باسكال في كاليفورنيا -12- إلى وقت النهاية

0
إذن ... فعلى المؤمنين ترقب العلامات ... ولكن ماذا عن رجسة الخراب هذه ...؟ بني ... هي من كلام النبي دانيال الذي رأى في رُأياه نبأ آخر الزمان وأحداثه ... فيها كلام كثير لست أدري إن كنت تستطيع استيعابه ...؟ أبتي ... ما جئت من كاليفورنيا إلى هنا وتركت عملي .. إلا لأستوعب هذا الكلام  حسنا بني ... لعلك وحدك من يبحث عن مثل هذه الأخبار في زمننا هذا (وأخرج من درجه الكتاب المقدس ثم تناول نظاراته وهو يقول)... اسمع .. كان دانيال نبيا عظيما من انبياء اليهود عندما كانوا أسرى في مملكة بابل العظيمة ، قبل الميلاد زهاء السبعة قرون ... وبلغ من مجده أن صار وزيرا لملوك متعاقبين على الحكم هناك ... وكان يرى في منامه أحداثا سرعان ما تحققها الأيام ، وكان يكتم بعضها بأمر من ملاك الله ويكتبها سرا ،لأنها من خبر آخر الأيام ... يقول في واحدة منها :( أن الدجال يشتد غيضه على المتمسكين بالعهد المقدس .. فيتخذ له بطانة من الذين خانوا عهد الله .. فيحرك أذرعه الخفية لتُنجس المقدِسَ الحصين ... و تبني الرجس المخرب عليه ... فيغوي الناس على نكث عهد الله بزخارف الحياة ... أما المؤمنون الذين لم يرتابوا في ربهم فيثبتون ويجاهدونه ... وأصحاب الفهم من المؤمنين يُعلِمون كثيرا من الناس .. فينزل الدجال بهم ضربا بالسيف والنار والسبي والنهب أياما ... وكلما انهزم المؤمنون لا يجدون من العون إلا قليلا .. فتتصل بهم أطراف كثيرة تعرض عليهم عروضا لينكثوا عهد الله ... حتى أن بعض الفاهمين يتعثرون امتحانا لهم وتطهيرا من الله للمؤمنين ... وسمع دانيال في الرؤيا قديسا من قديسي الله يقول :" إلى متى تبقى معصية الخراب على القدس ويبقى جند الله مدوسين ..؟" فأجابه قديس آخر :" ماهي إلا ليالي وأيام حتي يتبرأ القدس من هذا الرجس ".... ثم إن كثيرين سوف يُغربَلون ويمحصون ويُطهرون ... فيتيه الأشرار غير مدركين لما يجري .. ووحدهم الفاهمون يفهمون ... فطوبى لمن انتظر ... وإذا على سحب السماء كأن ابن الإنسان أتى .. ونزل بين الأطهار، فقربوه قدامهم ... فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا وذلت له شعوب الأرض كلها ...) ولما أتم دانيال الرؤيا قال له ملاك الرب :« أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيآلُ فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. فكَثِيرُونَ سيَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ ستَزْدَادُ». ثم أغلق الأب الكتاب وانتظر تعليقا من بيلي الذي أذهلته هذه الكلمات

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

إلى وقت النهاية

إذن ... فعلى المؤمنين ترقب العلامات ... ولكن ماذا عن رجسة الخراب هذه ...؟
بني ... هي من كلام النبي دانيال الذي رأى في رُأياه نبأ آخر الزمان وأحداثه ... فيها كلام كثير لست أدري إن كنت تستطيع استيعابه ...؟
أبتي ... ما جئت من كاليفورنيا إلى هنا وتركت عملي .. إلا لأستوعب هذا الكلام 
حسنا بني ... لعلك وحدك من يبحث عن مثل هذه الأخبار في زمننا هذا (وأخرج من درجه الكتاب المقدس ثم تناول نظاراته وهو يقول)... اسمع .. كان دانيال نبيا عظيما من انبياء اليهود عندما كانوا أسرى في مملكة بابل العظيمة ، قبل الميلاد زهاء السبعة قرون ... وبلغ من مجده أن صار وزيرا لملوك متعاقبين على الحكم هناك ... وكان يرى في منامه أحداثا سرعان ما تحققها الأيام ، وكان يكتم بعضها بأمر من ملاك الله ويكتبها سرا ،لأنها من خبر آخر الأيام ... يقول في واحدة منها :( أن الدجال يشتد غيضه على المتمسكين بالعهد المقدس .. فيتخذ له بطانة من الذين خانوا عهد الله .. فيحرك أذرعه الخفية لتُنجس المقدِسَ الحصين ... و تبني الرجس المخرب عليه ... فيغوي الناس على نكث عهد الله بزخارف الحياة ... أما المؤمنون الذين لم يرتابوا في ربهم فيثبتون ويجاهدونه ... وأصحاب الفهم من المؤمنين يُعلِمون كثيرا من الناس .. فينزل الدجال بهم ضربا بالسيف والنار والسبي والنهب أياما ... وكلما انهزم المؤمنون لا يجدون من العون إلا قليلا .. فتتصل بهم أطراف كثيرة تعرض عليهم عروضا لينكثوا عهد الله ... حتى أن بعض الفاهمين يتعثرون امتحانا لهم وتطهيرا من الله للمؤمنين ... وسمع دانيال في الرؤيا قديسا من قديسي الله يقول :" إلى متى تبقى معصية الخراب على القدس ويبقى جند الله مدوسين ..؟" فأجابه قديس آخر :" ماهي إلا ليالي وأيام حتي يتبرأ القدس من هذا الرجس ".... ثم إن كثيرين سوف يُغربَلون ويمحصون ويُطهرون ... فيتيه الأشرار غير مدركين لما يجري .. ووحدهم الفاهمون يفهمون ... فطوبى لمن انتظر ... وإذا على سحب السماء كأن ابن الإنسان أتى .. ونزل بين الأطهار، فقربوه قدامهم ... فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا وذلت له شعوب الأرض كلها ...) ولما أتم دانيال الرؤيا قال له ملاك الرب :« أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيآلُ فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. فكَثِيرُونَ سيَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ ستَزْدَادُ».
ثم أغلق الأب الكتاب وانتظر تعليقا من بيلي الذي أذهلته هذه الكلمات 
أظن .. انه لا يزال أمامي الكثير لأبحث عنه ... كلما طلبتُ جوابا ، ظفرت بأسئلة جديدة ... (قال بيلي) .. لكن أبتي إن كان المسيح طالب المؤمنين بالصبر و بالوقوف شاهدين بالحق أمام الأمم ... و دانيال يصف أعداء الدجال بأنهم يُعلمون الناس ... فأين هم هؤلاء الصادعون بالحق والمعلمون ..؟ 
(فنظر إليه الأب ،ثم قال) إنهم موجودون .. لكنهم مختفون لأنهم مضطهدون ... ومهددون بالقتل يا بني ..
فكيف يجتمع الاختفاء والخوف مع الشهادة بالحق أمام جميع الأمم ..؟
بني ... لا تتعجل الفهم ... فلا تزال هنالك الكثير من الخفايا التي لا تعلمها و لا يعلمها حتى العجوز الجالس أمامك، الذي أمضى عمره كله في البحث عنها ... لأجل ذلك .. فالمسير في طريق الأسرار المقدسة يحتاج صبرا وطول نفس يا بني
وبعدما آنس الأب من بيلي الاكتفاء .. بادره بالكلام :
أما وقد حاولتُ أن أجيب عن أسئلتك الصعبة ، فاسمح لي أن أسألك سؤالا واحدا ... من أين لك بهذه المعلومات عن مسايا اليهود ..؟
من صفحات الإنترنت طبعا ..
إذا فهي فكرة سيئة .. بني ... كان الأجدر بك أن لا تقع كالفراشة الضعيفة في شبكة العنكبوت الرهيبة هذه ... كان الأجدى والأكثر أمانا لك أن تقصد المكتبات وتتصفح أوراق الكتب هناك ... فلتحترس أكثر بني 
لكن بيلي لم يعقب على كلام الأب ولزم الصمت ، 
ثم ودعه وقفل عائدا ... في المطار اتصلت به آنا جزعة وهي تقول له :
لقد جاءنا اليوم رجل ادعى أنه من الشرطة الفدرالية .. سأل عنك وعن عملك ، وطلب رؤية غرفتك لكننا تحججنا بغيابك ومنعناه ...
لا يحتاج الأمر إلى كل هذا الجزع .. فلا تقلقي .. أعتقد انها مخالفة إنترنت ، جاء الرجل ليستفسر عنها .. ليس أكثر 
وفي الطائرة أخذ يفكر بيلي في كل ما يجري من حوله وفي كلام الأنبياء الذي سمعه من الأب .. هل تراها محاولات لإرهابه وثنيه عن مواصلة طريقه في البحث عن الحقيقة ... هل بعد كل الذي عرفه يتراجع ... هل يلقي بكل هذه النبوءات خلف ظهره ... كان يتساءل عن أطهار الله الذين لا يخافون الجهر بالحق .. فلم لا يكون واحدا منهم وقد لاحت الفرصة أمامه ليختبر عزمه ... فعزم على أمره .. ما الذي سيخسره ..؟ .. بعد أن خسر نصف جسده في الحادث .. كم بقي أمامه ليعيشه في هذه الدنيا ... فلم لا يجعل لأيامه الباقية معنى ... ويعيش لفكرة تستحق الحياة والموت لأجلها ... هكذا عزم بيلي وأضمر في قلبه . 
في كاليفورنيا ... حاول بيلي طمأنة الجميع بأن الأمر ليس أكثر من مشكلة على الإنترنت .. ثم اختلى بآنا وقال لها :
ركزي معي جيدا .. فثمة أمر خطير يحدث من حولنا .. وأحتاج مساعدتك .. اسمعي جيدا ، سوف تصلك رسائل إلكترونية باسم مستعار هو "باسكال" حاولي أن ترسليها إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء عندما أطلب منك ذلك ...
ما الأمر بيلي ... ما الذي يحدث ..؟
لا أستطيع أن أشرح لك كل شيء الآن ... لكنك إذا قرأت تلك الرسائل ، ستفهمين الموضوع ...
ثم اختلى ببيتر وديفد كل على حدى وطلب منهما نفس الشيء ...
وفي المساء عمد بيلي إلى الدخول إلى الإنترنت هذه المرة باسمه المستعار "باسكال" وسارع بإنشاء مجموعة من المواقع المتفرقة ونظم معلوماته التي جمعها بشكل مقالات محددة ،قام بنشرها على دفعات ثم بدأ بإرسال رسائله إلى كل من تمكن من الظفر ببريده الإلكتروني ... واستمر يعمل طيلة الليل ... 
في الصباح وعندما خرج من غرفته .. وجد رفاق سره ينظرون إليه نظرات كلها دهشة واستغراب لكن أحدا منهم لم ينبس بكلمة ... واستمر عملهم كعادته .. وفي المساء أقبل ديفد قلقا وقال لبيلي:
يجب أن نرحل فورا من هنا (فاعترضته آنا مستفسرة ، فقال لها)
هناك سيارتا شرطة معهما سيارة سوداء مصفحة في طريقها إلى هنا 
ما العمل غذا قال بيتر ..؟
يجب ان اختفي مع بيلي .. وإن سأل أحد عنا .. قولا أننا ذهبنا إلى المتنزه العام 
وفي غمرة العجلة حمل بيلي معه حاسوبه المحمول وشرائح الذاكرة ، ثم ركب مع ديفد في سيارته وأقلعا عبر طريق خلفي ملتوي ... ولم تمضي غير لحظات حتى حاصرت الشرطة المكان وأخذت تبحث عن بيلي وعندما لم تجده بدأت في التحقيق مع أفراد الفريق ...
ركن ديفد سيارته عند بيت أحد أصدقائه ... ثم طلب من صديقه السماح له باستعارة سيارته ، ولما قبل الصديق استبدل ديفد وبيلي سيارتهما وأقلعا :
إلى أين تعتقد أنه يمكننا الذهاب الآن بيلي ..؟ (قال ديفد) 
إلى فانكوفر .. ليس هناك مكان آخر ..
فانكوفر ..؟ .. سيكون الطريق طويلا و يعج بنقاط التفتيش ..؟ (ثم التفت نحو بيلي) ليس هناك أفضل من هذا يا صاااااح ... 
لم تفعل هذا ..؟
ماذا ..؟ لم أسمعك جيدا ..؟
أقصد .. لم تخاطر بنفسك من أجل شخص مجنون مثلي ..؟
هههههههههههههه .. انت مجنون حقا... تطاردك الشرطة الفدرالية .. ومطلوب لدى الأمن المركزي ... لا يحظى المرء دائما بفرصة رائعة كهاته ... سوف تظهر صورتك على شاشات التلفزة ، ألم أقل ذلك لك ..؟ أتمنى ان يختاروا لي صورة جميلة ... اسمع لا تخشى شيئا ... فقد تبادرت الآن لعقلي الداهية ،فكرة عبقرية ... أعرف كيف سنجتاز حقل الألغام هذا ... سوف نصل إلى فانكوفر عبر طرق فرعية من ابتكاري ...
أووه .. يا إلهي .. لقد نسيت دوائي ...
هذا خبر جميل ... والأجمل منه انني نسيت محفظة نقودي (قال ديفد وهو يبتسم).
و استمر مسيرهما متقطعا .. لكن ديفد عرف كيف يستفيد من بعض معارفه على الطريق ... وبدأت أعراض المرض تبدوا على بيلي من جراء عدم تناوله للدواء .. فكان يتحامل على نفسه ولا يريد أن يُظهر أي ضعف ...
في كاليفورنيا صادرت الشرطة كل حاجيات بيلي وانصرفت ... فساد الصمت والوجوم على المركز وأفراده الذين لم يستوعب بعضهم ما يجري .. وبقيت آنا مع بيتر في حيرة .. لا يدريان ما يعملان ... لا يستطيعان التواصل مع ديفد وبيلي فالخطوط مراقبة .. وآنا أكثر قلقا من أن يتسرب الأمر إلى أم بيلي ...
وبعد سفر طويل وصل الهاربان إلى ضواحي فانكوفرن وبيلي في حالة يرثى لها ... فأوصى ديفد بأن يتصل بالأب توماس ويخبره بالأمر بعد أن هداه إلى مكانه ... ولم يطل الامر حتى عاد ديفد مع الأب توماس في سيارته وهما يحملان معهما الدواء لبيلي ... ثم انطلق الثلاثة نحو دير الشهداء ...
ما الذي دعاك لتفعل ما فعلت يا بني ..؟
الداعي الذي دعا باسكال لكتابة رسائله الريفية .. يا أبتي 
بني ... لقد سلكت طريقا لا يسلكها إلا قدوسوا الله وأطهاره ... وإني لأدعو الله لك بالحفظ والبركة ... فليباركك الرب الرحيم ... بني ... بعد هذا لم يعد لك مقام في هذه البلاد ... إن أخذت بمشورتي فسيؤامن لك العبور إلى كندا عبر أصدقائي من الهنود .. سوف تجد بمعيتهم الأمن من ملاحقة هؤلاء الذئاب ... وبعدها الله الرحيم يتخد لك سبلا ...
شكرا أبتي ... لكن قبل ذلك لا يزال علي فعل شيء ما دمت على هذه الأرض ... (ثم التفت نحو ديفد) إنها ساعت "الرسائل الانشطارية" هل أنت مستعد للمضي قدما معي في هذه المغامرة ..؟
أنت تعجبني يا صاااح.. لم تخيب ظني
إذن ولحظة عبورنا للحدود قل لآنا وبيتر أن يفجرا الرسائل عبر الشبكة.
ثم انطلق الجميع عبر الغابة والتقوا بالهنود مثلما خطط الأب توماس ... ولحظة الوداع .. وديفد يتصل بآنا ... اقترب الأب من بيلي و الدموع تسيل على خديه من شدة التأثر .. ثم حضن بيلي وقال :
بني سامحني ... لقد قصرت في حقك كثيرا ... أنت تستحق أكثر مما أخذت بكثير ... أذكرني بدعائك فإن قلبك نقي وطاهر ... (ثم أخرج كتابا من جيبه) .. سامحني بني .. فلم املك الجرأة لأقول لك الحقيقة كاملة ... الحقيقة التي تبحث عنها ستجدها في هذا الكتاب (ثم دسه في ملا بس بلي) 
ثم أقبل ديفد مستبشرا كعادته:
تهانينا أيها القائد المحترم ... لقد تمت العملية بنجاح 
وتم الوداع سريعا ... واخترق الهاربان الحدود مع الهنود ... وفي طريقه أخرج بيلي الكتاب ليقرأ على غلافه "إنجيل برنابا".

باسكال في كاليفورنيا -9- الرجل المستنير

0
الرجل المستنير  كان بيلي جائعا ، فأكل مما اعطاه الأب وأبقى منه شيئا تقدم به نحوه وقدمه إليه قائلا : أبتي .. لم تأكل شيئا منذ الصباح .. (فأشار إليه الأب بيده ، أنه لا يريد أكلا) ففهم بيلي أنه صائم ، ... ثم تذكر بيلي دواءه فذهب يتفقد حقيبته ، وبعدما تناول دواءه عاد إلى مكانه ولزمه يراقب الأب توماس وهو يتقلب بين التلاوة والصلاة في خشوع حتى أشفق لحاله ... ثم غلبه النعاس فنام  ثم دخل غابة الأحلام .. وإذا هو بسهل أخضر فسيح ونسيم عليل يتخلله ، ثم ها هو ذا الرجل المستنير ينضم إلى حلقة من الناس تجلس فيه مجتمعة تنصت إلى رجل قد توسطهم جالسا على كرسي منير ... من شدة نوره لم يتمكن من تبين ملا محه ... ثم أفاق وإذا بالصباح قد أطل ، وقد تغلف برداء سميك غطّاه به الأب وهو يغط في نومه ، أما الأب فلم يكن في القاعة ... لقد خرج ليحضر الماء ... ولما عاد شرع يطهو شيئا من القهوة لبيلي ... لكنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يكتفي بالإشارة إلى بيلي إذا أراد شيئا ما .. واستمر في صومه وتلاوته وصلاته ، واستمر بيلي يراقبه ... حتى انقضى اليوم الثاني كسابقه .. وخشي بيلي أن ينقضي الأسبوع كله هكذا .. وفي اليوم التالي أخذ يعمد بيلي إلى تحضير الطعام بمفرده ، وأخذ يحاول أن يسعى في بعض حاجيات الأب من غير أن يطلب منه ذلك .. وأصبح يتعود على سكينة الدير شيئا فشيئا .. أحس أن ضوضاء المدينة وصخبها كان معششا في مسمعه يشوش عليه نغم الحياة الرقيق من حوله .. وأن العيش بين جدران الإسمنت والفولاذ ، محاطا بالألمنيوم والبلاستيك يؤثر في الذات ، يُبَلد التفكير ويميت الإحساس .. لأنه يعزلها عن الحياة .. عن التربة الناعمة الفواحة ، عن خرير المياه الباردة العذبة ، عن الخضرة الرطبة النظرة ... هكذا أصبح بيلي يتنسم الحياة كل صباح ...  وفي مساء اليوم الأخير، أتم الأب صلاته وصومه ونزع عنه لباس الرهبان وانضم إلى بيلي في المطبخ يحضران العشاء في جو من المرح ... ثم جلسا معا على الطاولة يتناولان الطعام ... فقال الأب لبيلي: بني .. هل تذكر الدعاء الذي صليتُ به لحظة وصولنا إلى هنا ..؟ أجل أبتي .. تلك الكلمات .. كانت من أول موعظة للمسيح وعظ بها الناس في أورشليم ... يجب أن تعرف يا بني .. أن أعداء المسيح الذين حاربوه وأرادوا قتله ، لا يزالون إلى يومنا هذا يحاربون كل ناطق بالحق ومدافع عن الحقيقة، ويسعون في قتله .. يجب أن تعرف يا بني .. أنهم يكرهون الحق والحقيقة ، ليس لأنهم جاهلون بالصواب .. أو لأن ذلك يعارض مصالحهم ... كلا ... بل لأنهم متحالفون مع الشيطان .. نعم يا بني .. حقيقة وليس مجازا أقول هذا لك ... إن آمنت من كل قلبك بأن الله موجود في السماء يراقبنا .. ويرسل رسله إلينا ليبلغونا أوامره بالتزام الحق ... فستؤمن بأن الشيطان كامن في قاع المحيط يحضر لمكيدة كبرى بهذا الجنس البشري ... ويرسل أبناءه ليحكمونا ويستبدلوا الحق الذي نزل من السماء ، بالباطل الذي اختلقوه ... بني ... لست في معرض سرد حكاية خيالية لك ، ولا في اجترار أسطورة قديمة ... إنني أقسم على الحق الذي أتكلم به الآن لك ... الحق والحق أقول لك .. إن أبناء الشيطان قلة ، لكنهم يمتلكون زمام هذا البلد في أيديهم ، قلة قليلة لكنها كحية عظيمة ، رأسها في نيويورك ، وعيناها في هوليود .. تلتهم في بطنها كل ثروات هذا البلد ومقدراته ، وأذنابها تجلجل من كل مكان ... بني .. أقسم لك على الحق .. لأنهم يهود ... ولأني يهودي منهم كبرت فيهم وأعرفهم جيدا ... ليست قصصا سمعتها ... ولكنها حقائق رأتها عيناي ... هم من أشاعوا في الناس الكفر والإلحاد باسم العلم ، لتظل اعينهم مغلقة عن الحقيقة ، وليخلُوَ لهم الجو لينفذوا خطط ابيهم الشيطان وهو يتحضر للخروج إلى العالم ... وقد قربت ساعته .. بني .. يجب أن تعلم بأنهم حريصون على ان تبقى أعين الناس مغلقة ، حريصون على ان تبقى طموحات الشباب من امثالك ساذجة ، ضحلة وحقيرة ... فإذا ما قام رجل نزيه يدعوا الناس ليفتحوا أعينهم على الحقائق ، أغلقوا فمه بكل وسائلهم الخبيثة وإذا فشلوا لم يتورعوا عن قتله .. مثلما قتلوا فورستال ، وزير الدفاع في حكومة ترومان، ثم زعموا أنه انتحر ... هكذا يا بني لا يسلم منهم شخص مهما كان منصبه ، لأنهم يقبضون على كل شيء بين أيديهم الملطخة بدماء الطاهرين ...  كيف ذلك أبتي ..؟ .. ومنذ متى ..؟ منذ دهر بعيد بني ... بلدنا هذا ليس إلا مرحلة من المراحل بالنسبة لهم ، حتى إذا استنزفوا خيراته، تركوه جثة هامدة وركبوا بلدا آخر ليجلدوا شعبه كالدواب، من أجل تنفيذ مخطط أ بيهم ...  أي مخطط ..؟ الشيطان يا بني يريد أن يحكم العالم كله بواسطة أبناءه ... فإذا ما سيطر عليه سيطرة كاملة خرج على الناس ونصّب نفسه إله على كل الأرض ...  لقد حاول ذلك أكثر من مرة ومنذ دهور بعيدة ، لكنه كان دائما كلما اقترب من هدفه يأتي أنبياء الله والقديسون ليحطموا أهدافه وينقذوا البشر من مخالبه ... بني .. لكم عانى الأطهار أحباب الله من العداء والمكر والمكيدة ... لا لشيء إلا لأنهم ارادوا الخير للبشر كل البشر ... أرادوا أن يذكروهم بحقيقة عدوهم .. بأنه الشيطان الكامن لهم في أعماق المحيط ، لا إخوانهم من بني آدم وحواء ... لكن أبناء الشيطان هؤلاء وفي كل مرة يسعون في إسكاتهم وقتلهم وتشويه تعاليمهم .. أبناء الشيطان هؤلاء هم من يكذبون الآن على موسى و سليمان قدوسا الله ... ويقولان انهما كانا أستاذان أعظمان في أول محافل الماسون ...  كيف يجرؤون على قول ذلك ، وهم يعظمون الشيطان ويعبدونه في محافلهم ... هل كان رب موسى وسليمان، تيسا بقرنين ...؟ الويل لهم ... لم يدعوا خيرا إلا لطخوه ... الويل لهم لم يدعوا طريقا إلى الله إلا وقطعوه ... الويل لهم ... مما قالت ألسنتهم على مريم الطاهرة وابنها ... الويل لهم لأنهم كذبوا على الله ليرضوا الشيطان ... الويل لهم .. أبتي ... تتكلم عنهم وكأنهم أحياء بيننا .. بني ... وإن تعاقبت القرون والأجيال ... فذنب الأب يحمله الابن من بعده ... ليس ظلما .. تعلم لماذا .؟.. لأنها منظمة واحدة منذ زمن موسى إلى يومنا هذا ... عصابة متماسكة سرية ... تعمل في الخفاء ، وتتوارث العهد على الوفاء للشيطان ،وتتوارث العهد على معادات الله وأنبيائه ... فإذا ما ندم أحد اعضائها واستيقظ ضميره يريد كشف خيانتهم قتلوه فورا .... لأنهم "أبناء العهد" .. "بناي برث" ... ولا يحق لأحد أن يسألهم عن ماهية هذا العهد ... أبتي ... إن كانوا يملكون كل هذه القوة ... فأين الله ..؟ وأين أطهاره من كل هذا ..؟ إنه صمت السماء يا بني ... إنه عصرنا الذي لم يبعث الله فيه أي إشارة منذ قرون عديدة ... إنه عصر الصبر والاحتساب ... لأنه لا أحد يسأل الله عما يفعل او لا يفعل .. ولأن هذا من تمام إيماننا بحكمة الله وقوته ... فلعله يعطي الفرصة للشيطان حتى يظن انه تمكن من اهدافه ... فما هو دور المؤمنين إذن ..؟ أن لا يتخلوا عن إيمانهم بالله في هذا الزمن الصعب الذي كثر فيه الكفر والإلحاد ، وتجبر فيه الشيطان وابناءه وظنوا انهم سيطروا على العالم ... إلى متى ..؟ (فأطرق الأب وصمت قليلا ثم تكلم) .. إلى هنا ينتهي الدرس الأول بني .. قم لتنام وفي الغد تعود إلى كاليفورنيا .. (ثم قام من مجلسه وترك بيلي وحيدا)

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

الرجل المستنير

كان بيلي جائعا ، فأكل مما اعطاه الأب وأبقى منه شيئا تقدم به نحوه وقدمه إليه قائلا :
أبتي .. لم تأكل شيئا منذ الصباح ..
(فأشار إليه الأب بيده ، أنه لا يريد أكلا) ففهم بيلي أنه صائم ، ... ثم تذكر بيلي دواءه فذهب يتفقد حقيبته ، وبعدما تناول دواءه عاد إلى مكانه ولزمه يراقب الأب توماس وهو يتقلب بين التلاوة والصلاة في خشوع حتى أشفق لحاله ... ثم غلبه النعاس فنام 
ثم دخل غابة الأحلام .. وإذا هو بسهل أخضر فسيح ونسيم عليل يتخلله ، ثم ها هو ذا الرجل المستنير ينضم إلى حلقة من الناس تجلس فيه مجتمعة تنصت إلى رجل قد توسطهم جالسا على كرسي منير ... من شدة نوره لم يتمكن من تبين ملا محه ...
ثم أفاق وإذا بالصباح قد أطل ، وقد تغلف برداء سميك غطّاه به الأب وهو يغط في نومه ، أما الأب فلم يكن في القاعة ... لقد خرج ليحضر الماء ... ولما عاد شرع يطهو شيئا من القهوة لبيلي ... لكنه لم ينبس ببنت شفة ، كان يكتفي بالإشارة إلى بيلي إذا أراد شيئا ما .. واستمر في صومه وتلاوته وصلاته ، واستمر بيلي يراقبه ...
حتى انقضى اليوم الثاني كسابقه .. وخشي بيلي أن ينقضي الأسبوع كله هكذا ..
وفي اليوم التالي أخذ يعمد بيلي إلى تحضير الطعام بمفرده ، وأخذ يحاول أن يسعى في بعض حاجيات الأب من غير أن يطلب منه ذلك .. وأصبح يتعود على سكينة الدير شيئا فشيئا .. أحس أن ضوضاء المدينة وصخبها كان معششا في مسمعه يشوش عليه نغم الحياة الرقيق من حوله .. وأن العيش بين جدران الإسمنت والفولاذ ، محاطا بالألمنيوم والبلاستيك يؤثر في الذات ، يُبَلد التفكير ويميت الإحساس .. لأنه يعزلها عن الحياة .. عن التربة الناعمة الفواحة ، عن خرير المياه الباردة العذبة ، عن الخضرة الرطبة النظرة ... هكذا أصبح بيلي يتنسم الحياة كل صباح ... 
وفي مساء اليوم الأخير، أتم الأب صلاته وصومه ونزع عنه لباس الرهبان وانضم إلى بيلي في المطبخ يحضران العشاء في جو من المرح ... ثم جلسا معا على الطاولة يتناولان الطعام ... فقال الأب لبيلي:
بني .. هل تذكر الدعاء الذي صليتُ به لحظة وصولنا إلى هنا ..؟
أجل أبتي ..
تلك الكلمات .. كانت من أول موعظة للمسيح وعظ بها الناس في أورشليم ...
يجب أن تعرف يا بني .. أن أعداء المسيح الذين حاربوه وأرادوا قتله ، لا يزالون إلى يومنا هذا يحاربون كل ناطق بالحق ومدافع عن الحقيقة، ويسعون في قتله ..
يجب أن تعرف يا بني .. أنهم يكرهون الحق والحقيقة ، ليس لأنهم جاهلون بالصواب .. أو لأن ذلك يعارض مصالحهم ... كلا ... بل لأنهم متحالفون مع الشيطان ..
نعم يا بني .. حقيقة وليس مجازا أقول هذا لك ...
إن آمنت من كل قلبك بأن الله موجود في السماء يراقبنا .. ويرسل رسله إلينا ليبلغونا أوامره بالتزام الحق ...
فستؤمن بأن الشيطان كامن في قاع المحيط يحضر لمكيدة كبرى بهذا الجنس البشري ... ويرسل أبناءه ليحكمونا ويستبدلوا الحق الذي نزل من السماء ، بالباطل الذي اختلقوه ...
بني ... لست في معرض سرد حكاية خيالية لك ، ولا في اجترار أسطورة قديمة ... إنني أقسم على الحق الذي أتكلم به الآن لك ...
الحق والحق أقول لك .. إن أبناء الشيطان قلة ، لكنهم يمتلكون زمام هذا البلد في أيديهم ، قلة قليلة لكنها كحية عظيمة ، رأسها في نيويورك ، وعيناها في هوليود .. تلتهم في بطنها كل ثروات هذا البلد ومقدراته ، وأذنابها تجلجل من كل مكان ...
بني .. أقسم لك على الحق .. لأنهم يهود ... ولأني يهودي منهم كبرت فيهم وأعرفهم جيدا ... ليست قصصا سمعتها ... ولكنها حقائق رأتها عيناي ...
هم من أشاعوا في الناس الكفر والإلحاد باسم العلم ، لتظل اعينهم مغلقة عن الحقيقة ، وليخلُوَ لهم الجو لينفذوا خطط ابيهم الشيطان وهو يتحضر للخروج إلى العالم ... وقد قربت ساعته ..
بني .. يجب أن تعلم بأنهم حريصون على ان تبقى أعين الناس مغلقة ، حريصون على ان تبقى طموحات الشباب من امثالك ساذجة ، ضحلة وحقيرة ...
فإذا ما قام رجل نزيه يدعوا الناس ليفتحوا أعينهم على الحقائق ، أغلقوا فمه بكل وسائلهم الخبيثة وإذا فشلوا لم يتورعوا عن قتله .. مثلما قتلوا فورستال ، وزير الدفاع في حكومة ترومان، ثم زعموا أنه انتحر ... هكذا يا بني لا يسلم منهم شخص مهما كان منصبه ، لأنهم يقبضون على كل شيء بين أيديهم الملطخة بدماء الطاهرين ... 
كيف ذلك أبتي ..؟ .. ومنذ متى ..؟
منذ دهر بعيد بني ... بلدنا هذا ليس إلا مرحلة من المراحل بالنسبة لهم ، حتى إذا استنزفوا خيراته، تركوه جثة هامدة وركبوا بلدا آخر ليجلدوا شعبه كالدواب، من أجل تنفيذ مخطط أ بيهم ... 
أي مخطط ..؟
الشيطان يا بني يريد أن يحكم العالم كله بواسطة أبناءه ... فإذا ما سيطر عليه سيطرة كاملة خرج على الناس ونصّب نفسه إله على كل الأرض ... 
لقد حاول ذلك أكثر من مرة ومنذ دهور بعيدة ، لكنه كان دائما كلما اقترب من هدفه يأتي أنبياء الله والقديسون ليحطموا أهدافه وينقذوا البشر من مخالبه ...
بني .. لكم عانى الأطهار أحباب الله من العداء والمكر والمكيدة ... لا لشيء إلا لأنهم ارادوا الخير للبشر كل البشر ... أرادوا أن يذكروهم بحقيقة عدوهم .. بأنه الشيطان الكامن لهم في أعماق المحيط ، لا إخوانهم من بني آدم وحواء ...
لكن أبناء الشيطان هؤلاء وفي كل مرة يسعون في إسكاتهم وقتلهم وتشويه تعاليمهم ..
أبناء الشيطان هؤلاء هم من يكذبون الآن على موسى و سليمان قدوسا الله ... ويقولان انهما كانا أستاذان أعظمان في أول محافل الماسون ... 
كيف يجرؤون على قول ذلك ، وهم يعظمون الشيطان ويعبدونه في محافلهم ... هل كان رب موسى وسليمان، تيسا بقرنين ...؟
الويل لهم ... لم يدعوا خيرا إلا لطخوه ... الويل لهم لم يدعوا طريقا إلى الله إلا وقطعوه ... الويل لهم ... مما قالت ألسنتهم على مريم الطاهرة وابنها ... الويل لهم لأنهم كذبوا على الله ليرضوا الشيطان ... الويل لهم ..
أبتي ... تتكلم عنهم وكأنهم أحياء بيننا ..
بني ... وإن تعاقبت القرون والأجيال ... فذنب الأب يحمله الابن من بعده ... ليس ظلما .. تعلم لماذا .؟.. لأنها منظمة واحدة منذ زمن موسى إلى يومنا هذا ... عصابة متماسكة سرية ... تعمل في الخفاء ، وتتوارث العهد على الوفاء للشيطان ،وتتوارث العهد على معادات الله وأنبيائه ... فإذا ما ندم أحد اعضائها واستيقظ ضميره يريد كشف خيانتهم قتلوه فورا .... لأنهم "أبناء العهد" .. "بناي برث" ... ولا يحق لأحد أن يسألهم عن ماهية هذا العهد ...
أبتي ... إن كانوا يملكون كل هذه القوة ... فأين الله ..؟ وأين أطهاره من كل هذا ..؟
إنه صمت السماء يا بني ... إنه عصرنا الذي لم يبعث الله فيه أي إشارة منذ قرون عديدة ... إنه عصر الصبر والاحتساب ... لأنه لا أحد يسأل الله عما يفعل او لا يفعل .. ولأن هذا من تمام إيماننا بحكمة الله وقوته ... فلعله يعطي الفرصة للشيطان حتى يظن انه تمكن من اهدافه ...
فما هو دور المؤمنين إذن ..؟
أن لا يتخلوا عن إيمانهم بالله في هذا الزمن الصعب الذي كثر فيه الكفر والإلحاد ، وتجبر فيه الشيطان وابناءه وظنوا انهم سيطروا على العالم ...
إلى متى ..؟
(فأطرق الأب وصمت قليلا ثم تكلم) .. إلى هنا ينتهي الدرس الأول بني .. قم لتنام وفي الغد تعود إلى كاليفورنيا .. (ثم قام من مجلسه وترك بيلي وحيدا)  

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


# باسكال #في #كاليفورنيا #-9- #الرجل #المستنير # #قصة #رواية # 

كتبت يوما ما

0
هذه الصفحات: الأفكار والمشاعر وليدة لحظتها لا يمكن أن تتكرر هي جزء منك تتركه خلفك وأنت تعبر هذه الحياة قد تنساها، قد تنكرها يوما، وقد تحن إليها بعد زمن حتما سوف تضيع أغلبها لكن الكلمات يمكن أن تصطاد شوارد منها وتودعها متحف الكتاب كم تدين أجيالنا هذه لرجال غبروا منذ قرون مديدة غير أنهم لا يزالون يشاركوننا أفكارهم، أحاسيسهم ومشاعرهم، لا لشيء إلا لأنهم امتلكوا شجاعة تدوينها لنا على صفحات من ورق من هو الإنسان غير أفكاره ومشاعره؟ ما هو ميراث الإنسانية؟ لأجل ذلك أحببت أن أشاركك شيئا عزيزا احتفظت به لنفسي مدة ثم رأيت أنه لا يحسن ان يبقى حبيس الأدراج، أو مخزنا في ذواكر رقمية، فيه شيء من الأفكار وشيء من المشاعر، كما تتخلله مقالات صادفت في بعضها أحداثا مهمة في تاريخ البلد والأمة  فهرس محتوات الكتاب  وجدان: المشاعر عند حافة التأمل عجبا للدنيا الأحياء في هذه الدنيا قليل لغة العيون بليغة شعائر أم مشاعر؟ نور الصباح عجبت لك يا مسيح الله  إن الله لا يقمع التفكير المعضلة الكبرى أشباه البشر الحلم هو المستقبل كيف تختزن أغنية مشاعر جيل الشخصية الجزائرية كما أعرفها كول الخبز واسكت  خشية ضعيف دعاء  فكر: ظاهرة التكلس التفاعل الثقافي حتمية إنسانية الصدمة الحضارية الحاسية الجمالية  ملحمة الحياة الشيطان والشر شبح الشيطان يختلس إيمان البشر  سياسة: مصر والجزائر جزائري يتجاوب مع كوشنير الشيخ الطنطاوي في ذمة الله الجامعة العربية ستدرس كيفية الرد؟ عريقات صائب وسعيد تجريم الاستعمار مقترح لغير أهله تونس الشعب الذي أسقط خرافة زعيم مصر الشعب يريد إسقاط النظام أثبتوا يا شباب مصر ولكن ماذا عن الجزائر؟ مبروك يا شباب مصر لا بد من تغيير أسلوب المطالبة بالتغيير القذافي قتل كل معنى للحياة في شعبه احذروا يا شباب الثورة في مصر وتونس من قال أن الجزائر ضد حق الشعوب في تقرير مصيرها ؟ الحفاظ على الدولة أم الحفاظ على النظام ؟ برلمان الأغلبية وحكومة حيادية ؟ شباب الجزاير حاير الإصلاح يهدد المصالح خوف أم تواطؤ مع سعد بوعقبة  قصة قصيرة: ركام أشجان باسكال في كاليفورنيا

هذه الصفحات:
الأفكار والمشاعر وليدة لحظتها لا يمكن أن تتكرر
هي جزء منك تتركه خلفك وأنت تعبر هذه الحياة
قد تنساها، قد تنكرها يوما، وقد تحن إليها بعد زمن
حتما سوف تضيع أغلبها
لكن الكلمات يمكن أن تصطاد شوارد منها وتودعها متحف الكتاب
كم تدين أجيالنا هذه لرجال غبروا منذ قرون مديدة
غير أنهم لا يزالون يشاركوننا أفكارهم،
أحاسيسهم ومشاعرهم،
لا لشيء إلا لأنهم امتلكوا شجاعة تدوينها لنا على صفحات من ورق
من هو الإنسان غير أفكاره ومشاعره؟
ما هو ميراث الإنسانية؟
لأجل ذلك أحببت أن أشاركك شيئا عزيزا احتفظت به لنفسي مدة
ثم رأيت أنه لا يحسن ان يبقى حبيس الأدراج، أو مخزنا في ذواكر رقمية،
فيه شيء من الأفكار وشيء من المشاعر،
كما تتخلله مقالات صادفت في بعضها أحداثا مهمة في تاريخ البلد والأمة

فهرس محتوات الكتاب

وجدان:
المشاعر
عند حافة التأمل
عجبا للدنيا
الأحياء في هذه الدنيا قليل
لغة العيون بليغة
شعائر أم مشاعر؟
نور الصباح
عجبت لك يا مسيح الله
إن الله لا يقمع التفكير
المعضلة الكبرى
أشباه البشر
الحلم هو المستقبل
كيف تختزن أغنية مشاعر جيل
الشخصية الجزائرية كما أعرفها
كول الخبز واسكت
خشية
ضعيف
دعاء

فكر:
ظاهرة التكلس
التفاعل الثقافي حتمية إنسانية
الصدمة الحضارية
الحاسية الجمالية
ملحمة الحياة
الشيطان والشر
شبح الشيطان يختلس إيمان البشر

سياسة:
مصر والجزائر
جزائري يتجاوب مع كوشنير
الشيخ الطنطاوي في ذمة الله
الجامعة العربية ستدرس كيفية الرد؟
عريقات صائب وسعيد
تجريم الاستعمار مقترح لغير أهله
تونس الشعب الذي أسقط خرافة زعيم
مصر الشعب يريد إسقاط النظام
أثبتوا يا شباب مصر
ولكن ماذا عن الجزائر؟
مبروك يا شباب مصر
لا بد من تغيير أسلوب المطالبة بالتغيير
القذافي قتل كل معنى للحياة في شعبه
احذروا يا شباب الثورة في مصر وتونس
من قال أن الجزائر ضد حق الشعوب في تقرير مصيرها ؟
الحفاظ على الدولة أم الحفاظ على النظام ؟
برلمان الأغلبية وحكومة حيادية ؟
شباب الجزاير حاير
الإصلاح يهدد المصالح
خوف أم تواطؤ
مع سعد بوعقبة

قصة قصيرة:
ركام أشجان
باسكال في كاليفورنيا

#كتبت #يوما #ما

باسكال في كاليفورنيا -10- الأمن القومي

0
في الغد لم يمهل الأب بيلي ، وقام يحزم متاعهما ثم ركبا معا في السيارة وانطلقا نحو فانكوفر ... ومن ثمة وبعد استراحة خفيفة توجها إلى المطار حيث ودع الأب بيلي وداعا حارا وهو يتمنى له النجاح في عمله ...  في الطائرة ، بيلي على مقعده الخاص لم يهضم جيدا تصرفات الأب توماس ... وكأنما يخفي أشياء كثيرة ... أو ربما لم يحز بيلي على ثقته التامة ... مهما كان الأمر فما قاله عن أبناء الشيطان وسيطرتهم على الحياة في الولايات المتحدة ، كان خبرا صدمه صدمة شديدة ... فعزم بيلي على التحقق من الامر بنفسه حالما يصل إلى كاليفورنيا ...  في المطار وجد بيلي آنا في انتظاره، فأقبلت نحوه وهي تقول :  أنا مدينة لك بعشاء فاخر أيها الشقي ... أمك لم تنقطع يوما عن الاتصال بي طيلة هذا الأسبوع ، وأنا مسترسلة في خداعها ، ... نعم لقد تناول دواءه .. اجل هو بخير ...  إن كان هذا كل ما تطلبينه مقابل هذه المغامرة .. فهو قليل  هل لديك عرض أفضل ..؟  أجل ... اخبرك بسر ذهابي إلى فانكوفر  أوه .. نعم .. هذا عرض جيد أقبل به  لكن ليس الآن ..  يا لك من مخادع ...

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م


الأمن القومي 

في الغد لم يمهل الأب بيلي ، وقام يحزم متاعهما ثم ركبا معا في السيارة وانطلقا نحو فانكوفر ... ومن ثمة وبعد استراحة خفيفة توجها إلى المطار حيث ودع الأب بيلي وداعا حارا وهو يتمنى له النجاح في عمله ... 
في الطائرة ، بيلي على مقعده الخاص لم يهضم جيدا تصرفات الأب توماس ... وكأنما يخفي أشياء كثيرة ... أو ربما لم يحز بيلي على ثقته التامة ... مهما كان الأمر فما قاله عن أبناء الشيطان وسيطرتهم على الحياة في الولايات المتحدة ، كان خبرا صدمه صدمة شديدة ... فعزم بيلي على التحقق من الامر بنفسه حالما يصل إلى كاليفورنيا ... 
في المطار وجد بيلي آنا في انتظاره، فأقبلت نحوه وهي تقول : 
أنا مدينة لك بعشاء فاخر أيها الشقي ... أمك لم تنقطع يوما عن الاتصال بي طيلة هذا الأسبوع ، وأنا مسترسلة في خداعها ، ... نعم لقد تناول دواءه .. اجل هو بخير ... 
إن كان هذا كل ما تطلبينه مقابل هذه المغامرة .. فهو قليل 
هل لديك عرض أفضل ..؟ 
أجل ... اخبرك بسر ذهابي إلى فانكوفر 
أوه .. نعم .. هذا عرض جيد أقبل به 
لكن ليس الآن .. 
يا لك من مخادع ... 
وعادا معا إلى مركز الأبحاث حيث لقي بيلي استقبالا حارا من فريق العمل ، ثم طلب ديفد من الجميع السكوت وقد جاء بهدية كبيرة مغلفة يجرها حتى قدمها إلى بيلي وطلب الجميع منه فتحها ... فإذا بها كرسيا متحركا آليا ذو دفع ذاتي وتحكم تقني عالي الجودة ... لم يخفي بيلي فرحته ، ولم يعرف كيف يشكر زملائه على هذه اللفتة الرائعة ... 
في المساء بعد الحفلة الجميلة التي أقيمة على شرفه ورغم التعب الذي تملكه بعد رحلاته الطويلة ، لم يخلد بيلي إلى النوم قبل أن يتصفح الإنترنت ، فقد عزم على تتبع المفاتيح التي ظفر بها من كلام الأب توماس، فأخد يجمع المعلومات عن محافل الماسون و تاريخ جمعية "بناي برث" ومقدار نفوذ قادتها وأعضائها في الحياة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة ... فاندهش لمدى ارتكاز الدوافع السياسية على البعد الديني ، ومدى حضور الخلفية الدينية في خطابات الزعماء السياسيين المؤثرين في البلد ... ثم تساءل .. كيف يعمد هؤلاء إلى إفراغ المحتوى العلمي من كل مدلول ديني ثم يقحمون التفسير الديني في أشد القضايا حساسية للأمة ... ثم استمر يجمع معلوماته عن الرموز الدينية والسرية في الطقوس الماسونية ... ليقف على دلالات رمزية معقدة ومتداخلة تجمع خليطا من المعتقدات والأديان لكنه استطاع ان يخلص منها إلى أن هؤلاء الناس يعملون على تمهيد الطريق أمام ملك سوف يظهر قريبا ، يملك العالم ويحكم باسم الرب، وبحسب التعبير اليهودي فهو "مسايا" ينتظره اليهود منذ آلاف السنين ، يعيد لليهود سيطرتهم على جميع الشعوب ويحكم العالم كله من أورشليم حيث هيكله المقدس ... 
ثم وقف على بعض الكلام عن وجوده فعلا في الوقت الحاضر ، وأنه يحكم العالم فعلا عبر حكومة خفية تسيطر على القرار في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي ... وكيف أن أغلبية الموظفين في هذه المؤسسات العالمية ينتمون إلى الماسونية ، وكيف ان هذه التنظيمات السرية هي أصلا من سعت إلى إنشاء هذه المؤسسات منذ عصبة الأمم ، وكيف لم يخفوا في خطبهم البعد الديني لمخططاتهم ... ثم قادته شبكة المعلومات هذه إلى تتبع شكل سيطرتهم على القرار في الولايات المتحدة ذاتها عبر لوبيات متعددة وحضور قوي في الكونغرس ومجلس الشيوخ ، وتحكمهم في المصالح الحيوية للبلاد من شركات الطاقة والبترول ، إلى شركات صناعة الأسلحة ... وكيف يتبجح بعضهم بالقول انهم من صنعوا أمريكا القوية ... ثم توالى ظهور نافذة في وجه بيلي تقول (عذرا .. ممنوع تصفح هذه الملفات .. خطر يهدد الأمن القومي) كلما أراد المضي قدما في بحثه ... لكن بيلي ابتسم ، لأنه يعرف جيدا كيف يتعامل مع مثل هذه الانظمة الأمنية ... 
في الصباح استيقظ بيلي متعبا من طول سهره في الليل ، قدمت له آنا فطوره الصباحي وساعدته على ركوب كريسه الآلي ، ثم أخذ جولة به في أرجاء المركز ... كان كرسيا رائعا ، سهل القيادة ، سلس الحركة ونظامه سريع الاستجابة لأوامر بيلي ، 
ثم التحق مع آنا بباقي أعضاء الفريق في مركز المعلومات حيث اطلع بيلي على آخر أخبار الإشارة .. وآخر أخبار برنامجه الذي كان يحتاج بعض التعديلات بحسب طلب المسؤولين .. فانهمك مع البقية في محاولة إعادة برمجته من جديد ... 
ومضت بضع أيام على تلك الحال ، في الصباح يعترك بيلي مع البرنامج والإشارة .. وفي المساء ينغمس في حل الشبكة المعقدة لأسرار أبناء الشيطان .. 
وذات مساء في وقت الراحة ، وأعضاء الفريق يتسلون خارجا بكرة السلة .. أخذت آنا تتجول مع بيلي : 
كنت قد وعدتني بكشف سر ذهابك إلى فانكوفر .. 
نعم ولازلت على وعدي .. 
إذا ..؟ 
ليس بهذه البساطة آنا .. الامر أشد تعقيدا من أن أكشفه هكذا في جلسة واحدة 
أوو .. يبدوا أمرا خطيرا .. فلتكشفه مجزأً إذا.. وهلم لي بجزئه الأول الآن .. بيلي.. 
هههه .. عنيدة كعادتك 
لست أكثر عنادا منك .. لكنني أطالب بحقي معك .. أم انك لا تثق بي ..؟ 
لا آنا .. لا تقولي هذا .. فليس هناك من أحد أقرب إلي منك .. ولن أنسى فضلك علي ما حييت .. الأمر وما فيه ليس شيئا شخصيا أريد أن أخفيه عنك .. الأمر وما فيه عبارة عن ... كيف يمكن أن أشرح لك ... 
إنه قلق عميق في داخلي تجاه ما نعمل الآن آنا .. هل لهذا الجهد من جدوى وراءه ..؟ 
أعنى هل نعرف جيدا ما نحن بصدد البحث عنه ..؟ 
أظن أنني لم أعد مقتنعا بجدوى البحث عن إشارة لفضائيين من السماء .. 
ما الذي دهاك بيلي.. أبعد كل هذا الجهد وهذه النتائج تقول هذا ..؟ 
إن أردت الصراحة آنا ... فإني أصبحت اكثر اقتناعا بأننا نبحث عن الله في السماء 
نبحث عن الله ..؟ 
أجل آنا ... ونحن لا ندري ... الله هو الحياة التي نبحث عنها في أقاصي الكون ... ليس هناك من حياة هناك .. في الآفاق إلا ملكوته .. حيث تختفي الأسرار ... هل تعتقدين أن بإمكاننا ، بهذه التكنلوجيا الأرضية، أن نخترق أسوار مملكته العظيمة ... كلا آنا ... لن نستطيع أبدا أن نطل على العالم الآخر من خلال عدسة تليسكوب . 
بيلي كلامك هذا بدأ يخيفني ... ما الذي وجدته في فانكوفر حتى غير تفكيرك هكذا.؟ 
لا آنا .. تفكيري هذا هو الذي اخذني إلى هناك .. ألم أقل انك لن تستطيعي فهمي .. 
لا بيلي اسمع ... أنا لا انكر وجود الله .. أنا مؤمنة وإن كنت لست مواظبة على الذهاب إلى الكنيسة ... لكن هذا شيء ذاتي لا أخلطه بأمور عملي وحياتي العلمية .. لكل مجاله ... الحياة الروحية لها مجالها الخاص بها 
هنا لب المشكلة آنا ... إن كان لكل مجاله الخاص حقا .. فلمَ يعمد ساستنا إلى الخلط بين السياسة الدين .. أليست خطبهم وكأنها آيات من التوراة والإنجيل ..؟ 
إنها بروباغاندا معهودة ... إنه اللعب على العواطف الدينية للشعب من أجل المكاسب الانتخابية 
لا آنا ... هذه خدعة ... الامر اكثر بعدا من هذا ... على كلٍ .. هذا هو الجزء الاول من الحقيقة .. ويبدوا انك لم تستطيعي استيعابه ... 
ليلا في مخدعه ، وجد بيلي رسالة تحذير في بريده الإلكتروني تقول: 
بيلي ميللر ، لقد خالفت القوانين بتعديك على خصوصية المواقع التالية ... مخالفتك هذه تقع تحت جنحة القرصنة وتهديد الامن القومي ... 
انت ممنوع من استعمال حساباتك الخاصة لمدة ... 
عليك دفع غرامة تعويضية للأضرار الناجمة عن تعديك ... 
بيلي كان يتوقع شيئا من هذا القبيل ، فعمد إلى إفراغ معلوماته التي جمعها وخزنها في شرائح للذاكرة ، وأخذ يفكر في خطوته التالية ، إنه يفكر اكثر في طبيعة تجاوب آنا مع كلامه .. وبدأ يحس بمقدار المسؤولية التي يتحملها تجاه أصدقائه الغافلين عن هذه الحقائق ، يجب ان لا يبقى مكتوف الأيدي ... يجب على أحدهم ان يتحمل مسؤولية كشف الحقائق للناس جميعا ... يجب أن لا يطمئن أبناء الشيطان هؤلاء إلى غفلة الناس وسذاجتهم بعد الآن ... يجب على أحدهم أن يضحي بحياته من أجل البسطاء من الناس ... وبيلي مستعد ليكون ذلك المغامر ... 
لكن قبل ذلك ، لا تزال بعض الغوامض تحتاج إلى إيضاح أكثر...

باسكال في كاليفورنيا -11- لم أهضم هذا الخلط

0
في الصباح والجميع منهمك في عمله ، إذا ببيتر ينادي عليهم جميعا ... فاجتمع الكل من حوله : معهد باسادينا يعلن أن الإشارة تعود إلى سوبرنوفا (وهو يشير إلى عناوين تتصدر صفحات بعض المواقع على الانترنت) هذا غير معقول ..!!! (قال البعض) هذا محبط للغاية ..!!! (قال بعض آخر) ربما تكون مجرد إشاعة (قال ديفد) لا يمكن ... هذا الموقع رسمي ولا يمكنه المجازفة بسمعته (رد بيتر) واختلط الامر في المركز ... لكن بيلي لم يكترث واستمر في تعديل برنامجه ... وآنا تراقب برودته من بعيد وتسترجع بعض ما دار بينهما من حديث ... ثم تكلم أحدهم : يا جماعة .. الخبر ليس أكيدا.. لقد اتصلت بصديق قديم يعمل معهم ، فقال لي انه مجرد افتراض ... وأنه لا يعرف كيف خرج الخبر إلى الإعلام .. فسكن روع الفريق قليلا ... لكن الشك بدأ يتسرب إلى القلوب ... واستمر النقاش ...  انسحبت آنا من حلقت النقاش وجلست بجانب بيلي : إذا مثلما قلتَ تماما ... عملنا من غير جدوى (وهي تنظر إليه ، تنتظر تعليقا منه) حتى وإن كان مجرد نجم متفجّر ، فهذا مفيد للعلم (وهو يبتسم) لكنها ليست الحياة التي نبحث عنها ... آنا يجب أن تفهمي اننا لا نبحث عن الحياة .. بل نبحث عن الحقيقة  حقيقة ماذا ؟؟ عن حقيقة هذه الحياة ..!!!  ألم تستوعب بعد حقيقة الحياة أيها الفيلسوف ..؟

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

لم أهضم هذا الخلط

في الصباح والجميع منهمك في عمله ، إذا ببيتر ينادي عليهم جميعا ... فاجتمع الكل من حوله :
معهد باسادينا يعلن أن الإشارة تعود إلى سوبرنوفا (وهو يشير إلى عناوين تتصدر صفحات بعض المواقع على الانترنت)
هذا غير معقول ..!!! (قال البعض)
هذا محبط للغاية ..!!! (قال بعض آخر)
ربما تكون مجرد إشاعة (قال ديفد)
لا يمكن ... هذا الموقع رسمي ولا يمكنه المجازفة بسمعته (رد بيتر)
واختلط الامر في المركز ... لكن بيلي لم يكترث واستمر في تعديل برنامجه ... وآنا تراقب برودته من بعيد وتسترجع بعض ما دار بينهما من حديث ... ثم تكلم أحدهم :
يا جماعة .. الخبر ليس أكيدا.. لقد اتصلت بصديق قديم يعمل معهم ، فقال لي انه مجرد افتراض ... وأنه لا يعرف كيف خرج الخبر إلى الإعلام ..
فسكن روع الفريق قليلا ... لكن الشك بدأ يتسرب إلى القلوب ... واستمر النقاش ... 
انسحبت آنا من حلقت النقاش وجلست بجانب بيلي :
إذا مثلما قلتَ تماما ... عملنا من غير جدوى (وهي تنظر إليه ، تنتظر تعليقا منه)
حتى وإن كان مجرد نجم متفجّر ، فهذا مفيد للعلم (وهو يبتسم)
لكنها ليست الحياة التي نبحث عنها ...
آنا يجب أن تفهمي اننا لا نبحث عن الحياة .. بل نبحث عن الحقيقة 
حقيقة ماذا ؟؟
عن حقيقة هذه الحياة ..!!! 
ألم تستوعب بعد حقيقة الحياة أيها الفيلسوف ..؟
نعم آنا .. ليس بعد .. لأجل ذلك يجب أن أعود إلى فانكوفر غدا.. وعليك أن تغطي علي هذه المرة أيضا وقولي بأنني قد عدت إلى شيكاغو لموعد الطبيب 
ثانيةً !!!؟ متى سوف ينتهي فلمك وتريحني من هذا الحرج ؟
قريبا آنا.. قريبا فلا تقلقي 
وفي الغد امتطى بيلي الطائرة نحو فانكوفر .. ثم إلى الجمعية الخيرية حيث جلس في المكتب ينتظر عودة الأب توماس ... ولما عاد الأب اندهش لدى رؤيته بيلي :
بني لقد عدت سريعا
لا أبتي .. فقد كانت أيامي بعيدا عنك طويلة جدا 
(فابتسم الأب توماس) ربما سنعود إلى الدير إذا ..؟
لا أبتي .. ليس ذلك ضروريا ... تكفيني جلسة هنا إن اتسع الوقت لديك ... أريد أن أستوضح فيها من أبتي بعض الأمور التي أشكلت علي ... فمن غزير علمك نغترف ..
)ظل الأب مبتسما) أنا رهن إشارتك .. وفي خدمتك بني
أبتي .. إن سمحت .. أريد أن أعرف من هو المسايا الذي انتظره اليهود منذ آلاف السنين..؟
)نظر إليه الأب قليلا ثم قام وأغلق النافذة والباب بالمفتاح ثم عاد وجلس) .. بني ... هو المسيح يسوع الناصري ..
فكيف إذا رفضه اليهود و كانوا ينتظرونه على أحر من الجمر .. أليس هو من سيرد لهم ملكهم ..؟
لأن جيل اليهود ذاك، كان جيلا شريرا ... فاسقا .. لم يعرف حق المسيح وسعى لقتله مثلما قتل زكريا ويوحنا من قبل
إذا فقد فشل المسيح في تحقيق نبوءة المسايا ، بإعادة الملك لإسرائيل ..؟
لا.. ليس هكذا يا بني (وهو ينظر باستغراب إلى بيلي(
إذا لم يكن فشلا ، كان خطأً في التوقيت ... المسيح أخطأ الزمن المناسب لتحقيق نبوءته ... وإلا فلم أرسل لذلك الجيل بالضبط ..؟
بني ... (ثم صمت قليلا) ... ليس اعتباطا أن يُبعث المسيح لذلك الجيل ... ليس حسنا أن نقول هذا عن حكمة الله العظيمة التي لا نحيط بخفاياها وأسرارها مهما فعلنا لأن عقولنا قاصرة ... يبقى المسيح هو المسايا المنتظر برغم جحود اليهود به وتلك حكمة الله
أبتي ... إذا كان اليهود قد رفضوا المسيح وصلبوه يومها ، فكيف يتحمسون لعودته الآن ويبذلون كل هذه الجهود تحظيرا لتتويجه ملكا على العالم ..؟
أولا بني ... لست ممن يعتقد بصلب المسيح ، فالمسيح لم يصلب ولم يقتل ، رفع حيا مكرما مطهرا إلى السماء، وعندما يعود سيُدين اليهود الذين سعو لقتله مثلما سيدين الذين عبدو الصليب من أجله ، هذه الوثنية أُقحمت في الإنجيل إقحاما يتحمل وزره بولس الرسول الذي ابتدع قصة الخطيئة الأزلية والتضحية على الصليب ... انا لست من المخدوعين بزخرفة أقواله الفلسفية ، والمسيح بالنسبة لي بشر رسول أرسله الله مثلما أرسل موسى من قبله .. 
ثانيا.. من قال إن المسايا الذي يدعي اليهود اليوم أنهم ينتظرونه ، هو المسيح يسوع الناصري ..؟
إذا فمن هو الملك الخفي الذي يدير "حكومة الأربعمئة رئيس" التي ستحكم العالم من اورشليم ..؟
بني ... ذاك هو الكذاب الذي سيدعي دجلا انه المسيح المنتظر وهو في الحقيقة ضده تماما ... المسيح يا بني سينزل من السماء أمام مرأى الناس جميعا ولن يخرج من اعماق البحر خِفية ... ذاك الوحش البحري الذي حذر منه الانبياء، هو من سيخرج في زمننا هذا...
أبتي .. سامحني .. فلم أهضم هذا الخلط ... كيف ينكر اليهود المسيح الحقيقي ويصدقون شخصا آخر كذاب بهذه البساطة ... أليس هناك علامات يفرق بها الناس بين الحقيقي والكذاب ..؟
أجل هناك علامات تميز الصادق من المفتري تكلم بها الأنبياء من قبل ... لكن جلاء الخلط من عقلك ، هو أن اتِّباع اليهود لهذا الكذاب ليس سذاجة منهم .. ولكنها الخيانة التي خانوا بها مواثيقهم مع الرب ... إنه تحالفهم الأزلي مع الشيطان ... رفضهم للمسيح الحقيقي هو رفضهم لمسايا الرب إرضاء للشيطان ... وقبولهم اليوم بالمسيح المزيف هو أيضا إرضاء للشيطان وخدمة لمشروعه ... الشيطان يريد أن يحكم العالم بواسطة هذا المسيح المزيف ... لأجل ذلك ترى هذا السعي الرهيب في تحظير الأجواء عبر العالم كله لتُقبل فكرةُ مسيح منتظر يأتي ليحكم العالم باسم الرب ... لكن الحقيقة أن لا رب يقصده هؤلاء إلا الشيطان الجاثم في أعماق المحيط...
أبتي ... هل الله بهذا الضعف ليدع مسيحه يهان بهذه الطريقة ، ومسيح الشيطان ينجح عبر العالم كله هكذا ..؟
لا .. بني حاشا الله أن يوصف بالضعف ... لكنها حكمته التي تعطي الشيطان واتباعه كامل الفرصة في هذه الحياة ليحققوا أهدافهم .. بل هي القوة عينها في تركهم بكل حرية يسعون في الأرض ... وعندما يعود المسيح الحق سوف تتبخر كل احلام الشيطان هذه ... وسوف تنهار مملكته وسوف يندم اليهود .
و متى سيعود المسيح الحقيقي يا أبتي..؟ 

عندما يظن الشيطان ومسيحه الكذاب انهما خدعا كل البشر .. عندما يعتقد الشيطان أنه نجح في القضاء على المؤمنين بالله وانتصر على الله في الأرض ... عندها يعود المسيح الحقيقي .. لأنه هكذا قال يسوع المسيح لتلاميذه عندما سألوه متى ستعود ..؟ قال لهم : احترسوا .. فلا يخدعكم الدجال .. فإنه سيأتي بعدي كثيرون كل يدعي أنه المسيح وسوف يضلون خلقا كثيرا وسوف تقوم حروب عظيمة .. فلا ترتاعوا واثبتوا على الحق ... فإنها فتنة مكتوبة منذ الأزل .. لأنكم يومها ستكونون مكروهين من جميع الأمم لأجل اسمي .. وسوف تطاردون وتقتلون .. لكن الذي يصبر منكم ويقف شاهدا على الحق أمام الأمم .. فهو الذي ينال الخلاص ... ومتى شاهدتم "رجسة الخراب" قائمة ببيت المقدس ... والناس يهربون إلى الجبال .. وضيقا عظيما لم يشهده العالم منذ أول الدهر يكاد يهلك جميع الناس إلا المختارين .. فإن الله لأجلهم يقصر تلك الأيام ... يومها إن قيل لكم : هو ذا المسيح هنا أو هناك ،فلا تصدقوا .. فإنه سيقوم مسيح كذاب يأتي بآيات عظيمة وعجائب تكاد تخدع حتى المختارين من الناس ... فإني الآن أخبركم .. إن قيل لكم هو في البرية فلا تخرجوا إليه وإن قيل لكم هو في المدينة فلا تتبعوه .. لأنه مثلما البرق يومض من الشرق إلى الغرب ، كذلك يكون سعيه .. لأنه حيثما تكون جيفة تجتمع النسور .. في ضيق تلك الأيام تظهر علامة ابن الإنسان في السماء .. ويأتي ابن الإنسان من السماء على السحاب بالقوة والمجد وينصر المختارين ... كمثل شجرت التين التي إذا أصبح غصنها غضا وأخرجت أوراقها آذنت بفصل الصيف ... كذلك هذه علامات لكم متى رأيتموها علمتم بها قرب عودتي ...

باسكال في كاليفورنيا -2- Second life

0

Second life  في اليل وبعد أن غادرت آنا .. يتصفح بيلي موقعه على الإنترنت .. بريده الإلكتروني مملوء بالرسائل .. وصفحته على "الماي سبيس" و"الفيس بوك" لا تزال كما هي منذ آخر زيارة له .. وصفحة بول أيضا .. آخر تعليق له على أنثوني يقول فيه : صورتك مريعة .. شعرك الأصفر المنفوش مثل مكنسة الساحرات ههههههههههههههههه ... ويبتسم بيلي ثم يعاوده الوجوم وهو يتأمل صور بول وبعض مقاطع الفيديو التي يظهر فيها معه وهما في "الماتشو بكشو" مدينة الإنكا الساحرة أعلى جبال البيرو ... كم كان صيفا ممتعا .. مر كل ذلك كلمح البصر .. هل يعلم أصدقائهما على الإنترنت بالحادثة..؟ .. كيف سيعلم الجميع بأن بول قد مات .. وبأن صفحاته ستتجمد كما هي ومشاركاته ستنقطع ..؟.. إن هذا لشيء محزن حقا ... ثم يعرج على لعبتهما المفضلة "الساكند لايف" إنها الحياة الثانية .. الحياة الأخرى .. لقد اكتفى بيلي بشخصية واحدة .. لكن بول شارك بأكثر من وجه واستطاع ان يكسب اكثر منه بكثير .. لقد كان يساعده عندما يقع في المشاكل في الحياة الثانية .. واليوم يقف بيلي حائرا .. بول كان حذقا في العالم الافتراضي لكنه فقد الحياة الحقيقية .. ما معنى كل هذا .. إذا كان فتى بهذه الوسامة والصحة وبهذا النشاط وهذه الحيوية ينتهي في رمشة عين ويصبح كأن لم يكن .. كالخيال العابر للذاكرة ..  هل كان حقا معنا في هذه الحياة ؟ (يسأل بيلي نفسه ) لولا آثاره هذه .. لشككت حقا .. ألا يكون كل هذا حلما كبيرا .. ألا تكون الحياة لعبة حقيرة .. (وهو ممدد على السرير لا يحس بأطرافه السفلى) ثم يفقد الرغبة في المتابعة .. يطفئ الحاسب .. يضعه جانبا .. يحاول أن ينام والأرق يمنعه .. في الصباح جاءت آنا ومعها دَيفد و بيتر .. يحملون معهم زهورا .. آنا : أمك وصلت إلى دنفر أمس .. وغدا ستكون هنا معنا  بيلي : أليست قلقة بشأني  آنا : تبدوا بعض الشيء كذلك ، لكنني طمأنتها  بيتر : جميع أعضاء الفريق يسألون عنك وعن صحتك ، وينتظرون عودتك السريعة ديفد : في الحقيقة بيلي .. جئنا لنودعك .. لقد جد جديد في مركز الأبحاث ونحن مضطرون إلى العودة إلى الهوائي .. لست أدري إن أمكنني شرح المزيد (ويلتفت نحو بيتر) يومئ له بيتر موافقا ، فيكمل ديفد : يبدوا أننا التقطنا إشارة جديدة .. وهذه المرة يبدوا الأمر جديا .. يبتهج بيلي : هل صحيح هذا الأمر بيتر ..؟ بيتر : نعم بيلي .. هي إشارة مخالفة لكل ما رصدناه من قبل  ديفد : إننا في لحظات تاريخية بيلي ، وإذا نجح الأمر فسيكتب اسميكما أنت وبول على شاشات الأخبار وستنشر صورتك على غلاف مجلة التايم لهذا العام  بيتر : أجل .. لذلك يجب أن نعود إلى الهوائي ولا نضيع الوقت .. بول يستحق منا جهدا إضافيا في إتمام ما بدأه و أنت أيضا .. برنامجكما يبلي حسنا بيلي  بيلي : متى أستطيع اللحاق بكم ..؟ آنا : ليس قبل أن تتعافى نهائيا .. مازال أمامك وقت نقاهة  ثم انصرف الجميع ... مساءا وبول يحاول أن يتلهى ببعض ألعاب الفيديو، يصيبه فتور وكآبة .. يغلق الحاسب ويضعه جانبا .. يلتقط مجلة ، يقلب أوراقها : لو كان بول حيا ، لأقام الدنيا ولم يقعدها، كان ينتظر هذه اللحظة منذ بدئنا العمل، كنا نعلم أن برنامجنا كفيل بأن يساعد في التقاط الموجات العالية التي فشلوا في التقاطها من قبل ، منذ سنوات وهم يحاولون جاهدين التقاط إشارات حياة من أقاصي المجرة ولم يستطيعوا غير تلمس بعض الفوضى والتشويش ... سيكون فتحا كبيرا في العلم وحدثا فارقا في هذا القرن .. يستطيع بول أن ينام هانئ البال لأن العالم سيذكره وسيذكرني معه ... نعم لن آسى على صديقي ... وضع المجلة وحاول أن ينام .. لم يستطع .. فتح عيناه لتقعا على كتابيه .. هدية مستر ريتش .. تناول واحدا منهما، فإذا عنوانه "هكذا تكلم زرادشت" ،"كتاب لكل الناس وليس لأحد" ؟؟؟ بدى العجب على محيا بيلي وقال في نفسه من كاتب هذه الطلاسم ، فقرأ "الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه" .. قلّب أوراقه ، تناول فهرس موضوعاته فلفت نظره عنوان يقول "تخير لنفسك الموت" ؟؟؟ فقرأ .. وإذا بنيتشه يكلمه على لسان زرادشت قائلا : كثيرٌ من يتأخرون في موتهم ، وكثير من يبكرون. فاذا قال قائل للناس بالموت في الزمن المناسب ، رفعوا عقيرتهم مستغربين . وأنا أُعَلم الناس أن يموتوا في الوقت المناسب . ولكن أنى لمن يعرف الحياة أن يتخير الموت في أوانه ؟ ... أفما كان خيرا للدخلاء على الحياة لو أنهم لم يولدوا . ولكن هؤلاء الدخلاء يريدون أن يولي الناس أهمية كبرى لموتهم ، وكم من نواة تباهي بأنها كسرت وهي جوفاء .. من الناس من لا يتجاوزون بأعمارهم الحد اللائق بالحقائق والظفر بها... ومن الناس من يدب الهرم إلى قلوبهم أولا ، ومنهم من يدب الهرم إلى عقولهم ، ومنهم من يشيخون في ربيع الحياة ، غير أن من يبلغ الشباب متأخرا يحتفظ بشبابه أمدا طويلا .. ومن الناس من ضلوا السبيل في حياتهم ، فأضاعوا عمرهم ، فعلى هؤلاء أن يعملوا على بلوغ التوفيق في موتهم على الأقل .. وبيلي لا ينفك حريصا على تفكيك شيفرا هذه المعاني المركبة يقول في نفسه : إلى أين يريد أن يصل هذا المعتوه ؟ .. حتى بلغ قوله : والحق أن ذلك العبراني الذي يمجده المبشرون بالموت البطيء قد مات قبل أوانه ، ولم يزل جم غفير يعتقد بأن ميتته المبكرة كانت مقدورة عليه .. وما كان هذا المسيح العبراني قد عرف غير دموع قومه وأحزانهم وكيد أهل الصلاح والعدل ، لذلك راودته فجأة شهوة الفناء . ولو أنه بقي في الصحراء بعيدا عن أهل الصلاح والعدل لكان تعلم حب الحياة وحب الأرض ، ولكان تعلم الضحك أيضاً .  صدقوني، أيها الإخوة ، إن المسيح قد مات قبل أوانه ، ولو أنه بلغ العمر الذي بلغتُ ، لكان جحد تعاليمه ...  وبول أيضا مات قبل أوانه .. أردف بيلي وهو يقلب صفحات الأحجية متسائلا: هل هناك في الحياة حقيقة غير ما نرى وما نسمع ..؟ ماذا يريد منا هذا المخبول ..؟ لو عاش هو أيضا إلى زمننا هذا لجحد كتابه هذا .. حتى استوقفه عنوان يقول " المخدوعون بالعالم الثاني " فقرأ:

كتبت يوم ما من أيام عام 2011 م

Second life

في اليل وبعد أن غادرت آنا .. يتصفح بيلي موقعه على الإنترنت .. بريده الإلكتروني مملوء بالرسائل .. وصفحته على "الماي سبيس" و"الفيس بوك" لا تزال كما هي منذ آخر زيارة له .. وصفحة بول أيضا .. آخر تعليق له على أنثوني يقول فيه : صورتك مريعة .. شعرك الأصفر المنفوش مثل مكنسة الساحرات ههههههههههههههههه ... ويبتسم بيلي ثم يعاوده الوجوم وهو يتأمل صور بول وبعض مقاطع الفيديو التي يظهر فيها معه وهما في "الماتشو بكشو" مدينة الإنكا الساحرة أعلى جبال البيرو ... كم كان صيفا ممتعا .. مر كل ذلك كلمح البصر .. هل يعلم أصدقائهما على الإنترنت بالحادثة..؟ .. كيف سيعلم الجميع بأن بول قد مات .. وبأن صفحاته ستتجمد كما هي ومشاركاته ستنقطع ..؟.. إن هذا لشيء محزن حقا ... ثم يعرج على لعبتهما المفضلة "الساكند لايف" إنها الحياة الثانية .. الحياة الأخرى .. لقد اكتفى بيلي بشخصية واحدة .. لكن بول شارك بأكثر من وجه واستطاع ان يكسب اكثر منه بكثير .. لقد كان يساعده عندما يقع في المشاكل في الحياة الثانية .. واليوم يقف بيلي حائرا .. بول كان حذقا في العالم الافتراضي لكنه فقد الحياة الحقيقية .. ما معنى كل هذا .. إذا كان فتى بهذه الوسامة والصحة وبهذا النشاط وهذه الحيوية ينتهي في رمشة عين ويصبح كأن لم يكن .. كالخيال العابر للذاكرة .. 
هل كان حقا معنا في هذه الحياة ؟ (يسأل بيلي نفسه )
لولا آثاره هذه .. لشككت حقا .. ألا يكون كل هذا حلما كبيرا .. ألا تكون الحياة لعبة حقيرة .. (وهو ممدد على السرير لا يحس بأطرافه السفلى)
ثم يفقد الرغبة في المتابعة .. يطفئ الحاسب .. يضعه جانبا .. يحاول أن ينام والأرق يمنعه ..
في الصباح جاءت آنا ومعها دَيفد و بيتر .. يحملون معهم زهورا ..
آنا : أمك وصلت إلى دنفر أمس .. وغدا ستكون هنا معنا 
بيلي : أليست قلقة بشأني 
آنا : تبدوا بعض الشيء كذلك ، لكنني طمأنتها 
بيتر : جميع أعضاء الفريق يسألون عنك وعن صحتك ، وينتظرون عودتك السريعة
ديفد : في الحقيقة بيلي .. جئنا لنودعك .. لقد جد جديد في مركز الأبحاث ونحن مضطرون إلى العودة إلى الهوائي .. لست أدري إن أمكنني شرح المزيد (ويلتفت نحو بيتر)
يومئ له بيتر موافقا ، فيكمل ديفد : يبدوا أننا التقطنا إشارة جديدة .. وهذه المرة يبدوا الأمر جديا ..
يبتهج بيلي : هل صحيح هذا الأمر بيتر ..؟
بيتر : نعم بيلي .. هي إشارة مخالفة لكل ما رصدناه من قبل 
ديفد : إننا في لحظات تاريخية بيلي ، وإذا نجح الأمر فسيكتب اسميكما أنت وبول على شاشات الأخبار وستنشر صورتك على غلاف مجلة التايم لهذا العام 
بيتر : أجل .. لذلك يجب أن نعود إلى الهوائي ولا نضيع الوقت .. بول يستحق منا جهدا إضافيا في إتمام ما بدأه و أنت أيضا .. برنامجكما يبلي حسنا بيلي 
بيلي : متى أستطيع اللحاق بكم ..؟
آنا : ليس قبل أن تتعافى نهائيا .. مازال أمامك وقت نقاهة 
ثم انصرف الجميع ...
مساءا وبول يحاول أن يتلهى ببعض ألعاب الفيديو، يصيبه فتور وكآبة .. يغلق الحاسب ويضعه جانبا .. يلتقط مجلة ، يقلب أوراقها :
لو كان بول حيا ، لأقام الدنيا ولم يقعدها، كان ينتظر هذه اللحظة منذ بدئنا العمل، كنا نعلم أن برنامجنا كفيل بأن يساعد في التقاط الموجات العالية التي فشلوا في التقاطها من قبل ، منذ سنوات وهم يحاولون جاهدين التقاط إشارات حياة من أقاصي المجرة ولم يستطيعوا غير تلمس بعض الفوضى والتشويش ...
سيكون فتحا كبيرا في العلم وحدثا فارقا في هذا القرن .. يستطيع بول أن ينام هانئ البال لأن العالم سيذكره وسيذكرني معه ... نعم لن آسى على صديقي ...
وضع المجلة وحاول أن ينام .. لم يستطع .. فتح عيناه لتقعا على كتابيه .. هدية مستر ريتش .. تناول واحدا منهما، فإذا عنوانه "هكذا تكلم زرادشت" ،"كتاب لكل الناس وليس لأحد" ؟؟؟ بدى العجب على محيا بيلي وقال في نفسه من كاتب هذه الطلاسم ، فقرأ "الفيلسوف الألماني الشهير فريدريك نيتشه" .. قلّب أوراقه ، تناول فهرس موضوعاته فلفت نظره عنوان يقول "تخير لنفسك الموت" ؟؟؟ فقرأ .. وإذا بنيتشه يكلمه على لسان زرادشت قائلا :
كثيرٌ من يتأخرون في موتهم ، وكثير من يبكرون. فاذا قال قائل للناس بالموت في الزمن المناسب ، رفعوا عقيرتهم مستغربين . وأنا أُعَلم الناس أن يموتوا في الوقت المناسب . ولكن أنى لمن يعرف الحياة أن يتخير الموت في أوانه ؟ ...
أفما كان خيرا للدخلاء على الحياة لو أنهم لم يولدوا . ولكن هؤلاء الدخلاء يريدون أن يولي الناس أهمية كبرى لموتهم ، وكم من نواة تباهي بأنها كسرت وهي جوفاء ..
من الناس من لا يتجاوزون بأعمارهم الحد اللائق بالحقائق والظفر بها...
ومن الناس من يدب الهرم إلى قلوبهم أولا ، ومنهم من يدب الهرم إلى عقولهم ، ومنهم من يشيخون في ربيع الحياة ، غير أن من يبلغ الشباب متأخرا يحتفظ بشبابه أمدا طويلا ..
ومن الناس من ضلوا السبيل في حياتهم ، فأضاعوا عمرهم ، فعلى هؤلاء أن يعملوا على بلوغ التوفيق في موتهم على الأقل ..
وبيلي لا ينفك حريصا على تفكيك شيفرا هذه المعاني المركبة يقول في نفسه : إلى أين يريد أن يصل هذا المعتوه ؟ .. حتى بلغ قوله :
والحق أن ذلك العبراني الذي يمجده المبشرون بالموت البطيء قد مات قبل أوانه ، ولم يزل جم غفير يعتقد بأن ميتته المبكرة كانت مقدورة عليه ..
وما كان هذا المسيح العبراني قد عرف غير دموع قومه وأحزانهم وكيد أهل الصلاح والعدل ، لذلك راودته فجأة شهوة الفناء .
ولو أنه بقي في الصحراء بعيدا عن أهل الصلاح والعدل لكان تعلم حب الحياة وحب الأرض ، ولكان تعلم الضحك أيضاً . 
صدقوني، أيها الإخوة ، إن المسيح قد مات قبل أوانه ، ولو أنه بلغ العمر الذي بلغتُ ، لكان جحد تعاليمه ... 
وبول أيضا مات قبل أوانه .. أردف بيلي وهو يقلب صفحات الأحجية متسائلا: هل هناك في الحياة حقيقة غير ما نرى وما نسمع ..؟ ماذا يريد منا هذا المخبول ..؟ لو عاش هو أيضا إلى زمننا هذا لجحد كتابه هذا .. حتى استوقفه عنوان يقول " المخدوعون بالعالم الثاني " فقرأ:

استمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


#قصة #رواية # #باسكال #كاليفورنيا #Second #life

يتم التشغيل بواسطة Blogger.