ورقة بحث : اشكالية التنوير والحرية عند فولتير

0

 مقدمة:

شهد القرن الثامن عشر ميلاد فجر جديد لأوروبا، تميز بنشوء حركة التنوير، حيث مثلت هذه الحركة نقلة نوعية في مسار القارة العجوز، حملت معها أفكارًا فلسفية وثقافية ثورية، عندما رفضت الموروث القديم وسلطة اللاهوت، فانطلقت شرارة التنوير من إنجلترا، لتنتشر بعد ذلك إلى فرنسا وألمانيا، ومن ثم لتشمل باقي أرجاء أوروبا.

سعى التنويريون إلى تحرير الإنسان من كافة القيود التي كبلته، فكريًا وسياسيًا وعقائديًا، وهدف التنوير إلى بناء عالم جديد يسوده العقل والعلم، بعيدًا عن الخرافات.

كان فولتير (1694-1778) كاتبًا وفيلسوفًا فرنسيًا شهيرًا عاش خلال عصر التنوير. اشتهر بنقده اللاذع للمؤسسات الدينية والسياسية من خلال كتاباته الساخرة، ودفاعه عن الحريات المدنية مثل حرية التعبير وحرية العقيدة، ساهمت أفكاره التنويرية في تمهيد الطريق للثورة الفرنسية، ونال لقب "أبو التنوير" لتأثيره الكبير على الفكر الأوروبي.

فكيف عالج فولتير مشكلة التنوير والحرية ؟

وماهي أشكال الحرية التي دافع عنها؟ 


المبحث الأول:

1- العقلانية عند فولتيرومنهج التفكير العلمي:

شكّلت العقلانية ركيزة أساسية لفكر فولتير التنويري. فقد اعتقد أنّ العقل هو المصدر الوحيد للمعرفة الصحيحة، وأنّه يجب الاعتماد على المنطق والتجربة في تقييم الأفكار والمعتقدات. رفض فولتير أيّ شكل من أشكال التسلط الديني أو السياسي، ودافع عن حرية الفكر والنقاش المفتوح.

كان فولتير من أشدّ المؤيدين لمنهج التفكير العلمي. فقد دعا إلى استخدام الملاحظة والتجربة لفهم العالم الطبيعي، ورفض الاعتماد على التفسيرات الخرافية أو الدينية. كما آمن بأهمية العلوم في تحسين حياة البشرية.

عارض فولتير بشدة التعصب والدوغمائية، واعتقد أنّها تعيق التقدّم الفكريّ وتُعيق البحث عن الحقيقة. فقد دعا إلى التسامح الفكريّ ومُناظرة الأفكار المختلفة بحرية.

2- نقده للسلطة الدينية والسياسية ودفاعه عن الحرية: 

كان فولتير من أشدّ منتقدي السلطتين الدينية والسياسية في عصره. فقد رأى فيهما قوىً ظالمةً تقمع حرية الفكر وتُعيق التقدم، حيث ندد بشدةٍ بالتعصب الديني الذي كان سائدًا في عصره، ورأى فيه سببًا للحروب والصراعات الدينية. ودعا إلى التسامح الديني واحترام حرية المعتقد، كما هاجم بشدةٍ الكنيسة الكاثوليكية، ورأى فيها مؤسسةً فاسدةً تستغلّ الدين لتحقيق مصالحها الخاصة. كما انتقد بشدةٍ عقائد الكنيسة مثل الخلاص والآخرة.

اعتبر فولتير العقل هو أداة الإنسان الوحيدة للوصول إلى الحقيقة، ورفض الاعتماد على الوحي أو السلطة الدينية في تفسير الأمور، عارض فولتير بشدةٍ نظام الحكم الملكي المطلق الذي كان سائدًا في عصره، ورأى فيه نظامًا ظالمًا يُقيد حرية الأفراد. ودعا إلى نظام حكمٍ جمهوريٍ يُشارك فيه الشعب في الحكم، كما انتقد التفاوت الطبقي الكبير الذي كان سائدًا في عصره، ودعا إلى إقامة مجتمعٍ أكثر عدالةً ومساواةً.

دعا فولتير كذلك إلى احترام حقوق الإنسان الأساسية، مثل حرية التعبير وحرية التجمع وحرية العقيدة.


المبحث الثاني: 

1- مفهوم الحرية الفردية عند فولتير:

يُعدّ فولتير من أبرز المدافعين عن الحريات الفردية في عصر التنوير. اعتبر أنّ هذه الحريات حقوق طبيعية للبشر، نابعة من العقل ومصالحهم، بعد نفيه من فرنسا أعجب فولتير بنظام الحكم في إنجلترا، حيث تتمتع الحريات الفردية باحترام كبير، مما دفعه للدفاع عن تطبيق نفس المبادئ في بلاده.

أسس فلسفة فولتير حول الحريات الفردية:

الحريات الفردية حقوق طبيعية: يرى فولتير أنّ الحريات الفردية ليست منحة من الحاكم أو سلطة دينية، بل هي حقوق طبيعية للبشر نابعة من فطرتهم وعقولهم.

الحريات الفردية شاملة وعامة: تُطبق هذه الحريات على جميع أفراد المجتمع دون تمييز، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية.

حرية الإرادة أساس الحريات الفردية: يُؤمن فولتير بحرية الإرادة، أي قدرة الإنسان على الاختيار والتصرف دون قيود. هذه الحرية هي أساس الحريات الفردية الأخرى، مثل حرية التعبير وحرية المعتقد وحرية العمل.

2- أنواع الحريات الفردية التي ركز عليها فولتير:

حرية التعبير: دافع فولتير عن حرية التعبير دون قيود، حتى لو تضمنت آراء مخالفة أو انتقادات للسلطة.

الحرية الاقتصادية: نادى فولتير بحرية الملكية الخاصة وحقّ الفرد في ممارسة نشاطه الاقتصادي دون تدخل من الدولة.

الحرية الشخصية: دافع فولتير عن حقّ الفرد في الأمان الشخصي وحريته من الاعتقال التعسفي أو المعاملة القاسية.

نادى الفيلسوف الفرنسي بحريّة الرأي، وبالفكر المتسامح والمتعدّد، ضدّ الفكر الأحاديّ المستبدّ. ولذلك أشاد بالنموذج الإنكليزي الذي منح الحرّيات للمواطنين، بينما كان الفرنسيّون، آنذاك، ما زالوا محرومين منها.


الخاتمة:

كان فولتير، أحد أهمّ رموز عصر التنوير، ناضل بقلمه وفكره من أجل التنوير والحرية. آمن فولتير بقدرة العقل على هدم الخرافات والأوهام، وبناء عالمٍ يسوده التسامح والعدالة.

اعتبر فولتير أنّ الحرية شرط أساسيّ لالتنوير، فهي تُتيح للناس التفكير بحرية والتعبير عن آرائهم دون خوفٍ من القمع أو الاضطهاد. رفض فولتير السلطة الدينية والسياسية المطلقة، ودافع عن حقوق الإنسان والحرية الفردية.

واجه فولتير العديد من التحديات في سعيه لنشر أفكاره، فقد تعرّض للسجن والنفي والملاحقة. 

ترك فولتير إرثًا فكريًا هائلاً أثرّ في العديد من المفكرين والفلاسفة الذين جاؤوا بعده.  فأفكاره حول التنوير والحرية لا تزال ذات صلة إلى يومنا هذا،  خاصة في ظلّ التحديات التي تواجهها الديمقراطية والحريات الفردية في العديد من أنحاء العالم.


يتم التشغيل بواسطة Blogger.