كتبت يوم 24 ديسمبر من عام 2012 م
عباس خير منكم :
عجيبة هي مفارقات التاريخ ، فلا يزال يدهشني تشابه الأحداث وكأنما هي تكرر نفسها رغم كوني لم أنهي بعد مطالعتي للكتاب القيم "التاريخ السياسي للجزائر" ، وقفت هذه المرة على تبعات الثورة السياسية التي فجرها الأمير خالد وكيف زلزلت أركان البيت الفرنسي حتى تحالف ضده الأعداء (المستوطنون، الحكومة الفرنسية، أذناب فرنسا من الجزائريين ) ، لكن اللافت والمثير في هذه التجربة هي الصرامة السياسية والثبات الذي أظهره الأمير رغم الظروف الصعبة وكون البلاد مستعمرة أصلا وهامش الحرية ضيق حرج ، يقول الدكتور عمار بوحوش:
(جاءت الانتخابات البلدية في شهر نوفمبر من عام 1919 ونجحت قائمة الأمير خالد وزملائه الذين يرفضون التخلي عن الهوية العربية الإسلامية... فاتهم الأمير خالد بأنه يتآمر ضد السلطات الفرنسية وانه يستعمل نفوذه الديني... وكانت النتيجة هي إلغاء الانتخابات البلدية التي فاز فيها الأمير خالد وزملائه في النضال وذلك من طرف مجلس ولاية الجزائر، وكان التبرير لهذا الإلغاء هو "التعصب الإسلامي"...
وفي يوم 2 ماي 1921 شعر الأمير خالد أن كلمته غير مسموعة سواء في المجلس المالي أو المجالس العامة ، وأن الأوربيين في الجزائر ، بالتعاون مع المسلمين المواليين للإدارة الفرنسية ،يتخذون القرارات التي تحلوا لهم بدون مشقة ، وعند تحليله لدور المجلس المالي في حل المشاكل الجزائرية وذلك بصفته عضو منتخب فيه ، قال أننا لا نتوقع أي خير من هذا البرلمان المحلي ... فقام بتقديم استقالته من المجلس المالي و من مجلس المستشارين العامين.)
أشعر بالخجل وأنا أقارن مثل هذه المواقف الحية الصادقة بواقعنا المخزي الرث، ما الذي يمنع السياسيين اليوم من اتخاذ مواقف نبيلة شهمة تتفق مع مبادئهم التي يرددونها على مسامعنا كلما سمحت لهم "الظروف" ..؟ هل يمنعهم الخوف من جبروت السلطة ؟؟ وهل هناك جبروت يضاهي الاستعمار ؟؟ ، أم لعله يمنعهم التواطؤ والخيانة وخوف فضيحة لحس الأصابع و الأيدي من عسل المصالح والامتيازات ، أم يقولون هذه هي السياسة وليس بعد السياسة إلا العنف ...
قل لهم إن السيد فرحات عباس وهو زعيم السياسة السلمية المناهضة للعنف و أول الداعين للاندماج مع فرنسا، لم يسعه وهو يرى مطالبه الإصلاحية تضرب عرض الحائط إلا الانسحاب من المجلس المالي (البرلمان) سنة 1943 ، مما اضطر السلطات الاستعمارية إلى وضعه تحت الاقامة الجبرية...
على كل ، لا أزداد إلا اقتناعا كلما طالعت، أنهم أحسنوا ممارسة السياسة أفضل منا بأشواط.
#عباس #خير #منكم