أغامر بالكثير..  بما أن احتمال الخسران كاحتمال الربح فمن الغفلة أن لا تغامر بحياتك لتفوز بالأبدية وتحظى بالسعادة ... كل مراهن يغامر عن يقين ليربح دون يقين  أعترف بذلك .. لكن ألا توجد وسيلة لرؤية خوافي الأمور..؟  بلى ، الكتب المقدسة وغيرها ...  بيلي .. إذا أعجبك هذا الكلام وبدا لك قوي الأثر فاعلم أنه من قلب شخص خر على ركبتيه ليتوجه بصلواته من أجلك إلى الله العزيز القدير . (المخلص باسكال)  في المساء عاود بيلي الاتصال بآنا وهو يقول في نفسه (هل ترانا حقا نبحث عن الله من غير أن نشعر) ، ثم أطلت عليه آنا عبر الشاشة ، تبادلا معا أطراف الحديث عن جديد الأبحاث والأصدقاء ،غير أن لا جديد مثيرا حتى الساعة بشأن الإشارة  هناك جديد من نوع آخر (قالت آنا) .. ويبدو أنه خبر غير سار .. تناهى إلى علمنا أن معهد باسادينا يكون قد تلقف الإشارة ذاتها ...  كيف ذلك ...؟ .. إلا إذا ظفروا ببرنامج شبيه بالذي لنا ..؟  ممكن جدا ... تعلم مدى شدة التنافس بيننا وبينهم .. لا يبعد أن يطوروا برنامجا مشابها  لعلها قرصنة .. أو لعل أحدا قد سرب أسرار برنامجنا لهم ..؟  لا .. لا تقل هذا بيلي ... هذا مستحيل ... ثم، ليس غريبا على المعهد الذي حقق النجاح الباهر في مهمة روبوتات الجوال العالمي على المريخ سنة 2004 ... تذكر ذلك .. بل ليس مستحيلا على ذلك الفريق ان يتمكن من التقاط إشارة من الفضاء ...  إذن .. سيزداد الضغط على فريقنا ..  أجل بيلي .. هذا سيعقد نوعا ما حالتنا ... إذا تأخرنا عنهم بخطوة واحدة .. قد يضيع كل هذا الجهد هباء ...  ثم أخلد إلى النوم متعبا .. وإذا به تتمثل أمامه صحراء مترامية الاطراف، والحر شديد ، وجم غفير من الناس يهيم بها .. وإذا بول بينهم يشكو الجفاف والعطش ، ثم يلمح من بعيد والدة بول وهي تبحث وسط الناس عن ابنها .. حتى إذا لمحته أقبلت عليه وضمته إليها وهي تبكي ... ثم إذا بالرجل صاحب الرداء النوراني يقف عليهما ويناولهما شيئا كان بيده ، كأنه كوب ماء .. أو شيئا يشبهه ... ثم أفاق بيلي وهو يتصبب عرقا حتى ظن أن الحمى أصابته ... لم يرد تفقد المنبه ، أنار مصباحه الصغير وتناول كتاب باسكال في سكون اليل من حوله، لعله يجد تفسيرا :  إن الصمت الدائم الذي يلزمه هذا الفضاء اللامتناهي يشيع في نفسي الرهبة  كم من عوالم تجهلنا ...؟  حينما أمعن النظر في قصر حياتي الغارقة في امتداد الأزل ، وحينما أتأمل في حيز جسمي المحدود الغارق في الفضاء اللامتناهي ، في الفضاء الذي أجهله ويجهلني ، أحس بالذعر والدهشة لرؤية نفسي ههنا لا هنالك ، لأنه لا شيء يبرر وجودي هنا لا هناك ، اليوم لا آنذاك . من ذا الذي وضعني في هذا المجال ..؟ بمشيئة من وتوجيه من خصص لي هذا الزمان ، وعين لي هذا المكان ..؟  ما الذي يدعوهم إلى القول بأننا غير مبعوثين ..؟ أيهما أشق : الولادة أم البعث ..؟ الوجود بعد العدم أم الوجود بعد الوجود ..؟ إن العادة تجعل احدهما يسيرا ، ونقص العادة يجعل الأمر مستحيلا . يا لها من محاكمة مبتذلة..!

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

المخلص باسكال 

في الصباح لم يتمالك بيلي نفسه حتى حكي لأمه ما رآه البارحة ... لم تجد الأم ما تقوله غير أنها سألت بيلي : 
كنت متأثرا بالأمس ... هل فكرت ببول قبل النوم ؟ 
لا وإن كنت حقيقة تأثرت بزيارته ... لكن ما رأيته كان كالحقيقة ... 
كل الناس يرون في الأحلام ما يخالجهم من أحاسيس في الواقع .. يا بني .. 
نعم وأنا كذلك تراودني بعض هذه الأشياء .. لكن صدقيني .. ما رأيته البارحة كان مختلفا .. 
وبعدما آنس من أمه عدم الاهتمام، غير الموضوع ... ثم عاد إلى غرفته وتناول كتاب باسكال، تأمل مواضيعه وإذا به يجد "الرهان" الذي تكلم عنه العجوز ريتشارد، وإذا بباسكال يقول فيه 
إذا أضيف الواحد إلى اللانهاية لم يزدها شيئا ، شأنه في ذلك شأن وحدة الطول القياسية بالنسبة إلى المدى اللامتناهي ، فالمحدود يتلاشى أمام اللانهاية ويصبح عدما محضا . هذه هي حال فكرنا أمام الذات الإلهية ، وعدالتنا أمام العدالة الربانية . إن الاختلاف بين عدالتنا وعدالته كالاختلاف بين الواحد واللانهاية ... 
إننا نعرف وجود المحدود وماهيته ، لأننا مثله محدودون منتهون . 
ونعرف وجود اللانهاية ونجهل ماهيتها ، لأن لها بداية مثلنا ، وليست محدودة مثلنا. 
بيد أننا لا نعرف وجود الله ولا نعلم ماهيته ، لأنه بلا امتداد ولا حدود . 
ولكننا نعرف وجوده بالإيمان. 
إذا كان هنالك إله فإن العقول لا تدركه اطلاقا لأنه بلا أعضاء وبلا حدود . إنه لا يملك أي علاقة تجانس معنا . نحن عاجزون عن أن نعرف ما هو ، وهل هو موجود .. فمن يجرؤ إذن على الشروع بحل هذه المسألة ؟ 
إننا لا نجرؤ ، لأننا لا نملك أي علاقة تجانس معه. 
"الله موجود أو غير موجود" . ولكن إلى أي اتجاه نميل ؟.. إن العقل لا يستطيع أن يعين شيئا .. هناك احتمالان في نهاية هذا الشوط اللامتناهي ، فعلام تراهن..؟ 
بالعقل لا تستطيع أن تفعل لا هذا ولا ذاك ، بالعقل لا تستطيع أن تدافع عن أي منهما ... فلا تلم إذن من اختاروا لأنك لا تعلم عن الامر شيئا. 
كلا .. إنني لا ألومهم على الاختيار (قال بيلي) ، لكن الأصح أن لا نراهن إطلاقا على شيء مجهول .. 
أجل بيلي ، ولكن لابد من الرهان . ليس الأمر رهانا بإرادتنا ، إنك مضطر ، فأيهما تختار ..؟ .. وبما أنه لا مفر من الاختيار فيجب أن نرى ما هو أقل استرعاء لاهتمامك ، ولنوازن بين الربح والخسارة اذا قلنا بوجود الله.. 
هناك حالتان : اذا ربحت فزت بكل شيء ، واذا خسرت فانك لا تخسر شيئا على الإطلاق .. 
راهن إذن على وجوده دون تردد .. 
هذا رائع ، حقا يجب ان أراهن .. ولكن لعلني أغامر بالكثير.. 
بما أن احتمال الخسران كاحتمال الربح فمن الغفلة أن لا تغامر بحياتك لتفوز بالأبدية وتحظى بالسعادة ... كل مراهن يغامر عن يقين ليربح دون يقين 
أعترف بذلك .. لكن ألا توجد وسيلة لرؤية خوافي الأمور..؟ 
بلى ، الكتب المقدسة وغيرها ... 
بيلي .. إذا أعجبك هذا الكلام وبدا لك قوي الأثر فاعلم أنه من قلب شخص خر على ركبتيه ليتوجه بصلواته من أجلك إلى الله العزيز القدير . (المخلص باسكال) 
في المساء عاود بيلي الاتصال بآنا وهو يقول في نفسه (هل ترانا حقا نبحث عن الله من غير أن نشعر) ، ثم أطلت عليه آنا عبر الشاشة ، تبادلا معا أطراف الحديث عن جديد الأبحاث والأصدقاء ،غير أن لا جديد مثيرا حتى الساعة بشأن الإشارة 
هناك جديد من نوع آخر (قالت آنا) .. ويبدو أنه خبر غير سار .. تناهى إلى علمنا أن معهد باسادينا يكون قد تلقف الإشارة ذاتها ... 
كيف ذلك ...؟ .. إلا إذا ظفروا ببرنامج شبيه بالذي لنا ..؟ 
ممكن جدا ... تعلم مدى شدة التنافس بيننا وبينهم .. لا يبعد أن يطوروا برنامجا مشابها 
لعلها قرصنة .. أو لعل أحدا قد سرب أسرار برنامجنا لهم ..؟ 
لا .. لا تقل هذا بيلي ... هذا مستحيل ... ثم، ليس غريبا على المعهد الذي حقق النجاح الباهر في مهمة روبوتات الجوال العالمي على المريخ سنة 2004 ... تذكر ذلك .. بل ليس مستحيلا على ذلك الفريق ان يتمكن من التقاط إشارة من الفضاء ... 
إذن .. سيزداد الضغط على فريقنا .. 
أجل بيلي .. هذا سيعقد نوعا ما حالتنا ... إذا تأخرنا عنهم بخطوة واحدة .. قد يضيع كل هذا الجهد هباء ... 
ثم أخلد إلى النوم متعبا .. وإذا به تتمثل أمامه صحراء مترامية الاطراف، والحر شديد ، وجم غفير من الناس يهيم بها .. وإذا بول بينهم يشكو الجفاف والعطش ، ثم يلمح من بعيد والدة بول وهي تبحث وسط الناس عن ابنها .. حتى إذا لمحته أقبلت عليه وضمته إليها وهي تبكي ... ثم إذا بالرجل صاحب الرداء النوراني يقف عليهما ويناولهما شيئا كان بيده ، كأنه كوب ماء .. أو شيئا يشبهه ... ثم أفاق بيلي وهو يتصبب عرقا حتى ظن أن الحمى أصابته ... لم يرد تفقد المنبه ، أنار مصباحه الصغير وتناول كتاب باسكال في سكون اليل من حوله، لعله يجد تفسيرا : 
إن الصمت الدائم الذي يلزمه هذا الفضاء اللامتناهي يشيع في نفسي الرهبة 
كم من عوالم تجهلنا ...؟ 
حينما أمعن النظر في قصر حياتي الغارقة في امتداد الأزل ، وحينما أتأمل في حيز جسمي المحدود الغارق في الفضاء اللامتناهي ، في الفضاء الذي أجهله ويجهلني ، أحس بالذعر والدهشة لرؤية نفسي ههنا لا هنالك ، لأنه لا شيء يبرر وجودي هنا لا هناك ، اليوم لا آنذاك . من ذا الذي وضعني في هذا المجال ..؟ بمشيئة من وتوجيه من خصص لي هذا الزمان ، وعين لي هذا المكان ..؟ 
ما الذي يدعوهم إلى القول بأننا غير مبعوثين ..؟ أيهما أشق : الولادة أم البعث ..؟ الوجود بعد العدم أم الوجود بعد الوجود ..؟ إن العادة تجعل احدهما يسيرا ، ونقص العادة يجعل الأمر مستحيلا . يا لها من محاكمة مبتذلة..! 

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


  #قصة #رواية # #باسكال #في #كاليفورنيا #-6- #المخلص #باسكال
 

يتم التشغيل بواسطة Blogger.