*بين الحكمة ..والجنون*
في منتصف القرن الماضي ومع مخلفات الحرب العالمية الثانية ..وبعد تجلي الغبار ..اتضحت الأثار ..عن حجم الدمار..الذي آلت إليه المنطقة فقد كانت كارثية بكل المقاييس من مادية وطبيعية ونفسية..
قبل هذا بقليل برزت بوادر بما يسمى حاليا بعلم التحليل النفسي وتجلت حينها ببعض الدراسات والتحليلات من طرف *فرويد* ثم أتمها من بعده طلابه حيث عرفت بعدها بمدرسة وبأسلوب ومنهج علاجي قائم بذاته..كانت قفزة نوعية وهائلة في مجال الطب النفسي والسيكولوجي بعد ما تم استبدال شق الجمجمة أو غرس قضيب فولاذي يخترق الدماغ أو بعض الممارسات من صنف الشعوذة والتدجيل لمعرفة سبب أو تشخيص المصاب بالصرع أو الجنون وكشف أسباب الهستيريا والهلوسة ... كان تعذيب أكثر منه تطبيب وتشخيص ..أتت هذه التحليلات من إعطاء المريض وفتح له المجال للحوار والكلام عبر التداعي الحر ..أو بالتنويم المغناطيسي وتسهيل عملية تفكيك كل ما تم بوحه من أفكار وأسرار لدى المريض أو بتحليل الأوهام والأحلام والكوابيس لدى المعتل النفسي..
ما هو العالم ..وما هي الحقيقة ..هل كل ما نشاهده ناتج عن رؤية حسية ..أم أن الفكر والعقل والسلوك لهم دور الرقابة على كل ما تستقبلهم حواسنا...؟؟؟
...أين هو العالم الأخر من ذكريات وصور وألام ..وأمال ..من أرواح غادرت ..وأيام سافرت ..ضحكات غابت ..وآهات بادت..
ما نحن إن كنا أسرى لتعقيداتنا السيكولوجية و العصبية ..إفرازاتنا الغددية .. أحاسيسنا ..تجليات الصراعات النفسية في ذكرياتنا وحياتنا اليومية ..
- كنت قد تابعت قديما ولازلت كلما أتيحت لي الفرصة أعيد مشاهدة الفيلم الرائع - Shutter Island- للمثل المبدع *ليوناردو دي كابريو* ..الذي يلعب دور المحقق في إختفاء مريضة في جزيرة معزولة بها مستشفى للأمراض العقلية حيث يتضح في الأخير أن * تيدي* المحقق ماهو إلا نزيل في المستشفى ومريض يراد علاجه من مرضه و نوبات صرعه الدائم والهلوسة الناتج عن بعض الذكرايت المرية كونه كان جنديا في الحرب العالمية الثانية وشاهد على بشاعة الجرائم الحرب..كما كان الحادث الأهم والذي لم يستطع الشفاء منه انه قد أقدم على قتل زوجته التي كانت بدورها تعاني من الصرع الذي جعلها تقتل أبنائهم الثلاتة غرقا في البحيرة ..تلك الخطيئة التي لم يغتفرها *تيدي* لنفسه حتى ولو كانت التجارب قد ادت الى شفائه..
في اللقطة الأخيرة يجسد لنا المخرج مدى الصراع القائم في نفس البطل حيث يحاور صديقه ومساعده في كون انه يفضل الموت كرجل صالح على ان يعيش كالوحش ..ذالك الذنب الذي لازمه طيلة بقائه في المستشفى جعله يرفض فكرة شفائه ورضائه بالعلاج الذي سيتم تطبيقه عليه بشق رأسه وتخريب بعض من دماغه..
يقول المثل * خد الحكمة من أفواه المجانين * ..جملة قد تلخص الجدل الحاصل والنقاش الدائم والفاصل بين العقل والجنون ..لا.. بل بين أعلى درجات وأسمى صفات النضج العقلي وهي الحكمة؟؟؟..يقال أيضا أن بين الحكمة والجنون خيط رفيع .يصعب تمييزه ..يبدو أن الإرتقاء والوصول إلى مرحلة الصفاء للعقل والنقاء للروح والعمل على جفاء الهوى وسخاء النفس بالأدب تقود إلى العلى ..قد يبدو جنونا ...هبل ..هوس ..عتها قد يرى..
2م.