باسكال في كاليفورنيا -3- المخدوعون بالعالم الثاني

0


المخدوعون بالعالم الثاني  ما أوجدت العوالم الأخرى في هذا العالم سوى الآلام والشعور بالعجز ، ذلك ما أوجدته تلك العوالم فأوجدت معه هذا الجنون السريع الزوال بسعادة ما ذاقها من الناس إلا أشدهم آلاماً .. إن المتعب الذي يطمع إلى اجتياز أبعد مدى بطفرة واحدة قاتلة ، وقد بلغت به مسكنته وجهالته حدا لا يستطيع عنده أن يريد، إنما هو نفسه مبدع جميع الآلهة وجميع العوالم الأخرى ... صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد قطع رجاءه من الجسد ، فغدا يجس بأنامله مواضع الروح المضللة ، وذهب يتلمسها من وراء الحواجز القائمة على مسافة بعيدة .. (فأوجس بيلي في نفسه: .. إنه يقصدني ..) ثم أكمل صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد تملكه اليأس من الأرض فسمع صوتا يناديه من قلب الوجود ، فأراد أن يخترق برأسه أطراف الحواجز ، بل حاول العبور منها إلى العالم الثاني ... إن قلب الوجود لا يخاطب الناس إذا لم يكلمهم كإنسان ...  لقد علمتني ذاتي عزة جديدة أعلمها الآن للناس : علمتني ألا أخفي رأسي بعد الآن في رمال الأشياء السماوية ، بل أرفعها عزيزة ترابية تبتدع معنى الأرض ..  إنني أعلم الناس إرادة جديدة يتخيرون بها السير ليس كالناس من قبلهم وبغباوة شاءوا الفرار من الشقاء وتراءت لهم الكواكب بعيدة صعبة المنال فوجموا يدفعون بالزفرات قائلين : وا أسفاه ! لم لا تنفتح أمامنا سبل في السماء ننسحب عليها إلى وجود آخر وسعادة أخرى ... (لو عشت لسمعت علماء الفلك يخبروك باحتمال وجود آلاف العوالم الحية في مجرتنا فقط ولما استغربت سعينا الحثيث للاتصال بها .. أجاب بيلي ) وغلبه النوم . في اليوم التالي أقبلت آنا مع أمه وهي جزعة تسأل الأطباء عن حقيقة حال ابنها ولما انتهت إليه حضنته وهي تبكي بيلي .. صغيري .. ما الذي فعلته بنفسك .. إن هذا لشيء فظيع (وآنا تحاول تهدئة روعها) .. بول المسكين .. كان شابا ممتلأ بالحياة .. لا يستحق هذه النهاية .. كم أنا حزينة لأجله ولأجل والديه ... وبعد أن استقر روعها ومسحت دموعها التفتت نحو آنا وقالت : سوف أكلم الطبيب .. لن أترك ابني هنا سوف آخذه معي إلى شيكاغوا، ليلقى الرعاية هناك بقربي .. لست أدري إن كان الطبيب سيقبل بهذا ؟ سوف أحاول .. وأنت أيضا .. أرجوك آنا ساعديني ، لا أستطيع أن أتركه هنا سوف أرى ما يمكننا فعله .. وبيلي ما رأيه (والتفتتا كلتاهما نحوه) في كل الحالات أفضل مغادرة هذا المستشفى (أجاب بيلي)  وانطلق سعيهما حثيثا حتى قبل الأطباء على مضض وانقلبت آنا تجمع أمتعة بيلي والأم تضبط آخر إجراءات الانتقال ... وأحضرت الممرضة كرسيا متحركا ما إن رآه بيلي حتى تغير لونه .. فعرفت آنا ذلك من ملامحه ... ثم إلى المطار حيث وقفت آنا تودعهما وهي تقول لبيلي: سأتصل بك لحظة أصل إلى مركز الهوائي وسأخبرك بكل جديد .. لا أعرف كيف أشكرك على كل ما فعلتي من أجلي آنا ... أتمنى ان أعود إليكم في وقت قريب ... ثم أقلعت الطائرة .. وبيلي يرقب الأجواء من النافذة .. يسترجع ذكريات رسمها بول معه منذ وصلا إلى كاليفورنيا .. تبقى الإجازات والرحلات وأيام المرح أسرع من غيرها ورودا على خاطره .. في لوس أنجلوس ، و في هوليود قضوا أياما ممتعة .. هل عاش بول حياة رائعة ..؟.. ماذا يتمنى أي شاب في مكانه غير أن يفعل ما فعل ثم يموت .. أم ان بول كان يطمح لأكثر من هذا كله فباغته الموت وقطع آماله .. فتتبادر إلى ذهنه كلمات ذلك المعتوه عن الحياة والموت .. فيُخرج كتاب الطلاسم ذاك من حقيبته .. ويقلبه: يجب أن لا تزين المسيحية أو تجمل ، لقد قامت بحرب مستميتة ضد النمط السامي من الإنسانية وضد كل غرائزه الأساسية ، فكان الإنسان القوي عندها نمطا مستهجنا تدعوه شريرا مغضوبا عليه يستحق الهلاك ..  لقد انحازت المسيحية إلى كل ضعيف ومنحط وفاشل ، وعارضت غرائز التشبث بالحياة واعتبرتها ضلالات و غوايات وخطيئة.. والمثال الأكثر إيلاما عندي هو هذا : مثال ضياع باسكال الذي اعتقد أن عقله مفسدٌ بسبب الخطيئة الأصلية .. بينما في حقيقة الأمر كان مفسدا بسبب الإيمان ... فلم يملك بيلي نفسه أن تساءل بصوت يُسمع : باسكال ضاع ..؟؟ ولما انتبه إلى استغراب أمه أغلق الكتاب وأدار الفكر في رأسه...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

المخدوعون بالعالم الثاني

ما أوجدت العوالم الأخرى في هذا العالم سوى الآلام والشعور بالعجز ، ذلك ما أوجدته تلك العوالم فأوجدت معه هذا الجنون السريع الزوال بسعادة ما ذاقها من الناس إلا أشدهم آلاماً ..
إن المتعب الذي يطمع إلى اجتياز أبعد مدى بطفرة واحدة قاتلة ، وقد بلغت به مسكنته وجهالته حدا لا يستطيع عنده أن يريد، إنما هو نفسه مبدع جميع الآلهة وجميع العوالم الأخرى ...
صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد قطع رجاءه من الجسد ، فغدا يجس بأنامله مواضع الروح المضللة ، وذهب يتلمسها من وراء الحواجز القائمة على مسافة بعيدة .. (فأوجس بيلي في نفسه: .. إنه يقصدني ..) ثم أكمل
صدقوني ، أيها الإخوة ، إن الجسد قد تملكه اليأس من الأرض فسمع صوتا يناديه من قلب الوجود ، فأراد أن يخترق برأسه أطراف الحواجز ، بل حاول العبور منها إلى العالم الثاني ... إن قلب الوجود لا يخاطب الناس إذا لم يكلمهم كإنسان ... 
لقد علمتني ذاتي عزة جديدة أعلمها الآن للناس : علمتني ألا أخفي رأسي بعد الآن في رمال الأشياء السماوية ، بل أرفعها عزيزة ترابية تبتدع معنى الأرض .. 
إنني أعلم الناس إرادة جديدة يتخيرون بها السير ليس كالناس من قبلهم وبغباوة شاءوا الفرار من الشقاء وتراءت لهم الكواكب بعيدة صعبة المنال فوجموا يدفعون بالزفرات قائلين : وا أسفاه ! لم لا تنفتح أمامنا سبل في السماء ننسحب عليها إلى وجود آخر وسعادة أخرى ...
(لو عشت لسمعت علماء الفلك يخبروك باحتمال وجود آلاف العوالم الحية في مجرتنا فقط ولما استغربت سعينا الحثيث للاتصال بها .. أجاب بيلي ) وغلبه النوم .
في اليوم التالي أقبلت آنا مع أمه وهي جزعة تسأل الأطباء عن حقيقة حال ابنها ولما انتهت إليه حضنته وهي تبكي
بيلي .. صغيري .. ما الذي فعلته بنفسك .. إن هذا لشيء فظيع (وآنا تحاول تهدئة روعها) .. بول المسكين .. كان شابا ممتلأ بالحياة .. لا يستحق هذه النهاية .. كم أنا حزينة لأجله ولأجل والديه ...
وبعد أن استقر روعها ومسحت دموعها التفتت نحو آنا وقالت :
سوف أكلم الطبيب .. لن أترك ابني هنا سوف آخذه معي إلى شيكاغوا، ليلقى الرعاية هناك بقربي ..
لست أدري إن كان الطبيب سيقبل بهذا ؟
سوف أحاول .. وأنت أيضا .. أرجوك آنا ساعديني ، لا أستطيع أن أتركه هنا
سوف أرى ما يمكننا فعله .. وبيلي ما رأيه (والتفتتا كلتاهما نحوه)
في كل الحالات أفضل مغادرة هذا المستشفى (أجاب بيلي) 
وانطلق سعيهما حثيثا حتى قبل الأطباء على مضض وانقلبت آنا تجمع أمتعة بيلي والأم تضبط آخر إجراءات الانتقال ... وأحضرت الممرضة كرسيا متحركا ما إن رآه بيلي حتى تغير لونه .. فعرفت آنا ذلك من ملامحه ... ثم إلى المطار حيث وقفت آنا تودعهما وهي تقول لبيلي:
سأتصل بك لحظة أصل إلى مركز الهوائي وسأخبرك بكل جديد ..
لا أعرف كيف أشكرك على كل ما فعلتي من أجلي آنا ... أتمنى ان أعود إليكم في وقت قريب ...
ثم أقلعت الطائرة .. وبيلي يرقب الأجواء من النافذة .. يسترجع ذكريات رسمها بول معه منذ وصلا إلى كاليفورنيا .. تبقى الإجازات والرحلات وأيام المرح أسرع من غيرها ورودا على خاطره .. في لوس أنجلوس ، و في هوليود قضوا أياما ممتعة .. هل عاش بول حياة رائعة ..؟.. ماذا يتمنى أي شاب في مكانه غير أن يفعل ما فعل ثم يموت .. أم ان بول كان يطمح لأكثر من هذا كله فباغته الموت وقطع آماله .. فتتبادر إلى ذهنه كلمات ذلك المعتوه عن الحياة والموت .. فيُخرج كتاب الطلاسم ذاك من حقيبته .. ويقلبه:
يجب أن لا تزين المسيحية أو تجمل ، لقد قامت بحرب مستميتة ضد النمط السامي من الإنسانية وضد كل غرائزه الأساسية ، فكان الإنسان القوي عندها نمطا مستهجنا تدعوه شريرا مغضوبا عليه يستحق الهلاك .. 
لقد انحازت المسيحية إلى كل ضعيف ومنحط وفاشل ، وعارضت غرائز التشبث بالحياة واعتبرتها ضلالات و غوايات وخطيئة.. والمثال الأكثر إيلاما عندي هو هذا :
مثال ضياع باسكال الذي اعتقد أن عقله مفسدٌ بسبب الخطيئة الأصلية .. بينما في حقيقة الأمر كان مفسدا بسبب الإيمان ...
فلم يملك بيلي نفسه أن تساءل بصوت يُسمع : باسكال ضاع ..؟؟ ولما انتبه إلى استغراب أمه أغلق الكتاب وأدار الفكر في رأسه... 

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


 #قصة #رواية # #باسكال #كاليفورنيا #المخدوعون #بالعالم #الثاني
يتم التشغيل بواسطة Blogger.