مذكرات توثق الحياة جنوب غرب الجزائر : محمد الشهيد

0
كانت المنطقة حديثة عهد بالثورات ولا تزال فيها ذكرى ملاحم الشيخ بوعمامة في كل من الصفيصيفة وقصر الشلالة والعين الصفراء تتناقلها الشفاه وتتلوها الألسن فخرا واعتزازا. وقد انتهى إلى مسمع الوالد أن جدّ أبيه الميلود بن ماحي جاهد فيها وقُتل شهيدا في معاركها نواحي قرية فندي ببني ونيف، وذُكِر له كيف كان رجال المنطقة يجمعون قطع السلاح أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، فيجعلونها في أكفان على هيئة الموتى ويدفنونها في المقابر استعدادا ليوم الفصل الذي لم يشكوا أبدا في قدومه، فلا عجب أن ينشب فيها سريعا لهيب ثورة نوفمبر بعد مؤتمر الصومام مع دوي انفجارات العاصمة وصوت الرصاص الحي يخترق شوارعها في عز معركة الجزائر.  يقول الوالد: لقد عانى الشعب الجزائري الويلات أثناء استعمار فرنسا من القتل والسجون والتشريد والفقر إلى غير ذلك واندلعت الثورة المباركة سنه 1954 في الشمال وفي سنه 1956 اتسعت لتشمل جبال الاطلس الصحراوي والقصور وصارت فرنسا تجمع البدو الرحّل وتحشدهم في معسكرات لأنها تعلم أن مصدر المجاهدين سيكون من طرف الشعب بجميع فئاته وخاصة البدو الرحل

كانت المنطقة حديثة عهد بالثورات ولا تزال فيها ذكرى ملاحم الشيخ بوعمامة في كل من الصفيصيفة وقصر الشلالة والعين الصفراء تتناقلها الشفاه وتتلوها الألسن فخرا واعتزازا.
وقد انتهى إلى مسمع الوالد أن جدّ أبيه الميلود بن ماحي جاهد فيها وقُتل شهيدا في معاركها نواحي قرية فندي ببني ونيف،
وذُكِر له كيف كان رجال المنطقة يجمعون قطع السلاح أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، فيجعلونها في أكفان على هيئة الموتى ويدفنونها في المقابر استعدادا ليوم الفصل الذي لم يشكوا أبدا في قدومه،
فلا عجب أن ينشب فيها سريعا لهيب ثورة نوفمبر بعد مؤتمر الصومام
مع دوي انفجارات العاصمة وصوت الرصاص الحي يخترق شوارعها في عز معركة الجزائر.

يقول الوالد:
لقد عانى الشعب الجزائري الويلات أثناء استعمار فرنسا من القتل والسجون والتشريد والفقر إلى غير ذلك واندلعت الثورة المباركة سنه 1954 في الشمال وفي سنه 1956 اتسعت لتشمل جبال الاطلس الصحراوي والقصور وصارت فرنسا تجمع البدو الرحّل وتحشدهم في معسكرات لأنها تعلم أن مصدر المجاهدين سيكون من طرف الشعب بجميع فئاته وخاصة البدو الرحل. وبالفعل فقد شاركوا اثناء الثورة بكل طاقاتهم من رجال وأموالهم وغيرها إلا أن هناك بعض الفئات ضعيفة العقول التي كانت ضحية الجهل والضعف فكانت تساند فرنسا مثل التجنيد والحركة والخيالة والجمالة في الصحراء والوشاة وغيرهم يستعين بها ضد المجاهدين.
وبالضبط كانت عائله الطيب رحمه الله بناحيه مزرعته القارة الخضراء وجاءت قوات العدو بالطائرات الحربية مثل الهليكوبتر الطائرات النفاثة الشاحنات والدبابات والعساكر وهي تقتل كل ما تجده أمامها من إبل وبقر ونعاج وكباش في جميع النواحي فما كان من الطيب واخوته الا رحيل نحو قريتهم مغرار التحتانية مع عدة قبائل من الرحل مثل المجادبة واولاد سيدي التاج والعمور والشرفة وغيرهم من البدو
وعندما حاصروهم في المعسكرات بجانب القرية طلب منهم الضابط الفرنسي ان يقوموا باحتفال وسباق بواسطة الخيل والحمير وتكون هناك الجوائز للفائزين الاوائل شارك السيد الطيب على فرسه البيضاء وكان من الاوائل وقد اعطيت له جائزة
أما محمد الشهيد الذي كان آنذاك مندمجا مع المجاهدين سنه 1956 بدون علم أبيه وكان عمه بوعمامة واحمد بن الشيخ وآخرون في صفوف المجاهدين في تلك النواحي وقد كلف محمد بمهمه مناضل ينقل للمجاهدين كل ما يحتاجونه من اكل ولباس وغيره وكذلك أخبار العدو واخبار الشعب
بقي محمد على هذه الحال وقد عزم عدة مرات على التجنيد معهم لكنهم رفضوا وقالوا له إن مهمتك أكثر من مهمتنا انت الذي توفر لنا الاكل واللباس واخبار العدو اما إذا تجندت فإننا نحتاج الى من يساعدنا بالأكل واخبار العدو ومشاركه الشعب وهكذا عده مرات رغب في التجنيد لكنهم رفضوا طلبه وقالوا له إنك الاكبر في اخوانك وانت ايضا تساعد اباك في رعي الغنم والإبل والبقر ونحن ايضا نأكل ونستفيد منها فيجب ان تصبر لتساعدنا وتساعد اباك
كان عمر محمد سنه 1958 بين السابعة عشر والثامنة عشر لقد زوجه ابوه وهو في سن 18 وهكذا الى ان وقعت معركة جبل بوعمود سنه 1958 ودامت حوالي 16 او 17 يوما وقد جمعت فرنسا جيوشها الهائلة من الطائرات والدبابات والسيارات والمدرعات والخيالة الكثير وفي هذه الاثناء ذهب الطيب الى القبطان وطلب منه رخصة لمحمد ابنه وأخيه احمد الذي يبلغ سنه 13 سنة ليذهب ويبحث عن الجمال الضائعة حتى إذا التقى بجنود الجيش الفرنسي يقدم لهم رخصة القبطان وبالفعل ذهب احمد ومحمد وذهب معهم طفل يسمى احمد هو الاخر كان اخوه في صفوف المجاهدين وأخذوا حمارا يحمل لهم بعض الامتعة وذهبوا نحو قريه سيدي براهيم التي تبعد عن مغرار التحتانية نحو 20 كيلومترا وكان الجو خريف حيث الغيوم والرياح والامطار وباتوا في وادي الناموس قرب سيدي ابراهيم القرية
وفي الصباح رصدت الهليكوبتر المجاهدين متسللين في وادي الناموس بين الاشجار الكثيفة وعندما خرج محمد وصاحبه والحمار من الواد، راتهم طائره الهليكوبتر فاتجهت نحوهم فاخذ محمد ورقه الرخصة وصار يلوح بها لهم وهو يقول يا رب قتلنا بالبارد يا رب قتلنا بالبارد كأنه تحسر على عدم التجنيد
فهاجمتهم الطائرات وأطلقت وابلا من الرصاص قسم الحمار نصفين وقتل محمد وكسر احمد الذي معهم من الذراع وقد غمرهم الغبار
بعد ذلك اخذ احمد أخو محمد يحرك اخاه وينادي عليه يا محمد يا محمد لكنه لم يجب فاذا هو ملطخ بالدم وقد قضى نحبه فقال له صاحبه المكسور قم واهرب ولا تبقي هنا ربما تأتي طائره اخرى فتراك فتقتلك وبالفعل احمد أخو محمد الذي اشتعلت ملابسه وجلابيته بسبب الرصاص لكنه لم يصب بحفظ الله ذهب بين الاشجار هاربا وقد أحس بالعطش وصار يمتص الطين
اما محمد وصاحبه المكسور فجاءت طائره الهليكوبتر حطت وأخذت الطفل المكسور الى المشرية وعولج في المستشفى هناك وقد عاش بعد ذلك حياة مديدة نواحي عسله وكان يدعى بن ماحي احمد
واما احمد فانه بعدما فر وجده رجل يدعى بحوص فأخذه على ظهره وذهب به نحو الخيمة وفي هذه اللحظة حوالي الثانية مساءا كان الاب الطيب وابنه العربي صاحب الحية الذي كان عمره آنذاك عشر سنوات داخل الخيمة وفجأة دخل احمد اسود الوجه يلبس عباءه سوداء جاهم الوجه عندما رآه الاب قال له: محمد مات ... محمد مات؟
فأجاب احمد: نعم محمد مات
واشتد الصراخ والبكاء من النساء والاطفال وخرج الطيب من الخيمة وعَظُمت المصيبة
اما محمد الشهيد فان الحرْكة والخيّالة مع العسكر الفرنسي تركته هناك وباتوا من حوله مختبئين في انتظار المجاهدين من اصحابه لعلهم يأتون اليه ليلا
اما الاب فقد ذهب وأخبر القبطان بالخبر فاظهر القبطان غضبه وتأسف على ما وقع وهكذا امر القبطان بسيدي سليمان عم محمد الشهيد واحمد اخاه لكي يريهم مكان محمد واخرون من الجيران على شاحنه عسكريه فذهبوا وأتوا به وغسّل داخل 'قيطون' ابيض وابوه يريد رؤيته ولكنهم منعوه وأعطى أحدهم لأخيه العربي ثيابه ليذهب بها الى الخيمة فضمها الى صدره وقبلها وهي ملطخه بدمه اليابس وصرخ: آه ... لماذا قتلوا اخي اعداء الله؟


يمكنك مطالعة كتاب المذكرات كاملا من هنا : إضغط على الرابط 

#مذكرات #توثق #الحياة #جنوب #غرب #الجزائر #محمد #الشهيد
يتم التشغيل بواسطة Blogger.