ورقة بحث : إبستمولوجيا علم الفلك

0

 الأسس الإبستمولوجية لعلم الفلك في العصر الوسيط:3

 هناك أربعة أسس، يمكن أن تتفاوت في الأهمية،كما يمكن أن تتكامل فيما بينها، تدخل هذه الأسس كمنطلقات، لا يستطيع العقل أن يتجاوزها في تلك الفترة، حيث تتدخل بشكل أو بآخر في كل بحث معرفي، وفي مراحل كل منهج علمي. هذه الأسس هي كالتالي:

1 -  الأساس الميتافيزيقي: لعل أهم هذه الأسس على الإطالق، وهي المبادئ المشتركة بين جميع العلوم، والتي يقبلها العقل بدون برهان لبداهتهً. 

لا يتعلق الأمر هنا بعلم الفلك فحسب، بل نرى أنه لكل علم مبادئ تخصه، يتخذها كنقطة انطالق في دراساته وأبحاثه، غير أن هناك مبادئ واضحة تشترك فيها جميع العلوم و بدو ن استثناء، فإذا كان الوجود يمثل" نظاما" متماسكاً ، يوحد بين جميع اعناصره، فإن هذه النظرة الموضوعية الانطولوجية تنعكس على الذات في عملية توحيدها بين جميع ضروب المعرفة المختلفة، بحيث يدخل الأساس الميتافيزيقي كشرط إبستمولوجي عند تأسيس أي مبحث علمي.

2 - الأساس المنطقي: يمكن النظر إلى هذا الأساس على أنه المنهج القويم الذي يعتد به لتجنب الوقوع في الخطأ من أجل الكشف على الحقيقة الوحيدة المطلقة في أي مبحث. وإذا كانت المواضيع الميتافيزيقية لا تدعمها أي رؤية حسية، فإن المنطق هو السبيل الآمن لتناول مثل هذه المواضيع. 

3 - الأساس التجريبي: وينبني هذا الأساس على المشاهدات الحسية القائمة على قوة الملاحظة ودقتها،

وعادة ما تكون نقطة انطلاق للكثير من النظريات والتأملات الفلسفية.

4 - الأساس الرياضي: ويمكن اختزالًه تحديدا - في ذلك الزمان المتقدم- في الجانب الهندسي، كالحركة في دائرة أو كرة أو خط مستقيم.

لقد آمن فلاسفة اليونان القدامى وفي أعقابهم علماء القرون الوسطى إيمانا راسخا بثلاث نقاط أساسية لا تقبل المناقشة حول المواضيع المتعلقة بالكون وتتمثل هذه النقاط كالتالي:

1 - مركزية الأرض : ومفاد هذه المسلمة أن الأرض هي مركز الكون، ثابتة فيه لا تتحرك أبدا، و أن الكون كله بنجومه وأفالكه وكواكبه يدور من حولها، وأنها هي الجرم الوحيد الذي يحافظ على سكونه الدائم وسط الكون.

2 - ثنائية العالم : ينقسم العالم إلى عاملين اثنين، يختلفان اختالفا جذريا عالم ما فوق القمر وعالم ما تحت القمر؛ العالم الأخير هو عالم التغير، الكون والفساد، عالم الحركات المستقيمة نحو الأعلى بالنسبة للأشياء الخفيفة كالهواء والنار، ونحو الأسفل بالنسبة للأشياء الثقيلة كالتراب والماء. أما عالم ما فوق القمر فهو عالم الخلود والثبات، مادته هي الأثير أو العنصر الخامس وهي مادة تختلف جذريا عن مادة عالم ما تحت القمر. ومعنى هذا أن الابستمولوجيا التي تحكم عالم مافوق القمر تختلف جذريا عن تلك التي تحكم عالم ما تحت القمر.

3 -مبدأ الحركة: تتميز الحركة الخاصة بعالم مافوق القمر بميزتين أساسيتين؛ الأولى أنها حرك الدائرية تماما ، والثانية أنها حركة ثابتة لا تعرف زيادة ولا نقصانا ولا تباطئا و لا عجلة، وأنها هي الحركة الوحيدة الممكنة بالنسبة للكواكب والنجوم.


الأسس الإبستمولوجية للعصر الحديث:

أهتم أوجست كونت بمعالجة علاقة الفلسفة بالعلم , إذ رأى أن على الفلسفة إذا أرادت البقاء الابتعاد عن التأملات الميتافيزيقية وحدد لها وظيفة جديدة تتمثل في دراسة تطور العلوم ومناهجها ونتائجها للوقوف على الأسس المشتركة بين مختلف هذه العلوم الجزئية , فوظيفة الفيلسوف التأملي سابقاً كانت مبررة لعدم وجود تخصص , أما في الحالة الوضعية فعلى الفيلسوف أن يجمع شتات هذه العلوم وفق منهج واحد وهو المنهج الوضعي فالفيلسوف الوضعي يعتبره كونت من فئة العلماء الا أن ما يميزه عنهم كونه لا يبحث في تفصيلات العلوم الجزئية وإنما دوره يتمثل في دراسة عموم العلوم , ولذا يشترط كونت على الفيلسوف الوضعي أن يكون مكوناً تكويناً علمياً كما ينصح العلماء المتخصصين بالاستفادة من دراسات هؤلاء ليتمكنوا من تصحيح نتائجهم الجزئية وبالتالي تنمو المعرفة الإنسانية نمواً عظيماً , تتخلص من الجانب السلبي الذي قد تترتب على تقسيم العلوم .1

لقد أستفاد باشلار كثيراً من هذه الانجازات العلمية ففي سنة 1929 صدر كتابه " القيمة الاستقرائية للنظرية النسبية " حاول فيه أبراز القيم الابستمولوجية الجديدة التي أفرزتها الفيزياء المعاصرة . 

أن أهم ميزة في الفلسفة المعاصرة هي طغيان النزعة التجريبية وتقليص نفوذ المثالية المحضة , حيث تماشت التجريبية مع النظريات الحاصلة في العلم التجريبي في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وحتى في العلوم الإنسانية التي حاولت تقليد خطى العلوم الطبيعية وتطبيق هذه العلوم للرياضيات في دراسة الواقع ومن أبرز رواد الفلسفة التجريبية جون لوك , فرانسس بيكن , وديفيد هيوم , وصولاً الى جون ستيورات مل وهي نزعة معادية للتيار الميتافيزيقي والتي حاولت استبدال الفلسفة بالمنهج العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة فصد الكشف عن العلاقات بين الظواهر دون الاهتمام بالبحث في الغايات وطبائع الاشياء يقول رائد هذه النزعة فرانسس بيكن " ينبغي الا نعزو أية قيمة حقيقية الا للمعرفة العلمية القائمة على الاستقراء التجريب , العلم قوة ينبغي أبعاد البحث عن الغايات خارج النطاق العلمي ".1

تعتبر فلسفة باشلار محاولة للتوفيق بين الافكار والواقع من جهة ودعوة للتحرر من تأثير الواقعية الساذجة والمثالية المطلقة إذ أراد باشلار سدّ الفجوة بين العقل والتجربة والقول بواقع تقني مقاوم للواقعية الساذجة وللمثالية المحضة , العقلانية المطبقة فلسفة متفتحة على الانساق الفلسفية الأُخر , لانها تريد أن تكون فلسفة للعلم المعاصر1

في كتابه " تكوين العقل العلمي " تحدث باشلار عن أبرز العوائق التي حالت الفكر العلمي عن التطور منها :2

(1)عائق التجربة الاولى : 

المعرفة العامية تعتمد على التجربة الحسية وبالتالي فإن الواقع المباشر لايقود الى معرفة علمية والموضوع المباشر الذي تقدمه الحواس يلغي دور العقل في التفكير والنقد ويفرض عليه التصديق الكلي بكل ماتقدمه الحواس , ولذلك فأن التجربة الأولى العائق الأكبر أمام تطور المعرفة العلمية

(2)عائق المعرفة العامة : 

التعميم عقيدة سيطرت على الفكر البشري لمدة طويلة من الزمن في أبان أرسطو (384 ق.م _322 ق,م ) الى أيام روجر بيكون (1214 _1294 )ويرجع باشلار السبب في ذلك الى محاولة الفلاسفة التقليديين تكييف نتائج العلم لما يناسب مذهبهم الفلسفي يقول باشلار "للفلسفة علم خاص بها وحدها هو علم العمومية "

(3)العائق اللفظي :

الفكر "القبل علمي" لا يميز بين المفهوم واللفظ ولا يميز بين الكلمة التي تصلح للتفكير والكلمة القديمة التي تنتمي عصر قديم، وعليه تعتبر العادات اللفظية عوائقاً أبستمولوجية على الفكر العلمي تجاوزها.

(4)عائق المعرفة الموحدة النفعية : 

الفكر القبعلمي فكر موحد , فجميع الموجودات أرجعت الى مبدأ واحد وجميع الموضوعات تفسر بالاعتماد على النظم الوحيد الذي يحكم الطبيعة وجميع التجارب تؤكد هذا النظام وبالتالي أهملت التجارب التي تناقضه.

(5)العائق الجوهراني : 

الموضوع في الفكر القبعلمي جوهر ثابت لا يتغير تحمل عليه الصفات الاساسية والثانوية السطحية والعميقة , تعد الخصائص الاساسية قوائم الجواهر مهما تغيرت الاعراض مثل هذا التفكير تؤكده التجارب المباشرة .

إن الجواهر كنموذج تفسيري عائق متعدد الوجوه الاوجه تقف حائلاً أمام الثقافة العلمية , إن التلاعب بالالفاظ في تسمية الظواهر يرضي الفكر الساذج بسهولة ولفظ " عمق" الجواهر من منظور أبستمولوجي معاصر لايعبر عن العمق فعلاً , بل العكس هو الصحيح فالمعرفة العامة سطحية وليست عميقة.


مراجع:

1- ج, بينوربي " مصادر وتيارات الفلسفة المعاصرة في فرنسا " ترجمة , عبد الرحمن بدوي  ج1, لبنان , بيروت , ط2 , 1980

2- غاستون باشلار، "تكوين العقل العلمي"، ترجمة ، د خليل أحمد خليل، لبنان , بيروت، 1981

3- د. عبد الفتاح سعيدي، " نظرية الأفلاك وإبستمولوجيا العصر الوسيط "، جامعة الوادي، الجزائر، 2020



ورقة بحث : منهج إبن خلدون

0

 بعد أن ضبط "ابن خلدون" حدود المجال الذي يمكن للعقل أن يبحث فيه عن معرفة علمية، نجده يشير إلى الطريقة التي على العقل أن يتبعها في سبيل امتلاك معرفة صحيحة منطقيا وواقعيا، أي أنه تكلم

في منهج معين عبره فقط يستطيع الإنسان أن يكتشف العلوم بالحقائق. يصرح "ابن خلدون" أن المنهج

العلمي هو استقرائي يتبع خصائص الموضوع الذاتية من خلال الملاحظة المباشرة، والخطاب العلمي عنده يكتفي بالتعبير عن "المعاني العينية التي ما تزال الصورة الحسية عالقة بها.

بعد الفحص المعمق انتهى بابن خلدون إلى رفض المنهج السابق قبله واعتباره معرفة غير علمية، بالرغم من أن المنطق الأرسطي كانت له آنذاك مكانة مرموقة في الأوساط المعرفية الإسلامية، ومن انتقدهم هم المتأخرون من فلاسفة الإسلام، وقد أخذ على هؤلاء أنهم يوجهون كل عناياتهم إلى منطق الصورة أو الشكل، إذ يدرسون القضايا من شكلها فقط ويغفلون منطق المادة. "حيث أغفلوا النظر في الكتب الخمسة المتعلقة بمنطق المادة من كتاب أرسطو وهي: البرهان، والجدل والخطابة، والشعر والسفسطة، وهي المعتمد في هذا الفن. 

بدلا من البرهان اعتمد "ابن خلدون" على الاستقراء كمنهج، وظيفة الفكر فيه أن "يتوجه إلى واحد من الحقائق وينظر ما يعرض له لذاته واحد بعد آخر ويتمرن على ذلك، حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقائق ملكة له، فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علما مخصوصا."

وبيان العوارض لا يكون إلا بتتبعها واحدا واحدا كما قال وهذا شأن االستقراء.

منهجية إبن خلدون:

1- الشك والتدقيق والتمحيص

2- الملاحظة المباشرة أو التشخيص المادي

3- أسلوب المقارنة أو منهج البحث المقارن

4- البحث عن الأسباب وربط الأسباب بالمسببات

عتماد "ابن خلدون" على المنهج التحليلي والمنهج الاستقرائي هدفه معرفة القوانين وإدراك العلل والأسباب:

- قانون العلية: أي ربط السبب بالمسبب، حيث سعى إلى التحقق من و جود ارتباط ضروري بين الظواهر الاجتماعية، الذي لا يمكن بدونه فهم استمرار المجتمع وتطوره.

- قانون التشابه: حيث اكتشف "ابن خلدون" أن المجتمعات البشرية كلها تتشابه مع بعض في الوجود الاجتماعي، بسبب الوحدة العقلية للجنس البشري، ووحدة الأصل الإنساني، بالإضافة إلى التقليد الذي قد يكون تقليد الرعية للحاكم أو المغلوب للغالب أو الغالب للمغلوب.

- قانون التباين: حيث يرى "ابن خلدون" أن المجتمعات ليست متماثلة بصفة مطلقة، بل توجد بينها فروق يجب أن يلاحظها المؤرخ، وهي الفروق التي ترجع إلى أسباب جغرافية واقتصادية وسياسية، فمجتمع البدو غير مجتمع الحضر، ومجتمع يقوم على الزراعة وحياة الاستقرار والرخاء غير مجتمع يعاني من الفقر والجدب.


ورقة بحث : التداولية في الدلالة اللغوية والدلالة الإصطلاحية

0

 التداولية مصطلح لساني غربي؛ يعبر عن اتجاه لساني حديث تطور في فترة السبعينات من القرن العشرين؛ يعنى بدراسة اللغة ضمن أسيقتها اللغوية وغير اللغوية. وهذه الدراسة تجتهد في تتبع الدلالة اللغوية والاصطالحية لهذا المصطلح في الثقافة اللسانية الغربية، وكيف انعكس ذلك على الثقافة اللسانية العربية، ترجمة وتعريبا في المصطلح والمفهوم؛ مع الوقوف على عملية الفصل بين التداولية كمنهج لساني، وبين الذرائعية كمذهب فلسفي نفعي.

قوبل المصطلح الأجنبي " PRAGMATICS " بكم هائل من المصطلحات العربية لدرجة التبذير والفوضى، ولكن هيمنةَ التداول كانت من نصيب مصطلح التداولية الذي وظفه الباحثان المغربيان "طه عبد الرحمن و أحمد المتوكل"، أما تعاريف الألسنيين العرب المحدثين فقد جاءت متقاربة لا تخرج عن مجال اللسانيات، وكلها تركز على السياق التخاطبي؛ وبعبارة أدق وأوضح سياق الحال أو المقام، ولذلك وجدنا منهم من يقول التداولية هي: المقامية.

في دلالة الجذراللغوي :

يعود أصل المصطلح الأجنبي "PRAGMATIQUE LA " إلى الكلمة الالتينية "PRAGMATICUS"، ومبناها على الجذر " PRAGMA" ؛ الذي يعني الفعل" ACTION"، وبفعل اللاحقة " TIQUE " صارت تعني كل ما له عالقة بالفعل والتحقق العملي في الواقع، وقبل أن يدخل هذا املصطلح مجال الحقول الفلسفية والأدبية استعمل في المجال القانوني ، وبالتحديد في عبارة "SANCTION PRAGMATIQUE " التي تعني المنشور أو المرسوم الذي يرمي إلى اقتراح حلول نهائية، وقابلة للتطبيق والتحقق في الواقع لقضيةِ  مهمة، ثم وظف هذا المصطلح في مجال العلوم الصرفة، ليدل على كل بحث أو جهد علمي أفضى إلى نتائج قابلة للتطبيق العملي؛ ثم صار يطلق في اللغة المستعملة في عبارات مثل:

هذا تفكير عملي، أو هو شخص عملي واقعي : أي نزاع وميال إلى اقتراح وإيجاد الحلول العملية والواقعية لما قد يطرح من مشاكل وعقبات.1

المفهوم الاصطلاحي للتداولية : 

إنه لمن الصعوبة بمكان الإلمام بتعريف مضبوط ودقيق للتداولية وذلك لألسباب التالية:

 1 - اتساع رقعتها المفهومية بحيث إنها لا تنتمي إلى أي من المستويات اللغوية المعروفة لدى الباحثين ، فهي دراسة فضفاضة، تلقي بظلالها على جميع المستويات.

2 - تعد التداولية ملتقى لكثير من العلوم، في حين أنها لا تقف وتستقر عند أحد منها، فهي تلتقي مع علم الدلالة، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة النفسي، وتحليل الخطاب. 2

لذلك اختلفت تعريفات التداولية حسب التربة التي نشأت فيها، فكل باحث يحاول أن يعرفها وفق الجانب المعرفي الذي يعتمده في بحثه، فتعريف اللغوي يختلف عن تعريف الاجتماعي، وتعريف الأخير يختلف عن تعريف النفساني وهكذا، ولكن السمة الغالبة التي تجمعهم جميعا تهتم بالتواصل والاستعمال الحقيقي للغة، فهي إذن تعاريف غير متضاربة بقدر ما هي متفاوتة من حيث العموم والخصوص، والضبابية والوضوح.

اقترح الباحث اللساني التداولي ليفينسون "LEVINSON "في مؤلفه "PRAGMATICS" مجموعة من التعاريف، سوف نسوق بعضها لنقف على أوجه الاتفاق والاختلاف بينها .

أ - التعريف الأول: التداولية دراسة الاستعمال اللغوي "USAGE LANGUAGE" الذي يقوم به أشخاص لهم معارف خاصة، ووضعية اجتماعية معينة.

ب - التعريف الثاني: التداولية دراسة للمبادئ التي تمكننا من إدراك غرابة بعض الجمل، أو عدم مقبوليتها، أولحنها، أو عدم ورودها في لغة المتكلم.

ج - التعريف الثالث:  دراسة اللغة في إطارها الوظيفي ، أي فهم بنيات اللغة بالاعتماد على العلل والاستدلالات غير اللغوية " NO LINGUISTICS ".

د - التعريف الرابع : "التداولية دراسة للعلاقات بين اللغة والسياق، أو هي دراسة كفاية مستعملي اللغة في ربطهم لها بسياقاتها الخاصة" .

هـ- التعريف الخامس :" التداولية دراسة لظواهر بنية الخطاب اللغوي من تضمينات، واقتضاءات، أو ما يسمى بأفعال اللغة "ACTS SPEACH".3

واضح جدا من التعاريف السابقة أنها تدور بين الدلالة والاستعمال، وعندما أذكر الاستعمال ينضوي تحته حتما عناصره من متكلم ومستمع ، ومقاصد ونوايا، وسياقَ ومقام، وهي كلها متظافرة تسهم في إبراز الدلالة المقصدية،ِ وتجنبنا تفلت المعنى وتظَشيه .

ولكن هذا لا يمنعنا من الوقوف على تلك التعاريف المرتبطة بالتفكير التداولي في أطوار نشأته الأولى، ولعل أول ما يحضرنا هنا هو تعريف الفيلسوف الأمريكي تشارلز موريس " CHARLES MORRIS "، حين استخدم هذا المصطلح عام 1938م.

فالتداولية بحسب موريس: تهتم بدراسة العلامات، حيث تتشابك العلامات اللغوية فيما بينها وفق نظامها الخاص بها، ثم تأتي مرحلة الإحالة على مراجعها ولولا التركيب لما حدثت إحالة؛ وهذه الأخيرة تبقى دلالات فضفاضة و معاني واسعة، حتى إذا انتقلنا بها إلى إطارها التداولي حصلت المقصدية وزالت الاحتمالية.4

الخاتمة:

التداولية مصطلح يكتنفه الكثير من الغموض، والسبب في ذلك ارتباطه بكثير من القضايا المثارة من قبل كثير من الحقول المعرفية، ولذلك جاءت مفاهيمهم مختلفة تبعا لاختلاف المنطلقات الفكرية؛ ومع ذلك نلحظ أن تعريفات اللسانيين الغربيين كلها تركز على الاستعمال، وتنأى باللغة عن تلك الجدالات العقيمة المبتوتة الصلة بسياق التخاطب. 


المراجع:

1- نواري سعودي: في تداولية الخطاب الأدبي، بيت الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر الطبعة الأولى، سنة 2009م، 

2- محمود أحمد نحلة: آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، 2002م

3- إدريس مقبول: الأسس الإبستمولوجية والتداولية للنظر النحوي عند سيبويه، عالم الكتاب الحديث، الأردن، الطبعة األولى، سنة 2006م،

4- محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 2011م

5- مفهوم التداولية  قراءة في المصطلح والمفهوم،عمر بوقمرة، مجلة المدونة، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، 2017م



التداولية في الدلالة اللغوية والدلالة الإصطلاحية 

يتم التشغيل بواسطة Blogger.