كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م
الرجل المستنير
كان بيلي جائعا ، فأكل مما اعطاه الأب وأبقى منه شيئا تقدم به نحوه وقدمه إليه قائلا :
أبتي .. لم تأكل شيئا منذ الصباح ..
(فأشار إليه الأب بيده ، أنه لا يريد أكلا) ففهم بيلي أنه صائم ، ... ثم تذكر بيلي دواءه فذهب يتفقد حقيبته ، وبعدما تناول دواءه عاد إلى مكانه ولزمه يراقب الأب توماس وهو يتقلب بين التلاوة والصلاة في خشوع حتى أشفق لحاله ... ثم غلبه النعاس فنام
ثم دخل غابة الأحلام .. وإذا هو بسهل أخضر فسيح ونسيم عليل يتخلله ، ثم ها هو ذا الرجل المستنير ينضم إلى حلقة من الناس تجلس فيه مجتمعة تنصت إلى رجل قد توسطهم جالسا على كرسي منير ... من شدة نوره لم يتمكن من تبين ملا محه ...
ثم أفاق وإذا بالصباح قد أطل ، وقد تغلف برداء سميك غطّاه به الأب وهو يغط في نومه ، أما الأب فلم يكن في القاعة ... لقد خرج ليحضر الماء ... ولما عاد شرع يطهو شيئا من القهوة لبيلي ... لكنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يكتفي بالإشارة إلى بيلي إذا أراد شيئا ما .. واستمر في صومه وتلاوته وصلاته ، واستمر بيلي يراقبه ...
حتى انقضى اليوم الثاني كسابقه .. وخشي بيلي أن ينقضي الأسبوع كله هكذا ..
وفي اليوم التالي أخذ يعمد بيلي إلى تحضير الطعام بمفرده ، وأخذ يحاول أن يسعى في بعض حاجيات الأب من غير أن يطلب منه ذلك .. وأصبح يتعود على سكينة الدير شيئا فشيئا .. أحس أن ضوضاء المدينة وصخبها كان معششا في مسمعه يشوش عليه نغم الحياة الرقيق من حوله .. وأن العيش بين جدران الإسمنت والفولاذ ، محاطا بالألمنيوم والبلاستيك يؤثر في الذات ، يُبَلد التفكير ويميت الإحساس .. لأنه يعزلها عن الحياة .. عن التربة الناعمة الفواحة ، عن خرير المياه الباردة العذبة ، عن الخضرة الرطبة النظرة ... هكذا أصبح بيلي يتنسم الحياة كل صباح ...
وفي مساء اليوم الأخير، أتم الأب صلاته وصومه ونزع عنه لباس الرهبان وانضم إلى بيلي في المطبخ يحضران العشاء في جو من المرح ... ثم جلسا معا على الطاولة يتناولان الطعام ... فقال الأب لبيلي:
بني .. هل تذكر الدعاء الذي صليتُ به لحظة وصولنا إلى هنا ..؟
أجل أبتي ..
تلك الكلمات .. كانت من أول موعظة للمسيح وعظ بها الناس في أورشليم ...
يجب أن تعرف يا بني .. أن أعداء المسيح الذين حاربوه وأرادوا قتله ، لا يزالون إلى يومنا هذا يحاربون كل ناطق بالحق ومدافع عن الحقيقة، ويسعون في قتله ..
يجب أن تعرف يا بني .. أنهم يكرهون الحق والحقيقة ، ليس لأنهم جاهلون بالصواب .. أو لأن ذلك يعارض مصالحهم ... كلا ... بل لأنهم متحالفون مع الشيطان ..
نعم يا بني .. حقيقة وليس مجازا أقول هذا لك ...
إن آمنت من كل قلبك بأن الله موجود في السماء يراقبنا .. ويرسل رسله إلينا ليبلغونا أوامره بالتزام الحق ...
فستؤمن بأن الشيطان كامن في قاع المحيط يحضر لمكيدة كبرى بهذا الجنس البشري ... ويرسل أبناءه ليحكمونا ويستبدلوا الحق الذي نزل من السماء ، بالباطل الذي اختلقوه ...
بني ... لست في معرض سرد حكاية خيالية لك ، ولا في اجترار أسطورة قديمة ... إنني أقسم على الحق الذي أتكلم به الآن لك ...
الحق والحق أقول لك .. إن أبناء الشيطان قلة ، لكنهم يمتلكون زمام هذا البلد في أيديهم ، قلة قليلة لكنها كحية عظيمة ، رأسها في نيويورك ، وعيناها في هوليود .. تلتهم في بطنها كل ثروات هذا البلد ومقدراته ، وأذنابها تجلجل من كل مكان ...
بني .. أقسم لك على الحق .. لأنهم يهود ... ولأني يهودي منهم كبرت فيهم وأعرفهم جيدا ... ليست قصصا سمعتها ... ولكنها حقائق رأتها عيناي ...
هم من أشاعوا في الناس الكفر والإلحاد باسم العلم ، لتظل اعينهم مغلقة عن الحقيقة ، وليخلُوَ لهم الجو لينفذوا خطط ابيهم الشيطان وهو يتحضر للخروج إلى العالم ... وقد قربت ساعته ..
بني .. يجب أن تعلم بأنهم حريصون على ان تبقى أعين الناس مغلقة ، حريصون على ان تبقى طموحات الشباب من امثالك ساذجة ، ضحلة وحقيرة ...
فإذا ما قام رجل نزيه يدعوا الناس ليفتحوا أعينهم على الحقائق ، أغلقوا فمه بكل وسائلهم الخبيثة وإذا فشلوا لم يتورعوا عن قتله .. مثلما قتلوا فورستال ، وزير الدفاع في حكومة ترومان، ثم زعموا أنه انتحر ... هكذا يا بني لا يسلم منهم شخص مهما كان منصبه ، لأنهم يقبضون على كل شيء بين أيديهم الملطخة بدماء الطاهرين ...
كيف ذلك أبتي ..؟ .. ومنذ متى ..؟
منذ دهر بعيد بني ... بلدنا هذا ليس إلا مرحلة من المراحل بالنسبة لهم ، حتى إذا استنزفوا خيراته، تركوه جثة هامدة وركبوا بلدا آخر ليجلدوا شعبه كالدواب، من أجل تنفيذ مخطط أ بيهم ...
أي مخطط ..؟
الشيطان يا بني يريد أن يحكم العالم كله بواسطة أبناءه ... فإذا ما سيطر عليه سيطرة كاملة خرج على الناس ونصّب نفسه إله على كل الأرض ...
لقد حاول ذلك أكثر من مرة ومنذ دهور بعيدة ، لكنه كان دائما كلما اقترب من هدفه يأتي أنبياء الله والقديسون ليحطموا أهدافه وينقذوا البشر من مخالبه ...
بني .. لكم عانى الأطهار أحباب الله من العداء والمكر والمكيدة ... لا لشيء إلا لأنهم ارادوا الخير للبشر كل البشر ... أرادوا أن يذكروهم بحقيقة عدوهم .. بأنه الشيطان الكامن لهم في أعماق المحيط ، لا إخوانهم من بني آدم وحواء ...
لكن أبناء الشيطان هؤلاء وفي كل مرة يسعون في إسكاتهم وقتلهم وتشويه تعاليمهم ..
أبناء الشيطان هؤلاء هم من يكذبون الآن على موسى و سليمان قدوسا الله ... ويقولان انهما كانا أستاذان أعظمان في أول محافل الماسون ...
كيف يجرؤون على قول ذلك ، وهم يعظمون الشيطان ويعبدونه في محافلهم ... هل كان رب موسى وسليمان، تيسا بقرنين ...؟
الويل لهم ... لم يدعوا خيرا إلا لطخوه ... الويل لهم لم يدعوا طريقا إلى الله إلا وقطعوه ... الويل لهم ... مما قالت ألسنتهم على مريم الطاهرة وابنها ... الويل لهم لأنهم كذبوا على الله ليرضوا الشيطان ... الويل لهم ..
أبتي ... تتكلم عنهم وكأنهم أحياء بيننا ..
بني ... وإن تعاقبت القرون والأجيال ... فذنب الأب يحمله الابن من بعده ... ليس ظلما .. تعلم لماذا .؟.. لأنها منظمة واحدة منذ زمن موسى إلى يومنا هذا ... عصابة متماسكة سرية ... تعمل في الخفاء ، وتتوارث العهد على الوفاء للشيطان ،وتتوارث العهد على معادات الله وأنبيائه ... فإذا ما ندم أحد اعضائها واستيقظ ضميره يريد كشف خيانتهم قتلوه فورا .... لأنهم "أبناء العهد" .. "بناي برث" ... ولا يحق لأحد أن يسألهم عن ماهية هذا العهد ...
أبتي ... إن كانوا يملكون كل هذه القوة ... فأين الله ..؟ وأين أطهاره من كل هذا ..؟
إنه صمت السماء يا بني ... إنه عصرنا الذي لم يبعث الله فيه أي إشارة منذ قرون عديدة ... إنه عصر الصبر والاحتساب ... لأنه لا أحد يسأل الله عما يفعل او لا يفعل .. ولأن هذا من تمام إيماننا بحكمة الله وقوته ... فلعله يعطي الفرصة للشيطان حتى يظن انه تمكن من اهدافه ...
فما هو دور المؤمنين إذن ..؟
أن لا يتخلوا عن إيمانهم بالله في هذا الزمن الصعب الذي كثر فيه الكفر والإلحاد ، وتجبر فيه الشيطان وابناءه وظنوا انهم سيطروا على العالم ...
إلى متى ..؟
(فأطرق الأب وصمت قليلا ثم تكلم) .. إلى هنا ينتهي الدرس الأول بني .. قم لتنام وفي الغد تعود إلى كاليفورنيا .. (ثم قام من مجلسه وترك بيلي وحيدا)
استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :
# باسكال #في #كاليفورنيا #-9- #الرجل #المستنير # #قصة #رواية #