كتبت يوما ما من أيام عام 2011 م
إن الله لا يقمع التفكير ، بل يحث على سلامة التقدير ..
قال الله تعالى:
إنه فكر وقدر, فقتل كيف قدر, ثم قتل كيف قدر المدثر 18 * 19 * 20
ذاك أن التفكير مجال واسع و غير محدود ؛ لأنه نعمة من الله لا يكفيها شكر ، لكنه بذلك بحر متلاطم الأمواج ، يحتاج ميزان تقدير دقيقا وسليما ،لتخلص الأفكار عبره إلى نتائج سليمة ، ليتمخض عن ماكنة التفكير هذه :
حق لا باطل
خير لا شر
والخلل الذي يحيل الخير شرا والحق باطلا ، هو خلل في كيفية التقدير .. وذاك هو القياس الجائر بوصف الحسن البصري وابن سيرين ...
لأجل ذلك ،كان الشيطان ضحية لتقديرات تفكيره الخاطئة .
هنا مفصل أساسي في مشكلة الشيطان ؛ لأن خطيئة الشيطان تتجاوز حدود الذنب ، لتسقط في قاع الكفر ..
هناك شيء ما في داخل الشيطان ... طفرة فكر أو خاطر ، غيرت نظرته لخالقه سبحانه وتعالى ، غيرت مفهومه عن الإله ، طفرة في تركيبة نفسه جعلته يتعدى في طموحاته كل المراتب، ويعتقد أن ثمة أسبابا لو امتلكها يوما ،لاستطاع بها أن يصير إله ، ولعل من تلك الأسباب عنده الخلد والملك ..
الشيطان الذي رأى حقيقة ملكوت الله ،وعظمته ومقدرته ... كيف يختار أن يعادي الإله العظيم في ملكه ؟؟؟ ... كيف يختار لنفسه هذا المصير ؟؟..
كيف سمح لنفسه بهذا الجور ..؟ وكيف سمح الله العظيم بهذا الشر ..؟
يجيبك (ابن عنابة) القديس أوغستين ، بأن الله تعالى رأى بحكمته أن الأفضل إخراج الخير من الشر، على عدم السماح للشر أصلا بالوجود ...
لأن الله سبحانه يخلق ، لكنه لا يكره خلقه على حبه .. كما كان يقول بول أفدوكيموف ، فلا حب مع إكراه ، والحب ثمرة الحرية ،
لأن :
في الحرية حب وكره
في الحرية طاعة ومعصية
وفي الحرية توبة وكفر
أقول: وجوهر الفصل بين معصية الإنسان ومعصية الشيطان ، أن في الإنسان حب لله أعاده إليه بالتوبة ، وفي الشيطان كره له تعالى أبعده عنه بالكفر .
إن مجال الحرية في الحياة شديد الأهمية ؛ لأن الله العظيم سبحانه هو الذي سمح به ، الله هو من سمح للشيطان المتمرد بالحياة وأعطاه كامل الفرصة لتحقيق أفكاره ، بل واستجاب لمطالبه ..
لأنه ملك عظيم قوي لا يضره شيء ، خلق خلقه وأعطاهم الحرية ، فإذا ما أراد الشيطان أن يسلب خلقه حريتهم ، ألزمه حده وصانها لهم ..
قال الله تعالى للشيطان :
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان الحجر 42 – الإسراء 65