مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : بركة الشيخ

0
غداة الاستقلال واجهت الجزائر الحرة مشكلة الجهل والأمية التي تمخر 80 بالمئة من المجتمع وورثت من فرنسا نظاما تعليميا عُنصريًا أُسّس على تهميش واقصاء الأصالة الجزائرية من لغة عربية وإسلام وتاريخ فلم تتأخر السلطات حينها عن بذل الجهد حيث شرعت في تعريب السنة الأولى من التعليم الابتدائي منذ الموسم 1963-1964 مع تدعيم اللغة العربية فيما تبقى من أطوار وتعويض البرامج الفرنسية ببرامج تُعلم الناشئة لغتهم ودينهم وتاريخ أمتهم وأمام نزوح وجلاء كوادر وإطارات المستوطنين كان على السلطات الاستعانة طوال العشرية الأولى بكفاءات كثيرة من الدول الشقيقة تدعم بها بناء المنظومة الوليدة كما سارعت بتوظيف الجزائريين رغم محدودية مستوياتهم لتعزيز الهياكل التربوية واستدراكا للعجز الرهيب، فقامت بالموازاة مع ذلك بتكوينهم ورفع مستواهم عبر الورشات والتربصات القصيرة كانت هذه المستجدات قد حددت مسبقا مسار الوالد رغم عزلته البعيدة وهو في قلب الصحراء

غداة الاستقلال واجهت الجزائر الحرة مشكلة الجهل والأمية التي تمخر 80 بالمئة من المجتمع وورثت من فرنسا نظاما تعليميا عُنصريًا أُسّس على تهميش واقصاء الأصالة الجزائرية من لغة عربية وإسلام وتاريخ
فلم تتأخر السلطات حينها عن بذل الجهد حيث شرعت في تعريب السنة الأولى من التعليم الابتدائي منذ الموسم 1963-1964 مع تدعيم اللغة العربية فيما تبقى من أطوار وتعويض البرامج الفرنسية ببرامج تُعلم الناشئة لغتهم ودينهم وتاريخ أمتهم
وأمام نزوح وجلاء كوادر وإطارات المستوطنين كان على السلطات الاستعانة طوال العشرية الأولى بكفاءات كثيرة من الدول الشقيقة تدعم بها بناء المنظومة الوليدة
كما سارعت بتوظيف الجزائريين رغم محدودية مستوياتهم لتعزيز الهياكل التربوية واستدراكا للعجز الرهيب، فقامت بالموازاة مع ذلك بتكوينهم ورفع مستواهم عبر الورشات والتربصات القصيرة
كانت هذه المستجدات قد حددت مسبقا مسار الوالد رغم عزلته البعيدة وهو في قلب الصحراء

يقول الوالد:

لما نزل العربي بأدرار بدأ يسأل عن زاوية سيدي الحاج محمد بالكبير حتى وصل اليها وبقي هناك ضيفا مدة ثلاثة أيام حتى سأله الطالب المكلف بالضيوف:
هل انت ضيف ام طالب علم من اجل الدراسة؟
فأجاب العربي: انا طالب علم اريد ان ادرس
فقال له الطالب: غدا في الصباح على الساعة الثامنة يخرج الشيخ من ذلك الباب بجانب المدرسة اذهب اليه وسلم عليه وأخبره بانك تريد ان تدرس عنده
وبالفعل ذهب العربي لينتظر الشيخ حتى خرج وهو يلبس لباسا ابيضا وكان وجهه يشع نورا، عندما أبصر الشيخُ العربي ابتسم وقال له مرحبا مرحبا وسلم عليه
فقال العربي: يا سيدي أنا من نواحي سعيدة جئت من اجل الدراسة عندك فسكت الشيخ قليلا وقال له: لولا أنك قدمت من مكان بعيد لما استقبلتك المدرسة ضيقه الطلبة عندي حوالي السبعين طالبا وهم ينامون في الأروقة والبيوت مكتظة
فأجاب العربي: إذا كان السبب هو الضيق فلا مشكلة عندي، إذا قبلتني سوف انام في الليل في البساتين فانا بدوي ولا أخاف
فضحك الشيخ رحمه الله تعالى وقال: ابدا لن يحدث كيف تقرا عندي وتنام في البساتين بل تبقى مع اخوانك هنا تقرا
وبالفعل فتح له في لوحة وكتب ربي يسر ولا تعسر
صار العربي يقرا القران الكريم والنحو والفقه حتى ذهب الخريف والشتاء الربيع وجاء الصيف
سمع العربي ان هناك مسابقة تجري في وزاره التربية بالمنطقة ينقصهم 9 مناصب فارغة تحتاج الى معلمين في مستوى ممرنين
فشجعه رفاقه وقالوا له اشترك مستواك في العربية والرياضيات والتاريخ والعلوم جيد لعل الله يفتح لك حتى وان كنت لم تحفظ الكثير من القران فقال لهم العربي إذا عزمت فلابد ان اشاور الشيخ وآخذ رأيه وموافقته
وبالفعل بعد صلاة العصر اعترض العربي الشيخ عندما جاء خارجا من المسجد فسلم عليه فقال الشيخ ماذا تريد يا عربي قال له يا سيدي اريد مشورتكم في امر يخصني إذا وافقت تبارك الله وإذا لم توافق فلا يكون الا ما تحب
فقال له الشيخ ما هو؟
فقال العربي: سمعت خبر وزاره التربية انها تريد اجراء مسابقة للمعلمين فهي تحتاج معلمين في القصور
اخذ الشيخ رحمه الله يتفكر قليلا ثم سأله: يا بني إذا كان ابوك لديه المال فالأفضل لك ما دمت صغيرا ان تقرا، اما إذا كان لا يملك مالا فهذا شيء اخر
فقال العربي: لقد ذهبت ثورة نوفمبر بكل ما لأبي وقتلت أخي الاكبر وليس له الان من الرزق سوي مالُ النّاس فهو يتاجر به
سكت الشيخ قليلا ثم قال: انا وأنتم ابناء هذا الزمان لا نتفاهم انا اريد ان اُعَمر لكم صدوركم وأنتم تريدون ان تُعَمروا جيوبكم
فسكت العربي وخفض راسه واستحي من كلام الشيخ وندم على ما صدر منه امام الشيخ وربما سال عرقه من الحياء والهيبة
لكن الشيخ الكريم حن عليه وأحس بظروفه القاسية فلم يكن له لباس جيد ولا فراش ولا مال
فقال الشيخ: ايه أحس أنك راغب اذهب الله يفتح عليك، وضربه على كتفيه
وهكذا شارك العربي في هذا الامتحان بتوفيق الله ورعايته فتيسرت له الاسباب بسبب دعاء الشيخ رحمه الله ونجح في المسابقة وجاء في المرتبة الثانية من ضمن تسع مناصب
ففرح فرحا شديدا وفرح الشيخ رحمه الله وباشر عمله في ادرار سنه 1968 .

يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر # #بركة #الشيخ
يتم التشغيل بواسطة Blogger.