مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : دموع العجوز

0
في عصر كان الحكم التركي في العاصمة يفرض نظاما طبقيا يُقصي به أصحاب الأرض من امتيازات المُلك ويمنعهم من مناصب النفوذ وفي زمن كان للعرق والنسب سلطان وجبروت يقضي به بين الناس، كان نظام فصل عنصري آخر قد ترسخ عبر الدهور في واحات الصحراء يفرق بين ملاك الواحات والخدم الحرّاثين الذين كانوا في الغالب من الأفارقة السود أحفاد العبيد الذي سيقوا بالأغلال والأصفاد من أدغال السودان جنوبا أو كان أجدادهم نازحين من جنوب الصحراء طوعا، هربا من الحروب أو من مصائب الزمن في الجفاف والفقر، فغدت طبقية الشُرفة والمرابطين لا يحلم الخمّاسون أبدا في اختراقها أو بلوغ امتيازاتها وظلت على تلك الحال دهورا طوال قيل أن الاستعمار الفرنسي زاد في ترسيخها، غير أن عصر التحرر والمواطنة قد يُظن فيه انقراض مثل هذه المواريث، لكنها لا تزال حبيسة العقليات، تتفجر بين الحين والآخر في المعاملات والتصرفات، وتبقى منطقة أدرار عبر التاريخ من مناطق التماس بين أعراق الشمال البيضاء وأعراق الجنوب السوداء ولا تزال حتى يوم الناس هذا تتحمل إرثه الثقيل.

في عصر كان الحكم التركي في العاصمة يفرض نظاما طبقيا يُقصي به أصحاب الأرض من امتيازات المُلك ويمنعهم من مناصب النفوذ، وفي زمن كان للعرق والنسب سلطان وجبروت يقضي به بين الناس، كان نظام فصل عنصري آخر قد ترسخ عبر الدهور في واحات الصحراء يفرق بين ملاك الواحات والخدم "الحرّاثين" الذين كانوا في الغالب من الأفارقة السود أحفاد العبيد الذي سيقوا بالأغلال والأصفاد من أدغال السودان جنوبا أو كان أجدادهم نازحين من جنوب الصحراء طوعا، هربا من الحروب أو من مصائب الزمن في الجفاف والفقر، فغدت طبقية الشُرفة والمرابطين لا يحلم الخمّاسون أبدا في اختراقها أو بلوغ امتيازاتها وظلت على تلك الحال دهورا طوال قيل أن الاستعمار الفرنسي زاد في ترسيخها، غير أن عصر التحرر والمواطنة قد يُظن فيه انقراض مثل هذه المواريث، لكنها لا تزال حبيسة العقليات، تتفجر بين الحين والآخر في المعاملات والتصرفات، وتبقى منطقة أدرار عبر التاريخ من مناطق التماس بين أعراق الشمال البيضاء وأعراق الجنوب السوداء ولا تزال حتى يوم الناس هذا تتحمل إرثه الثقيل.

يقول الوالد:

باشر الشاب العربي العمل مدة شهر بأدرار بمدرسة البنات الا ان الله تعالى يسر له مكان آخر أفضل بقرى بودة لغمارة وبخلة
الغمارة قرية الشيخ تبعد عن ادرار حوالي 30 كيلومترا عمل الشاب العربي مدة سنة هناك ولقي المساعدة الكاملة من اهل القرية الذين هم قبيلة الشيخ خصوصا انه كان في بداية الامر لا يتقاضى اجرا لأن ملفه لم يكن كاملا
بقي على تلك الحال حتى جاءته حوالة فيها مبلغ ألف وخمسمائة دينار أراد أن يعطي الشيخ منها لكن الشيخ رفض وقال له أعطيه لأبيك
انتقل في سنة 1969 الى قرية المنصور تابعة لقرى بودة كانت تنتظره فيها مفاجأة
حيث وجد رجلا يدعى بوعيشة كان طباخ التلاميذ وكان لا يعمل يوم الاحد لأنه كان عطله بحسب التوقيت الفرنسي
كان الرجل معتادا على ان يأتيه الاطفال الصغار بعد ما ينتهي من تلاميذ المدرسة يقسم عليهم ما بقي من الأكل وكان هناك رجل فقير شديد الفقر يدعي مولاي حسين له عائلة من الاطفال وله أم عجوز عمياء وليس له شيء سوى ما تتسول العجوز لم يكن لديهم بستان ولا مصدر رزق الا أمه العجوز العمياء التي كانت تتسول الناس
حدث يوم أحد أن الشاب العربي المعلم بعد صلاة العصر خرج متجها نحو داره حتى إذا اقترب من المدرسة وجد الرجل مولاي الحسين يجذب ابنته الصغيرة في عمرها حوالي 3 سنوات ونصف من يدها وهي تبكي ملتصقة بجدار المطعم الذي كان بوعيشة الطباخ يعطيهم ما بقي من الطعام فيه
الطفلة لم تكن تعلم أن ذلك اليوم يوم عطلة وان المطعم مغلق وكانت تنتظر من الصباح حتى المساء وهي جالسة هناك وابوها مولاي الحسين ضعيف نحيف الجسم يجرها وهي متشبثة بالجدار تبكي
فسأله المعلم العربي ما بالك يا مولاي الحسين مع هذه البنت؟
فأخبره الاخير بالأمر، أحس العربي بالظروف القاسية التي يعيشها الرجل وعائلته، ومنذ ذلك اليوم اخذ المعلم العربي يزور الرجل في بيته ويلتقي بأمه العجوز العمياء ويواسيها بما أمكنه
فاكتشف ان هذه العجوز تذهب مع حفيدها الذي يبلغ من العمر حوالي 12 سنه من قرية المنصور الى ادرار ويقطعون مسافة 30 كيلومترا في بعض المناسبات وخاصة العيد الكبير ويقصدون بعض العائلات الغنية التي كانت العجوز عندما كانت بصحتها تعمل خادمة عندهم لعلهم يعطونها شيئا من اللحم والطعام كانت تذهب مع حفيدها راجلة في طريق غير معبد وظروف الطقس السيئة تقطع كل تلك المسافة وهي عجوز كبيرة في السن عمياء لم تكن تملك اجره السيارة التي كانت تساوي في ذلك الزمن 3 دينار جزائري
وحدث ان غابت مدة بعد العيد فسألها العربي عن غيابها فأخبرته خبر تنقلها نحو ادرار وتسولها بين الازقه والبيوت
في بداية سنة 1970 أخبرها المعلم العربي انه سينتقل للعمل في بشار وعند رحيله جاءته العجوز وهي باكيه وضمت يده الى صدرها وهي تبكي وتقول من يقوم مقامك يا سي العربي ودموعها الساخنة تتساقط على يده فتأثر كثيرا لظروفها وظروف عائلتها القاسية.

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #دموع #العجوز
يتم التشغيل بواسطة Blogger.