ماهو الشيطان في الضمير الإنساني؟

0
هل هو قيمة معنوية تفسر الشر في الحياة؟    القصة، تخبرنا أنه كيان وذات لا مجرد فكرة، تخبرنا أنه شخصية متمردة على الأمر الإلهي. والقصة تكشف أيضا، أنه ليس إله مطلقا للشر في الحياة، لكنه فاعل مهم في مجرى التاريخ الإنساني.  الشيطان؛ مخلوق آخر يختلف عن الإنسان شكلا ومضمونا، لكنه مجرد مخلوق فاني. هذا ما تؤكده أديان السماء، تخالف غيرها من وثنيات الأرض التي تعتبره إله للشر. وما اختلف علماء المسلمين واليهود والمسيحيين إلا في حقيقة جنسه: عندما يؤكد القرآن الكريم أنه كان من الجن تقول التوراه والإنجيل (الحاليين) أنه كان ملاكا من القربين  ولعل ابن عباس رضي الله عنه، ذهب للتوفيق بين التفسيرين؛ لما ذكر أن الجن حي من الملائكة، أي صنف منهم. لكنهم في العموم متفقون على رفعة مقامه عند الله تعالى.  كيف وصل الشيطان إلى ذلك المقام الرفيع؟  يوحي الكتاب المقدس أنه خلق ملاكا كاملا بمقام رفيع  ويسكت القرآن الكريم، بعد بيان خلقه من مارج من نار فاختلف لذلك المفسرون، بين قائل بخلقه في منزلته، وقائل بوصوله إليها بعمله.  فكيف سقط إذا ؟؟   الكتاب المقدس يقول: أن الخطيئة كانت في ضمير الشيطان؛ حين حدث نفسه بإمكانية تجاوز منزلته، وإدراك مقام الألوهية العالي. فتدنست نفسه، فطرده الله تعالى من حضرته السماوية، وسقط إلى الأرض ...  قال النبي أشعياء عليه السلام في مرثاته للشيطان:  كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. 14أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. 15لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ. 16اَلَّذِينَ يَرَوْنَكَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ، يَتَأَمَّلُونَ فِيكَ. أَهذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي زَلْزَلَ الأَرْضَ وَزَعْزَعَ الْمَمَالِكَ، 17الَّذِي جَعَلَ الْعَالَمَ كَقَفْرٍ، وَهَدَمَ مُدُنَهُ، الَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ؟     أشعياء الأصحاح الرابع عشر  والقرآن الكريم يذكر: أن الشيطان عصى أمر الله له بالسجود مع الملائكة الكرام، لآدم لحظة خلقه تكبرا. فاستحق بذلك اللعنة والطرد من حضرة المولى عز وجل، ومن ثمة أهبط إلى الأرض ...  قال الله تعالى لرسوله الكريم:  قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) ص : (67 - 88)   عند الحديث عن تاريخ التصور الإنساني للشر والشيطان، تواجهك أطروحة تطور الفكرة الدينية عبر الزمن، والتي لم تُتَجاهل من بعض الكتاب المسلمين، كما العقاد وحتى حديثا عند هشام يحي الملاح؛ حيث تذهب الفكرة في باب مقارنة الأديان، إلى أن التصور الإنساني للشيطان بدأ متدرجا من الخوف من الأذى والضرر، وصولا إلى الفصل التام ما بين مفهومي الخير والشر، وذلك عبر أحقاب طويلة من الأديان والحضارات. كما ترمي إلى أن الأديان السماوية اقتبست مفهوم الشيطان عصر الحضارة البابلية، أيام الأسر اليهودي، وأن أحبار اليهود تأثروا بمناخ الثقافة ''الزرادشتية'' هناك، فعمدوا إلى إعادة صياغة التوراة متضمنة أفكارا جديدة عن الشيطان والمسيح المنتظر والقيامة بعد الموت. وتذهب الفكرة نزولا بالشيطان من ألوهية ''الثنوية''، تنقص من قدره كلما تناوته أديان التوحيد السماوية، مرورا باليهودية والمسيحية، حتى حطه الإسلام في الدرك الأسفل من النار مخلوقا ضعيفا لا يقدر على شيء.  الفكرة التطورية هذه؛ من مجمل إرتدادات نظرية داروين في العقل الغربي، الذي درج على قراءة الحياة وهو مكب يعبث بتراب الأرض، بعد أن كف عن التطلع إلى السماء. وعاد يحط من كل قيمة نبيلة أو فكرة راقية، برد أصلها إلى جذور الغريزة الحيوانية أو الضرورة المنفعية.  هذا، وإن كان ذلك مما يسعفهم، فإنه في أصول الأمر لا يسعفنا؛ لأن إيماننا بحقيقة النص القرآني، وبصدقية الرسالة المحمدية، يفرض علينا التعامل مع آيات الكتاب الكريم، كوثائق تاريخية ثابتة الصحة. وعندما يقول القرآن، إن الإنسان الأول عرف الشيطان حقيقة مجسدة في مخلوق فاني، فإنها بذلك تكون أصلا ينبني عليه الإدراك الإنساني فيما بعد:   وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ طه : (116 - 117)   ثم إن الفكرة التطورية ذاتها ، لا تستند على حقيقة ثابتة ، إلا اتباع الظن و قراءة الظواهر مع الربط مابين المتشابهات ؛ فإذا كان ''أهرمان'' إله للظلام عند الزردشتيين فنسخته العبرية إذا ''عزازيل'' ربا للقفار عند اليهود.. لكن، لم لا تكون الفكرة أصلا قد قلبت رأسا على عقب؟؛ بأن ترقت فكرت الشيطان في الضمير الإنساني، من عدو متوجس لأذاه، إلى إله للشر ينافس رب الخير في ملكه، يستحق العبادة والقرابين.   على شاكلة تحول الشجرة المحرمة رديئة الطعم، إلى شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى. ولم لا تكون أديان السماء، قد أعادت الأمور إلى نصابها، ووضعت كلا في مكانه، تمسح عن ضمير الإنسانية ما ران عليه بعد دهور من التحريف والتجذيف ...   فإن قيل، إن تدرج الفكرة جلي في الأديان السماوية ذاتها؛ فالتوراة لم تحط من قيمة الشيطان كما حط الإنجيل والقرآن من بعده.  قلنا، أنها آفة الأفكار نفسها، التي أحالت المصلح بوذا إلها بعد قرون، والمسيح ابن مريم ربا بعد سنوات، تفعل فعلها في كل تراث روحي أو معرفي. فالتوراة هذه التي تدرس، لم تسغ إلا بعد موسى عليه السلام بما ناهز الألف سنة. وبشهادة علمائها لا تسلم من تحريف؛ فلا يبعد أن يعلوها غبار الزمن، وأن يعتريها صدأ الأهواء، يخفت من نورها الرباني الأصيل. وحتى الإنجيل، الذي زاد عليه القديس ''بولس'' من زخرفة قوله ما عكر صفوه وصدع به بنيان اتباعه، أثار بلبلة لم تفك حبائلها إلى يوم الناس هذا .. وحده القرآن، ظل صافيا ناصعا بنور الله؛ لأن الله العظيم الذي تكلم به، تكفل بحفظه.


هل هو قيمة معنوية تفسر الشر في الحياة؟ 


القصة، تخبرنا أنه كيان وذات لا مجرد فكرة، تخبرنا أنه شخصية متمردة على الأمر الإلهي. والقصة تكشف أيضا، أنه ليس إله مطلقا للشر في الحياة، لكنه فاعل مهم في مجرى التاريخ الإنساني.

الشيطان؛ مخلوق آخر يختلف عن الإنسان شكلا ومضمونا، لكنه مجرد مخلوق فاني. هذا ما تؤكده أديان السماء، تخالف غيرها من وثنيات الأرض التي تعتبره إله للشر. وما اختلف علماء المسلمين واليهود والمسيحيين إلا في حقيقة جنسه:
عندما يؤكد القرآن الكريم أنه كان من الجن
تقول التوراه والإنجيل (الحاليين) أنه كان ملاكا من القربين

ولعل ابن عباس رضي الله عنه، ذهب للتوفيق بين التفسيرين؛ لما ذكر أن الجن حي من الملائكة، أي صنف منهم. لكنهم في العموم متفقون على رفعة مقامه عند الله تعالى.

كيف وصل الشيطان إلى ذلك المقام الرفيع؟

يوحي الكتاب المقدس أنه خلق ملاكا كاملا بمقام رفيع 
ويسكت القرآن الكريم، بعد بيان خلقه من مارج من نار
فاختلف لذلك المفسرون، بين قائل بخلقه في منزلته، وقائل بوصوله إليها بعمله.

فكيف سقط إذا ؟؟ 

الكتاب المقدس يقول: أن الخطيئة كانت في ضمير الشيطان؛ حين حدث نفسه بإمكانية تجاوز منزلته، وإدراك مقام الألوهية العالي. فتدنست نفسه، فطرده الله تعالى من حضرته السماوية، وسقط إلى الأرض ...

قال النبي أشعياء عليه السلام في مرثاته للشيطان:

كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. 14أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. 15لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ. 16اَلَّذِينَ يَرَوْنَكَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ، يَتَأَمَّلُونَ فِيكَ. أَهذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي زَلْزَلَ الأَرْضَ وَزَعْزَعَ الْمَمَالِكَ، 17الَّذِي جَعَلَ الْعَالَمَ كَقَفْرٍ، وَهَدَمَ مُدُنَهُ، الَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ؟    
أشعياء الأصحاح الرابع عشر

والقرآن الكريم يذكر: أن الشيطان عصى أمر الله له بالسجود مع الملائكة الكرام، لآدم لحظة خلقه تكبرا. فاستحق بذلك اللعنة والطرد من حضرة المولى عز وجل، ومن ثمة أهبط إلى الأرض ...

قال الله تعالى لرسوله الكريم:

قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) ص : (67 - 88) 

عند الحديث عن تاريخ التصور الإنساني للشر والشيطان، تواجهك أطروحة تطور الفكرة الدينية عبر الزمن، والتي لم تُتَجاهل من بعض الكتاب المسلمين، كما العقاد وحتى حديثا عند هشام يحي الملاح؛ حيث تذهب الفكرة في باب مقارنة الأديان، إلى أن التصور الإنساني للشيطان بدأ متدرجا من الخوف من الأذى والضرر، وصولا إلى الفصل التام ما بين مفهومي الخير والشر، وذلك عبر أحقاب طويلة من الأديان والحضارات. كما ترمي إلى أن الأديان السماوية اقتبست مفهوم الشيطان عصر الحضارة البابلية، أيام الأسر اليهودي، وأن أحبار اليهود تأثروا بمناخ الثقافة ''الزرادشتية'' هناك، فعمدوا إلى إعادة صياغة التوراة متضمنة أفكارا جديدة عن الشيطان والمسيح المنتظر والقيامة بعد الموت. وتذهب الفكرة نزولا بالشيطان من ألوهية ''الثنوية''، تنقص من قدره كلما تناوته أديان التوحيد السماوية، مرورا باليهودية والمسيحية، حتى حطه الإسلام في الدرك الأسفل من النار مخلوقا ضعيفا لا يقدر على شيء.

الفكرة التطورية هذه؛ من مجمل إرتدادات نظرية داروين في العقل الغربي، الذي درج على قراءة الحياة وهو مكب يعبث بتراب الأرض، بعد أن كف عن التطلع إلى السماء. وعاد يحط من كل قيمة نبيلة أو فكرة راقية، برد أصلها إلى جذور الغريزة الحيوانية أو الضرورة المنفعية.

هذا، وإن كان ذلك مما يسعفهم، فإنه في أصول الأمر لا يسعفنا؛ لأن إيماننا بحقيقة النص القرآني، وبصدقية الرسالة المحمدية، يفرض علينا التعامل مع آيات الكتاب الكريم، كوثائق تاريخية ثابتة الصحة. وعندما يقول القرآن، إن الإنسان الأول عرف الشيطان حقيقة مجسدة في مخلوق فاني، فإنها بذلك تكون أصلا ينبني عليه الإدراك الإنساني فيما بعد: 

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ طه : (116 - 117) 

ثم إن الفكرة التطورية ذاتها ، لا تستند على حقيقة ثابتة ، إلا اتباع الظن و قراءة الظواهر مع الربط مابين المتشابهات ؛ فإذا كان ''أهرمان'' إله للظلام عند الزردشتيين فنسخته العبرية إذا ''عزازيل'' ربا للقفار عند اليهود.. لكن، لم لا تكون الفكرة أصلا قد قلبت رأسا على عقب؟؛ بأن ترقت فكرت الشيطان في الضمير الإنساني، من عدو متوجس لأذاه، إلى إله للشر ينافس رب الخير في ملكه، يستحق العبادة والقرابين. 

على شاكلة تحول الشجرة المحرمة رديئة الطعم، إلى شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى. ولم لا تكون أديان السماء، قد أعادت الأمور إلى نصابها، ووضعت كلا في مكانه، تمسح عن ضمير الإنسانية ما ران عليه بعد دهور من التحريف والتجذيف ... 

فإن قيل، إن تدرج الفكرة جلي في الأديان السماوية ذاتها؛ فالتوراة لم تحط من قيمة الشيطان كما حط الإنجيل والقرآن من بعده.

قلنا، أنها آفة الأفكار نفسها، التي أحالت المصلح بوذا إلها بعد قرون، والمسيح ابن مريم ربا بعد سنوات، تفعل فعلها في كل تراث روحي أو معرفي. فالتوراة هذه التي تدرس، لم تسغ إلا بعد موسى عليه السلام بما ناهز الألف سنة. وبشهادة علمائها لا تسلم من تحريف؛ فلا يبعد أن يعلوها غبار الزمن، وأن يعتريها صدأ الأهواء، يخفت من نورها الرباني الأصيل. وحتى الإنجيل، الذي زاد عليه القديس ''بولس'' من زخرفة قوله ما عكر صفوه وصدع به بنيان اتباعه، أثار بلبلة لم تفك حبائلها إلى يوم الناس هذا .. وحده القرآن، ظل صافيا ناصعا بنور الله؛ لأن الله العظيم الذي تكلم به، تكفل بحفظه.

#ماهو #الشيطان #في #الضمير #الإنساني؟
يتم التشغيل بواسطة Blogger.