الشيطان والإنسان: القصة -5- قطعان عفاريت

0
الفصل الخامس  تخترق قطعان عفاريت أحجبة الضباب على سطح البحر الهائج ..  تسرع في صخب نحو قطر مظلم يترآءى في الأفق .. كلما اقترب .. تنزاح كتل الضباب الأسود عنه .. كلما اقترب .. بدت من حوله أشلاء تطير .. تطوف .. لا تكاد تميز ... .. وكأنما هو صرح عظيم على الماء .. وأسراب كالذباب .. منطلقة منه وإليه .. مكان مظلم .. عاتم ... مقرف ..!! يكسر السكون المهيب .. صوت الأمواج الرهيب .. وصراخ .. وعواء .. وقهقهات ... تنبعث من القلعة المظلمة..!! .. من حين إلى حين .. الشيطان اللعين .. منتشي ، يعتلي عرشه الأسود .. وحوله جموع الشياطين والعفاريت في سجود ذليل ... .. تنبجس أنيابه المصفرة ، عن ضحكة حقيرة .. وقد طال أمد السجود ... لقد دانت له أغلب قبائل الجن ، وصار إلهها المعبود ..!! وهاهي ذي القرابين الفاخرة تحت قدميه .. وهاهم عبيده يتسابقون في خدمته ونيل رضاه .. فيستفرغ ما وسعه ضحكا كالتجشأ ، من على عرشه .. ثم يرمق الجميع بنظرات .. تتسارع عند قدميه العفاريت ، تطلب حظوته ... نشوة النصر لم تكتمل بعد ..!! مازالت بقية من الجن ، تأبى الخضوع ... هي تحتمي بذلك المخلوق '' آدم '' .. هو وأهله يذكرون الله العظيم كثيرا .. والملائكة لاتتركهم .. هي معهم أينما ذهبوا .. الملائكة قوية جدا ، ترهبها العفاريت ... إذا رأتها من مكان بعيد ، ولت فرارا ..!! تلك القلة من الجن ،تجد في معية آدم الأمن والسكينة ... حيث لا تطالها يده المتسلطة ... تتراقص عينا اللعين في اضطراب ..، كلما لحظت العفاريت ذلك منه ، توجست منه خيفة ... ومنها من يترك المكان هربا .. هي نذائر غضبه .. قد يفعل أي شيء..!! .. أي شيء..!! .. لقد ذكر آدم ... . آدم مع بنيه في السهل الأخضر .. لقد بدأ العمل .. على ذريته أن تملأ هذه الأرض العذراء .. أن تبني '' حضارة '' .. أساسها .. الحق والعدل والخير .. حضارة وفق منهج الله الحكيم ، الذي يدلها عليه .. البشر ، هم أوصياء الله الخالق على هذه الأرض .. يحفظون توازنها .. وحقوق مخلوقاتها .. ويزيدون جمالها جمالا ... حلم جميل ..!! .. كان يسير المنال لو لم يكن معهم في رحلة الحياة هذه شخص كهذا الشيطان الملعون ..  آدم يلقن بنيه هذا... لكن ثمة خطب جديد ... أبناءه ... ومنذ وعوا .. أبصروا الأرض موطنا و السماء سقفا .. لا يبصرون ملائكة ولا جنا .. ولا شياطين إبليس ولا عفاريته ..!! إذا رفعوا رؤسهم ، أبصروا كتلا من السحاب الأبيض وزرقة لطيفة .. وآدم يشير نحوها ويقول ، ثمة خلفها عالما آخر .. أوسع وأجمل ،هو موطنهم ،إليه يعودون يوما ما .. ويلقون الله خالقهم فيه..!!  .. وتبدأ الإشكالات ..!! الشيطان يرقب الوضع الجديد ، لحظة بلحظة .. تارة من على عرشه عبر رسله .. ويفضل في الأخرى الوقوف بنفسه على أحوال هذه العائلة .. إنها نقطة ضعف .. لن تفلت من بين مخالبه هذه المرة .. يأمر شياطينه بالانقضاض على هؤلاء الصغار ، بكل قوة وتركيز.. مهما كثر الضحايا في جنده .. يستميت : -أهجموا .. في اليل ،في النهار .. متى بدى لكم الوقت مناسبا .. متى لاحت الفرصة ..  ولمن نجح منكم ، عندي جزاء عظيم ... هكذا يذكي في جنده جذوة الحماس .. والمعركة محتدمة ... العفاريت من خلفها الشياطين ، تغير ... والملائكة يساندها الجن المؤمنون ، تدافع .. آدم عليه السلام ، لائذ بربه في تضرعات مشفقة ... وحواء إلى جنبه لاتكاد تفارقه ... لقد اشتد الحال ..!! .. ترمقه بنظرات رحمة وحنان .. وبها مما يؤرقه هم عظيم ... آدم يلحظ في بنيه ملامح لايطمئن إليها قلبه .. الحياة غريبة وصعبة .. هذا خطب جديد لم يجربه آدم ولا حواء من قبل ..  إنه صراع جديد .. صراع رهيب .. هو معركة '' الإيمان '' . الإيمان بالغيب .. بما لاتحيط به حواسك ولا إدراكك .. معركة ساحتها شعاب الفؤاد .. وتحتضنها ثنيا الضلوع .. آدم وحواء يلمحان صخب هذه المعارك وهي تحتدم خلال صدور الأبناء وقد شبّوا .. آدم يشعر بعدم السيطرة على الوضع .. هؤلاء الأبناء ، كل مستقل بذاته .. إن شاء آمن وإن شاء أراد غير ذلك ..!! .. لا يملك عليه السلام ، ولا الأم حواء، أي سلطة على أفكارهم .. -لقد خلقوا هكذا أحرارا .. حرية توجها الله هامات البشر .. من شاء آمن ومن شاء كفر.. -ليس من حقك إرغام غيرك على اعتناق إيمانك .. ولو كان ابنك القريب ..!! واقع صعب .. بدأ مذاقه يزداد مرارة ، مع الزمن الزاحف نحو المجهول ..!! ذاك الملعون .. قل استقراره في مملكته .. أضحى كثير التردد على الجوار .. يتتبع منازل عائلة تكاد تصير قبيلة من البشر.. شديد الاهتمام بحالها .. لديه حاسة خبيثة تنبؤه بمواقع الخلل في النفس البشرية .. إنه يتفحص هؤلاء الجدد واحدا واحدا .. ثم يصدر تعليماته لجنده ... إنه حريص على سلامة خطواته من الفشل هذه المرة .. هناك في بعض الأحايين ، من بني آدم هؤلاء ، من يتقاعس في أذكاره ، وفي طاهرته .. من تتغلب عليه نفسه وهواه فيضعف حصنه المنيع .. وربما قد تنفض عنه الملائكة ... عندها ودونما تردد تنقض عليه الشياطين من كل صوب .. تنفخ في روعه .. تثير أحاسيسه .. تربك تفكيره .. فيتعالى في زحمة الموقف من حوله حسيس الوسوسة .. معركة ..!!

الفصل الخامس

تخترق قطعان عفاريت أحجبة الضباب على سطح البحر الهائج .. 
تسرع في صخب نحو قطر مظلم يترآءى في الأفق ..
كلما اقترب .. تنزاح كتل الضباب الأسود عنه ..
كلما اقترب .. بدت من حوله أشلاء تطير .. تطوف .. لا تكاد تميز ...
.. وكأنما هو صرح عظيم على الماء ..
وأسراب كالذباب .. منطلقة منه وإليه .. مكان مظلم .. عاتم ... مقرف ..!!
يكسر السكون المهيب .. صوت الأمواج الرهيب .. وصراخ .. وعواء .. وقهقهات ... تنبعث من القلعة المظلمة..!! .. من حين إلى حين ..
الشيطان اللعين .. منتشي ، يعتلي عرشه الأسود .. وحوله جموع الشياطين والعفاريت في سجود ذليل ...
.. تنبجس أنيابه المصفرة ، عن ضحكة حقيرة .. وقد طال أمد السجود ...
لقد دانت له أغلب قبائل الجن ، وصار إلهها المعبود ..!! وهاهي ذي القرابين الفاخرة تحت قدميه .. وهاهم عبيده يتسابقون في خدمته ونيل رضاه ..
فيستفرغ ما وسعه ضحكا كالتجشأ ، من على عرشه .. ثم يرمق الجميع بنظرات ..
تتسارع عند قدميه العفاريت ، تطلب حظوته ...
نشوة النصر لم تكتمل بعد ..!!
مازالت بقية من الجن ، تأبى الخضوع ... هي تحتمي بذلك المخلوق '' آدم '' .. هو وأهله يذكرون الله العظيم كثيرا .. والملائكة لاتتركهم .. هي معهم أينما ذهبوا ..
الملائكة قوية جدا ، ترهبها العفاريت ... إذا رأتها من مكان بعيد ، ولت فرارا ..!!
تلك القلة من الجن ،تجد في معية آدم الأمن والسكينة ... حيث لا تطالها يده المتسلطة ...
تتراقص عينا اللعين في اضطراب ..، كلما لحظت العفاريت ذلك منه ، توجست منه خيفة ...
ومنها من يترك المكان هربا .. هي نذائر غضبه .. قد يفعل أي شيء..!! .. أي شيء..!!
.. لقد ذكر آدم ... .
آدم مع بنيه في السهل الأخضر .. لقد بدأ العمل .. على ذريته أن تملأ هذه الأرض العذراء .. أن تبني '' حضارة '' .. أساسها .. الحق والعدل والخير ..
حضارة وفق منهج الله الحكيم ، الذي يدلها عليه ..
البشر ، هم أوصياء الله الخالق على هذه الأرض .. يحفظون توازنها .. وحقوق مخلوقاتها .. ويزيدون جمالها جمالا ... حلم جميل ..!! .. كان يسير المنال لو لم يكن معهم في رحلة الحياة هذه شخص كهذا الشيطان الملعون .. 
آدم يلقن بنيه هذا... لكن ثمة خطب جديد ...
أبناءه ... ومنذ وعوا .. أبصروا الأرض موطنا و السماء سقفا .. لا يبصرون ملائكة ولا جنا .. ولا شياطين إبليس ولا عفاريته ..!!
إذا رفعوا رؤسهم ، أبصروا كتلا من السحاب الأبيض وزرقة لطيفة .. وآدم يشير نحوها ويقول ، ثمة خلفها عالما آخر .. أوسع وأجمل ،هو موطنهم ،إليه يعودون يوما ما .. ويلقون الله خالقهم فيه..!! 
.. وتبدأ الإشكالات ..!!
الشيطان يرقب الوضع الجديد ، لحظة بلحظة .. تارة من على عرشه عبر رسله .. ويفضل في الأخرى الوقوف بنفسه على أحوال هذه العائلة ..
إنها نقطة ضعف .. لن تفلت من بين مخالبه هذه المرة ..
يأمر شياطينه بالانقضاض على هؤلاء الصغار ، بكل قوة وتركيز..
مهما كثر الضحايا في جنده .. يستميت :
-أهجموا .. في اليل ،في النهار .. متى بدى لكم الوقت مناسبا .. متى لاحت الفرصة .. 
ولمن نجح منكم ، عندي جزاء عظيم ...
هكذا يذكي في جنده جذوة الحماس .. والمعركة محتدمة ...
العفاريت من خلفها الشياطين ، تغير ...
والملائكة يساندها الجن المؤمنون ، تدافع ..
آدم عليه السلام ، لائذ بربه في تضرعات مشفقة ... وحواء إلى جنبه لاتكاد تفارقه ... لقد اشتد الحال ..!! .. ترمقه بنظرات رحمة وحنان .. وبها مما يؤرقه هم عظيم ...
آدم يلحظ في بنيه ملامح لايطمئن إليها قلبه .. الحياة غريبة وصعبة .. هذا خطب جديد لم يجربه آدم ولا حواء من قبل .. 
إنه صراع جديد .. صراع رهيب .. هو معركة '' الإيمان '' .
الإيمان بالغيب .. بما لاتحيط به حواسك ولا إدراكك ..
معركة ساحتها شعاب الفؤاد .. وتحتضنها ثنيا الضلوع ..
آدم وحواء يلمحان صخب هذه المعارك وهي تحتدم خلال صدور الأبناء وقد شبّوا ..
آدم يشعر بعدم السيطرة على الوضع .. هؤلاء الأبناء ، كل مستقل بذاته .. إن شاء آمن وإن شاء أراد غير ذلك ..!! .. لا يملك عليه السلام ، ولا الأم حواء، أي سلطة على أفكارهم ..
-لقد خلقوا هكذا أحرارا ..
حرية توجها الله هامات البشر .. من شاء آمن ومن شاء كفر..
-ليس من حقك إرغام غيرك على اعتناق إيمانك .. ولو كان ابنك القريب ..!!
واقع صعب .. بدأ مذاقه يزداد مرارة ، مع الزمن الزاحف نحو المجهول ..!!
ذاك الملعون .. قل استقراره في مملكته .. أضحى كثير التردد على الجوار .. يتتبع منازل عائلة تكاد تصير قبيلة من البشر.. شديد الاهتمام بحالها .. لديه حاسة خبيثة تنبؤه بمواقع الخلل في النفس البشرية .. إنه يتفحص هؤلاء الجدد واحدا واحدا ..
ثم يصدر تعليماته لجنده ...
إنه حريص على سلامة خطواته من الفشل هذه المرة ..
هناك في بعض الأحايين ، من بني آدم هؤلاء ، من يتقاعس في أذكاره ، وفي طاهرته .. من تتغلب عليه نفسه وهواه فيضعف حصنه المنيع .. وربما قد تنفض عنه الملائكة ... عندها ودونما تردد تنقض عليه الشياطين من كل صوب .. تنفخ في روعه .. تثير أحاسيسه .. تربك تفكيره .. فيتعالى في زحمة الموقف من حوله حسيس الوسوسة .. معركة ..!! 

*** 

مصطفى محاوي - أوت 2004

إستمع إلى البودكاست الإذاعي للحلقة من هنا :


#قصة #رواية # #الشيطان #والإنسان: #القصة #-5- # #قطعان #عفاريت # #
يتم التشغيل بواسطة Blogger.