لست ملاكا : أنا لست الذي تراني

0

 

أنت تنظر إلى وجهي ؛ ملامحي.. لكنك لا تغور إلى أعماقي حيث أتردد في اضطراب بين حقيقتي التي أتجنب مواجهتها و بين الإطلالة عليك من شرفات عيناي.  من أنا بينهما ؟  هل أنا الذي بينهما ؟  من هما إذاً ؟  من يدري ؟  على الأقل تذكرتني عندما بصرت بي ؛ يريحني هذا بعض الشيء في هذه المحطة  أنا لا أزال أتذكرك أكثر مما تظن ؛ ربما لم تغب عني يوما ؛ ربما أبالغ.. لكنني صدقا انتظرت طويلا هذه الفرصة  كان هنالك فجوة بين جدار الحقيقة القاسي وشرفاتي وجهي المرنة اعتدت لانكماش فيها ؛ صارت تضيق مؤخراً فلم تعد تسع سيول مشاعري إذا أمطرت  ولقد احرجتني أكثر من مرة عندما فاضت عبر مقلتاي  لم تكن هكذا من قبل ؛ كانت أوسع  هناك من تمتد فجوته أميالا طويلة يسري فيها ليالي ذات العدد.. يتلمس في ظلماتها.. يتخبط  أعلم.. لقد كنت كذلك  كنت أتيه فيها.. كان ثمة من يترصدني في ظلماتها.. وكنت أعرفه  كان وحشا.. تنينا يزحف خلف الظلال ؛ يتحاشاني وأتاحاشاه لكنه إذا واجهني ابتلعني  كنت أكرهه

أنت تنظر إلى وجهي ؛ ملامحي.. لكنك لا تغور إلى أعماقي حيث أتردد في اضطراب بين حقيقتي التي أتجنب مواجهتها و بين الإطلالة عليك من شرفات عيناي. 
من أنا بينهما ؟ 
هل أنا الذي بينهما ؟ 
من هما إذاً ؟ 
من يدري ؟ 
على الأقل تذكرتني عندما بصرت بي ؛ يريحني هذا بعض الشيء في هذه المحطة 
أنا لا أزال أتذكرك أكثر مما تظن ؛ ربما لم تغب عني يوما ؛ ربما أبالغ.. لكنني صدقا انتظرت طويلا هذه الفرصة 
كان هنالك فجوة بين جدار الحقيقة القاسي وشرفاتي وجهي المرنة اعتدت لانكماش فيها ؛ صارت تضيق مؤخراً فلم تعد تسع سيول مشاعري إذا أمطرت 
ولقد احرجتني أكثر من مرة عندما فاضت عبر مقلتاي 
لم تكن هكذا من قبل ؛ كانت أوسع 
هناك من تمتد فجوته أميالا طويلة يسري فيها ليالي ذات العدد.. يتلمس في ظلماتها.. يتخبط 
أعلم.. لقد كنت كذلك 
كنت أتيه فيها.. كان ثمة من يترصدني في ظلماتها.. وكنت أعرفه 
كان وحشا.. تنينا يزحف خلف الظلال ؛ يتحاشاني وأتاحاشاه لكنه إذا واجهني ابتلعني 
كنت أكرهه 
لأجل ذلك كنت أخشى الفجوة 
يفترض بي أنني أحدثك 
وافترض انك تفهمني رغم كوني ادري انك لست كذلك 
كيف يفترض ان تفهم كل هذا ولم تعشه 
لم تتح لك الفرصة ؛ لقد كنت محظوظا 
إنه شيء غريب.. أن افترض اني أفهم الأمر أفضل منك 
نحن كائنات غريبة حقا 
بعد كل الذي سلف ؛ اجد المكان هنا أرحب وأكثر سلاما من الفجوة التي كنت فيها 
هل لاحظت الفرق أنت كذلك ؟ 
كانت تمر علي أوقات انزوي فيها وحيدا وسط الفجوة والتنين غير بعيد في غياهب ظلماتها يحوم من حولي 
لطالما شعرت فيها بالكآبة باليأس بعدم الحيلة 
كما لو كنت في قاع بئر لا مخرج منه 
كنت أنظر في عينا التنين وأتساءل إن كنت حقا هو 
ولعله وهو يحدق في عيناي يتساءل إن كان أنا هو الآخر 
كنت أتأمل 
إذا كانت شرفات وجهي التي أطل منها من مادة هذه الأرض فلابد أن الفجوة التي أنزوي فيها هي القاع 
واذا كانت فعلا كذلك فلابد أنني على المستوى ذاته الذي تنبعث منه الجسيمات الأولية ما تحت الذرية 
أو ربما أعمق من ذلك 
من يدري .. في مثل هذه الأعماق تتلاشى الفروقات بين المادة والطاقة.. بين الشيء وروحه .. بين الخيال والوهم والحقيقة 
أنا لا أراني.. فما أكون بالضبط .. وما الحقيقة ؟ 
أنا أشعر.. أفكر.. وظلمات وفقط 
الأشياء كلها تركتها بعيدا خلف شرفات وجهي 
هل هناك ما هو أعمق ؟ 
نعم لقد دلفت.. خطوت نحو الأعماق بعد أن استبد بي الفضول ودافع هواجسي 
بخطوات حذرة بطيئة ؛ وحركة زحف التنين تخترق الظلمات من حولي 
لكنني اكتشفت انني ظلمته؛ فلم يكن وحده 
كانت الأعماق تعج بالضواري .. ذوات المخالب والأنياب 
كيف لم ألاحظ ذلك ؟ 
لقد كانت تقبع في غياهب القاع 
لقد استبد بي الهلع فاليأس.. ثم القنوط 
جثوت على ركبتي.. انكمشت ولفتني ظلمتي 
لقد كرهت نفسي. 
أبغضت ما أنا عليه 
ثم ابتلعني التنين.. 
صرت في جوفه أحوم من حول نفسي الجاثية ؛ أراقبها وهي تنوح 
لم ارثي لها .. بل اشمأززت من حالها.. لطالما كرهت ضعفها وسذاجتها .. انصرفت عنها داخل تنيني وغصت في الأعماق ؛ من حولي تحوم أسراب الضواري تتبع التنين 
قرابة القاع تكدست طبقات من الرواسب من كل نوع وفي كوماتها اتذكر بين الردهة والأخرى صوراً منها ولحظات 
ثم انقضت اسراب الضواري تقتات عليها في مشهد مفزع 
وهاهي ذي أشلاء الرواسب تتساقط من فوق كمثل الثلج المتناثر 
ادركت انها تتدفق من نوافذ الشرفات إلى القاع هنا فتترسب وتتخمر 
هل هذا هو آخر القاع ؟ .. لست أدري بعد 
عندما أخذ تنيني ينهش ذكرياتي تجمعت من حوله الضواري تنهشها معه ؛ كلما قلبتها ازدادت قطعان البغضاء والحقد انتفاخا أكثر.. كلما قلبتها اهتاجت عفاريت الغضب.. لقد سئمت تجاهل كل هذا ولم تعد هذه الرواسب البالية تسد جوعه.. يريد أن يلتهم لحما طريا 
فينطلق يمخر عباب الفجوة صاعدا نحو الشرفات 
كان حالا اعتدت عليه ردحا طويلا .. هل أفزعك ؟ 
أفترض أنك لم تتوقع هذا مني 
أعذرك .. فلم تدم صحبتنا طويلا 
كم تراها الصحبة تحتاج من الوقت حتى تتكشف أمامها هذه الأعماق ؟ 
لقد أخذت بيني وبين نفسي سنوات 
ربما انت الآن تراني بصورة لم أكن أراها في نفسي من قبل ؛ لكنني صرت اعتاد هذه التقلبات مؤخراً كما تعلم 
لماذا الحقد والغضب ؟ .. لست أفهم على وجه التحديد 
هل يراود الجميع ؟ ربما.. 
ربما كان إرثا غير محمود مثل خصال أخرى ضجرت بها 
لقد صحبتني وعندما بدأت أدرك أنها إرث لا مفر لي منه كرهتها أضعاف المرات 
ما ذنب نفسي ؟ ... لا ذنب لها 
ما ذنبي أنا ؟ ... لا ذنب لك 
الأمر يسري هكذا على الجميع 
كلما تبينت ملامح طبيعتي عبر منعطفات الزمان أزداد بها ضجرا ورغبة منها فكاكا 
وأنا أعلم أني كمن يريد الخروج من جلده 
خياران لا أكثر.. الرضى أعسرها.. والتظاهر باللامبالاة الذي فعلناه جميعا ؛ نصارع طباع الآخرين بطباعنا ونترك خلفنا جراحا نلعقها في خلواتنا لعلها تندمل وندمر الانتقام 
ما هو الشر ؟ 
بحق هذه الفرصة التي لقيتك فيها ؛ لقد كرهت نفسي .. بل كرهت الدنيا كلها.. ولما أردت الفكاك منها جميعا فزعت إلى الجبل

يتم التشغيل بواسطة Blogger.