ركام أشجان -3- الليل

0
في ذلك الليل .. اشتدت الظلمة وركام من سحاب الرعب غطى الأفق .. كل الأفق .. يوما بعد يوم يقترب .. يوما بعد يوم تغص به السماء .. وضبابه الرمادي الكريه جثم على شعاب الجبــــال ... ها هو ذا يزحف من كل الأودية إلى هنا ... والفلاح يرمق الجو .. أبصر كل هذا ... غير بعيد عن الفلاح وبيته، هناك عند قمة الجبل قرية ليست للفلاحين فأصحابها أغنياء عن الفلاحة .. دورهم باهية و من حولها السيارات الباهظة رابضة .. قد كان الجو جميلا أخاذا هنا من قبل .. لطالما أقام المترفون فيها أيام العطل ، ونعيق لهوهم كان يعلوا بين الحين والحين يقلق سلام الغابة ... تلك الدور غدت خالية ، خاوية على عروشها .. سادها الصمت والوجوم .. أهلها رحلوا ولم يبقى منهم أحد ، لما رأوا ركام السحاب مقبلا أدركوا هول ما سيحدث فلم يمهلوه الوقت وشدوا الرحال بعيدا ، لكل منهم يوم إذن شأن يغنيه . أزقتهم خاوية ودورهم خالية ... أبصر ذلك الفلاح وهو يقف متفحصا المكان خلف سور من الشباك قد تناوله بيديه الخشنتين ... أجل شباك قد أحاط بالقرية يحميها ممن ليس يحق لهم دخولها من بسطاء الحال .. لم يكن الفلاح يتوقع أن أصحاب هذه الجنة سوف يتركونها يوما .. ثم أطرق مفكرا ، لن تغني عنهم جنتهم هذه شيئا وسحاب الرعب قادم .. لا يجدي معه إلا الهرب  والفلاح أليس في مهب الريح أيضا ...؟ فما باله جاثم هنا عند كوخه القديم ..؟؟ أطرق المسكين مرة أخرى وسال الأسى على جبينه ... لكل من القوم ملجأ يأوي إليه ... أما التعيس فليس له اليوم ها هنا حميم .. أين يذهب ..؟ بل من أين له مؤنة السفر ..؟ ليس له إلا البقاء والاحتساب ..لعل العاصفة تنجلي .. لعل الضباب يسلك غير هذه الطريق .. كلها أماني .. وهل ستغني من الواقع المر من شيء ...؟ أم الأولاد عند زاوية البيت تتجرع المرارة وهي ترمق الغد القاتم في حسرة ، والأولاد لم يعودوا يلعبون .. تفرقوا في الحقل .. أدركوا ما يدور حولهم ، نغص عليهم الأمر براءتهم وطفقوا تصور لهم عقولهم الصغيرة هول ما سيحدث ... وعند "الكانون" جلست الفتاة تصونه وتعد ما أمكنها أن تعد من طعام ، ليست في منأى عما يحدث ، غير أنها و ككل واحد منهم تحاول أن تتجاهل .. لتستمر الحياة .. وأي حياة.؟ ما تكاد الشمس تتوارى خلف الأشجار .. خلف الجبل ، حتى تضيق الصدور بمكنوناتها وتتطاير أشباح الرعب في كل مكان وكأنها من كل حدب تنزل .. وتضيق الأرض بما رحبت ، وتتحول الغابة إلى شيطان أسود يتحين وقت الانقضاض .. إلى وحش جاثم على صدر الوادي لا يؤمن شره ... وتضطجع تلك الأجساد الصغيرة صفا بجانب الجدار ، فتسدل الـأم عليها غطاء خشنا استعدادا للنوم إن أمكنه أن يتسلل إلى تلك الأعين .. قد كانت يوما تسهر على وقع أحداث "حاجيتك ماجيتك" في سمر بهيج ، يوم كان الأولاد يترجون الأم أن تحكي لهم قصص "الغول" ، وتستمع الآذان للقصة في وجل جميل ... لم يكن أحد يتصور أن هذه الخرافات سوف تغدو واقعا معاشا ... جحظت عينا الأم وهي تسترجع الماضي .. فعلا أصبحت الحكايات حقيقة .. تلك "الأغوال" تعيث الآن في الغابة .. وهي تقترب ...

كتبت يوم ما من أيام أبريل من عام 2002 م

في ذلك الليل ..
اشتدت الظلمة وركام من سحاب الرعب غطى الأفق .. كل الأفق .. يوما بعد يوم يقترب .. يوما بعد يوم تغص به السماء .. وضبابه الرمادي الكريه جثم على شعاب الجبــــال ... ها هو ذا يزحف من كل الأودية إلى هنا ...
والفلاح يرمق الجو .. أبصر كل هذا ... غير بعيد عن الفلاح وبيته، هناك عند قمة الجبل قرية ليست للفلاحين فأصحابها أغنياء عن الفلاحة .. دورهم باهية و من حولها السيارات الباهظة رابضة .. قد كان الجو جميلا أخاذا هنا من قبل .. لطالما أقام المترفون فيها أيام العطل ، ونعيق لهوهم كان يعلوا بين الحين والحين يقلق سلام الغابة ...
تلك الدور غدت خالية ، خاوية على عروشها .. سادها الصمت والوجوم .. أهلها رحلوا ولم يبقى منهم أحد ، لما رأوا ركام السحاب مقبلا أدركوا هول ما سيحدث فلم يمهلوه الوقت وشدوا الرحال بعيدا ، لكل منهم يوم إذن شأن يغنيه .
أزقتهم خاوية ودورهم خالية ... أبصر ذلك الفلاح وهو يقف متفحصا المكان خلف سور من الشباك قد تناوله بيديه الخشنتين ...
أجل شباك قد أحاط بالقرية يحميها ممن ليس يحق لهم دخولها من بسطاء الحال ..
لم يكن الفلاح يتوقع أن أصحاب هذه الجنة سوف يتركونها يوما .. ثم أطرق مفكرا ، لن تغني عنهم جنتهم هذه شيئا وسحاب الرعب قادم .. لا يجدي معه إلا الهرب 
والفلاح أليس في مهب الريح أيضا ...؟
فما باله جاثم هنا عند كوخه القديم ..؟؟ أطرق المسكين مرة أخرى وسال الأسى على جبينه ... لكل من القوم ملجأ يأوي إليه ... أما التعيس فليس له اليوم ها هنا حميم .. أين يذهب ..؟ بل من أين له مؤنة السفر ..؟ ليس له إلا البقاء والاحتساب ..لعل العاصفة تنجلي .. لعل الضباب يسلك غير هذه الطريق .. كلها أماني .. وهل ستغني من الواقع المر من شيء ...؟
أم الأولاد عند زاوية البيت تتجرع المرارة وهي ترمق الغد القاتم في حسرة ، والأولاد لم يعودوا يلعبون .. تفرقوا في الحقل .. أدركوا ما يدور حولهم ، نغص عليهم الأمر براءتهم وطفقوا تصور لهم عقولهم الصغيرة هول ما سيحدث ...
وعند "الكانون" جلست الفتاة تصونه وتعد ما أمكنها أن تعد من طعام ، ليست في منأى عما يحدث ، غير أنها و ككل واحد منهم تحاول أن تتجاهل .. لتستمر الحياة .. وأي حياة.؟
ما تكاد الشمس تتوارى خلف الأشجار .. خلف الجبل ، حتى تضيق الصدور بمكنوناتها وتتطاير أشباح الرعب في كل مكان وكأنها من كل حدب تنزل .. وتضيق الأرض بما رحبت ، وتتحول الغابة إلى شيطان أسود يتحين وقت الانقضاض .. إلى وحش جاثم على صدر الوادي لا يؤمن شره ...
وتضطجع تلك الأجساد الصغيرة صفا بجانب الجدار ، فتسدل الـأم عليها غطاء خشنا استعدادا للنوم إن أمكنه أن يتسلل إلى تلك الأعين ..
قد كانت يوما تسهر على وقع أحداث "حاجيتك ماجيتك" في سمر بهيج ، يوم كان الأولاد يترجون الأم أن تحكي لهم قصص "الغول" ، وتستمع الآذان للقصة في وجل جميل ... لم يكن أحد يتصور أن هذه الخرافات سوف تغدو واقعا معاشا ...
جحظت عينا الأم وهي تسترجع الماضي .. فعلا أصبحت الحكايات حقيقة .. تلك "الأغوال" تعيث الآن في الغابة .. وهي تقترب ... 

#ركام #أشجان #-3- #الليل #  #قصة #رواية
يتم التشغيل بواسطة Blogger.