عـــــدد الأصـــــوات
كان الامتعاض باديا على وجهي، لعله أدرك ذلك ، ولعله تجنب سؤالي عن المستقبل ، لم يكن بحسب اعتقــــــــــادي يحتـــــــــــاج منــــــــــي أن أؤكـــــــد نبـــــــــــــوءته
فاستمر في حديثه : ( أذكر زيارتي لمعرض باريس سنة 1936 ، لقد رأيت جناحا يديره يهودي كان يحاول إخفاء هويته يعرض فيه ماكنة محرك عجلة ، وبجانبه كان هناك مسلم يعرض سجادا وثيرا وعطور مثيرة ، وأذكر جيدا كيف لم أرتح لمنظر يهودي يركز على كل ما يخلق القوة ومسلم يبحث عن كل ما يدعو إلى الراحة والدعة
في ذلك الوقت كان الفقر الأخلاقي والفكري للعالم الإسلامي يبدو لي مرعبا أمام عالم غربي له روح أوروبية وتقنية ديكارتية )
بيني وبين نفسي أذهلتني ملاحظته قبل زهاء العشر سنوات من قيام ما يسمى بإسرائيل ... هذا فسر لي إلى حد ما سر انتصاراتهم وانكساراتنا ، ثم انتبهت اليه وهو يقول
( ... أما مشكلة الثقافة فلم يحن الوقت لسياسي جزائري أن يفهمها على أنها هي أساس السياسة وقاعدتها
لم أرى بكل أسف سواء لدى العلماء أو لدى غيرهم أثرا لما يسمى السياسة (Politique)
فالسياسة ليست ما يقال بل ما ينجز ... )
عاد ليسند ظهره على الأريكة وهو يرمي ببصره بعيدا عبر النافذة في شيء من الضجر كمن مل تكرار الكلام في ذات المسألة :
( عندما تطرح مشكلة الانتخابات كمشكل أساسي وتترك جانبا مشاكل الإنسان والتراب والزمن ...
فهمت حينها أن كل ما لا يخص الانتخابات لا يدخل في ميدان السياسة من وجهة نظر « الزعيم »
كانت الخطة الانتخابية أسمى أفكار هذا الرجل السياسي الكبير ، رأيته محاطا بمساعديه والكل منحن ومنكب على حساب عدد الأصوات التي يمكن أن تمنحها هذه البلدة أو تلك
عجبت لرجل بمثل هذه السطحية كيف أصبح قائدا لبلد رهنت أجيال مستقبلها في سبيل مستقبله
في تلك الحقبة كنت أرى الخطر الذي تمثله وطنية المنصات هذه التي يغيب فيها كل انشغال ذي طابع اجتماعي
المناضل الجزائري أصبح لا يطمح إلى المنصب فحسب بل يسعى للعب أدوار تدر عليه أربـــاحا أكثر )
فهمت ما يرمي إليه لأنني بكل أسف عايشته وتركت في أعقابه جماعتي
ما راعني أن الرجل يحدثني عن عاهة عمرها الآن يقارب القرن وقومي يظنون أنهم ابتدعوا دربا من النضال جديدا
المستنقع ... يستجلب البعوض .
إلى هنا شعرت بأن مكوثي قد طال وأن الرجل قد تحملني بسعة صدر منه ، فلم أشأ أن أثقل
قمت وأخذت بيده مصافحا :
( سيد مالك ، أشكرك على وقتك الثمين
أشكرك نيابة عن الكثيرين الذين لم ترهم لكنك وجهت أفكارهم )
ابتسم ابتسامة مريحة جعلتني أنصرف عنه في شيء من الطمأنينة
لكنه فاجأني مستدركا :
( لا تنسى محمد بن ساعي ، هو أستاذي ، وهو من وجه أفكاري ... أدري أنكم لا تعرفونه فهو خجول جدا ... اسأل عنه أهل باتنة )
وتركني مُسمرًا في مكاني
محمد بن ساعي ؟؟
الذي عاش بائسا في كوخ دون صاحبة ولا ولد
ومات فقيرا معدما لا يقوى على قوت يومه
محمد بن ساعي ؟؟
الدكتور الذي اشتغل كاتبا عموميا يحرر الرسائل ويكتب الشيكات أمام باب بلدية باتنة ؟؟
أجابني : ( نعم ) .
-----------------
مصطفى محاوي
#mostafamahaoui
حوار تخيلي مستوحى من أفكاره رحمه الله
راجع كتاب العفن لمالك بن نبي
-----------------
مصطفى محاوي
#mostafamahaoui
حوار تخيلي مستوحى من أفكاره رحمه الله
راجع كتاب العفن لمالك بن نبي
#مالك #بن #نبي #عـــــدد #الأصـــــوات