التأويل الرمزي عند أفلوطين

0

 يعد أفلوطين (205-270م) أحد أبرز فلاسفة الباطنية في العصر القديم، وقد أثرت أفكاره بشكل كبير على الفلسفة الإسلامية والمسيحية. ومن أهم أفكاره تأويله الرمزي للظواهر الطبيعية والثقافية، والذي يعد أحد العناصر الأساسية في فلسفته.

يمكن إرجاع التأويل الرمزي في التراث الأفلاطوني إلى أفلاطون نفسه، فقد كان يؤمن بأن العالم المادي هو صورة للعالم المثالي، وأن الموجودات الحسية هي تعبيرات عن الموجودات المعنوية. وقد تأثر أفلاطون في هذا الرأي بأستاذه سقراط، الذي كان يؤمن بأن الأشياء المادية هي مجرد ظلال للأشياء الحقيقية.

وقد تطور التأويل الرمزي في الفلسفة الأفلاطونية المتأخرة، حيث أصبح أكثر وضوحًا ودقة. فقد رأى أفلوطين أن العالم المادي هو تعبير عن العالم الإلهي، وأن الموجودات الحسية هي تجليات للوجود الإلهي.

تأويل أفلوطين الرمزي الذي حظي هذا التأويل باهتمام كبير من قبل الباحثين والمفكرين، نظراً لما يتمتع به من عمق وسعة، وبما يمثله من مساهمة مهمة في تاريخ الفكر الإنساني.

ويستند تأويل أفلوطين الرمزي إلى أساسين رئيسيين: الأول هو إيمانه بوحدة الوجود، والثاني هو اعتقاده بأن العالم المادي هو صورة للعالم المثالي.

وبناءً على هذين الأساسين، فإن أفلوطين يرى أن العالم المادي هو عالم رمزي، وأن كل شيء فيه يرمز إلى شيء آخر في العالم المثالي.

وهكذا، فإن تأويل أفلوطين الرمزي هو تأويل باطني، يسعى إلى كشف المعنى الخفي للأشياء.


مفهوم الرمزية عند أفلوطين:

يرى أفلوطين أن الرمزية هي وسيلة للوصول إلى الحقيقة الباطنية الكامنة وراء الظاهر. فالرمز هو تعبير عن شيء ما غير مرئي أو غير معروف، ولكنه يشير إليه بطريقة غير مباشرة. ولذلك، فإن التأويل الرمزي هو عملية كشف للحقيقة الباطنية الكامنة وراء الرمز.

ويرى أفلوطين أن الرمزية هي تعبير عن وحدة العالم، حيث أن كل شيء في العالم يرتبط ببعضه البعض بطريقة ما. فالرمز هو تعبير عن هذه الوحدة، حيث أنه يربط بين ظاهر الشيء وباطنه، وبين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والكون. 

العناصر الأساسية للتأويل الرمزي عند أفلوطين :

يمكن إجمال العناصر الأساسية للتأويل الرمزي عند أفلوطين في النقاط التالية:

وحدة الوجود: ينطلق أفلوطين من إيمانه بوحدة الوجود، أي أن كل شيء في العالم ينتمي إلى وحدة واحدة. وهذا يعني أن العالم المادي هو جزء من العالم المثالي، وأن كل شيء فيه يرمز إلى شيء آخر في العالم المثالي.

الصورة والمثال: يعتقد أفلوطين أن العالم المادي هو صورة للعالم المثالي، أي أن كل شيء في العالم المادي هو انعكاس لشيء آخر في العالم المثالي. وهذا يعني أن كل شيء في العالم المادي يرمز إلى شيء آخر في العالم المثالي.

التشابه: يعتقد أفلوطين أن هناك تشابهًا بين العالم المادي والعالم المثالي، أي أن هناك صفات مشتركة بين الاثنين. وهذا يعني أن كل شيء في العالم المادي يرمز إلى شيء آخر في العالم المثالي، من خلال التشابه بينهما.

الرمزية: يعتقد أفلوطين أن كل شيء في العالم المادي هو رمز، أي أنه يشير إلى شيء آخر. وهذا يعني أن كل شيء في العالم المادي يمكن تفسيره على أنه رمز لشيء آخر في العالم المثالي.

أنواع الرمزية عند أفلوطين:

قسم أفلوطين الرمزية إلى ثلاثة أنواع:

الرمز الطبيعي: وهو الرمزي الذي ينشأ بشكل طبيعي، دون تدخل الإنسان. ومثال ذلك: الشمس والقمر والنجوم، والتي ترمز إلى الآلهة عند قدماء المصريين.

الرمز الفني: وهو الرمزي الذي ينشئه الإنسان بشكل فني، مثل الشعر والأساطير والحكايات. ومثال ذلك: قصص الفصول الأربعة في الأساطير اليونانية، والتي ترمز إلى دورة الحياة.

الرمز الديني: وهو الرمزي الذي يستخدم في الدين، مثل الكتاب المقدس والأحاديث النبوية. ومثال ذلك: قصص الأنبياء في القرآن الكريم، والتي ترمز إلى رحلة الإنسان إلى الله.

يرى أفلوطين أن الإنسان هو رمز للعالم الروحي. فمثلاً، يرى أن العقل هو رمز للإله، وأن الروح هي رمز للعالم المثالي، وأن الجسد هو رمز للعالم المادي.

ويعتقد أفلوطين أن معرفة هذه الرموز تساعد الإنسان على فهم نفسه، وبالتالي الوصول إلى الحقيقة الباطنية.

أمثلة على التأويل الرمزي عند أفلوطين:

قدم أفلوطين العديد من الأمثلة على التأويل الرمزي في أعماله، ومن أبرز هذه الأمثلة ما يلي:

الشمس: يرى أفلوطين أن الشمس هي رمز للإله الواحد، وأن نورها هو رمز للنور الإلهي.

النار: يرى أفلوطين أن النار هي رمز للروح، وأن لهيبها هو رمز لقوة الروح.

الماء: يرى أفلوطين أن الماء هو رمز للجسد، وأن تدفقه هو رمز للتبدل والتحول في العالم المادي.

الأرض: يرى أفلوطين أن الأرض هي رمز للعالم المادي، وأن ترابها هو رمز لكثافة العالم المادي.


الخاتمة:

يتمتع التأويل الرمزي عند أفلوطين بأهمية كبيرة، وذلك لعدة أسباب، منها:

أنه يسهم في فهم العالم المادي: يساعد التأويل الرمزي على فهم العالم المادي من خلال كشف المعنى الخفي للأشياء. أنه يسهم في التوصل إلى الحقيقة: يساعد التأويل الرمزي على التوصل إلى الحقيقة، من خلال كشف المعنى الحقيقي للأشياء. أنه يسهم في تطوير الفكر الإنساني: يساعد التأويل الرمزي على تطوير الفكر الإنساني، من خلال تقديم منظور جديد للعالم.

يعد تأويل أفلوطين الرمزي أحد أهم جوانب فكره الفلسفي، وقد حظي هذا التأويل باهتمام كبير من قبل الباحثين والمفكرين، نظراً لما يتمتع به من عمق وسعة، وبما يمثله من مساهمة مهمة في تاريخ الفكر الإنساني.


المراجع:

أفلوطين: فلسفة وحدة الوجود، تأليف: عبد الرحمن بدوي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1970.

أفلوطين: فلسفة الوحدانية، تأليف: محمد يوسف نجم، دار المعارف، القاهرة، 1973.

الرمزية عند أفلوطين، د. محمد عبد السلام تاج، دار الثقافة، القاهرة، 1993.

الفلسفة الأفلاطونية، د. يوسف كرم، دار المعارف، القاهرة، 1960.. 


التأويل الرمزي عند أفلوطين

إبستمولوجيا علم الفلك

0

 الأسس الإبستمولوجية لعلم الفلك في العصر الوسيط:3

 هناك أربعة أسس، يمكن أن تتفاوت في الأهمية،كما يمكن أن تتكامل فيما بينها، تدخل هذه الأسس كمنطلقات، لا يستطيع العقل أن يتجاوزها في تلك الفترة، حيث تتدخل بشكل أو بآخر في كل بحث معرفي، وفي مراحل كل منهج علمي. هذه الأسس هي كالتالي:

1 -  الأساس الميتافيزيقي: لعل أهم هذه الأسس على الإطالق، وهي المبادئ المشتركة بين جميع العلوم، والتي يقبلها العقل بدون برهان لبداهتهً. 

لا يتعلق الأمر هنا بعلم الفلك فحسب، بل نرى أنه لكل علم مبادئ تخصه، يتخذها كنقطة انطالق في دراساته وأبحاثه، غير أن هناك مبادئ واضحة تشترك فيها جميع العلوم و بدو ن استثناء، فإذا كان الوجود يمثل" نظاما" متماسكاً ، يوحد بين جميع اعناصره، فإن هذه النظرة الموضوعية الانطولوجية تنعكس على الذات في عملية توحيدها بين جميع ضروب المعرفة المختلفة، بحيث يدخل الأساس الميتافيزيقي كشرط إبستمولوجي عند تأسيس أي مبحث علمي.

2 - الأساس المنطقي: يمكن النظر إلى هذا الأساس على أنه المنهج القويم الذي يعتد به لتجنب الوقوع في الخطأ من أجل الكشف على الحقيقة الوحيدة المطلقة في أي مبحث. وإذا كانت المواضيع الميتافيزيقية لا تدعمها أي رؤية حسية، فإن المنطق هو السبيل الآمن لتناول مثل هذه المواضيع. 

3 - الأساس التجريبي: وينبني هذا الأساس على المشاهدات الحسية القائمة على قوة الملاحظة ودقتها،

وعادة ما تكون نقطة انطلاق للكثير من النظريات والتأملات الفلسفية.

4 - الأساس الرياضي: ويمكن اختزالًه تحديدا - في ذلك الزمان المتقدم- في الجانب الهندسي، كالحركة في دائرة أو كرة أو خط مستقيم.

لقد آمن فلاسفة اليونان القدامى وفي أعقابهم علماء القرون الوسطى إيمانا راسخا بثلاث نقاط أساسية لا تقبل المناقشة حول المواضيع المتعلقة بالكون وتتمثل هذه النقاط كالتالي:

1 - مركزية الأرض : ومفاد هذه المسلمة أن الأرض هي مركز الكون، ثابتة فيه لا تتحرك أبدا، و أن الكون كله بنجومه وأفالكه وكواكبه يدور من حولها، وأنها هي الجرم الوحيد الذي يحافظ على سكونه الدائم وسط الكون.

2 - ثنائية العالم : ينقسم العالم إلى عاملين اثنين، يختلفان اختالفا جذريا عالم ما فوق القمر وعالم ما تحت القمر؛ العالم الأخير هو عالم التغير، الكون والفساد، عالم الحركات المستقيمة نحو الأعلى بالنسبة للأشياء الخفيفة كالهواء والنار، ونحو الأسفل بالنسبة للأشياء الثقيلة كالتراب والماء. أما عالم ما فوق القمر فهو عالم الخلود والثبات، مادته هي الأثير أو العنصر الخامس وهي مادة تختلف جذريا عن مادة عالم ما تحت القمر. ومعنى هذا أن الابستمولوجيا التي تحكم عالم مافوق القمر تختلف جذريا عن تلك التي تحكم عالم ما تحت القمر.

3 -مبدأ الحركة: تتميز الحركة الخاصة بعالم مافوق القمر بميزتين أساسيتين؛ الأولى أنها حرك الدائرية تماما ، والثانية أنها حركة ثابتة لا تعرف زيادة ولا نقصانا ولا تباطئا و لا عجلة، وأنها هي الحركة الوحيدة الممكنة بالنسبة للكواكب والنجوم.


الأسس الإبستمولوجية للعصر الحديث:

أهتم أوجست كونت بمعالجة علاقة الفلسفة بالعلم , إذ رأى أن على الفلسفة إذا أرادت البقاء الابتعاد عن التأملات الميتافيزيقية وحدد لها وظيفة جديدة تتمثل في دراسة تطور العلوم ومناهجها ونتائجها للوقوف على الأسس المشتركة بين مختلف هذه العلوم الجزئية , فوظيفة الفيلسوف التأملي سابقاً كانت مبررة لعدم وجود تخصص , أما في الحالة الوضعية فعلى الفيلسوف أن يجمع شتات هذه العلوم وفق منهج واحد وهو المنهج الوضعي فالفيلسوف الوضعي يعتبره كونت من فئة العلماء الا أن ما يميزه عنهم كونه لا يبحث في تفصيلات العلوم الجزئية وإنما دوره يتمثل في دراسة عموم العلوم , ولذا يشترط كونت على الفيلسوف الوضعي أن يكون مكوناً تكويناً علمياً كما ينصح العلماء المتخصصين بالاستفادة من دراسات هؤلاء ليتمكنوا من تصحيح نتائجهم الجزئية وبالتالي تنمو المعرفة الإنسانية نمواً عظيماً , تتخلص من الجانب السلبي الذي قد تترتب على تقسيم العلوم .1

لقد أستفاد باشلار كثيراً من هذه الانجازات العلمية ففي سنة 1929 صدر كتابه " القيمة الاستقرائية للنظرية النسبية " حاول فيه أبراز القيم الابستمولوجية الجديدة التي أفرزتها الفيزياء المعاصرة . 

أن أهم ميزة في الفلسفة المعاصرة هي طغيان النزعة التجريبية وتقليص نفوذ المثالية المحضة , حيث تماشت التجريبية مع النظريات الحاصلة في العلم التجريبي في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وحتى في العلوم الإنسانية التي حاولت تقليد خطى العلوم الطبيعية وتطبيق هذه العلوم للرياضيات في دراسة الواقع ومن أبرز رواد الفلسفة التجريبية جون لوك , فرانسس بيكن , وديفيد هيوم , وصولاً الى جون ستيورات مل وهي نزعة معادية للتيار الميتافيزيقي والتي حاولت استبدال الفلسفة بالمنهج العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة فصد الكشف عن العلاقات بين الظواهر دون الاهتمام بالبحث في الغايات وطبائع الاشياء يقول رائد هذه النزعة فرانسس بيكن " ينبغي الا نعزو أية قيمة حقيقية الا للمعرفة العلمية القائمة على الاستقراء التجريب , العلم قوة ينبغي أبعاد البحث عن الغايات خارج النطاق العلمي ".1

تعتبر فلسفة باشلار محاولة للتوفيق بين الافكار والواقع من جهة ودعوة للتحرر من تأثير الواقعية الساذجة والمثالية المطلقة إذ أراد باشلار سدّ الفجوة بين العقل والتجربة والقول بواقع تقني مقاوم للواقعية الساذجة وللمثالية المحضة , العقلانية المطبقة فلسفة متفتحة على الانساق الفلسفية الأُخر , لانها تريد أن تكون فلسفة للعلم المعاصر1

في كتابه " تكوين العقل العلمي " تحدث باشلار عن أبرز العوائق التي حالت الفكر العلمي عن التطور منها :2

(1)عائق التجربة الاولى : 

المعرفة العامية تعتمد على التجربة الحسية وبالتالي فإن الواقع المباشر لايقود الى معرفة علمية والموضوع المباشر الذي تقدمه الحواس يلغي دور العقل في التفكير والنقد ويفرض عليه التصديق الكلي بكل ماتقدمه الحواس , ولذلك فأن التجربة الأولى العائق الأكبر أمام تطور المعرفة العلمية

(2)عائق المعرفة العامة : 

التعميم عقيدة سيطرت على الفكر البشري لمدة طويلة من الزمن في أبان أرسطو (384 ق.م _322 ق,م ) الى أيام روجر بيكون (1214 _1294 )ويرجع باشلار السبب في ذلك الى محاولة الفلاسفة التقليديين تكييف نتائج العلم لما يناسب مذهبهم الفلسفي يقول باشلار "للفلسفة علم خاص بها وحدها هو علم العمومية "

(3)العائق اللفظي :

الفكر "القبل علمي" لا يميز بين المفهوم واللفظ ولا يميز بين الكلمة التي تصلح للتفكير والكلمة القديمة التي تنتمي عصر قديم، وعليه تعتبر العادات اللفظية عوائقاً أبستمولوجية على الفكر العلمي تجاوزها.

(4)عائق المعرفة الموحدة النفعية : 

الفكر القبعلمي فكر موحد , فجميع الموجودات أرجعت الى مبدأ واحد وجميع الموضوعات تفسر بالاعتماد على النظم الوحيد الذي يحكم الطبيعة وجميع التجارب تؤكد هذا النظام وبالتالي أهملت التجارب التي تناقضه.

(5)العائق الجوهراني : 

الموضوع في الفكر القبعلمي جوهر ثابت لا يتغير تحمل عليه الصفات الاساسية والثانوية السطحية والعميقة , تعد الخصائص الاساسية قوائم الجواهر مهما تغيرت الاعراض مثل هذا التفكير تؤكده التجارب المباشرة .

إن الجواهر كنموذج تفسيري عائق متعدد الوجوه الاوجه تقف حائلاً أمام الثقافة العلمية , إن التلاعب بالالفاظ في تسمية الظواهر يرضي الفكر الساذج بسهولة ولفظ " عمق" الجواهر من منظور أبستمولوجي معاصر لايعبر عن العمق فعلاً , بل العكس هو الصحيح فالمعرفة العامة سطحية وليست عميقة.


مراجع:

1- ج, بينوربي " مصادر وتيارات الفلسفة المعاصرة في فرنسا " ترجمة , عبد الرحمن بدوي  ج1, لبنان , بيروت , ط2 , 1980

2- غاستون باشلار، "تكوين العقل العلمي"، ترجمة ، د خليل أحمد خليل، لبنان , بيروت، 1981

3- د. عبد الفتاح سعيدي، " نظرية الأفلاك وإبستمولوجيا العصر الوسيط "، جامعة الوادي، الجزائر، 2020



منهج إبن خلدون

0

 بعد أن ضبط "ابن خلدون" حدود المجال الذي يمكن للعقل أن يبحث فيه عن معرفة علمية، نجده يشير إلى الطريقة التي على العقل أن يتبعها في سبيل امتلاك معرفة صحيحة منطقيا وواقعيا، أي أنه تكلم

في منهج معين عبره فقط يستطيع الإنسان أن يكتشف العلوم بالحقائق. يصرح "ابن خلدون" أن المنهج

العلمي هو استقرائي يتبع خصائص الموضوع الذاتية من خلال الملاحظة المباشرة، والخطاب العلمي عنده يكتفي بالتعبير عن "المعاني العينية التي ما تزال الصورة الحسية عالقة بها.

بعد الفحص المعمق انتهى بابن خلدون إلى رفض المنهج السابق قبله واعتباره معرفة غير علمية، بالرغم من أن المنطق الأرسطي كانت له آنذاك مكانة مرموقة في الأوساط المعرفية الإسلامية، ومن انتقدهم هم المتأخرون من فلاسفة الإسلام، وقد أخذ على هؤلاء أنهم يوجهون كل عناياتهم إلى منطق الصورة أو الشكل، إذ يدرسون القضايا من شكلها فقط ويغفلون منطق المادة. "حيث أغفلوا النظر في الكتب الخمسة المتعلقة بمنطق المادة من كتاب أرسطو وهي: البرهان، والجدل والخطابة، والشعر والسفسطة، وهي المعتمد في هذا الفن. 

بدلا من البرهان اعتمد "ابن خلدون" على الاستقراء كمنهج، وظيفة الفكر فيه أن "يتوجه إلى واحد من الحقائق وينظر ما يعرض له لذاته واحد بعد آخر ويتمرن على ذلك، حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقائق ملكة له، فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علما مخصوصا."

وبيان العوارض لا يكون إلا بتتبعها واحدا واحدا كما قال وهذا شأن االستقراء.

منهجية إبن خلدون:

1- الشك والتدقيق والتمحيص

2- الملاحظة المباشرة أو التشخيص المادي

3- أسلوب المقارنة أو منهج البحث المقارن

4- البحث عن الأسباب وربط الأسباب بالمسببات

عتماد "ابن خلدون" على المنهج التحليلي والمنهج الاستقرائي هدفه معرفة القوانين وإدراك العلل والأسباب:

- قانون العلية: أي ربط السبب بالمسبب، حيث سعى إلى التحقق من و جود ارتباط ضروري بين الظواهر الاجتماعية، الذي لا يمكن بدونه فهم استمرار المجتمع وتطوره.

- قانون التشابه: حيث اكتشف "ابن خلدون" أن المجتمعات البشرية كلها تتشابه مع بعض في الوجود الاجتماعي، بسبب الوحدة العقلية للجنس البشري، ووحدة الأصل الإنساني، بالإضافة إلى التقليد الذي قد يكون تقليد الرعية للحاكم أو المغلوب للغالب أو الغالب للمغلوب.

- قانون التباين: حيث يرى "ابن خلدون" أن المجتمعات ليست متماثلة بصفة مطلقة، بل توجد بينها فروق يجب أن يلاحظها المؤرخ، وهي الفروق التي ترجع إلى أسباب جغرافية واقتصادية وسياسية، فمجتمع البدو غير مجتمع الحضر، ومجتمع يقوم على الزراعة وحياة الاستقرار والرخاء غير مجتمع يعاني من الفقر والجدب.


يتم التشغيل بواسطة Blogger.