مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : الأستاذ الملحد

0
مع بدايات القرن العشرين كان مذهب الإلحاد قد بلغ ازدهاره في أوربا بفضل جهود المبشرين به في القرن الماضي أمثال كارل ماركس، تشارلز داروين، فريدريك نيتشه وسيغموند فرويد من جهة وبدعم من اكتشافات العلم ومعجزات التصنيع من جهة أخرى، وعلى خطى طه حسين انبهرت النخب العربية بهذا الإبداع الغربي وصُعقت من هول الفجوة بين مجتمعاتهم الشرقية المتخلفة وبين مجتمعات أسيادهم، فلم ينتصف القرن حتى كانت الثقافة الغربية قد فرّخت على امتداد مستعمراتها العربية مذاهب وجماعات تدين لها بالولاء وتحتقر كل ما ورثته من تراث الشرق.

 

مع بدايات القرن العشرين كان مذهب الإلحاد قد بلغ ازدهاره في أوربا بفضل جهود المبشرين به في القرن الماضي أمثال كارل ماركس، تشارلز داروين، فريدريك نيتشه وسيغموند فرويد من جهة وبدعم من اكتشافات العلم ومعجزات التصنيع من جهة أخرى، وعلى خطى طه حسين انبهرت النخب العربية بهذا الإبداع الغربي وصُعقت من هول الفجوة بين مجتمعاتهم الشرقية المتخلفة وبين مجتمعات أسيادهم، فلم ينتصف القرن حتى كانت الثقافة الغربية قد فرّخت على امتداد مستعمراتها العربية مذاهب وجماعات تدين لها بالولاء وتحتقر كل ما ورثته من تراث الشرق.

يقول الوالد: 

في سنه 1972 دخل المعلم العربي الى المعهد التكنولوجي ببشار فترة التربص حتى ينتقل الى درجة مساعد وكان يتمتع بنظام نصف داخلي، كان الرئيس بومدين قد جاء من عدة دول عربية واسلامية بأساتذة ليكونوا المعلمين المتربصين في جميع الاطوار وقد قام بمجهودات معتبرة في هذا المجال، خاصه في ميدان اللغة العربية وسد الثغرات والفراغ الموجود والجهل المتفشي في الاوساط الشعبية نتيجة مخلفات الاستعمار الفرنسي بعد احقاب من الزمن.

 كان يدرس المعلم العربي في المعهد التكنولوجي عدة مواد مع عدد من الأساتذة مثل اللغة العربية كان استاذ مصريا والرياضيات كان يدرسه عراقي اما في التاريخ والجغرافيا فكان يدرسه جزائري ومدرس فرنسي للغة الفرنسية .

استمر تكوينه لمدة سنة كاملة في هدوء ونشاط وفي اخر السنة في شهر ماي وجوان انتهت الاختبارات واشتدت الحرارة فطلب المعلمون من استاذ الرياضيات العراقي شوقي التوقف عن العمل لأن السنة انتهت والاختبارات هي الاخرى انتهت وان بقية الأساتذة توقفوا، كان المعلم العراقي جريئا ونشيطا لا يضيع الوقت وكان متمكنا من المادة وله رغبة قوية في العمل ولديه فصاحة لسان فوقف ووضع رجله على المقعد وقال لهم ايها الطلبة إذا ماذا نفعل، حينها كان العربي جالسا في الاخير مع صديق له يدعى خارف، كان خارف شابا مراهقا قد وضع مذياعا صغيرا في جيبه وسماعة في اذنه وهو يستمع الى أغاني عبد الحليم حافظ وفجأة سقط خيط السماعة وانطلق المذياع بصوت مرتفع فسمع الاستاذ والطلبة صوت المغني داخل القسم، غضب الاستاذ وقال ما هذا فضحك خارف وقال يا استاذ هذا سحر واغلق المذياع بسرعه، فأجاب الاستاذ غاضبا لا يوجد سحر ابدا انه مجرد خرافة، فرد العربي قائلا لكن السحر مذكور في القران في عدة سور وكل ما ذكر في القران فهو موجود وقد قال الله في حق سيدنا محمد وما ينطق عن الهوى،

 عندها تغير وجه الاستاذ وقال له منفعلا القران كله كذب، فتفاجأ المعلم العربي وأحس بالخطر وتيقن ان الاستاذ كافر رغم كونه ينطق بالعربية، ضاق الامر عليه وغضب غضبا شديدا وأراد ان يدافع عن دينه وقال في نفسه اللهم يسر لي شيئا ادافع به عن دينك، في الحين تذكر قصة على علاقة بالموضوع لتكون على الاستاذ حجة، فرفع يده للأستاذ وطلب منه الكلام عن دكتور مصري نشر حوارا صحفيا في ليبيا فسمح له الاستاذ بالكلام وقد فرح من ذكر الدكتور المصري وقال للعربي تكلم وارجو أن يكون كلامك خارج عن نطاق الدين،  فحكى العربي لهم قصة استاذ في مصر يدرس مادة العلوم في كل يوم يأتي بوردة فيقول للتلاميذ هذه وردة بيضاء هل رأيتموها فيقولون نعم وهكذا في كل يوم وردة جديد بلون جديد فيسألهم هل رأيتموها فيقولون نعم وكان لديه طالب ذكي والده فقيه في الدين فقال يوما للأستاذ يبدو انك تريد منا ان نصل الى قناعة ان كل ما نراه فهو حقيقة وكل ما لا نراه فهو وهم  وباطل غير موجود فقال الاستاذ نعم اجل فأجاب الطالب نحن نؤمن بان هناك سبع سماوات و سبعة أراضين و سبعة بحور وجنة ونارا والخالق سبحانه نؤمن بها كلها  دون ان نراها  فقال الاستاذ كل من يؤمن بهذه الاشياء فهو مخبول العقل لأنه يؤمن بما لا يراه، 

فقال الطالب اسمح لي يا استاذ ان اتكلم مع التلاميذ، فقال له تكلم قال ايها الاصدقاء انظروا الى رأس الاستاذ هل ترون عقله ام انتم ترون فقط وجهه وشعره؟، فقالوا نعم لا نرى إلا وجهه وشعره، فقال: إذا لم تكونوا ترون عقل الاستاذ بأعينكم المجردة فعقل الاستاذ غير موجود وهو إذا مخبول مجنون.

هنا التفت العربي نحو استاذه العراقي فاذا به قد تغير لون وجهه وفهم جيدا مقصد القصة فتردد الاستاذ قليلا ثم قال نحن في العراق عرب نصارى ولسنا مسلمين، فرد العربي يقول: بكل صراحة كان من الواجب على الدولة الجزائرية الا تأتي بهؤلاء الشيوعيين يدرسون ابناء المسلمين في الجزائر لان هذا يعتبر تشويها للمجتمع الجزائري المسلم، ثم جلس العربي وترك الاستاذ واقفا مبهوتا لا يرد الكلام.

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط 

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #الأستاذ #الملحد

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : رحلة الصيد

0
كانت جبال مغرار مثل بقية سلسلة الأطلس الصحراوي بيئة خصبة غنية بأشكال الحيوانات منذ العصور الحجرية تدل على ذلك رسومات الإنسان القديم في مواقع عديدة، سجل فيها وجود الفيلة ووحيد القرن جنبا إلى جنب مع الأسود والقردة ومع تغير المناخ وتشكل الصحراء اختفت تلك الأنواع ليكون أسد الأطلس آخرها انقراضا على يد الإنسان سنة 1940، ففسحت المجال أمام حيوانات الصحراء الأخرى من غزلان وريم وظباء الأروي والضبع وابن آوى التي شهدت اعدادها ازديادا ملحوظا بعد الاستقلال أما الصيد فقد كان سببا لقوت الإنسان طوال آلاف السنين حتى إذا استقر وعرف الزراعة والحضارة بقي الصيد مع ذلك يميل نحو الترفيه منه نحو الحاجة والبدو على وجه هذه المعمورة من آخر من يحافظ على تقاليد الصيد والقنص ولهم فيها آداب وقصص

كانت جبال مغرار مثل بقية سلسلة الأطلس الصحراوي بيئة خصبة غنية بأشكال الحيوانات منذ العصور الحجرية تدل على ذلك رسومات الإنسان القديم في مواقع عديدة، سجل فيها وجود الفيلة ووحيد القرن جنبا إلى جنب مع الأسود والقردة، ومع تغير المناخ وتشكل الصحراء اختفت تلك الأنواع ليكون أسد الأطلس آخرها انقراضا على يد الإنسان سنة 1940، ففسحت المجال أمام حيوانات الصحراء الأخرى من غزلان وريم وظباء الأروي والضبع وابن آوى التي شهدت اعدادها ازديادا ملحوظا بعد الاستقلال، أما الصيد فقد كان سببا لقوت الإنسان طوال آلاف السنين حتى إذا استقر وعرف الزراعة والحضارة بقي الصيد مع ذلك يميل نحو الترفيه منه نحو الحاجة، والبدو على وجه هذه المعمورة من آخر من يحافظ على تقاليد الصيد والقنص ولهم فيها آداب وقصص.

يقول الوالد:

في صيف سنه 1970 قرر المعلم العربي القيام بجولة ترفيهية صحبة سليمان المجاهد رحمه الله تعالى كانت نزهة فريدة من نوعها في ميدان صيد الغزال بنواحي حاسي لحمر جنوب جبل بلغفاد صحراء مغرار حيث كانت هناك قطعان كثيرة من الغزلان ترعى في تلك الأودية والشعاب ليلا ونهارا
كان المعلم العربي يمتلك بندقية صيد عيار 16 وسليمان يملك مثلها وكان لهما جملان فشدا الرحال وعليهما لباس الصيد من ثياب العساكر ثم اتجها راكبين نحو الهضاب والجبال وهما في حاله نشاط وزهو وقد حملا معهما كل ما يحتاجانه من زاد البارود والرصاص والكرطوش ونظارات التقريب وقِرب حمل الماء وطعام والشاي والتمر
اخذا يتخللان الأودية والهضاب في طرق صعبه وسط الجبال والانهار وفي المساء وصلا الى مكان قريب من الأودية التي ترعى فيها الغزلان فقررا المبيت هناك وقيدا الجملين وتركهما يرعيان طوال الليل، حاولا في تلك الليلة البحث عن الصيد فلم يجدا غير قطيع من الغزلان كان بعيدا جدا حاول سليمان الاقتراب منه لكن القطيع جفل وهرب فباتا الليل كله بدون صيد
في الصباح افترقا وذهب كل واحد في اتجاه، اصطاد سليمان ارنبا اما العربي فاصطاد بعض الحجلات وعندما عادا راكبين فوق الجملين واتجها نحو الحاسي لحمر وهما يحملان السلاح على اكتافهما حتى وصلا فوجدا مجموعة من البدو الشعانبة،
تبادلا السلام وتساءلوا عن امرهم وعن قبيلتهم كما سال المعلم وصاحبه البدو عن الاتجاه وعن اماكن صيد الغزلان فأجاب البدو ان الغزلان كثيرة موجودة وعليهما أن يبحثا وراء ذلك الجبل
فسقيا من البئر وشرب الجملين ووداعا البدو ثم افترقوا متجهين نحو المكان الذي فيه الظباء، وبالفعل وجدا اثار الغزلان وأبصرا زوجا من الظباء بعيدين كانت الشمس تقترب من المغيب فحطا الرحال في وسط واد كثير الرمال وفيه الظلال والاشجار وقيدا الجملين وتركا المتاع بين الأشجار
قال العربي لصاحبه سليمان تعالي نصعد مع هذا الوادي لعلنا نجد شيئا فذهبا يبحثان حتى واجدا اثار غزالين كانا مستلقيان نائمين تحت شجرة كبيرة يتقيان بها وهج الحرارة في منتصف النهار، اعتقد الصيادان انهما لم يبتعدا كثيرا في رعي الاعشاب في هذا الوادية،
بعد مدة راي سليمان قرن أحدهم ظهر خلال الاشجار فامسك بيد صاحبه وأخبره الخبر بصوت خفي، العربي كان يعرف ان رفيقه سليمان متسرع قليلا فأشار عليه بصوت خافت ان يتراجعا بهدوء الى الخلف واقترح عليه أن يذهب سليمان من الناحية الاخرى ليقابل الغزلان من الامام وينتظر العربي في مكانه مختفيا حتى إذا هربا جاءا في اتجاهه
فذهب سليمان كما طلب منه صاحبه اما العربي فصار يزحف على بطنه بين الاشجار يبحث عن الغزلان حتى رأى غزالة خرجت من الوادي ارادت ان تأكل من شجرة هناك كان العربي مختفيا بين الاغصان بحيث لم تلاحظه الغزالة عندما وقفت الغزالة امام الشجرة أطلق عليها العربي وابل من الرصاص (الداموس) فسقطت مكانها وبنتها خلفها هي الاخرى كُسرت رجلها فوقفت فأطلق عليها الرصاص فسقطت بجانب أمها، اما ثلاث غزلان اخرى فقد هربت
عندها سمع سليمان صوت الرصاص جاء يجري مسرعا نحو المكان فناداه العربي أسرع يا سليمان تعالي تذبح الصيد فذبح شاتين واخذهما نحو مكان الأمتعة وكانت فرحتهما كبيرة جدا بالصيد فنشط سليمان في جمع الحطب واعداد الخبز وكان لديهما ناي ومذياع وكانت ليلتهما الاولى ليلة فرح
في الصباح الباكر ذهب سليمان الى اعلى ربوة قبل طلوع الشمس فرأى قطعان كثيرة هنا وهناك من الغزلان وهي تنط وترعى بين الأودية والشعاب والرياض الخضراء صاح بصاحبه وأخبره الخبر
بعدما تناولا الافطار طلب العربي من سليمان ان يختار احدى الجهات يفترقا فيكونا بعيدين عن بعضهما وذلك خشيه الرصاص الطائش وكانت عندهما نظارة وقِربة صغيرة للماء فاختار سليمان النظارة واخذ العربي قربة الماء واتفقا ان يلتقيا منتصف النهار في مكان الأمتعة
كانا قد حظّرا لحم صيد البارحة فواضعا فيه الملح وعلقاه في اغصان الشجرة في الظل حتى لا يفسد
ومضت ثلاثة ايام في رحلة الصيد قنص العربي خمس شياه غزال اما سليمان فلم يقنص سوى أرانبا رغم كثرة الغزال فطلب سليمان من صاحبه ان يعودا الى الخيام فرجعا غانمين يحملان كميه لا باس بها من لحم الغزال، كانت تلك اول جولة في الصيد للعربي مع سليمان
كان سليمان رحمه الله يقدر العربي ويحترمه كثيرا فلم يتركه يعمل طوال الرحلة فكان يصر على القيام بخدمته فجزاه الله خيرا كان نعم الصديق والرفيق.

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط

#مذكرات #توثق #الحياة #في #جنوب #غرب #الجزائر #رحلة #صيد

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : دموع العجوز

0
في عصر كان الحكم التركي في العاصمة يفرض نظاما طبقيا يُقصي به أصحاب الأرض من امتيازات المُلك ويمنعهم من مناصب النفوذ وفي زمن كان للعرق والنسب سلطان وجبروت يقضي به بين الناس، كان نظام فصل عنصري آخر قد ترسخ عبر الدهور في واحات الصحراء يفرق بين ملاك الواحات والخدم الحرّاثين الذين كانوا في الغالب من الأفارقة السود أحفاد العبيد الذي سيقوا بالأغلال والأصفاد من أدغال السودان جنوبا أو كان أجدادهم نازحين من جنوب الصحراء طوعا، هربا من الحروب أو من مصائب الزمن في الجفاف والفقر، فغدت طبقية الشُرفة والمرابطين لا يحلم الخمّاسون أبدا في اختراقها أو بلوغ امتيازاتها وظلت على تلك الحال دهورا طوال قيل أن الاستعمار الفرنسي زاد في ترسيخها، غير أن عصر التحرر والمواطنة قد يُظن فيه انقراض مثل هذه المواريث، لكنها لا تزال حبيسة العقليات، تتفجر بين الحين والآخر في المعاملات والتصرفات، وتبقى منطقة أدرار عبر التاريخ من مناطق التماس بين أعراق الشمال البيضاء وأعراق الجنوب السوداء ولا تزال حتى يوم الناس هذا تتحمل إرثه الثقيل.

في عصر كان الحكم التركي في العاصمة يفرض نظاما طبقيا يُقصي به أصحاب الأرض من امتيازات المُلك ويمنعهم من مناصب النفوذ، وفي زمن كان للعرق والنسب سلطان وجبروت يقضي به بين الناس، كان نظام فصل عنصري آخر قد ترسخ عبر الدهور في واحات الصحراء يفرق بين ملاك الواحات والخدم "الحرّاثين" الذين كانوا في الغالب من الأفارقة السود أحفاد العبيد الذي سيقوا بالأغلال والأصفاد من أدغال السودان جنوبا أو كان أجدادهم نازحين من جنوب الصحراء طوعا، هربا من الحروب أو من مصائب الزمن في الجفاف والفقر، فغدت طبقية الشُرفة والمرابطين لا يحلم الخمّاسون أبدا في اختراقها أو بلوغ امتيازاتها وظلت على تلك الحال دهورا طوال قيل أن الاستعمار الفرنسي زاد في ترسيخها، غير أن عصر التحرر والمواطنة قد يُظن فيه انقراض مثل هذه المواريث، لكنها لا تزال حبيسة العقليات، تتفجر بين الحين والآخر في المعاملات والتصرفات، وتبقى منطقة أدرار عبر التاريخ من مناطق التماس بين أعراق الشمال البيضاء وأعراق الجنوب السوداء ولا تزال حتى يوم الناس هذا تتحمل إرثه الثقيل.

يقول الوالد:

باشر الشاب العربي العمل مدة شهر بأدرار بمدرسة البنات الا ان الله تعالى يسر له مكان آخر أفضل بقرى بودة لغمارة وبخلة
الغمارة قرية الشيخ تبعد عن ادرار حوالي 30 كيلومترا عمل الشاب العربي مدة سنة هناك ولقي المساعدة الكاملة من اهل القرية الذين هم قبيلة الشيخ خصوصا انه كان في بداية الامر لا يتقاضى اجرا لأن ملفه لم يكن كاملا
بقي على تلك الحال حتى جاءته حوالة فيها مبلغ ألف وخمسمائة دينار أراد أن يعطي الشيخ منها لكن الشيخ رفض وقال له أعطيه لأبيك
انتقل في سنة 1969 الى قرية المنصور تابعة لقرى بودة كانت تنتظره فيها مفاجأة
حيث وجد رجلا يدعى بوعيشة كان طباخ التلاميذ وكان لا يعمل يوم الاحد لأنه كان عطله بحسب التوقيت الفرنسي
كان الرجل معتادا على ان يأتيه الاطفال الصغار بعد ما ينتهي من تلاميذ المدرسة يقسم عليهم ما بقي من الأكل وكان هناك رجل فقير شديد الفقر يدعي مولاي حسين له عائلة من الاطفال وله أم عجوز عمياء وليس له شيء سوى ما تتسول العجوز لم يكن لديهم بستان ولا مصدر رزق الا أمه العجوز العمياء التي كانت تتسول الناس
حدث يوم أحد أن الشاب العربي المعلم بعد صلاة العصر خرج متجها نحو داره حتى إذا اقترب من المدرسة وجد الرجل مولاي الحسين يجذب ابنته الصغيرة في عمرها حوالي 3 سنوات ونصف من يدها وهي تبكي ملتصقة بجدار المطعم الذي كان بوعيشة الطباخ يعطيهم ما بقي من الطعام فيه
الطفلة لم تكن تعلم أن ذلك اليوم يوم عطلة وان المطعم مغلق وكانت تنتظر من الصباح حتى المساء وهي جالسة هناك وابوها مولاي الحسين ضعيف نحيف الجسم يجرها وهي متشبثة بالجدار تبكي
فسأله المعلم العربي ما بالك يا مولاي الحسين مع هذه البنت؟
فأخبره الاخير بالأمر، أحس العربي بالظروف القاسية التي يعيشها الرجل وعائلته، ومنذ ذلك اليوم اخذ المعلم العربي يزور الرجل في بيته ويلتقي بأمه العجوز العمياء ويواسيها بما أمكنه
فاكتشف ان هذه العجوز تذهب مع حفيدها الذي يبلغ من العمر حوالي 12 سنه من قرية المنصور الى ادرار ويقطعون مسافة 30 كيلومترا في بعض المناسبات وخاصة العيد الكبير ويقصدون بعض العائلات الغنية التي كانت العجوز عندما كانت بصحتها تعمل خادمة عندهم لعلهم يعطونها شيئا من اللحم والطعام كانت تذهب مع حفيدها راجلة في طريق غير معبد وظروف الطقس السيئة تقطع كل تلك المسافة وهي عجوز كبيرة في السن عمياء لم تكن تملك اجره السيارة التي كانت تساوي في ذلك الزمن 3 دينار جزائري
وحدث ان غابت مدة بعد العيد فسألها العربي عن غيابها فأخبرته خبر تنقلها نحو ادرار وتسولها بين الازقه والبيوت
في بداية سنة 1970 أخبرها المعلم العربي انه سينتقل للعمل في بشار وعند رحيله جاءته العجوز وهي باكيه وضمت يده الى صدرها وهي تبكي وتقول من يقوم مقامك يا سي العربي ودموعها الساخنة تتساقط على يده فتأثر كثيرا لظروفها وظروف عائلتها القاسية.

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #دموع #العجوز

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : بركة الشيخ

0
غداة الاستقلال واجهت الجزائر الحرة مشكلة الجهل والأمية التي تمخر 80 بالمئة من المجتمع وورثت من فرنسا نظاما تعليميا عُنصريًا أُسّس على تهميش واقصاء الأصالة الجزائرية من لغة عربية وإسلام وتاريخ فلم تتأخر السلطات حينها عن بذل الجهد حيث شرعت في تعريب السنة الأولى من التعليم الابتدائي منذ الموسم 1963-1964 مع تدعيم اللغة العربية فيما تبقى من أطوار وتعويض البرامج الفرنسية ببرامج تُعلم الناشئة لغتهم ودينهم وتاريخ أمتهم وأمام نزوح وجلاء كوادر وإطارات المستوطنين كان على السلطات الاستعانة طوال العشرية الأولى بكفاءات كثيرة من الدول الشقيقة تدعم بها بناء المنظومة الوليدة كما سارعت بتوظيف الجزائريين رغم محدودية مستوياتهم لتعزيز الهياكل التربوية واستدراكا للعجز الرهيب، فقامت بالموازاة مع ذلك بتكوينهم ورفع مستواهم عبر الورشات والتربصات القصيرة كانت هذه المستجدات قد حددت مسبقا مسار الوالد رغم عزلته البعيدة وهو في قلب الصحراء

غداة الاستقلال واجهت الجزائر الحرة مشكلة الجهل والأمية التي تمخر 80 بالمئة من المجتمع وورثت من فرنسا نظاما تعليميا عُنصريًا أُسّس على تهميش واقصاء الأصالة الجزائرية من لغة عربية وإسلام وتاريخ
فلم تتأخر السلطات حينها عن بذل الجهد حيث شرعت في تعريب السنة الأولى من التعليم الابتدائي منذ الموسم 1963-1964 مع تدعيم اللغة العربية فيما تبقى من أطوار وتعويض البرامج الفرنسية ببرامج تُعلم الناشئة لغتهم ودينهم وتاريخ أمتهم
وأمام نزوح وجلاء كوادر وإطارات المستوطنين كان على السلطات الاستعانة طوال العشرية الأولى بكفاءات كثيرة من الدول الشقيقة تدعم بها بناء المنظومة الوليدة
كما سارعت بتوظيف الجزائريين رغم محدودية مستوياتهم لتعزيز الهياكل التربوية واستدراكا للعجز الرهيب، فقامت بالموازاة مع ذلك بتكوينهم ورفع مستواهم عبر الورشات والتربصات القصيرة
كانت هذه المستجدات قد حددت مسبقا مسار الوالد رغم عزلته البعيدة وهو في قلب الصحراء

يقول الوالد:

لما نزل العربي بأدرار بدأ يسأل عن زاوية سيدي الحاج محمد بالكبير حتى وصل اليها وبقي هناك ضيفا مدة ثلاثة أيام حتى سأله الطالب المكلف بالضيوف:
هل انت ضيف ام طالب علم من اجل الدراسة؟
فأجاب العربي: انا طالب علم اريد ان ادرس
فقال له الطالب: غدا في الصباح على الساعة الثامنة يخرج الشيخ من ذلك الباب بجانب المدرسة اذهب اليه وسلم عليه وأخبره بانك تريد ان تدرس عنده
وبالفعل ذهب العربي لينتظر الشيخ حتى خرج وهو يلبس لباسا ابيضا وكان وجهه يشع نورا، عندما أبصر الشيخُ العربي ابتسم وقال له مرحبا مرحبا وسلم عليه
فقال العربي: يا سيدي أنا من نواحي سعيدة جئت من اجل الدراسة عندك فسكت الشيخ قليلا وقال له: لولا أنك قدمت من مكان بعيد لما استقبلتك المدرسة ضيقه الطلبة عندي حوالي السبعين طالبا وهم ينامون في الأروقة والبيوت مكتظة
فأجاب العربي: إذا كان السبب هو الضيق فلا مشكلة عندي، إذا قبلتني سوف انام في الليل في البساتين فانا بدوي ولا أخاف
فضحك الشيخ رحمه الله تعالى وقال: ابدا لن يحدث كيف تقرا عندي وتنام في البساتين بل تبقى مع اخوانك هنا تقرا
وبالفعل فتح له في لوحة وكتب ربي يسر ولا تعسر
صار العربي يقرا القران الكريم والنحو والفقه حتى ذهب الخريف والشتاء الربيع وجاء الصيف
سمع العربي ان هناك مسابقة تجري في وزاره التربية بالمنطقة ينقصهم 9 مناصب فارغة تحتاج الى معلمين في مستوى ممرنين
فشجعه رفاقه وقالوا له اشترك مستواك في العربية والرياضيات والتاريخ والعلوم جيد لعل الله يفتح لك حتى وان كنت لم تحفظ الكثير من القران فقال لهم العربي إذا عزمت فلابد ان اشاور الشيخ وآخذ رأيه وموافقته
وبالفعل بعد صلاة العصر اعترض العربي الشيخ عندما جاء خارجا من المسجد فسلم عليه فقال الشيخ ماذا تريد يا عربي قال له يا سيدي اريد مشورتكم في امر يخصني إذا وافقت تبارك الله وإذا لم توافق فلا يكون الا ما تحب
فقال له الشيخ ما هو؟
فقال العربي: سمعت خبر وزاره التربية انها تريد اجراء مسابقة للمعلمين فهي تحتاج معلمين في القصور
اخذ الشيخ رحمه الله يتفكر قليلا ثم سأله: يا بني إذا كان ابوك لديه المال فالأفضل لك ما دمت صغيرا ان تقرا، اما إذا كان لا يملك مالا فهذا شيء اخر
فقال العربي: لقد ذهبت ثورة نوفمبر بكل ما لأبي وقتلت أخي الاكبر وليس له الان من الرزق سوي مالُ النّاس فهو يتاجر به
سكت الشيخ قليلا ثم قال: انا وأنتم ابناء هذا الزمان لا نتفاهم انا اريد ان اُعَمر لكم صدوركم وأنتم تريدون ان تُعَمروا جيوبكم
فسكت العربي وخفض راسه واستحي من كلام الشيخ وندم على ما صدر منه امام الشيخ وربما سال عرقه من الحياء والهيبة
لكن الشيخ الكريم حن عليه وأحس بظروفه القاسية فلم يكن له لباس جيد ولا فراش ولا مال
فقال الشيخ: ايه أحس أنك راغب اذهب الله يفتح عليك، وضربه على كتفيه
وهكذا شارك العربي في هذا الامتحان بتوفيق الله ورعايته فتيسرت له الاسباب بسبب دعاء الشيخ رحمه الله ونجح في المسابقة وجاء في المرتبة الثانية من ضمن تسع مناصب
ففرح فرحا شديدا وفرح الشيخ رحمه الله وباشر عمله في ادرار سنه 1968 .

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر # #بركة #الشيخ

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : الهجرة إلى أدرار

0

 

اعتاد الأسلاف طوال قرون تتبع مجرى واد الناموس نزولا نحو أعماق الجنوب يحملون على ظهور الإبل غلال السمن والكليلة والصوف والقديد ويسوقون أمامهم قطعان الغنم البيضاء في رحلة الشتاء فيقطعون الصحراء ورمالها يقصدون توات وتيمي حتى إذا أدركوا قصورها وواحاتها قايضوا أموالهم بقناطير التمر وثمار البساتين وما يجدونه في الأسواق من سلع السودان البعيد، فقد كانوا يدْعون جنوب مالي والنيجر بالسودان ونهر النيجر بالنيل، ثم يعودون بما ربحوا إلى منازلهم أو ربما يتاجرون به في رحلة الصيف شمالا نحو حاضرة تلمسان ونواحي غرب الجزائر وشرق المغرب مضت الأجيال والعصور وظل واد الناموس مَعبرا تَعبق ثناياه برغائب التجارة حينا وبأذواق التصوف وأسرار الدين أحايين أخرى وكأنه ذاته عبير تلك الأحقاب مَن ألهم من وراء حجاب الوالدَ ودفعه دفعا فانطلق في مغامرته يتتبّع وهو لا يدري خطى الشيخ المجاهد بوعمامة الذي هاجر قبل 83 سنة إلى توات أين أعاد تأسيس زاويته بواحة دلدول بأوقروت، ومن قبله الجد الأكبر سيدي بوسماحة الذي سُجي في ضريح منذ قرون غير بعيد هناك قرب شروين

اعتاد الأسلاف طوال قرون تتبع مجرى واد الناموس نزولا نحو أعماق الجنوب يحملون على ظهور الإبل غلال السمن والكليلة والصوف والقديد ويسوقون أمامهم قطعان الغنم البيضاء في رحلة الشتاء فيقطعون الصحراء ورمالها يقصدون توات وتيمي حتى إذا أدركوا قصورها وواحاتها قايضوا أموالهم بقناطير التمر وثمار البساتين وما يجدونه في الأسواق من سلع السودان البعيد، فقد كانوا يدْعون جنوب مالي والنيجر بالسودان ونهر النيجر بالنيل، ثم يعودون بما ربحوا إلى منازلهم أو ربما يتاجرون به في رحلة الصيف شمالا نحو حاضرة تلمسان ونواحي غرب الجزائر وشرق المغرب
مضت الأجيال والعصور وظل واد الناموس مَعبرا تَعبق ثناياه برغائب التجارة حينا وبأذواق التصوف وأسرار الدين أحايين أخرى
وكأنه ذاته عبير تلك الأحقاب مَن ألهم من وراء حجاب الوالدَ ودفعه دفعا فانطلق في مغامرته يتتبّع وهو لا يدري خطى الشيخ المجاهد بوعمامة الذي هاجر قبل 83 سنة إلى توات أين أعاد تأسيس زاويته بواحة دلدول بأوقروت، ومن قبله الجد الأكبر سيدي بوسماحة الذي سُجي في ضريح منذ قرون غير بعيد هناك قرب شروين

يقول الوالد:
طلب العلم سنه 1967

تم تزويج العربي وهو في سن 18 ليعتني بالغنم ونظرا لظروف البدو الصعبة لم يستطع البقاء هناك، من حسن حظه التقى بفقيه طالب شيخ كبير بمناسبة زفاف مع آخرين جاءوا عند ابيه فوجد العربي عنده بعض الكتب الدينية وتحاور معه وتناقش فقال له الفقيه عندك مستوى لا بأس به في القراءة والكتابة لماذا لا تذهب وتكمل دراستك؟
فقال العربي لم أجد من ادرس عنده وانا في هذه السن فقال له الفقيه يوجد في تيمي ادرار عالم يعلم الناس في سبيل الله ويطعم طلابه بالمجان وأخبره عن الطريق الى ادرار وعن المبلغ الذي يكفيه للذهاب الى هناك
فقرر العربي الذهاب وعندما ذهب الاب الى العين الصفراء هاجر الشاب العربي تاركا زوجته بعدما ودع والدته والعائلة وهم يبكون عليه، أخذت الطائعة أم العربي تتبع خطى ولدها من بعيد ودموعها تسيل على خديها، كان فراقها للعربي مؤلما زاد جرحا آخر إلى فجيعتها في أخيه الشهيد محمد، كلما وجدت أثرا لقدمه في طين الواد غطّته ببعض الأغصان والأعشاب، وصارت كلما اشتاقت إليه تعود إلى آثار أقدامه تكشفها وتقبلها من فرط الحنين
كان الفصل خريفا والمطر يسقط، واجه مخاطر في السفر فتوكل على الله أن يجعل له من امره مخرجا، كانت نيته هي طلب العلم من حفظ القران والسنة النبوية، كان ذلك هو الدافع الوحيد لسفره
قطع الشاب جبل بوعمود متجها نحو قرية جنين ثم ركب القطار ليلا متجها نحو بشار وهو لا يعرف أحد هناك عندما وصل سأل عن الحافلة التي تتجه نحو ادرار وكان موسم الامطار في أوجه حيث قُطعت الطرق المتجهة نحو ادرار فلم يجد وسيله للنقل مده 15 يوما ضل فيها يتجول نهارا في المدينة وفي المساء يخرج منها ليلا ينام تحت الجدران
كان الفصل الخريف والجو بارد مرت ثلاثة ايام حتى التقي يوما ببعض المسافرين يبحثون عن سيارة وهم يذكرون ادرار وتيميمون فسألهم فقالوا نريد الذهاب لكن لا توجد حافلات بسبب انقطاع الطرق فلازمهم الشاب حتى وجدوا سائق سيارة يدعى قاده قال لهم ان سيارته في العبادلة يجب ان يأخذوا سيارة اجره معه نحو العبادلة ومن ثم يقطعون وادي قير الكبير الذي كان في ذلك الوقت حاملا بالسيول التي هدمت الجسور بعد فيضان الأودية في المغرب
وهكذا تجمعوا وتوكلوا على الله وحاولوا قطع واد قير العبادلة المملوء بالمياه الجارفة لكنهم نجو بصعوبة بالغة وخرجوا منه بسلام فوجدوا سيارة قاده هناك فاستقَلوها واقلعوا نحو مدينه كرزاز لكنهم تفاجؤوا بوادي قير قد انعطف وقطع الطريق مره اخرى في مضيق الخنق القصابي حيث وجدوا وهناك مقهى وبيتا يبعد عن الوادي حوالي 10 كيلومتر
كان النهر يسيل بقوه جارفه يحمل النخيل معه فاضطروا للبقاء 3 ايام هناك لعله يهدأ لكن دون جدوى فالأمطار كانت لا تزال تتهاطل من ناحية المغرب
كان صاحب المقهى يساعدهم بالتمر بعد ما انتهى الزاد عندهم بكل سخاء منه
في اليوم الذي قرر فيه صاحب السيارة قاده العودة الى بشار وقف الشباب بجانب الوادي وهم ينظرون الى الجانب الاخر حيث الشاحنات تحاول عبوره بعد مده ظهر رجل طويل القامه يمسك في يده عصا قادما من ناحيه الشاحنات فقطع النهر والتقى بالشباب فدار بينهم حوار فقرر العربي وشابان اخران معه العبور مع الرجل نحو الشاحنات وطلب العربي من الرجل ان يحمل عنه متاعه فوافق الرجل وصار العربي يمشي بجانب الرجل اذا احس بخطر الامواج تمسك به وهكذا حتى قطع النهر بسلام كل الناس ينظرون اليهم خوفا من ان تجرفهم الامواج الهائلة
رجع صاحب السيارة مع رفاقه الى بشار اما العربي وصاحبيه فبقوا بجانب النهر حوالي ثلاثة ايام احسو فيها بالبرد ليلا وبالجوع نهارا، ومن قدر الله ان كانت هناك شاحنة تحمل التمر كان صاحبها يبيع لهم ما يقتاتون به
عندما قرر اصحاب الشاحنات العودة اخذوهم معهم نحو مركز ما بين الطرق المعد لورشات اصلاح الطرق على المفترق ما بين طريق ادرار وطريق تيميمون فباتو الليلة معهم وفي الصباح قرر قائد القافلة التوجه نحو تيميمون وقال للشباب من كان يريد الذهاب معنا الى تيميمون فليتفضل فقرر أحد رفاق العربي الذهاب معهم وبقي رفيق واحد معه لأنهما كانا يريدان الذهاب الى ادرار
وهكذا ذهبت القافلة وبقي المكان خاليا لا اكل ولا ماء ولا طير الا عنايه الله سبحانه بقي الشابان جالسان لا يكلم أحدهما الاخر حتى ظهرت شاحنه مملوءة بالسلع قادمه من تيميمون متجهة نحو ادرار
قطع شابان الطريق على الشاحنة رغم صافرات تحذيرها تريد اخلاء الطريق لكنهما لم يبتعدا حتى توقفت فقال سائق الشاحنة انه ليس له مكان ليحملهما ولكن الفتى رفيق العربي أصر على الذهاب حتى حملوه معهم وبقي العربي وحيدا لكن قلبه كان مطمئن لعنايه الله حتى ظهرت شاحنه اخرى مثل الاولى قادمه من تيميمون متجهة الى ادرار مملوءة هي الاخرى بالسلع وليس فيها مكان فارغ
وقف العربي في وسط الطريق أمامها ولم يتزحزح حتى توقفت الشاحنة فقالوا له ليس معنا مكان نحملك فيه وامامنا الدرك الوطني فقال لهم اما ان تأخذوني معكم او اقتلوني هنا، احملوني معكم وفي الطريق عند الدرك الوطني أنزلوني عندهم فأبقى هناك إذا وجدتموهم
فأخذوه معهم مكرهين، ‏ طلب سائق الشاحنة منه مبلغ 40 دينار الجزائرية ثمن التوصيل وكان مبلغا باهظا جدا يكفي للسفر ما بين بشار وادرار فوافق العربي مكرها وانطلقوا حتى وصلوا الى ادرار.

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #الهجرة #إلى #أدرار

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : سموم فرنسا

0
بعد استعمالها المكثف في الحرب العالمية الأولى وحصدها نحو 1,3 مليون ضحية صارت الأسلحة الكيمياوية محل اهتمام دول الكبرى عملت إثر ذلك فرنسا على اختبار أنواعها وتطويرها منذ سنة 1929 حيث اختارت بعناية منطقة بني ونيف شمال بشار سنة 1935 مسرحا لتجاربها وذلك لعزلتها وصعوبة تضاريسها ومناخها المناسب واتصالها بالطرق وخط السكك الحديدية وتحت غطاء من السرية كثيف بنت بالصحراء الشمالية لوادي الناموس ثاني أكبر مركز اختبار في العالم بعد روسيا قامت فيه بتخزين احتياطي ضخم من أسلحة الغاز كالخردل والفوسجين وبتجريب القنابل اليدوية والألغام والقذائف والصواريخ بمختلف الذخائر الكيمياوية أصرت بعد ذلك فجر الاستقلال على استمرار عمله تحت البنود السرية لاتفاقية إيفيان فكان لها ذلك إلى غاية سنة 1978م

بعد استعمالها المكثف في الحرب العالمية الأولى وحصدها نحو 1,3 مليون ضحية صارت الأسلحة الكيمياوية محل اهتمام دول الكبرى
عملت إثر ذلك فرنسا على اختبار أنواعها وتطويرها منذ سنة 1929 حيث اختارت بعناية منطقة بني ونيف شمال بشار سنة 1935 مسرحا لتجاربها وذلك لعزلتها وصعوبة تضاريسها ومناخها المناسب واتصالها بالطرق وخط السكك الحديدية
وتحت غطاء من السرية كثيف بنت بالصحراء الشمالية لوادي الناموس ثاني أكبر مركز اختبار في العالم بعد روسيا قامت فيه بتخزين احتياطي ضخم من أسلحة الغاز كالخردل والفوسجين وبتجريب القنابل اليدوية والألغام والقذائف والصواريخ بمختلف الذخائر الكيمياوية
أصرت بعد ذلك فجر الاستقلال على استمرار عمله تحت البنود السرية لاتفاقية إيفيان فكان لها ذلك إلى غاية سنة 1978م

يقول الوالد:
سنه 1965 العمر 17 سنه
في هذه السنة قرر الاب الطيب ان يتجه بابنه الى رعاية الغنم حيث أصبح يرعى قطيع من الكباش مع راعي اخر يرعى قطيع من النعاج
في يوم من الايام جاء ابوه الطيب وطلب منهما أن يرعيا في منطقة قرب معسكر لفرنسا يسمى الكاء بمنطقة بني ونيف وكانت فرنسا تصنع فيه المواد السامه كالرهج وتعمل في تلك المنطقة التجارب في الصحراء وبالفعل قُتلت الكثير من الحيوانات من الغزلان والإبل هناك
وكان الاب الطيب قد ذهب فوق فرس الى تلك المنطقة فوجد فيها الكلأ والعشب الكثير فطلب من ابنه العربي والراعي ان يذهبا بالقطيع الى تلك المنطقة وكان جاهلا بالمواد السامة والاشجار المسمومة هناك
ولما وصل الراعيان بالقطيعين تفاجآ بالغنم تتساقط بين الأودية والشعاب وهي ترتجف ثم تتساقط مرة أخرى وتتدحرج الى أسفل الوادي والزبد يخرج من أفواهها فأسرع الطفل العربي بقطيعه الذي كان بعيدا وساقه لكيلا يتأذى هو الآخر فقتلت له في ذلك اليوم أكثر من سبعين شاة من القطيع وشردت العشرات وأصيب منها الكثير بالعمى وغيره من الآفات
وفي المساء ذهب العربي الى الخيمة ناحية مزرعة القارة الخضراء ليخبر الاب وكانت تبعد عن المكان نحو 60 كيلومترا ذهب الاب وعلى إثر ذلك الى العين الصفراء ليخبر صاحبه صاحب الغنم واتصلوا بالسلطات في بني ونيف فذهبوا مع الدرك الجزائري والطبيب الى منطقة القطيع الميت وكانت مجموعة من الاختصاصيين الفرنسيين لا تزال تعمل هناك في ميدان التجارب النووية فذهب البعض منهم وحضر ورأوا الكارثة التي حلت بقطيع الطيب فكُتب تقرير عن تلك القضية الكارثية وطُلب من فرنسا التعويض قيل بعد ذلك انه تم تعويض الأغنام ولقد ذهبت فرنسا ولكنها تركت سمومها في البلاد

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #سموم #فرنسا

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : بين المدرسة والقطيع

0
في بلد كان الذين يزورونه زمن العثمانيين ينبهرون من كثرة مدارسه ومساجده فيشيدون بسعة ثقافة أهله وانتشار المعارف فيهم حيث منارات العلم مشرقة من العاصمة إلى قسنطينة ومن بجاية إلى وهران وتلمسان يحج إليها الراغبون بحسب إحصاء سنة 1871م كان عدد الزوايا نحو 2000 منتشرة في ربوع الجزائر تُؤطر زهاء 28 ألف طالب علم لكن بعد قرن و30 سنة من تدمير الكتاتيب والمساجد ومصادرة الأوقاف الإسلامية وتحويلها إلى كنائس وثكنات واسطبلات وفرض اللغة الفرنسية وثقافتها وتجريم العربية وتاريخها ونفي علمائها، هاجر الفقهاء وتشرّد الطلاب وغدا المجتمع الجزائري يرزح تحت الفقر ويتخبط 85 بالمئة منه في والجهل والأمية كان الوالد في صباه تتقاذفه الظروف بين المدرسة الفرنسية وبقايا الكتاتيب العتيقة من جهة ومعيشة البدو ورعي الغنم في الطرف الآخر من الحياة

في بلد كان الذين يزورونه زمن العثمانيين ينبهرون من كثرة مدارسه ومساجده فيشيدون بسعة ثقافة أهله وانتشار المعارف فيهم حيث منارات العلم مشرقة من العاصمة إلى قسنطينة ومن بجاية إلى وهران وتلمسان يحج إليها الراغبون
بحسب إحصاء سنة 1871م كان عدد الزوايا نحو 2000 منتشرة في ربوع الجزائر تُؤطر زهاء 28 ألف طالب علم
لكن بعد قرن و30 سنة من تدمير الكتاتيب والمساجد ومصادرة الأوقاف الإسلامية وتحويلها إلى كنائس وثكنات واسطبلات وفرض اللغة الفرنسية وثقافتها وتجريم العربية وتاريخها ونفي علمائها، هاجر الفقهاء وتشرّد الطلاب وغدا المجتمع الجزائري يرزح تحت الفقر ويتخبط 85 بالمئة منه في والجهل والأمية
كان الوالد في صباه تتقاذفه الظروف بين المدرسة الفرنسية وبقايا الكتاتيب العتيقة من جهة ومعيشة البدو ورعي الغنم في الطرف الآخر من الحياة
يقول الوالد:
بعد معركة بوعمود وبعد أن وقع هجوم مجاهدين على معسكر فرنسا بمغرار التحتانية ليلا حيث وقع القتل والخطف ودخول السجن الى غير ذلك وكانت مفاجأة جريئة للمجاهدين ضد الاحتلال، قررت القوات الفرنسية نقل المعسكر الى مكان اخر وهو العقيلات بين مغرار الفوقاني والجنين فوضعت الخيام في ضيق شديد بين الاسلاك الشائكة الملغمة والمكهربة ووضعت الحراسة على الابواب لا يخرج الا الراعي وغنمه بعدما يفتش هو وحماره
اما الطفل العربي فقد ادخلوه مع رفاقه في مدرسه العُقلة ليتعلم الفرنسية وكان عمره 11 سنة عام 1959 اما عمي سليمان فكان في السجن بقي هناك حوالي السنتين حتى الاستقلال
قرر السيد الطيب الدخول الى مدينه العين الصفراء بعد ما اشترى منزلا هناك سنه 1960 وأدخل معه عائلة سليمان اخيه وعائلة أحمد المجاهد علما بانه كان مسؤولا عن أربعة عائلات، عائلته وعائلة أخيه بوعمامة الذي كان مجاهدا وعائلة أخيه سليمان الذي كان في السجن مناضل وعائلة ابن عمه أحمد المناضل في صفوف المجاهدين، أدخل الطيب ابناءه الكتاتيب ومدرسة فرنسية في العين الصفراء حتى استقلت الجزائر سنه 1962 ورفعت راية الجزائر وجاء كل من السيد أحمد والسيد بوعمامة والسيد سليمان فقدموا الى السيد الطيب بمناسبة الاستقلال فكانت الفرحة الكبرى في أوساط الشعب هناك من يضحك فرحا لقدوم غائبه وهناك من يبكي لمقتل غائبه
اما العربي الطفل فقد بدأ دراسته في الكتاتيب عند السيد بوعلام تاجي وفجأة سنه 1963 قرر الاب واخوه بوعمامة الخروج الى البادية لان المدينة لا تناسبهم فقد أصبحوا فقراء بعد الحرب كل المواشي قتلت وشردت ولم يبق شيء لأهل البادية الا القليل في هذه الحالة تغيرت الاحوال بالنسبة للطفل العربي فهل هناك من يستطيع البقاء عنده في المدينة ليكمل دراسته
تدخلت امه عند جارتها خديجة وطلبت منها بان يبقي ابنها عندهم ليقرأ فقبلت
وهكذا تنقل الطفل في كل مرة بين الجيران ومنهم عمه سليمان وأحمد وعمه بوعمامة في قرية التيوت وآخرين فعانى كثيرا لكنه صبر
ثم جاء الاب ليذهب به الى البادية سنه 1963 وكان عمه سليمان وأحمد في بشار يبحثون عن عمل وبما ان السيد أحمد كان ضابطا اثناء الثورة فكانت لديه بندقية صيد ممتازة ووجد في جبل عنتر ببشار البقر الوحشي الذي يدعي لروي الشيء الكثير هناك فانتقل مع ابن عمه سليمان الى قرب الجبل يصيدون ويبيعون اللحم في المدينة
جاء سلمان عند اخيه الطيب قرب الغويبة ليشتري الإبل ويبيعها في بشار وهنا طلب العربي من امه ان يذهب معه ليكمل دراسته في بشار وقد كان جاهلا بظروف عمه سليمان وحالته الاقتصادية فقال سليمان لامه عندما يأتي ابوه يأتي معه ليدرس في بشار
وهكذا كان عند الاب قطيع من الشياه كتجارة مع شخص آخر وأراد ان يذهب بها الى بشار لبيعها وكان شهر رمضان لذلك العام أول شهر يصومه العربي الذي كان عمره 15 سنه فذهب رفقة أبيه فوق الشاحنة مع القطيع ولم يأخذوا معهم لا ماء ولا طعام لأن أباه كان يعتقد ان سليمان الذي نزل مع أحمد ناحية لاقار بلهواري قرب الجبل في الخيام
وعندما وصلت الشاحنة قرب المكان طلب الطيب من صاحبها التوقف وانزل القطيع وذهبت الشاحنة الى بشار وصار الاب يبحث عن الخيام فلم يجد شيئا لا آثار ولا أحد يسأله سوى آثار الارانب والفئران والذئاب مع العلم كان الفصل ربيعا وكانت تلك النواحي فيها العشب الكثير وعندما يئس منهما رجع الى ابنه وقال له لم اجدهم هنا المكان خالي من الناس فقرر التوجه نحو لاقار بالهواري لعله يجد أحدا هناك يسأله أو يفطران عنده وكانت مسافه بعيده جدا اتجها بالقطيع نحوه
أما العربي فقد ادرك انهم لن يجدوا احدا في ذلك المكان فما كان عليه الا ان قطع من نبات البسباس نصيبا لكي يفطر عليه وعندما وصلا لم يجدا بالفعل احدا
وغربت الشمس فأعطى العربي الى ابيه شيئا من البسباس ليفطر عليه لكن اباه رفض واكتفى بالشمة وجلس فوق ربوه
بعد ذلك اخذ يبحث عن الاسلاك ليقطعها وساق القطيع نحو الوادي من أجل ان يرعى ولعلهم يجدون الماء وكان الليل مظلما بدون قمر
بعد التعب جمع القطيع نحو الشجرة الكبيرة من السدر واخذ الاب يمسك الكباش الكبار ويعقِل كل واحد من رجله بتلك الاسلاك ليتركه واقفا على ثلاثة أرجل حتى لا يتحرك فيجلس مرغما وتنام الماشية بجنبه، كما نزع الاب عمامته فربطها في عنق نعجة ثم طرفها الاخر في رجله ونام حتى إذا ما نفرت الغنم بسبب الذئب توقظه معها
فكان كلما نفر القطيع بسبب ذئب او ارنب ينادي الاب على ابنه العربي العربي فيقوم الابن يجري وراء القطيع يسقط هنا وهناك فوق الاشجار لأن الجو مظلم جدا حتى يتمكن من ارجاعها الى مكانها يطاردها بالأحجار حتى تهدا وتنام وبقي على تلك الحال الى الصباح، كانت ليلة مشؤومة عليهما
في الصباح لما قام العربي رأى كان الارض مصفرة وكاد يسقط من شده التعب والجوع والعطش فلاحظ الاب ذلك في وجهه فسال ابنه قائلا: ماذا نفعل الان؟ كأنه يختبره
فأجاب العربي: لا تبحث عن احمد ولا عن سليمان المهم الان ان تذهب الى الطريق لعلك تجد سيارة توصلك الى بشار لتأتينا بالأكل والماء
أخذ الأب عمامته وربط بها بطن ابنه العربي وطلع فوق ربوه وقال لابنه خذ القطيع الى تلك السدرة واحبسه هناك لا تتركه ينفلت منك حتى آتيك
فنفذ الابن وصيه ابيه وذهب الطيب الى بشار واتصل بأحد الاقارب هناك فجاء بالأكل والماء في سيارة ولكن عند منتصف النهار تغير الجو بالغبار واختفت اثار الماشية و عندما كان راكبا في السيارة وهي تجري رأى الكثير من اشجار السدر ولم يعرف المكان الذي اتفق عليه مع ابنه فنزل من السيارة و تركها ترجع وعاده يسير على قدميه عبر الطريق لعله يجد ابنه فقطع مسافه 30 كيلومترا راجلا حتى عاد الى بشار على قدميه ولم يجد ابنه
وصل الاب ليلا الى دار المجدوب ابن عمه فقيل له انه يصلي التراويح في المسجد فذهب الاب الى المسجد وصار ينادي بصوت مرتفع على المجدوب عندما سمعه المجدوب عرف حاله السيئة فذهب اليه واخبره الخبر وانه يخشى على ابنه فربما قد قتله قطاع الطرق واخذوا الماشية فاخذوا سيارة في ذلك الليل وذهب بها نحو لاقار بالهواري وصاروا يحرقون العجلات السيارات القديمة ويسيرون حول الطريق المعبد والسيارة تتبعه من خلفهم الاب ينادي على ابنه بأعلى صوت
أما العربي عندما لم يعد ابوه خاف عليه ربما قد دهسته سيارة لان اباه كان ضعيف السمع فاحس بنشاط وقوه وصار همه العثور على ابيه ولما جاء الليل اخذ الطفل العربي القطيع الى مكان مرتفع وصار يرميه بالأحجار حتى نام القطيع وربطه بطرف عمامة ابيه وربط النعجة في طرفها الاخر حتى اذا نام وهربت الشياه ايقظته
ونحو الساعة الثانية عشر ليلا وبينما كان العربي نائما سمع صوتا خافتا يشبه صوت ابيه وهو غارق في النوم سمعه عده مرات فاستيقظ وسمع صوت السيارة فرأى الاضواء وسمع الاصوات فعرف صوت ابيه ففرح وصار ينادي ها انا ها انا يا ابي وساق القطيع نحو الضوء
أخبر الرجال رفاق الوالد انهم قد وجدو ابنه فلم يصدقهم ولما التقى بابنه عانقه عناقا حارا وسأله عن سلامه القطيع
كان عناقا حارا بالدموع غطّاه ظلام الليل.

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط 

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر  #بين #المدرسة #والقطيع

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : محمد الشهيد

0
كانت المنطقة حديثة عهد بالثورات ولا تزال فيها ذكرى ملاحم الشيخ بوعمامة في كل من الصفيصيفة وقصر الشلالة والعين الصفراء تتناقلها الشفاه وتتلوها الألسن فخرا واعتزازا. وقد انتهى إلى مسمع الوالد أن جدّ أبيه الميلود بن ماحي جاهد فيها وقُتل شهيدا في معاركها نواحي قرية فندي ببني ونيف، وذُكِر له كيف كان رجال المنطقة يجمعون قطع السلاح أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، فيجعلونها في أكفان على هيئة الموتى ويدفنونها في المقابر استعدادا ليوم الفصل الذي لم يشكوا أبدا في قدومه، فلا عجب أن ينشب فيها سريعا لهيب ثورة نوفمبر بعد مؤتمر الصومام مع دوي انفجارات العاصمة وصوت الرصاص الحي يخترق شوارعها في عز معركة الجزائر.  يقول الوالد: لقد عانى الشعب الجزائري الويلات أثناء استعمار فرنسا من القتل والسجون والتشريد والفقر إلى غير ذلك واندلعت الثورة المباركة سنه 1954 في الشمال وفي سنه 1956 اتسعت لتشمل جبال الاطلس الصحراوي والقصور وصارت فرنسا تجمع البدو الرحّل وتحشدهم في معسكرات لأنها تعلم أن مصدر المجاهدين سيكون من طرف الشعب بجميع فئاته وخاصة البدو الرحل

كانت المنطقة حديثة عهد بالثورات ولا تزال فيها ذكرى ملاحم الشيخ بوعمامة في كل من الصفيصيفة وقصر الشلالة والعين الصفراء تتناقلها الشفاه وتتلوها الألسن فخرا واعتزازا.
وقد انتهى إلى مسمع الوالد أن جدّ أبيه الميلود بن ماحي جاهد فيها وقُتل شهيدا في معاركها نواحي قرية فندي ببني ونيف،
وذُكِر له كيف كان رجال المنطقة يجمعون قطع السلاح أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، فيجعلونها في أكفان على هيئة الموتى ويدفنونها في المقابر استعدادا ليوم الفصل الذي لم يشكوا أبدا في قدومه،
فلا عجب أن ينشب فيها سريعا لهيب ثورة نوفمبر بعد مؤتمر الصومام
مع دوي انفجارات العاصمة وصوت الرصاص الحي يخترق شوارعها في عز معركة الجزائر.

يقول الوالد:
لقد عانى الشعب الجزائري الويلات أثناء استعمار فرنسا من القتل والسجون والتشريد والفقر إلى غير ذلك واندلعت الثورة المباركة سنه 1954 في الشمال وفي سنه 1956 اتسعت لتشمل جبال الاطلس الصحراوي والقصور وصارت فرنسا تجمع البدو الرحّل وتحشدهم في معسكرات لأنها تعلم أن مصدر المجاهدين سيكون من طرف الشعب بجميع فئاته وخاصة البدو الرحل. وبالفعل فقد شاركوا اثناء الثورة بكل طاقاتهم من رجال وأموالهم وغيرها إلا أن هناك بعض الفئات ضعيفة العقول التي كانت ضحية الجهل والضعف فكانت تساند فرنسا مثل التجنيد والحركة والخيالة والجمالة في الصحراء والوشاة وغيرهم يستعين بها ضد المجاهدين.
وبالضبط كانت عائله الطيب رحمه الله بناحيه مزرعته القارة الخضراء وجاءت قوات العدو بالطائرات الحربية مثل الهليكوبتر الطائرات النفاثة الشاحنات والدبابات والعساكر وهي تقتل كل ما تجده أمامها من إبل وبقر ونعاج وكباش في جميع النواحي فما كان من الطيب واخوته الا رحيل نحو قريتهم مغرار التحتانية مع عدة قبائل من الرحل مثل المجادبة واولاد سيدي التاج والعمور والشرفة وغيرهم من البدو
وعندما حاصروهم في المعسكرات بجانب القرية طلب منهم الضابط الفرنسي ان يقوموا باحتفال وسباق بواسطة الخيل والحمير وتكون هناك الجوائز للفائزين الاوائل شارك السيد الطيب على فرسه البيضاء وكان من الاوائل وقد اعطيت له جائزة
أما محمد الشهيد الذي كان آنذاك مندمجا مع المجاهدين سنه 1956 بدون علم أبيه وكان عمه بوعمامة واحمد بن الشيخ وآخرون في صفوف المجاهدين في تلك النواحي وقد كلف محمد بمهمه مناضل ينقل للمجاهدين كل ما يحتاجونه من اكل ولباس وغيره وكذلك أخبار العدو واخبار الشعب
بقي محمد على هذه الحال وقد عزم عدة مرات على التجنيد معهم لكنهم رفضوا وقالوا له إن مهمتك أكثر من مهمتنا انت الذي توفر لنا الاكل واللباس واخبار العدو اما إذا تجندت فإننا نحتاج الى من يساعدنا بالأكل واخبار العدو ومشاركه الشعب وهكذا عده مرات رغب في التجنيد لكنهم رفضوا طلبه وقالوا له إنك الاكبر في اخوانك وانت ايضا تساعد اباك في رعي الغنم والإبل والبقر ونحن ايضا نأكل ونستفيد منها فيجب ان تصبر لتساعدنا وتساعد اباك
كان عمر محمد سنه 1958 بين السابعة عشر والثامنة عشر لقد زوجه ابوه وهو في سن 18 وهكذا الى ان وقعت معركة جبل بوعمود سنه 1958 ودامت حوالي 16 او 17 يوما وقد جمعت فرنسا جيوشها الهائلة من الطائرات والدبابات والسيارات والمدرعات والخيالة الكثير وفي هذه الاثناء ذهب الطيب الى القبطان وطلب منه رخصة لمحمد ابنه وأخيه احمد الذي يبلغ سنه 13 سنة ليذهب ويبحث عن الجمال الضائعة حتى إذا التقى بجنود الجيش الفرنسي يقدم لهم رخصة القبطان وبالفعل ذهب احمد ومحمد وذهب معهم طفل يسمى احمد هو الاخر كان اخوه في صفوف المجاهدين وأخذوا حمارا يحمل لهم بعض الامتعة وذهبوا نحو قريه سيدي براهيم التي تبعد عن مغرار التحتانية نحو 20 كيلومترا وكان الجو خريف حيث الغيوم والرياح والامطار وباتوا في وادي الناموس قرب سيدي ابراهيم القرية
وفي الصباح رصدت الهليكوبتر المجاهدين متسللين في وادي الناموس بين الاشجار الكثيفة وعندما خرج محمد وصاحبه والحمار من الواد، راتهم طائره الهليكوبتر فاتجهت نحوهم فاخذ محمد ورقه الرخصة وصار يلوح بها لهم وهو يقول يا رب قتلنا بالبارد يا رب قتلنا بالبارد كأنه تحسر على عدم التجنيد
فهاجمتهم الطائرات وأطلقت وابلا من الرصاص قسم الحمار نصفين وقتل محمد وكسر احمد الذي معهم من الذراع وقد غمرهم الغبار
بعد ذلك اخذ احمد أخو محمد يحرك اخاه وينادي عليه يا محمد يا محمد لكنه لم يجب فاذا هو ملطخ بالدم وقد قضى نحبه فقال له صاحبه المكسور قم واهرب ولا تبقي هنا ربما تأتي طائره اخرى فتراك فتقتلك وبالفعل احمد أخو محمد الذي اشتعلت ملابسه وجلابيته بسبب الرصاص لكنه لم يصب بحفظ الله ذهب بين الاشجار هاربا وقد أحس بالعطش وصار يمتص الطين
اما محمد وصاحبه المكسور فجاءت طائره الهليكوبتر حطت وأخذت الطفل المكسور الى المشرية وعولج في المستشفى هناك وقد عاش بعد ذلك حياة مديدة نواحي عسله وكان يدعى بن ماحي احمد
واما احمد فانه بعدما فر وجده رجل يدعى بحوص فأخذه على ظهره وذهب به نحو الخيمة وفي هذه اللحظة حوالي الثانية مساءا كان الاب الطيب وابنه العربي صاحب الحية الذي كان عمره آنذاك عشر سنوات داخل الخيمة وفجأة دخل احمد اسود الوجه يلبس عباءه سوداء جاهم الوجه عندما رآه الاب قال له: محمد مات ... محمد مات؟
فأجاب احمد: نعم محمد مات
واشتد الصراخ والبكاء من النساء والاطفال وخرج الطيب من الخيمة وعَظُمت المصيبة
اما محمد الشهيد فان الحرْكة والخيّالة مع العسكر الفرنسي تركته هناك وباتوا من حوله مختبئين في انتظار المجاهدين من اصحابه لعلهم يأتون اليه ليلا
اما الاب فقد ذهب وأخبر القبطان بالخبر فاظهر القبطان غضبه وتأسف على ما وقع وهكذا امر القبطان بسيدي سليمان عم محمد الشهيد واحمد اخاه لكي يريهم مكان محمد واخرون من الجيران على شاحنه عسكريه فذهبوا وأتوا به وغسّل داخل 'قيطون' ابيض وابوه يريد رؤيته ولكنهم منعوه وأعطى أحدهم لأخيه العربي ثيابه ليذهب بها الى الخيمة فضمها الى صدره وقبلها وهي ملطخه بدمه اليابس وصرخ: آه ... لماذا قتلوا اخي اعداء الله؟


يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط 

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #محمد #الشهيد

مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : الصبي والحية

0
يحب الوالد أن يروي لنا بين الحين والآخر شيئا مما يذكره من صباه وكيف عاد يحن إلى مراتع طفولته يذكرها كما لو كانت جنة أو قطعة من الأحلام وهي الصحراء الفلاة على ضفاف وادي الناموس شرق بني ونيف أين ينتصب ضريح الجد طيب الذكر العالم الجليل الفقيه والصوفي سيدي سليمان بن بو سماحة يرقد هناك منذ نحو الخمس قرون، نُثِرت خلالها ذريته بالمنطقة فهي الآن قبائل وعروش تستوطن غرب الجزائر وشرق المغرب  مراتع صبى الوالد في منازل خيام لبعض المجاذبة السماحيين البوبكرية جنوب مغرار التحتاني، أين أطلال قصر ابن عمومتهم المجاهد الزاهد الصوفي سيدي الشيخ بوعمامة لا تزال شاهدة على ملحمته التي قضّت مضاجع المحتل الفرنسي طوال عشرين سنة وعطّلت زحف جراده نحو جنوب غرب الجزائر نهاية القرن التاسع عشر  مراتع صبى الوالد شاهدة على الثمن الباهظ الذي دفعته قبائل المنطقة ضريبة ثوراتهم المتلاحقة ودعمهم المطلق لسيدي الشيخ بوعمامة.  سنة 1948 والعالم يضمد جراح حربه الثانية، يلملم شتاته، يرتب الخارطة ويختبر موازين القوى الجديدة،  في سنة النكبة، سنة حرب فلسطين، سنة مجزرة اللد ودير ياسين،  في سنة كانت أشرس مراحل النضال السياسي الجزائري وآخرها في ساحة المقاومة السلمية بعد أن خبا لهيب الثورات إلى حين.  يولد العربي.


يحب الوالد أن يروي لنا بين الحين والآخر شيئا مما يذكره من صباه وكيف عاد يحن إلى مراتع طفولته يذكرها كما لو كانت جنة أو قطعة من الأحلام وهي الصحراء الفلاة على ضفاف وادي الناموس شرق بني ونيف أين ينتصب ضريح الجد طيب الذكر العالم الجليل الفقيه والصوفي سيدي سليمان بن بو سماحة يرقد هناك منذ نحو الخمس قرون، نُثِرت خلالها ذريته بالمنطقة فهي الآن قبائل وعروش تستوطن غرب الجزائر وشرق المغرب

مراتع صبى الوالد في منازل خيام لبعض المجاذبة السماحيين البوبكرية جنوب مغرار التحتاني، أين أطلال قصر ابن عمومتهم المجاهد الزاهد الصوفي سيدي الشيخ بوعمامة لا تزال شاهدة على ملحمته التي قضّت مضاجع المحتل الفرنسي طوال عشرين سنة وعطّلت زحف جراده نحو جنوب غرب الجزائر نهاية القرن التاسع عشر

مراتع صبى الوالد شاهدة على الثمن الباهظ الذي دفعته قبائل المنطقة ضريبة ثوراتهم المتلاحقة ودعمهم المطلق لسيدي الشيخ بوعمامة.

سنة 1948 والعالم يضمد جراح حربه الثانية، يلملم شتاته، يرتب الخارطة ويختبر موازين القوى الجديدة،

في سنة النكبة، سنة حرب فلسطين، سنة مجزرة اللد ودير ياسين،

في سنة كانت أشرس مراحل النضال السياسي الجزائري وآخرها في ساحة المقاومة السلمية بعد أن خبا لهيب الثورات إلى حين.

يولد العربي.

يقول الوالد:
كان الفصل حارا في شهر جويلية سنة 1948، هذه السنة التي نكبت فيها فلسطين تلك الذكرى الأليمة وذلك الشعب المسكين،
ولد الصبي بن الطيب العربي في نواحي ولاية سعيدة في سهوب جبال الأطلس الصحراوي، حيث كان قد حط الرحال الطيب واخوانه في مزرعته، وكان من عادات البدو أن يجمعوا قطيع الماشية إلى مكان مرتفع ليجثو هنالك عند القيلولة حتى يتسنى للنساء حلب الشياه والماعز.
كانت الطائعة أم الصبي قد أرضعته ومهدت له مضجعا من الرمل الذهبي داخل الخيمة، أنامته فيه ثم نصبت من فوقه حماَّرة غطّتها بلحاف بعدما رفعت أستار الخيمة من جميع النواحي حتى يعبر النسيم العليل.
ذهبت بعد ذلك مع جمع النساء نحو القطيع حاملات أوعية اللبن.
لقد كانت تلك السهوب مزينة بشتى أنواع الأشجار المخضرَّة من الزبّوج والبطم والرتم، وأنواع أخرى من الأعشاب كالشيح والبسباس وغيرها تفوح عطرا عبقا في الأنحاء، وألوان أخرى من الزهور والورود تحوم من فوقها طيور تغرد من حبار وحجل وقبرة وكدرية،
أما قطيع الماشية فكان فيه الكباش والنعاج والماعز والأتياس والخرفان والجديان يلعبن هنا وهناك.
أمسكت النساء بالنعاج والماعز فحلبن منهن الخير الكثير في القناين ثم عدن أدراجهن نحو الخيام في سرور،
أسرعت الطائعة نحو الخيمة في لهفة لتطمئن على طفلها، وقبل أن تهم بالدخول انتبهت إلى آثار حية عظيمة زحفت نحو المهد المغطى، فرجعت الأم القهقرة وهي تصرخ من الهلع .. فأقبلت نحوها عجوز تدعى الطائعة هي الأخرى تسألها عن الخطب، فأشارت إلى الصبي الذي تكون الحية قد لدغته حتماً، فهدأت العجوز من روعها وأكدت لها بأن الله القادر هو من يحفظ الصبي بإذنه ..
تقدمت العجوز داخل الخيمة بحذر وهي تتبع أثر الحية حتى أيقنت من أنها قد خرجت منها فعادت إلى المهد وكشفت الغطاء عن الصبي الذي وجدته مغمض العينين، قرست أنفه في رفق فصرخ وانتبه من نومه فحملته العجوز وأتت به إلى أمه التي ضمته إلى صدرها ودموع الفرح تغسل وجهها وهي تحمد الله الذي حفظ لها طفلها.

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط 

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #الصبي #والحية

لست ملاكا : كنت صغيرا

0

إذا أردت أن أتذكر بداية رحلتي الطويلة عبر مجاهل التاريخ وكيف تناولت بين يدي أولى الكتب، كيف قرأت أولى الأسطر وطويت أولى الصفحات فلابد أن أتذكر الطفولة.  في البيت لم تكن لدى والدي كتب كثيرة، كانت دينية بامتياز وبالكاد تعد على الأصابع لم تكن الظروف المادية تسمح للوالد باقتناء سلاسل الكتب رغم كونه شغوفا بمطالعة الدينية منها فقد كان معلما بالصف الابتدائي كما كان يعتبر نفسه خريج زاوية صوفية  لكنني إذا اعتبرت ميولاتي الطفولية أولى دوافعي نحو عالم المطالعة فإني أسجل لحظة ذهابي مع أختي الكبرى إلى محل يبيع الكتب في إحدى المناسبات ونحن نحمل ما جمعناه من دنانير قليلة ليقتني كلانا كتابه المفضل، كان ذلك في بداية التسعينات لا أتذكر بالتحديد ربما بين 1992 و1994 وكان أول كتاب اشتريه في حياتي كتابا للأطفال يتحدث عن الطاقة الكهربائية وتاريخها، لم أكن أدري يومها أنني بعد عشرين عاما سوف أغدو مهندسا في الكهرباء التقنية وإطارا في الشركة الوطنية للكهرباء مما اتذكره من تلك الأيام أني كنت شغوفا بعالم الاختراعات وعالم التقنية والروبوتات على وجه التحديد لعل ذلك يرجع إلى تأثير برامج التلفزيون "الوطني" يومها كمسلسل "MacGyver" وأفلام الكرتون اليابانية من غرينديزر إلى جنغر وجومارو وغيرها، كما كنت شديد الولع بأفلام الخيال والمغامرات خصوصا فيلم "The Goonies[1985]"

إذا أردت أن أتذكر بداية رحلتي الطويلة عبر مجاهل التاريخ وكيف تناولت بين يدي أولى الكتب، كيف قرأت أولى الأسطر وطويت أولى الصفحات فلابد أن أتذكر الطفولة. 
في البيت لم تكن لدى والدي كتب كثيرة، كانت دينية بامتياز وبالكاد تعد على الأصابع لم تكن الظروف المادية تسمح للوالد باقتناء سلاسل الكتب رغم كونه شغوفا بمطالعة الدينية منها فقد كان معلما بالصف الابتدائي كما كان يعتبر نفسه خريج زاوية صوفية 
لكنني إذا اعتبرت ميولاتي الطفولية أولى دوافعي نحو عالم المطالعة فإني أسجل لحظة ذهابي مع أختي الكبرى إلى محل يبيع الكتب في إحدى المناسبات ونحن نحمل ما جمعناه من دنانير قليلة ليقتني كلانا كتابه المفضل، كان ذلك في بداية التسعينات لا أتذكر بالتحديد ربما بين 1992 و1994 وكان أول كتاب اشتريه في حياتي كتابا للأطفال يتحدث عن الطاقة الكهربائية وتاريخها، لم أكن أدري يومها أنني بعد عشرين عاما سوف أغدو مهندسا في الكهرباء التقنية وإطارا في الشركة الوطنية للكهرباء
مما اتذكره من تلك الأيام أني كنت شغوفا بعالم الاختراعات وعالم التقنية والروبوتات على وجه التحديد لعل ذلك يرجع إلى تأثير برامج التلفزيون "الوطني" يومها كمسلسل "MacGyver" وأفلام الكرتون اليابانية من غرينديزر إلى جنغر وجومارو وغيرها، كما كنت شديد الولع بأفلام الخيال والمغامرات خصوصا فيلم "The Goonies[1985]" 
ومما أقف عنده مندهشا رغبتي الشديدة في الرسم والكتابة منذ سن مبكرة ، أستطيع تذكر أول قصة رسمتها وكتبت حوارها وهي تتحدث عن مغامرة ثعلب في قصاصات ورق صغيرة جمعتها معا لتشكل كتيبا أو ما شابه ولعلها ذات القصة التي شكتني لأجلها أمي إلى معلمتي "وكانت جارتنا" حيث عبرت لها عن خشيتها من أن تأثر هذه الرغبة الجامحة في قضاء الوقت الطويل في الرسم ونسج القصص على اهتمامي بدراستي، فلم يكن من معلمتي الفاضلة التي ربتني طوال ست سنوات كاملة إلا أن طمأنتها ونبهتها بأن ابنها موهوب بل ويجب أن يشجع أكثر وتوفر له الوسائل، لكننا لم نكن في سعة العيش التي توفر لي فيها عائلتي هذه الوسائل، كم كنت أحب صفحات كراريسي البيضاء المتبقية في آخر الموسم الدراسي من كل سنة، كانت مشروع قصة جديدة في كل عطلة أرسمها وأكتب أحداثها ثم اعطيها لأمي حتى تخيط صفحاتها معا لتخرج قصتي في طبعتها الجديدة، كانت أمي دار النشر وكنت انا كاتبها الوحيد.
كانت كتب أبي الدينية صفراء الصحف عصية علي لغة ومضمونا بل وأتذكر يوم كنت أشاهد نشرة الاخبار مع والدي ولا أكاد أفهم شيئا مما تقوله المذيعة كانت تتكلم بلغة عربية غريبة غير تلك التي كنت أفهمها بسهولة في أفلام الكرتون 
ومما أتذكره مجلد سميك مليء بالصور والألوان عنوانه "عجائب وغرائب العالم" كانت أمي تخبئه في أعلى الخزانة وكنت أتحين غفلتها لأقوم بتصفحه خلسة 
لا زالت عالقة بذهني صور منه كذاك الرجل الصيني الذي يجر ابنه الغريق بحبل وسط الوحل بعد فيضان عظيم وأخرى لإفريقي نحيف مات من شدة الجوع وصور أطول رجل في العالم وأقصر امرأة وبرج بيزا المائل وأضخم أشجار العالم وغيرها
لم أكن اعرف شيئا عن الفضاء لكنني كنت أعرف نيل ارمسترونغ ورحلة أبولو من هذا الكتاب طبعا ومن قسم الحضانة الذي كنت فيه، فقد اعتادت مربيتنا أن تعرض علينا تمثيلية رحلة القمر بواسطة لعب صغيرة لرواد الفضاء بمركبتهم وعربتهم القمرية كانت ممتعة وملهمة، لا أكاد أذكر من لعب الحضانة إلا هذه اللعبة وأخرى كنا نجتمع فيها لنصطاد سمكات بلاستيكية في صندوق أزرق على شكل حوض بواسطة عود صغير يتدلى منه خيط ينتهي بصنارة صغيرة، كان علينا ادخال الصنارة في حلقة بفم السمكة وكنا نتبارى اينا يصطاد أكثر، كلما أتذكر تلك الأيام أحس بعبير من الثمانينات، إنه شعور لا أعرف له وصفا، كانه شيء من أحلام الطفولة أو لعلها أيام سلام وطيبة ...
أو ربما فقط لكونها سبقت أياما عصيبة وقاسية عرفناها من بعد باسم العشرية السوداء "التسعينات".

 

لست ملاكا : غفوة

0

 

نحن نملك عيونا بلا أجفان.. لا ترمش. ولا تخلد لنوم ؛ أجفاننا المتحركة على صفحة الوجه الملموس مجرد ستائر عيوننا لا ترمش ولا تنام.. إذا ما أطبقتَ جفنيك وأسدلت ستائرك فأنت سريعا تَلتفتُ مُشرَعَ البصيرة نحو فجوتك تتفحص أفكارك وذكرياتك إننا لا ننام .. بل نحن نغوص في أعماقنا حتى إذا أوغلنا نسينا أنه كان لدينا شرفة نطل منها.. تتلاشى من حولنا تراكيب المعقول كما لو كانت دُخان وَهم يعترينا كلما أطللنا من شرفاتنا.. ثم نغوص فتتفكك سلاسل الزمن كما لو كان هو الآخر من أوهام الشرفة.. ثم نغوص فننسى من نكون .. هل ترانا وهم آخر ؟ أم أننا نواجه حقيقة أننا لسنا ما اعتدنا ... أننا لسنا من نظن لماذا تُرانا سريعا نُخدع ؟ .. لماذا نُداري طبائعنا عن غيرنا فَنَخدع ؟ .. نلبس أقنعة كي تخفينا فإذا الأقنعة ذاتها عن ذواتنا تعزلنا ثم تنفينا حتى إذا ما عُدتَ تبحث عن ذاتك طفقت تقلب أقنعتك بين يديك وأنت محتار.. هل كل هذا تزييف ؟ طبقات بعد طبقات تحفر باحثا عن وجهك الصادق مغامرٌ كالمقامر لا تدري أوجها بشوشا بالطيبة البريئة ينتظرك في القاع ، أم قطعة ليل مظلمة مكفهرة بالأحقاد ... من يدري منا حقا ما تخفيه أخاديد جوفه تِهنا بين المُداهنات ؛ نَتَملق الآخرين ثم نَتَملقنا نسير .. فنكبر .. فنظن أننا فهمنا ألغاز الحياة ونحن لغزها الأول... سريعا نقفز قفزة الشعور .. بين لم نكن شيئاً وبين الغرور أوهامنا تُغوينا.. الفهم.. القدرة.. ثم الإمتلاك

نحن نملك عيونا بلا أجفان.. لا ترمش. ولا تخلد لنوم ؛ أجفاننا المتحركة على صفحة الوجه الملموس مجرد ستائر
عيوننا لا ترمش ولا تنام.. إذا ما أطبقتَ جفنيك وأسدلت ستائرك فأنت سريعا تَلتفتُ مُشرَعَ البصيرة نحو فجوتك تتفحص أفكارك وذكرياتك
إننا لا ننام .. بل نحن نغوص في أعماقنا حتى إذا أوغلنا نسينا أنه كان لدينا شرفة نطل منها.. تتلاشى من حولنا تراكيب المعقول كما لو كانت دُخانَ وَهْم يعترينا كلما أطللنا من شرفاتنا.. ثم نغوص فتتفكك سلاسل الزمن كما لو كان هو الآخر من أوهام الشرفة.. ثم نغوص فننسى من نكون
.. هل ترانا وهم آخر ؟
أم أننا نواجه حقيقة أننا لسنا ما اعتدنا ... أننا لسنا من نظن
لماذا تُرانا سريعا نُخدع ؟ .. لماذا نُداري طبائعنا عن غيرنا فَنَخدع ؟ .. نلبس أقنعة كي تخفينا فإذا الأقنعة ذاتها عن ذواتنا تعزلنا ثم تنفينا
حتى إذا ما عُدتَ تبحث عن ذاتك طفقت تُقلّب أقنعتك بين يديك وأنت محتار.. هل كل هذا تزييف ؟
طبقات بعد طبقات تحفر باحثا عن وجهك الصادق
مغامرٌ كالمقامر لا تدري أوجها بشوشا بالطيبة البريئة ينتظرك في القاع ، أم قطعة ليل مظلمة مكفهرة بالأحقاد ...
من يدري منا حقا ما تخفيه أخاديد جوفه
تِهنا بين المُداهنات ؛ نَتَملق الآخرين ثم نَتَملقنا
نسير .. فنكبر .. فنظن أننا فهمنا ألغاز الحياة ونحن لغزها الأول...
سريعا نقفز قفزة الشعور .. بين لم نكن شيئاً وبين الغرور
أوهامنا تُغوينا.. الفهم.. القدرة.. ثم الإمتلاك
وغرورنا حين يزهو يُعمينا .. أننا أفلتنا في كل خطوة منها أكوانا من الأسرار وأننا على الحقيقة لم نفهم .. ولم نقدر.. ولم نملك.
وعندما نفقد شيئاً منها نجزع ونسخط .. لكنها لم تكن سوى لحظة صادقة تكشفت فيها الحياة أمامنا عارية عن أوهامنا
لحظة متعة سريعا ما تزول تكفي وحدها من تأمل حتى تبدو هذه الحياة أمامه غير جادة .. تتلاشى بين أصابع من يرجوها كالسراب
يريد اللحظة يريد الآن .. فلا يكاد يمسكه؛ يلهث خلف المجد فإذا أدركه أفلته
الحياة تراوغنا بذهاء يُضاهيها ، ترمقنا من خلف الأستار تغرينا بعبيرها بالكاد نتنسمه ، بلمحاتها الخاطفة تخطف أفئدتنا ، نتلمس في الظلمات نرجوها وهي تتستر كما لو كانت تتمنع عنا.. ليس الآن.. لم تحن اللحظة
لماذا هذا الشغف بالحياة ؟
لماذا هذا الضجر من الموت ؟
ألم نكن جميعا موتى ؟
إننا لا نعرف على وجه التحديد كيف نفكر .. وكيف ندرك وجودنا .. من أين ينطلق وعينا.. وهل نحن الوعي ذاته
ثم ندعي أننا فهمنا الحياة كلها.. ثم نقفز فنطلق أحكاما مطلقة على الغيب المبهم فنُثبت ونَنفي باستعلاء
الأجدر بنا أن نُلقى في الهوة الفارهة داخلنا علنا نسقط إلى قاع حضيضنا فلا نتطاول بعد ذلك
المدهش كيف تفتقنا من العدم وصرنا نشعر نسمع ونبصر.. نتطلع إلى الحياة فإذا أدركناها لبسناها كثوب أزلي مضمون.. ننكر على الدوام عدمنا الأول بل ونتناسى العدم الذي نغطس فيه كل ليلة
عجبا كيف نُخدع حيث نربط حلقات اليقظة المتقطعة لتغدو سلسة من الدهر المتصل فنعترف به وقد ألقينا بنصف عمرنا الآخر إلى غياهب النُكران
العجب أننا من حيث لا ندري يعترينا الشعور بالأزل كما لو كنا بلا بداية.. بل ونضجر من الموت نرجو البقاء بلا نهاية
والعجب هو من أي بُعد سحري تسلل إلى ذواتنا هذا الشعور في الأصل ونحن العدم المتجدد
والكائنات كأنها كلها ترجوه فتراها لا تستسلم للفناء إلا قليلا.. وكأن هذا الشعور السحري قد بث فيها جميعا .. أو لكأننا نحن وهي مجتمعين بعثنا من منبع واحد
يبدو كما لو كانت سلاسة ارتدائنا لأجسادنا في كل مرة نفيق فيها والشعور الحسي الفائق مع الخفة الساحرة التي يتجاوب بها الجسد مع كل رغبة؛ تعمل مجتمعة بوجه ما على تبليد شعورنا فنظن أننا أجسادنا وأننا قادرون عليها
فنجزم أننا أجسادنا وأن الحياة ما نرى من حولنا وما نسمع
بيد أنه ربما لا نعدو كوننا نطل عبر شرفات أجسادنا على هذا الشكل من الحياة ..
كيف يمكن لجسد خارج في مجمله عن سيطرتك أن يكون أنت ؟
إن أجسادنا كائنات غريبة مدهشة متقنة دقيقة ومتكاملة أقسمت على خدمتنا بكل تفان ، لا تعصي ما نأمرها فتسمع وتطيع ، هي مع ذلك على تسخيرها ويسرها مُعقدة في طُرقها فيَعسُر على الخبير المتخصص فهم أسرارها
ألا يدعو هذا لحيرة عميقة ...
أعني هذا التلازم بين اليسر في التسخير والعسر الشديد في التقدير الذي نراه في هذه الحياة من حولنا في كل شيء
ثم إني لاحظت أننا ونحن نستسلم لغيبوبة اللاشعور نغوص في بحر من الأحاسيس أو كأنها أحاسيسنا تستفيق و تنشط فالمشاعر تغدو حادة قوية تتضاعف في غمرتها الأذواق فإذا الفرح والسعادة أضعافا والخوف والحزن كذلك
فلست أدري إن كان ذلك مجرد عرض أم أنها حالتنا على أصلها البريء تخبو مشاعرها وتتبلد كلما أفاق وعينا واندمج بشكل الحياة البارد هذا
يعززه لدي ما أذكره من شذرات الطفولة الأولى حيث كانت المشاعر في الغالب تسبق الأفكار

 عجبت لمن يحذر الموت وهو يستسلم له مسترخيا كل ليلة؛ وعجبت لمن ينكر جازما الحياة بعده وهو يُبعث كل صباح

صغيري ... لقد جأرت إلى الله ذليلا أن يمن فيجعل شفاءك على يدي ... ولما لم يُجبني علمت أنه قد قضى أمره فأُسقط في يدي ... ثم لقيتك فإذا بي أرى مسحة الموت الرهيب تسكن جسدك الصغير المترنح ... ففُجعت فيك ... هكذا صار ابني ؟  ... ذابت غضاضة الحياة فيه وقد كان بالأمس القريب غُصنا طريا بهيجا
أيقنت ان موعد الفراق قد دنى
وبللت الدموع وجهي أمامك
ثم اعطاني ربي حضن الوداع وأنا غافل عنه ... أضع جسدك النحيف بين يدي ألاعبك وأنت بالكاد تشعر وتحس والألم أقرب إلى وجهك الصغير من البسمة
لم أعرف كيف أواسيك فساعة أُذكرك بما كان يَسُرك ولم يعد .. وأخرى أساعدك فترمق ما خلف النافذة بعينيك الضعيفتين كما لو كانت إطلالتك الأخيرة على حياتنا وأنا لا أدري أنها ساعات فقط ثم لا أحملك بعدها إلا مُكفنا نحو نعشك ... حبيبي.

لست ملاكا : مجانين كلنا

0

 

مجانين كلنا نرتدي أقنعة  مجانيننا من ألقو الأقنعة  عندما كنت أرى أحدهم يمشي في الطريق وهو يجادل نفسه بصوت مسموع , يضحك ثم يغضب ... أتذكر على الحال نفسي وأنا الساكت إزاءه  أنا مثله أجادل نفسي, أضحك ثم أغضب لكنني أرتدي قناع الصمت  المجانين تحرروا منا, كُشطت شُرفاتهم  نحن المجانين المسجونون خلف شرفاتنا  نحن صاخبون لا نهدأ, نجتر ذكرياتنا كل حين ونخشى كل لحظة غَيب مقبلة  تزدحم مشاعرنا وأفكارنا على أعتاب ألسنتنا, تُغربل .. تُجز .. تُقَلم .. يتساقط منها الكثير قبل أن تعبر الحلق متبرجة على غير حقيقتها  كان لدي عم يجلس وحيداً في غرفة فإذا اشتعل غضبه فجأة أخد يجادل أشخاصا لا أراهم ويُذَكِرهم بأيام وسنين لم أكن فيها أنا حيا  كان يستبد بي العجب منه  وطالت الأيام حتى وجدتني بيني وبين نفسي أجتر ذكريات بالية فيستبد بي الغضب أكاد أفرغه على صور أصحابها وهم في خيالي .. فأتذكره  إننا درجات .. مُداراة ثم كذب ثم نفاق فخداع  مجانيننا وحدهم الصادقون

مجانين كلنا نرتدي أقنعة 
مجانيننا من ألقو الأقنعة 
عندما كنت أرى أحدهم يمشي في الطريق وهو يجادل نفسه بصوت مسموع , يضحك ثم يغضب ... أتذكر على الحال نفسي وأنا الساكت إزاءه 
أنا مثله أجادل نفسي, أضحك ثم أغضب لكنني أرتدي قناع الصمت 
المجانين تحرروا منا, كُشطت شُرفاتهم 
نحن المجانين المسجونون خلف شرفاتنا 
نحن صاخبون لا نهدأ, نجتر ذكرياتنا كل حين ونخشى كل لحظة غَيب مقبلة 
تزدحم مشاعرنا وأفكارنا على أعتاب ألسنتنا, تُغربل .. تُجز .. تُقَلم .. يتساقط منها الكثير قبل أن تعبر الحلق متبرجة على غير حقيقتها 
كان لدي عم يجلس وحيداً في غرفة فإذا اشتعل غضبه فجأة أخد يجادل أشخاصا لا أراهم ويُذَكِرهم بأيام وسنين لم أكن فيها أنا حيا 
كان يستبد بي العجب منه 
وطالت الأيام حتى وجدتني بيني وبين نفسي أجتر ذكريات بالية فيستبد بي الغضب أكاد أفرغه على صور أصحابها وهم في خيالي .. فأتذكره 
إننا درجات .. مُداراة ثم كذب ثم نفاق فخداع 
مجانيننا وحدهم الصادقون 

هل تصبر علي ان اخبرتك بأشياء فظيعة 
وأنا في سن صغيرة أخذ يجتاحني هلع على فجأة كل حين، فينبض قلبي بعنف أشعر به يكاد يخترق صدري فألقَى بين يدي أمي وأنا أصرخ : سوف أموت ... 
فيأخذها الذعر هي وأبي وجميع من في البيت 
لقد تيقنوا أنه قد مسني الجن بالصرع بعد ما أعياهم الطبيب دون أن يجد في قلبي وصدري ما يدعوه للقلق ... فلم يتركوا بعده من رُقى وأذكار وأحجب إلا وفعلوها من أجلي 
وسمعت والدي يوما يقول عني : لعله تخطى جيفة مسكونة ... 
فتذكرت كم كنا نتراكض حول المزابل حيث كانت ملاعبنا الساذجة ... فصدقته 
حتى مضت عشرات السنين والآن فقط أدركت أن حالتي يومها كانت صدمة نفسية لطفل كان يشاهد يوميا صور التفجيرات والقتلى و الأشلاء على شاشة الأخبار الوطنية 
في سنوات بشعة كنا نحن الأطفال ضحاياها غير المحسوبين 
وإني لا أزال أتذكر صور أطفال الكشافة الصغار الذين تم تفجير احتفالهم البريء في المقبرة وكيف أصابني الهلع وملامحهم الدامية لم تفارق خيالي لأيام ... 

كم تراها عدد الندبات التي أدمت طفولتنا البريئة ولا زالت تشوه نفوسنا المُعتلة حتى الآن ... 
كم من العُقد المتينة التي تعاقدت فوق بعضها وتشابكت في نسيج أفئدتنا منذ تلك الأيام ... 
هل تراها ردود أفعالنا .. نزعاتنا .. ملامح شخصياتنا حرة بعيدة عن نفوذ تلك التجارب ... 
صدقني ... وأنا أسير ... لطالما قابلتها في منعطفات الحياة وقد كنت أظن أنني نسيتها ... يفترض بالطفولة أن تكون بريئة                    
وأنت تنظر إلي والألم يعتصرك 
تريدني أن أحملك وأعيدك إلى حضني 
لا أستطيع حبيبي ... لا أقدر 
والألم يعتصرك صغيري ... ألمٌ يَهد الرجال البالغين 
لا أستطيع أن أحمله عنك يا حبيبي ... والله يشهد أني وددت ذلك 
يفترض بالأب أن يحمي ابنه 
كان مفترضا لطفولتك أن تكون بريئة ... لكنها لم تكتمل 
سامحني صغيري ... لقد خيبت أملك ... لم انتشلك مما كان قلبك الصغير يعانيه ... لقد تركتك وحيدا وسط تلك الأهوال ... حتى إذا فقدت أملك فيَ ... غدوت تُشيح بوجهك عني كلما أتيت إليك ... أكلمك فلا تجيب 
لم أكن أدري أن أحكام الحياة قاسية هكذا 
نُحِرتُ مرتين ... حين فَقدتك مرتين

لست ملاكا : صرخات وداعك

0

 

تركت الجبل أجر خطواتي وقد أدركت أي قاع سحيق تغرق فيه نفسي وصدى كلمات السيد تتردد من حولي  السيد الذي تخيلوه في عشاءه الأخير على مائدة ملكية ومن حوله حاشيته المترفة هو الذي ربما كان يومها في الحقيقة يفترش التراب وقد كان يكابد الجوع أياما طويلة بصحبة المساكين  لقد اعتدنا تحوير الحقائق فهي في الغالب لا تناسبنا  قاسية فنلطفها.. صلبة فنلينها .. مستقيمة فنحنيها  لقد تخيلوه وهم ينظرون إلى أنفسهم على مرايا رغباتهم فكان لهم كواحد منهم فأحبوه كما يحبون أنفسهم ولو رأوه على الحقيقة المخالفة لكرهوه  كذلك نماهي الحقائق في الغالب لتناسب أهواءنا ثم بعد ذلك يلذ لنا الدافع عنها  في ذلك اليوم وجدتك.. ظننت أن صحبتنا سوف تطول.. لقد ضمن قلبي الغافل وجودك فسهيت عنك  ماذا أقول ؟ .. لقد كنت في ذهول .. لست أدري إن كانت قد صعقتني كلمات السيد .. أم أنني أبحث الآن أمامك عن مبرر مريح  صدقني لم يكن الأمر مريحا لي البتة وأنا أتذكر ما فعلت بك.. لقد بكيت عدد اللحظات التي تجاهلتك فيها  كنت تستحق مني أفضل من ذلك الذي حظيت به  ما الذي دهاني يومها ؟ .. لا أدري

تركت الجبل أجر خطواتي وقد أدركت أي قاع سحيق تغرق فيه نفسي وصدى كلمات السيد تتردد من حولي 
السيد الذي تخيلوه في عشاءه الأخير على مائدة ملكية ومن حوله حاشيته المترفة هو الذي ربما كان يومها في الحقيقة يفترش التراب وقد كان يكابد الجوع أياما طويلة بصحبة المساكين 
لقد اعتدنا تحوير الحقائق فهي في الغالب لا تناسبنا 
قاسية فنلطفها.. صلبة فنلينها .. مستقيمة فنحنيها 
لقد تخيلوه وهم ينظرون إلى أنفسهم على مرايا رغباتهم فكان لهم كواحد منهم فأحبوه كما يحبون أنفسهم ولو رأوه على الحقيقة المخالفة لكرهوه 
كذلك نماهي الحقائق في الغالب لتناسب أهواءنا ثم بعد ذلك يلذ لنا الدافع عنها 
في ذلك اليوم وجدتك.. ظننت أن صحبتنا سوف تطول.. لقد ضمن قلبي الغافل وجودك فسهيت عنك 
ماذا أقول ؟ .. لقد كنت في ذهول .. لست أدري إن كانت قد صعقتني كلمات السيد .. أم أنني أبحث الآن أمامك عن مبرر مريح 
صدقني لم يكن الأمر مريحا لي البتة وأنا أتذكر ما فعلت بك.. لقد بكيت عدد اللحظات التي تجاهلتك فيها 
كنت تستحق مني أفضل من ذلك الذي حظيت به 
ما الذي دهاني يومها ؟ .. لا أدري 
لقد ابتعدت عنك وانشغلت بنفسي ؛ لقد غرقت في دوامتي وصرت أسير بين الناس بوجه شاحب حتى لاحظوا ذلك 
كانت أول مرة أنعي فيها نفسي المشوهة.. أسجيها في نعشها وأبكيها.. وأقف على محراب الموت أرثيها 
لقد ذهلت عنك وأنا أصارع حقيقة نفسي و لم أنتبه من غفلتي إلا على صرخات وداعك 
حبييي هل يكفيني الحزن والأسف ؟ 
كان انتباهي متأخراً 
لعلك تذكر يوم أجهشت أمامك بالبكاء أرجو مسامحتك 
نظرت إلي بعينيك البريئتين.. لم أعلم إن كنت قد سامحتني.. لكنني على الأقل كنت صادقاً 
لقد فهمت أنها لحظات الوداع 
طلبت من أعماق قلبي فرصة ثانية لكنها لم تكن 
كم هي الحياة قاسية حين تذبل 
بكيتك بحسرة لم أبكيها أحدا قبلك 
وأنا على أعتاب مذلة نفسي لم أكن في حاجة لإدانة أخرى.. فكانت.. وأشد من أي شيء آخر 
قَهَرَتني فغرقت حيث كنت أجثو وتقطعت أنفاسي 
أحملك بين يدي ألفك بحزني.. 
"أجتاز بحذر المستنقع.. يعلوه عشب أخضر.. لكن قدمي إذا انزلقت أصابها الشوك المخفي تحت الوحل.. 
وله حارس من بعيد أتجنبه 
أتكئ على جداره بيميني وهو مبني بصخر ميال لزرقة كأنه مسقول.. أتحسس نهايته بحذر 
بلغت بداية درجه فقفزت بعجل من المستنقع 
صعدت الدرج 
دلفت فإذا داخله كمثل الشوارع الخالية والحوانيت إذا بنيت جميعا تحت الأرض 
وإذا أطفال ترجي في مرح وحدها .. تجتاز الشوارع الفارغة وتزور الحوانيت 
ثم صعدت درجا.. فإذا بي على سطح له شرفات كالأبراج لكل برج لون له درع وكفوف وثلاث أبواق بأعلام 
وإذا صوت يُذَكر بالليل والضحى" 
بعدما انقضى هرعت إليك حتى لا يسبقني أحد 
حضنتك.. قبلتك.. رافقتك إلى الباب فودعتك وأنا أرجو اللقاء 
صرت بعدك أتحين ستائر الليل أبكيك وحيدا 
أداري حزني عن الغير 
تخشع مقلتي كلما ذكرتك 
مثكول أنا وما رحمو يخفون الشماتة تحت اللسان حين يبدون النصح كأنهم يملكون القلوب والأقدار 
وثقلت علي نفسي بعدك حتى شاع بينهم ضعفي 
ورُميت على أعتابهم يدوسون علي فأنحني وهم يترَفعون 
ألف نفسي على جرحك لا تشفيني العبرات ولا النواح المكتوم 
فإذا ما عَتو عَتت نفسي عليهم أشدها وهي لا تسمعني تُقلب مواجعهم تَرد ألسنتهم المندلقة إلى نحورهم 
وقد علمت أنني بعد هذا لن أريح ولن أستريح ... وقد كان 
حتى وجدتني مثخنا أجر أشلائي إلى سفوح الجبل ... أريد الراحة 
تحاملت على نفسي حتى ألقيتها حيث كانت تُصيخ السمع

لست ملاكا : أنا لست الذي تراني

0

 

أنت تنظر إلى وجهي ؛ ملامحي.. لكنك لا تغور إلى أعماقي حيث أتردد في اضطراب بين حقيقتي التي أتجنب مواجهتها و بين الإطلالة عليك من شرفات عيناي.  من أنا بينهما ؟  هل أنا الذي بينهما ؟  من هما إذاً ؟  من يدري ؟  على الأقل تذكرتني عندما بصرت بي ؛ يريحني هذا بعض الشيء في هذه المحطة  أنا لا أزال أتذكرك أكثر مما تظن ؛ ربما لم تغب عني يوما ؛ ربما أبالغ.. لكنني صدقا انتظرت طويلا هذه الفرصة  كان هنالك فجوة بين جدار الحقيقة القاسي وشرفاتي وجهي المرنة اعتدت لانكماش فيها ؛ صارت تضيق مؤخراً فلم تعد تسع سيول مشاعري إذا أمطرت  ولقد احرجتني أكثر من مرة عندما فاضت عبر مقلتاي  لم تكن هكذا من قبل ؛ كانت أوسع  هناك من تمتد فجوته أميالا طويلة يسري فيها ليالي ذات العدد.. يتلمس في ظلماتها.. يتخبط  أعلم.. لقد كنت كذلك  كنت أتيه فيها.. كان ثمة من يترصدني في ظلماتها.. وكنت أعرفه  كان وحشا.. تنينا يزحف خلف الظلال ؛ يتحاشاني وأتاحاشاه لكنه إذا واجهني ابتلعني  كنت أكرهه

أنت تنظر إلى وجهي ؛ ملامحي.. لكنك لا تغور إلى أعماقي حيث أتردد في اضطراب بين حقيقتي التي أتجنب مواجهتها و بين الإطلالة عليك من شرفات عيناي. 
من أنا بينهما ؟ 
هل أنا الذي بينهما ؟ 
من هما إذاً ؟ 
من يدري ؟ 
على الأقل تذكرتني عندما بصرت بي ؛ يريحني هذا بعض الشيء في هذه المحطة 
أنا لا أزال أتذكرك أكثر مما تظن ؛ ربما لم تغب عني يوما ؛ ربما أبالغ.. لكنني صدقا انتظرت طويلا هذه الفرصة 
كان هنالك فجوة بين جدار الحقيقة القاسي وشرفاتي وجهي المرنة اعتدت لانكماش فيها ؛ صارت تضيق مؤخراً فلم تعد تسع سيول مشاعري إذا أمطرت 
ولقد احرجتني أكثر من مرة عندما فاضت عبر مقلتاي 
لم تكن هكذا من قبل ؛ كانت أوسع 
هناك من تمتد فجوته أميالا طويلة يسري فيها ليالي ذات العدد.. يتلمس في ظلماتها.. يتخبط 
أعلم.. لقد كنت كذلك 
كنت أتيه فيها.. كان ثمة من يترصدني في ظلماتها.. وكنت أعرفه 
كان وحشا.. تنينا يزحف خلف الظلال ؛ يتحاشاني وأتاحاشاه لكنه إذا واجهني ابتلعني 
كنت أكرهه 
لأجل ذلك كنت أخشى الفجوة 
يفترض بي أنني أحدثك 
وافترض انك تفهمني رغم كوني ادري انك لست كذلك 
كيف يفترض ان تفهم كل هذا ولم تعشه 
لم تتح لك الفرصة ؛ لقد كنت محظوظا 
إنه شيء غريب.. أن افترض اني أفهم الأمر أفضل منك 
نحن كائنات غريبة حقا 
بعد كل الذي سلف ؛ اجد المكان هنا أرحب وأكثر سلاما من الفجوة التي كنت فيها 
هل لاحظت الفرق أنت كذلك ؟ 
كانت تمر علي أوقات انزوي فيها وحيدا وسط الفجوة والتنين غير بعيد في غياهب ظلماتها يحوم من حولي 
لطالما شعرت فيها بالكآبة باليأس بعدم الحيلة 
كما لو كنت في قاع بئر لا مخرج منه 
كنت أنظر في عينا التنين وأتساءل إن كنت حقا هو 
ولعله وهو يحدق في عيناي يتساءل إن كان أنا هو الآخر 
كنت أتأمل 
إذا كانت شرفات وجهي التي أطل منها من مادة هذه الأرض فلابد أن الفجوة التي أنزوي فيها هي القاع 
واذا كانت فعلا كذلك فلابد أنني على المستوى ذاته الذي تنبعث منه الجسيمات الأولية ما تحت الذرية 
أو ربما أعمق من ذلك 
من يدري .. في مثل هذه الأعماق تتلاشى الفروقات بين المادة والطاقة.. بين الشيء وروحه .. بين الخيال والوهم والحقيقة 
أنا لا أراني.. فما أكون بالضبط .. وما الحقيقة ؟ 
أنا أشعر.. أفكر.. وظلمات وفقط 
الأشياء كلها تركتها بعيدا خلف شرفات وجهي 
هل هناك ما هو أعمق ؟ 
نعم لقد دلفت.. خطوت نحو الأعماق بعد أن استبد بي الفضول ودافع هواجسي 
بخطوات حذرة بطيئة ؛ وحركة زحف التنين تخترق الظلمات من حولي 
لكنني اكتشفت انني ظلمته؛ فلم يكن وحده 
كانت الأعماق تعج بالضواري .. ذوات المخالب والأنياب 
كيف لم ألاحظ ذلك ؟ 
لقد كانت تقبع في غياهب القاع 
لقد استبد بي الهلع فاليأس.. ثم القنوط 
جثوت على ركبتي.. انكمشت ولفتني ظلمتي 
لقد كرهت نفسي. 
أبغضت ما أنا عليه 
ثم ابتلعني التنين.. 
صرت في جوفه أحوم من حول نفسي الجاثية ؛ أراقبها وهي تنوح 
لم ارثي لها .. بل اشمأززت من حالها.. لطالما كرهت ضعفها وسذاجتها .. انصرفت عنها داخل تنيني وغصت في الأعماق ؛ من حولي تحوم أسراب الضواري تتبع التنين 
قرابة القاع تكدست طبقات من الرواسب من كل نوع وفي كوماتها اتذكر بين الردهة والأخرى صوراً منها ولحظات 
ثم انقضت اسراب الضواري تقتات عليها في مشهد مفزع 
وهاهي ذي أشلاء الرواسب تتساقط من فوق كمثل الثلج المتناثر 
ادركت انها تتدفق من نوافذ الشرفات إلى القاع هنا فتترسب وتتخمر 
هل هذا هو آخر القاع ؟ .. لست أدري بعد 
عندما أخذ تنيني ينهش ذكرياتي تجمعت من حوله الضواري تنهشها معه ؛ كلما قلبتها ازدادت قطعان البغضاء والحقد انتفاخا أكثر.. كلما قلبتها اهتاجت عفاريت الغضب.. لقد سئمت تجاهل كل هذا ولم تعد هذه الرواسب البالية تسد جوعه.. يريد أن يلتهم لحما طريا 
فينطلق يمخر عباب الفجوة صاعدا نحو الشرفات 
كان حالا اعتدت عليه ردحا طويلا .. هل أفزعك ؟ 
أفترض أنك لم تتوقع هذا مني 
أعذرك .. فلم تدم صحبتنا طويلا 
كم تراها الصحبة تحتاج من الوقت حتى تتكشف أمامها هذه الأعماق ؟ 
لقد أخذت بيني وبين نفسي سنوات 
ربما انت الآن تراني بصورة لم أكن أراها في نفسي من قبل ؛ لكنني صرت اعتاد هذه التقلبات مؤخراً كما تعلم 
لماذا الحقد والغضب ؟ .. لست أفهم على وجه التحديد 
هل يراود الجميع ؟ ربما.. 
ربما كان إرثا غير محمود مثل خصال أخرى ضجرت بها 
لقد صحبتني وعندما بدأت أدرك أنها إرث لا مفر لي منه كرهتها أضعاف المرات 
ما ذنب نفسي ؟ ... لا ذنب لها 
ما ذنبي أنا ؟ ... لا ذنب لك 
الأمر يسري هكذا على الجميع 
كلما تبينت ملامح طبيعتي عبر منعطفات الزمان أزداد بها ضجرا ورغبة منها فكاكا 
وأنا أعلم أني كمن يريد الخروج من جلده 
خياران لا أكثر.. الرضى أعسرها.. والتظاهر باللامبالاة الذي فعلناه جميعا ؛ نصارع طباع الآخرين بطباعنا ونترك خلفنا جراحا نلعقها في خلواتنا لعلها تندمل وندمر الانتقام 
ما هو الشر ؟ 
بحق هذه الفرصة التي لقيتك فيها ؛ لقد كرهت نفسي .. بل كرهت الدنيا كلها.. ولما أردت الفكاك منها جميعا فزعت إلى الجبل

يتم التشغيل بواسطة Blogger.