لأنه بذلك يثبت ضعفه وعدم جدارته بالمنزله
هنالك اختلاف شاسع، بين نوع الشيطان ونوع الإنسان؛ حيث أن لكل منهما مميزات وقدرات متباينة إلى حد بعيد.
نظرة الشيطان المحتقرة لهذا المخلوق الجديد، لديها مايدعمها من الضعف البادي عليه. والشيطان يعتقد أن بإمكانه إثبات نظرته، وفضح هذا الضعف، ليس أمام من سجد للإنسان فحسب، بل أمام الله تعالى الذي خلقه وكرمه، وأمام نفس الإنسان ذاتها ليذل كبرياءها
الخطيئة، في مشهد الأكل من الشجرة المحرمة؛ هي شهادة إثبات ضعف الإنسان، يحملها الشيطان في يده، شهادة يخاطب بها الله الخالق العظيم تقول: هذا الذي كرمته علي لايستحق هذه المنزلة ...
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) الإسراء 62
كيف استطاع الشيطان إغواء الإنسان؟
يبدو أن الشيطان لحظة خلق الإنسان، كان ذا خبرة في الحياة، كافية إلى حد التكهن باستجابات هذا المخلوق الجديد الممكنة، تجاه مسائل محددة، كالرغبة في الحياة الأبدية والملك الذي لا يزول. فالإنسان عندما أسكنه الله الجنة، كان يدرك أنه مخلوق لمهمة، وأن هذه الحياة إلى نهاية، وأن الموت لا مفر منه ...
كان الإنسان في الجنة، حيث لا ينقصه شيء من متع الحياة ...
لذا، نقب الشيطان عن رغبة في نفس الإنسان لا تستطيع الجنة إشباعها، فحص مكنوناته بحثا عن خلل، عن نقطة ضعف يبني عليها هيكل الخطيئة، لينهار توازنه جميعا بضربة واحدة ...
لكن الشيطان، كما لو كان يبحث في نفسه هو؛ لأن الإنسان طموح ... طموح جدا كما الشيطان، حياة واحدة لا تكفيه، هو يطمح إلى الخلود ... والجنة لا تستطيع أن تعطيه الخلود ...
حينها، عرف الشيطان كيف يلامس وترين حساسين في النفس البشرية:
الخلد و الملك
البقاء و السلطة
ويبدو أنهما حساسان له أيضا؛ فلا يخفي هو ذاته ولعه بهما، ولقد سأل الله إطالة حياته لتكون بعمر الدنيا كلها، ونال من الله تعالى ما أراد ...
قال الله سبحانه وتعالى:
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122)
طه : (115 - 122)
هل أرغم الشيطان الإنسان على المعصية؟
كلا ... هو لا يستطيع ذلك البتة ...
لكنه استدرج وزين واستمال الإنسان؛ وكل هذا من باب اللعب بالأفكار لا أكثر، كل ما قام به الشيطان لإنجاح مهمته، هو شن حملة دعائية في فكر ونفس هذا المخلوق، لأنها أقصى ما يستطيع فعله، الحرب النفسية، حرب خفية، حرب التلبيس والتدليس على قول ابن الجوزي رحمه الله ...
حربٌ تزيف فيها الحقائق وتروج فيها الأكاذيب، ضد ضحية لا تزال تختبر هذه الحياة وتجرب موازينها، ضد ضحية لا تزال تكتشف ذاتها، تفكيرها وأحاسيسها ...
فكانت الغلبة للخبرة... مؤقتا ...
عن ابن مسعود رضي الله عنه في حديث يرفعه قال:
إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة
فأما لمة الشيطان
فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق
وأما لمة الملك
فإيعاد بالخير وتصديق الحق...
إن الشيطان لا يستطيع إلا أن يعد ويكذب، كما أن الملك لا يستطيع أكثر من أن يعد ويصدق، كلاهما يحاوران هذه الذات ويناقشان أفكارها، كل يستميلها إلى طرفه، لكن زمام القرار والفعل بيد الإنسان، وحده يملك أن يجسد أحد الخيارين على أرض الواقع، بل ويملك أن يبدع خيارات أخرى تتجاوز حدود إدراك المخلوقين معا...
أليست الملائكة الكرام، عجزت وأقرت بتفوق علم الإنسان و إدراكه في امتحان الأسماء، هناك فوق السماء ؟.
يقول العقاد:
ليست الخطيئة في الإسلام أصلا كونيا يعاند الإرادة الإلهية بإرادة مثلها أو مقاسمة لها في أقطار الوجود العليا والسفلى، ولكنها اختلاس وخلل وتقصير، وله علاجه من عمل العامل نفسه بالتوبة والهداية أو بالتكفير والجزاء، ولما كانت فضيلة آدم على الملائكة والجن أنه تعلم الأسماء التي لم يتعلموها، كانت هدايته إلى التوبة كذلك بكلمات من المعرفة الإلهية ولم تكن بشيء غير عمله وقوله.
#لماذا #يريد #الشيطان #إيقاع #الإنسان #في #الخطيئة #؟